دراسة تحلل بنية خطاب الإسلاموفوبيا.. ماذا عن مستقبل الظاهرة في ظل التغيرات الدولية؟

دراسة حديثة تحلل بنية خطاب الإسلاموفوبيا.. ماذا عن مستقبل الظاهرة في ظل التغيرات الدولية؟

دراسة تحلل بنية خطاب الإسلاموفوبيا.. ماذا عن مستقبل الظاهرة في ظل التغيرات الدولية؟


19/09/2023

تناولت دراسة حديثة صادرة عن مركز "تريندز للبحوث والاستشارات" خطاب الإسلاموفوبيا، من حيث تناميه ونشأته وأسباب وأماكن تواجده، والمكونات المغذية للظاهرة، والآليات التي تستهدف ترسيخ هذه الظاهرة في نفوس الكثير من الغربيين، ومستقبل الظاهرة، واقتراح مجموعة من الإجراءات الوقائية لمكافحة الإسلاموفوبيا.

ووفقاً للدراسة، فإنّ مجابهة خِطاب الإسلاموفوبيا تتم من الغربيين أنفسهم، لأنّ "خِطاب الكراهية" يُؤزّم المجتمعات الغربية التي بها عدد كبير من الجاليات المسلمة، مثل فرنسا وبلجيكا وألمانيا وسويسرا والولايات المتحدة الأمريكية، كما أنّ رؤيتنا للغرب والعلمانية ما زالت محكومة بتصوّرات موروثة تُلقي الصراعات في الشرق الأوسط بظلالها على الفهم واستخلاص النتائج، وفق الدراسة التي تشير مثلاً إلى أنّ "العلمانية" و"الاستشراق" و"الأنثروبولوجيا" و"الغرب"، وغيرها من المفاهيم، متلبِّسة بالسياقات التاريخية والحضارية وبسمَة التعميم في بعض الكتابات العربية، فالعِلْمانيّة مثلاً في فرنسا وعلاقتها بالدّين عموماً تختلف عن علمانية سويسرا وبلجيكا وألمانيا، وقِسْ على ذلك مفهوم الغرب والحداثة وما بعد الحداثة، إضافة إلى عدم التمييز بين مراحل وتطور الرؤية للإسلام والمسلمين في الخطاب والإعلام الغربيين ما قبل حادثة 11 أيلول (سبتمبر) وما بعدها، ومن هنا تحاول الدراسة تحليل بنية خِطاب الإسلاموفوبيا وتطوّره، والسؤال عن المكوِّنات المعرفية والتاريخية والاستشراقية لهذا الخطاب، وما مستقبل الإسلاموفوبيا في ظل التغيرات الدولية الجديدة؟

تنامى خِطاب الإسلاموفوبيا، وفق الدراسة، بسبب صُعود الشعبويات الحزبية والتنظيمية في الانتخابات الغربية في الـ (10) أعوام الأخيرة، وهي شعبوية تغترف من الهُويّة والذاكرة والتاريخ، وتختلف عن حالة الرّهاب الآسيوي الذي يجد في الأديان ملاذه لمجابهة الإسلام والمسلمين كأقليّات، وفي الإعلام قد تحضُر الذاكرة والدّين والقومية في خطابات الخوف والتخويف من تزايد المسلمين المهاجرين، كما يركّز الإعلام على ربْط الإرهاب بالإسلام والمسلمين، وهو بذلك يُقولِب الوجدان الغربي والعالمي حسب أهدافه المباشرة وغير المباشرة، فتناول بعض البلدان الغربية لقضايا الإرهاب خصوصاً في بلدان الساحل الأفريقي، يتمّ التركيز فيه على الجماعات الدينية المتطرفة التي تتبنّى تأويلاً للإسلام، ويغفل الجوع والفقر والاقتتال القبلي والإثني والصراع على المساحات الرّعوية، وكلّها عوامل تتسبب في قتل الآلاف في بعض البلدان الأفريقية أكثر من الإرهاب الديني.

