دعوات تغيير نظام الحكم تدق أبواب تونس

دعوات تغيير نظام الحكم تدق أبواب تونس


08/12/2020

برغم مرور ست سنوات على انطلاق العمل بدستور 2014، الذي ينص في مضامينه على إعطاء صلاحيات واسعة للبرلمان في تشكيل الحكومات وطريقة منحها الثقة، مقابل حصر صلاحيات رئاسة الجمهورية في ملفات الدفاع والخارجية والأمن القومي، إلا أنّ مطالب تغيير النظام السياسي الحالي ما انفكت تشغل الرأي العام التونسي كلّما اشتدت الأزمات في تونس.

اقرأ أيضاً: هل تخلق احتجاجات تونس أزمة ثقة بين الرئيس والشارع؟

عددٌ كبير من قياديي الأحزاب والمتابعين للشأن العام التونسي يرون أنّ النظام السياسي المعتمد حالياً يعد من أبرز أسباب أزمة إدارة البلاد وتعطل مصالح الدولة نتيجة التجاذبات السياسية، ويطالبون بضرورة تكريس نظام سياسي جديد يمنح صلاحيات أكثر لرئيس الجمهورية.

تجدد الدعوات في تونس لتغيير النظام السياسي

مطالب تصطدم في كلّ مرةٍ بعدم رغبة البعض في منح صلاحيات أكبر لرئيس الجمهورية، معتبرين أنّ هذه المطلب ليست إلا مدخلاً لعودة الديكتاتورية، ومحاولة للرجوع إلى النظام الرئاسي وتغول سلطة الرئيس من جديد.

تونس تغرق في الأزمات

تعيش تونس منذ أسابيع على وقع احتجاجات متصاعدة في مختلف أنحاء البلاد، تطالب بالتنمية والوظائف وتحسين الخدمات الاجتماعية. وأكدت إحصائية حديثة صادرة عن المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية أنّ نسق الاحتجاجات الاجتماعية شهد ارتفاعاً بنسبة 16% خلال تشرين الأول (أكتوبر) الماضي.

اقرأ أيضاً: حركة النهضة التونسية والعودة إلى السيناريوهات المكشوفة

وأعلنت عدة نقابات وتنسيقيات عمالية جهوية شن سلسلة من الإضرابات؛ تنديداً بالأوضاع الاجتماعية والمهنية المزرية، وسياسة "المماطلة" التي تنتهجها حكومة هشام.

 وسعياً منه لاحتواء هذا الغضب الشعبي، دعا المشيشي إلى تنظيم حوار وطني اقتصادي واجتماعي وإطلاق حوار على المستوى الجهوي والإقليمي بهدف تحديد مشاريع التنمية الجهويّة وتنفيذها بالشراكة مع المجتمع المدني، مشيراً إلى أنّ هذا الحوار سيتمحور حول تعزيز وتوسيع منظومة الأمن الاجتماعي والإصلاحات والخيارات الاقتصادية الكبرى، التّي تؤمن بالقيمة الفرديّة للكفاءات التونسيّة.

مطالب تغيير النظام السياسي انفجرت إثر الأزمة السياسية الأخيرة التي أدت إلى استقالة رئيس الحكومة إلياس الفخفاخ وتكليف هشام المشيشي خلفاً له

من جهتها، قررت نقابة الصحفيين الدخول في سلسلة من التحركات الاحتجاجية بداية من اليوم، تنديداً بما وصفته بسياسة المماطلة التي تمارسها الحكومة في تفعيل الاتفاقات المشتركة، بهدف تحسين وضعية الصحفيين.

كما ويعيش مرفق القضاء شللاً تاماً منذ نحو أسبوع؛ بسبب الإضراب العام المفتوح الذي أقرته كل من نقابة وجمعية القضاة التونسيين، تنديداً بتجاهل الحكومة مطالبهم الاجتماعية والمهنية، وظروف العمل "الكارثية" داخل المحاكم.

