
تؤكد دراسة صادرة عن دار العربي للنشر أن عملية الاستشراف المستقبلي تعد بطبيعتها صعبة ومعقدة، خاصة عندما يتعلق الأمر بشبكة جهادية ممتدة من عينة “القاعدة”، حيث يتطلب ذلك الوقوف على الوضع الراهن لـ”تنظيم القاعدة الرئيسي” والفروع القاعدية، وتقييم حدود تأثير غياب أيمن الظواهري بهذا الخصوص.
ويرى أستاذ العلوم السياسية بجامعة زايد في الإمارات الدكتور حسنين توفيق إبراهيم، كاتب الدراسة، أن “شبكة القاعدة” لن تندثر بسهولة والحرب ضدها سوف تكون طويلة، ويقول “لم تنقطع ظاهرة التنظيمات الجهادية الإرهابية عن العالم العربي والإسلامي منذ ستينات القرن العشرين.
وبحسب ما أوردته الدراسة، التي نقلتها صحيفة "العرب" اللندنية، فإنه "إذا كانت هناك تنظيمات جهادية قد اندثرت بسبب الضربات الأمنية التي استهدفتها، أو نتيجة لقيامها بمراجعات فقهية وفكرية دفعتها إلى التخلي عن نهج التطرف والعنف والانخراط في العمل الدعوي والاجتماعي أو العمل السياسي من خلال القنوات الشرعية، إلا أن هناك تنظيمات جديدة ظلت تظهر، وهكذا.
كما أن هناك تنظيمات حافظت على استمراريتها، في مقدمتها “تنظيم القاعدة”، الذي يعود تاريخ نشأته إلى أواخر ثمانينات القرن العشرين. وقد أسهم هذا التنظيم في عولمة الحركة الجهادية الإرهابية، حيث نفذ هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001، وتحول إلى شبكة جهادية إرهابية منتشرة في عديد من الدول والمناطق، وبخاصة في آسيا وأفريقيا والشرق الأوسط.
ويضيف حسنين أن الجدل الأكاديمي والسياسي حول مستقبل “القاعدة” ظل يتجدد من فترة إلى أخرى، وبخاصة في أعقاب التطورات والأحداث الكبرى في مسيرته، وكان آخرها مقتل الظواهري في 31 يوليو 2022.
أهم العوامل التي تساعد على استمرارية “شبكة القاعدة” هو استمرار الأزمات البنيوية الحادة والمتزامنة التي تعاني منها الدول التي تنشط فيها الفروع القاعدية
هذا وخلصت الدراسة إلى أن “تنظيم القاعدة الرئيسي” أو “التنظيم – الأم” كما يسميه البعض سوف يستمر في حالة تراجع واضمحلال وربما يندثر، ولكن “شبكة القاعدة”، التي تضم إلى جانب “التنظيم الرئيسي” الفروع القاعدية التابعة له في آسيا وأفريقيا والشرق الأوسط سوف تحافظ على استمراريتها تحت راية “القاعدة” كاسم وعلامة بارزة في ساحة الجهادية العالمية الإرهابية. وهذا لا ينفي بالطبع أنه قد يضعف هذا الفرع أو ذاك من فروع “القاعدة” أو حتى يندثر، إلا أن ذلك لا يعني ضعف أو اندثار جميع الفروع.
واعتبرت الدراسة أن عدم إعلان “تنظيم القاعدة الرئيسي” عن مقتل الظواهري، ومن ثم عدم الإعلان عن خليفة له حتى الآن (مايو 2024) إنما يكشف عن المأزق الكبير الذي يعانيه التنظيم، لاسيما وأن “حركة طالبان” أعلنت رسميا عدم علمها بوجوده على أراضي أفغانستان، وعدم عثورها على جثته في المنزل الذي تم استهدافه من جانب الولايات المتحدة في العاصمة كابول.
وإذا صحت التقارير بشأن تولى سيف العدل قيادة التنظيم خلفا للظواهري، فإنه لن يتمكن من إحيائه مجددا، وذلك لأسباب عديدة في مقدمتها أن حكومة “طالبان” لن تسمح للتنظيم بالتمدد داخل أفغانستان مرة أخرى، لأنها دفعت ثمنا باهظا لذلك من قبل، حيث كلفها وجود أسامة بن لادن و”القاعدة” في أفغانستان الإطاحة بحكمها في عام 2001، وفق لما أوردته الدراسة.
ويشير حسنين إلى أن أهم العوامل التي تساعد على استمرارية “شبكة القاعدة” هو استمرار الأزمات البنيوية، الحادة والمتزامنة، التي تعاني منها الدول التي تنشط فيها الفروع القاعدية، والتي تمثل بيئة ملائمة بالنسبة إليها. فهي في معظمها دول تعاني – بدرجات متفاوتة وأشكال مختلفة – من الضعف والهشاشة والفشل.