استمرار وتجدّد مكوّنين أساسيين في الإسلاموفوبيا؛ المكوّن الأول هو تأويل التاريخ والذّاكرة الذي يُغذّي ويقوّي هذه الفُوبيا، والثاني برز بعد 11 سبتمبر

ورصدت الدراسة استمرار وتجدّد مكوّنين أساسيين في الإسلاموفوبيا، امتداً لـ (6) قرون (منذ سقوط غرناطة إلى اليوم) هما:

المكوّن الأول: هو تأويل التاريخ والذّاكرة الذي يُغذّي ويقوّي هذه الفُوبيا، ويكون ذلك في مجال البحث العلمي وبعض تيارات الاستشراق، وفي الدعاية والإعلام، ونجده حتّى في الفنون مثل السينما والآداب وألعاب الأطفال، ويَحضر هذا التّأويل في الأزمات السياسية بين بعض البلدان (بين تركيا وفرنسا) (الجزائر وفرنسا) (الهند وباكستان)، وهذا يستدعي تقصّي تأويل الذاكرة والتاريخ ولا علمية هذا التّأويل في بعض المراحل، وكيف أنّ المنهجيات الجديدة في العلوم الاجتماعية والإنسانية تكون عاملاً لعلاج "الذاكرة المريضة" والتوجّه نحو "ذاكرة سعيدة" أو "ذاكرة تعايش".

أمّا المكوِّن الثّاني الذي برز بالخصوص بعد 11 أيلول (سبتمبر)، فهو انتشار بعض الـتأويلات للمسيحية، ومنها ما تقوم به الإنجيلية الجديدة في الولايات المتحدة الأمريكية، التي تُعيد نشر بعض الخيال عن القيامة ونهاية العالم بما يخدم أجندات سياسية، وقد دعّمت الطوائف الإنجيلية الجديدة بعض رؤساء الولايات المتحدة الأمريكية، وتتواجد في محافل سياسية، كما تقوم بعملية تبشير في بلدان أفريقية وآسيوية. إنّ هذا التأويل الجديد للدّين في العالم، والذي يجد سنده في الوسط اليميني المتطرف والعداء للأجانب، يغفل الحقائق العلمية والتطورات الجديدة في منهجيات التاريخ وعلم الأديان ومقارنتها ونتائج بحوث العلوم الاجتماعية والإنسانية، ويمكن هنا قرتءة الخلفية الدينية التي تفضِّلها الإنجيلية الجديدة، وتقوم باستدعاء مواقف ونصوص من التاريخ.

مجابهة خِطاب الإسلاموفوبيا يتم من الغربيين أنفسهم، لأنّ "خِطاب الكراهية" يُؤزّم المجتمعات الغربية التي بها عدد كبير من الجاليات المسلمة

وأكدت الدراسة أنّ ظاهرة الإسلاموفوبيا جاءت نتيجة تراكمات تاريخية لطبيعة العلاقة بين الغرب والإسلام، وقد شهدت هذه العلاقة في بداياتها صدامات استغلتها بعض القوى في نسج صورة ذهنية غير سليمة عن المسلمين والعرب، وسعت هذه القوى إلى إدماج العامل الديني دائماً في أيّ خلافات أو صدامات بين الجانبين الغربي والإسلامي.

وتفيد معطيات تاريخ العلاقة بين الشعوب والمجتمعات والثقافات أنّ أشدّ أنماط التّأزم على مستوى العلاقات تكون حين يكون الباعث على العداء وعدم التفاهم هو الاعتقاد الديني أو إحياء ذاكرة العداء والشّقاق، فمفاعيل الاختلاف قد تكون أنفذ وأقوى كلما احتلّ العامل الديني مكانة معتبرة في النظام الاجتماعي والسياسي، أو تمّ استدعاء التاريخ والذاكرة من أجل المغالبة السياسية والمصالح.

أمّا عن تيار الاستشراق وتأثيره بخطاب الإسلاموفوبيا، فقد أوضحت الدراسة أنّه إذا أردنا أن نقرأ الذاكرة والتاريخ في صناعة الصّور الذهانية تجاه الآخر المسلم، فيمكن أن يتم ذلك من خلال الميراث الاستشراقي بالخصوص، فالاستشراق لم يكن كلّه نظاماً من الفكْر مُوحّداً؛ فهناك تيار الاستشراق العلمي وتيار الاستشراق الإيديولوجي، "ومع وجود هذا التراث الضخم من الاستشراق، خاصة من الموضوعي والمنصِف، سيظلّ من العسير القول إنّ الوعي الغربي تحرّر من تأثيرات تلك التمثلات الموروثة، وتلك الصُّور النمطية التقليدية عن العرب والإسلام، ليس فقط في دائرة الرأي العام، بل حتى في أوساط النُّخب العِلمية والثقافية".