بسبب تتالي الأزمات: تونسيون يطالبون بتغيير نظام الحكم

وكان المشيشي قد أوضح في مؤتمر صحفي مطلع الشهر الماضي، أنّ الوضع الاقتصادي الذي تعيشه تونس حالياً صعب جداً وغير مسبوق، مضيفاً أنّ البلاد لم تعرف أبداً أزمة اقتصادية واجتماعية بالعمق الذي تعيشه حالياً.

اقرأ أيضاً: حركة النهضة التونسية تُصعد من مناوراتها لإرباك العمل الحكومي

هذه الأزمة، في نظره، ناتجة عن تراكمات لسنوات طويلة، مشيراً إلى أن تونس لم تتمكن من إرساء منوال اقتصادي يعطي الأمل للتونسيين، ويمكن أن يخرجها من الصعوبات الاقتصادية التي واجهتها منذ سنة 2011، وهو ما يعكس ارتفاع نسبة البطالة وإقبال الشباب على الهجرة.

وطالب المشيشي البنك المركزي بالتدخل مباشرة من أجل تمويل عجز ميزانية الدولة لسنة 2020، مشددا على أنّ الدولة لم تدخل بعد رحلة الإفلاس وهي ملتزمة بدفع ديونها وبتوفير أجور الموظفين، رغم صعوبة الوضع المالي.

تغيير النظام السياسي لإنقاذ البلاد

مطالب تغيير النظام السياسي انفجرت إثر الأزمة السياسية الأخيرة التي أدت إلى استقالة رئيس الحكومة إلياس الفخفاخ وتكليف خلف له بتشكيل الحكومة، حين أكد نور الدين الطبوبي أمين عام اتحاد الشغل (أكبر منظمة شغيلة في تونس) على "ضرورة مراجعة النظام البرلماني وذلك بسبب الأزمة السياسية الحادة التي تعيشها البلاد، مع تنامي الصراعات بين مختلف مكونات المشهد، التي لم تنتج سوى مزيد من التطاحن السياسي"، مطلب دعمته العديد من الأحزاب للخروج من الأزمة السياسية.

اقرأ أيضاً: تونس.. لماذا ترفض عبير موسي الحوار مع الإخوان؟

وتجدد هذا المطلب إثر الانفجار الاجتماعي، والغضب الشعبي الذي تعيشه تونس مؤخراً، إذ يرى المطالبون به أنّ النظام شبه البرلماني الحالي أضر بالدولة التونسية، وسبّب تضارباً بين رؤوس السلطة (رئاسة الدولة، ورئاسة الحكومة ورئاسة البرلمان) وعدم تنسيق بينها، ما أسفر عن عدم الفعالية في اتخاذ القرارات السياسية، وعدم اتباع منهجية واستراتيجية واضحتين على المستوى السياسي والاقتصادي والاجتماعي.

أمين عام حزب التيار الشعبي زهير حمدي، لـ"حفريات": معاناة تونس نتيجة النظام السياسي الفاسد الذي فُرض على الشعب والمتمثل في السلطات المشتتة

وقد دعا أمين عام حزب التيار الشعبي زهير حمدي، في تصريحه لـ"حفريات"، إلى ضرورة  تغيير شامل وعميق للنظام السياسي والانتخابي باعتبار أنّ المعاناة التي تمر بها البلاد اليوم نتيجة النظام السياسي الفاسد الذي فُرض على الشعب التونسي والمتمثل في السلطات المشتتة، إلى جانب النظام الانتخابي "الفاسد"، الذي أفرز طبقة سياسية فاسدة تتحكم في المشهد.

زهير حمدي.. أمين عام حزب التيار الشعبي

واعتبر حمدي أنّ الوضع في تونس وصل إلى مرحلة خطيرة، ملاحظاً أنّ الوضع الاقتصادي والاجتماعي اليوم يمر بأسوأ حالاته، إضافة إلى انسداد الأفق السياسي وشلل كل القطاعات.

اقرأ أيضاً: حركة النهضة تواجه مصيراً مهجولاً.. ما سيناريوهات المستقبل لإخوان تونس؟

كذلك شدّد الحزب الدستوري الحر المعارض دعوته إلى تغيير النظام السياسي، مؤكداً أنّ فشل النظام الحالي أدى إلى تشتت القرار السياسي وتضاربه بين 3 محاور كبرى تحاول التحكم بدفة القيادة وهي البرلمان والحكومة ورئاسة الجمهورية.

وأعربت رئيسة الحزب عبير موسي عن رفضها للنظام السياسي والانتخابي الحالي، قائلة إنّها تدعم نظاماً رئاسياً معدلاً تكون للرئيس فيه صلاحيات تعيين الحكومة والمصادقة عليها دون الرجوع إلى البرلمان.

محاولات العودة إلى الدكتاتورية

ويرى النائب عن حركة النهضة، المدافعة عن النظام الحالي، فتحي العيادي، أنّ المرحلة التي تمر بها البلاد حالياً ليست مرحلة الدعوة إلى تغيير النظام السياسي، معتبراً أنّ هذه الدعوات غير مثمرة، هدفها الدفع بالساحة التونسية نحو مزيد التأزم، وإطالة الأزمة الاجتماعية والاقتصادية، بدل البحث عن حلول تنموية جدية.

فتحي العيادي.. نائب عن حركة النهضة

وقال العيادي في تصريحه لـ"حفريات"، إنّ ما تشكو منه تونس ليس النظام السياسي، بل النظام الانتخابي الذي لم يفرز أغلبية تستطيع أن تحكم، وأنّ هذا النظام يحتاج إلى مراجعة، مرجحاً إمكانية تغييره خلال المدة النيابية الحالية.

من جانبه، اعتبر الأستاذ في العلوم السياسية ورئيس مركز تونس لحقوق الإنسان إبراهيم العمري أنّ الدعوات التي تظهر كلّ فترةٍ وتطالب بتغيير النظام السياسي ليس لها أي أساس في القانون الدستوري، لأنّ النظام الذي اختاره الدستور منذ العام 2014، برلماني يقوم على الفصل بين السلطات الثلاث، لكن الرئيس ليست له صلاحيات النظام الرئاسي وأنّ أغلبها لدى رئيس الحكومة.

اقرأ أيضاً: خبراء تونسيون يكشفون أسباب فشل الحوار بين الفرقاء في ليبيا

ووصف العمري في حديثه لـ"حفريات"، نظام الحكم التونسي بـ"النموذجي"، وهو نظام معمول به لدى الدول الديمقراطية المتقدمة، لكن دول العالم الثالث التي تعودت على الدكتاتورية لسنوات طويلة تحن إلى النظام التسلطي ونظام الفرد الواحد، لأنّهم سئموا في هذه المدة القصيرة (منذ 2014) الديمقراطية واختاروا العودة إلى نظام كانوا يستفيدون منه.

ولفت العمري إلى أنّ من يطالبون بتغيير النظام السياسي، هم في الحقيقة يستعجلون العودة إلى نظام رئاسي لإقصاء طرفٍ سياسي، مشيراً إلى أنّ هذه الدعوات مجرّد إستراتيجيات صراع سياسي بين خصوم سياسيين.

وتعتمد تونس منذ عام 2014، بعد صدور الدستور الجديد على النظام البرلماني المعدل، الذي يُسمى أيضاً بالنظام شبه برلماني، الذي يمنح صلاحيات واسعة للبرلمان تتعلق بالتشريع ومنح الثقة للحكومة وسحبها منها، كما منحه صلاحية مراقبة أعمال الحكومة ومساءلتها.

وأسند هذا النظام السياسي لرئاسة الحكومة كل الصلاحيات التنفيذية، فيما منح لرئيس الجمهورية صلاحيات محدودة تتلخص في ضبط السياسات العامة في الدفاع والأمن القومي والعلاقات الخارجية، وتولي القيادة العليا للقوات المسلحة ورئاسة مجلس الأمن القومي.

الصفحة الرئيسية