أكدت الدراسة أنّ ظاهرة الإسلاموفوبيا جاءت نتيجة تراكمات تاريخية لطبيعة العلاقة بين الغرب والإسلام

ولفتت الدراسة إلى أنّ المستشرقين كانوا متخصّصين، ويمضُون عُمرهم في التكوين منذ جيل أنطون إسحق سيلفستر دو ساسي في نهاية القرن الـ (18) حتى منتصف التسعينيات، وكانت موضوعات المستشرقين هي علوم الإسلام من تفسير وفقه وأصول، أمّا الخبراء اليوم، فاهتمامهم بالظاهرة الحزبية الدينية وأسماء قادتها وخطابهم، دون فهم سليم ومتخصص للعلوم الإسلامية في قرونها الأولى، ويستمع الغرب إلى هؤلاء الخبراء؛ الأمر الذي يعزّز من ترسيخ الكثير من التمثلات المغلوطة عن الإسلام والعرب والصُّور المنمَّطة عنهم.

الخلافات التاريخية بين الغرب والمسلمين كانت بمثابة الأساس الذي نتجت عنه ظاهرة الإسلاموفوبيا. وقد تم وضع مجموعة من الآليات التي تستهدف ترسيخ هذه الظاهرة في نفوس الكثير من الغربيين، ومن بين هذه الآليات ما يلي:

آليّة الإغراق: وهي عبارة عن تقديم معلومات مكثّفة ومنتقاة في الإعلام الغربي تُظهر المسلم على أنّه إرهابي، ويمثّل الشّر، ومصدر التهديد القادم.

آليّة الحصار: وهي عبارة عن فرض وجبة إعلامية ذات مضمون واحد في كلّ مصادر الأخبار، تروي وجهة النظر الغربية من الأحداث مع تنويعات شكليّة.

خِطاب الإسلاموفوبيا تنامى بسبب صُعود الشّعبويات الحزبية والتنظيمية في الانتخابات الغربية، وهي شعبوية تغترف من الهُويّة والذاكرة والتاريخ

آليّة الاختزال: وهي عبارة عن اختزال لفظ "الإرهاب" في معنى الشّر المطلق أو الشيطان الوارد في الكتاب المقدّس، ثم الحديث في الإعلام للتأثير على العاطفة الدينية، أنّ الإرهابي اليوم هو ما تحدّثت عنه النصوص المسيحية، وأنّ المسلمين والإسلام مصدر الإرهاب (الشّر).

آليّة الشّحن الانفعالي: تتضمن هذه الآلية تشويه الصورة الحقيقية، وتفجير مشاعر الخوف، وتحريك الانفعالات الناتجة عن الشعور بالتهديد، وبالتالي تعطيل عمليات النقد والمقارنة والتحليل.

آليّة الإبهار: وتقوم على إبهار المتلقي الغربي من خلال بلاغة الصورة ومؤثرات الصوت وتقنيات التكبير والتركيز والترميز والمزج والإسقاط والسرعة في نقل الخبر وطريقة تقديمه.

بالاضافة إلى آليّة التّعميم: وتذهب إلى عدم التمييز بين المسلمين وسلوكياتهم السياسية والاجتماعية، وبين الإسلام كدين، الذي يتمّ الإحالة إليه على أنّه يحضّ على العنف والعدوان ودعم الإرهاب.

هذا، وذكرت الدراسة أكثر الذين ربطوا بين الإسلام والإرهاب؛ وهم الكاتب الأمريكي برنارد لويس صاحب نظرية "التّفكيك وتسْخين الأزمات"، وإيمانويل سيفان في كتابه: "الإسلام الراديكالي"، وبنجامين بربار في كتابه: "الجهاد في مواجهة عالم ماك"، ومارتن كريمر: "الصّحوة العربية والإحياء الإسلامي: سياسة الأفكار في الشرق الأوسط".

 اعتبرت الدراسة أنّ التطرّف الغربي في مواقفه تجاه الإسلام والمسلمين والمهاجرين، هو تَطرف سياسي واجتماعي وثقافي

أمّا عن مستقبل ظاهرة الإسلاموفوبيا، فقد اعتبرت الدراسة أنّ التطرّف الغربي في مواقفه تجاه الإسلام والمسلمين والمهاجرين، هو تَطرف سياسي واجتماعي وثقافي، يجسّده اليمين المتطرف والإسلاموفوبيا من خلال المتخيّل والصدام والصراع في ظلّ النّيوليبرالية الجديدة، ومنذ أحداث 11 أيلول (سبتمبر) يُصرّ الإعلام الغربي على ربط الإرهاب والتطرف بالإسلام والمسلمين، وكانت مجابهته للإرهاب وحروبه في المنطقة العربية والإسلامية والأفريقية تتسِّم بعنف اعتمد على التصورات الدينية والتاريخية والرمزية، وتستخدم تِرسانة من المصطلحات الدينية التي تذكر بتاريخ الحروب الصليبية، كما ذكرنا آنفاً.

وأظهرت الدراسة غياب الردع القانوني في بعض البلدان الغربية ضد الكراهية للإسلام والتمييز، بل إنّ بعض القوانين التي تصدرها بعض الدول، ومنها فرنسا، من أجْل مجابهة واجتثاث التّطرف الديني، تنعكس سلباً على التجمعات المسلمة المهاجرة وحرياتها وخصوصيتها، ممّا يزيد من الاحتقان والتطرف.

 خطاب الإسلاموفوبيا سيستمرّ بالوتيرة نفسها، بل إنّ المتوقع زيادة جرعاته وقوّته في الإعلام، خاصة أنّ آليات مكافحته القانونية والسياسية والثقافية غير كافية حتى الآن

ويعمل الخطاب الإسلاموفوبي على استثمار واستغلال وسائل التواصل الاجتماعي في نشر شعبويته وكراهيته للأجانب والدين والرموز الدينية، ولذلك كلما كانت القوانين صارمة بخصوص مراقبة المحتويات وحجب ما يدعو إلى الكراهية والعنف والتمييز، كانت الخسارة الشعبية لليمين المتطرف والتيارات الشعبوية التي تغذّي خطاب الإسلاموفوبيا.

في ضوء هذه العوامل، يبدو أنّ خطاب الإسلاموفوبيا سيستمرّ بالوتيرة نفسها، بل إنّ المتوقع زيادة جرعاته وقوّته في الإعلام، خاصة أنّ آليات مكافحته القانونية والسياسية والثقافية غير كافية حتى الآن، كما أنّ معضلة الخطاب الديني المتطرف والجماعات المسلحة باسم الإسلام ومفاهيم "الخلافة"، و"الولاء للدين لا للوطن"، وإقامة "الدولة الإسلامية"، وغيرها...، ما زالت تُشكّل مخزوناً فكرياً وإيديولوجياً لحركات دينية تنشط في أوروبا، وتشكّل عامل إعاقة للمُواطنة وإدماج المهاجرين والأقليات المسلمة في بلدانهم الأوروبية.

واقترحت الدراسة مجموعة من الآليات الوقائية لمكافحة الإسلاموفوبيا؛ وهي:

تعزيز خطاب ديني معتدل متسامح يحلّ الإشكال بين مفهوم "الولاء للدين" و"الولاء للوطن"، واعتبار "المواطنة" مقصداً دينياً من أجل تحقيق السلم والتعايش والطمأنينة، والتأكيد على أهمية حقوق الإنسان والحريّات الأساسية في مكافحة الإرهاب، واستخدام معاهدات الأمم المتحدة الحالية بشأن الحريات الدينية وحرية التعبير، وحظر التمييز العنصري، وتقديم مشاريع قوانين لمكافحة الإسلاموفوبيا على غرار مشروع "مكافحة الإسلاموفوبيا الدولية"، وتأسيس مراصِد للإسلاموفوبيا على مستوى وزارات الخارجية، بالإضافة إلى مراجعة المناهج الدراسية التي تدعو إلى العنصرية والكراهية والتمييز، أو تحيي الضغائن وتستثمر في العداء التاريخي بين الأديان والشعوب، بالإضافة إلى وضع مزيد من القوانين لتطهير محتويات وسائل التواصل الاجتماعي والإعلام من خطاب الكراهية والعداء للأجانب.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية