
طارق ديلواني
أثار نفي جماعة الإخوان في الأردن علاقتها بالموقوفين في الخلية الإرهابية التي أعلنت المخابرات العامة تفكيكها أخيراً تساؤلات في شأن مدى التماسك الداخلي للتنظيم، وتصارع تيارات متشددة أو غير منضبطة في صفوفها، بخاصة بعد سلسلة التراجعات السياسية التي تعرضت لها الجماعة في العقد الأخير.
وأقر جميع الموقوفين خلال التحقيقات بانتمائهم للجماعة، وهو ما لم تنكره القيادة، لكنها سارعت إلى توصيف أفعالهم بأنها فردية ولا تمثل الجماعة، في محاولة منها لإعادة التموضع في المشهد الداخلي، بعد أعوام من تعثر مشروعها السياسي.
نفوذ تيار "حماس"
ويصف مراقبون هذا الموقف بأنه مناورة للتنصل السياسي، بينما يؤكد آخرون وجود أيدولوجيات داخلية متصارعة في الجماعة وتحديداً ما بات يعرف بـ"تيار حماس"، الذي يعتقد أنه يتمتع بتأثير ونفوذ قويين داخل بعض البنى التنظيمية للجماعة، ويتهم بدفع بعض العناصر نحو خيارات أكثر تصعيداً، مما يشير إلى احتمالية وجود انقسامات داخلية آخذة في التشكل بين جناح إصلاحي يسعى إلى التماهي مع الدولة، وآخر أكثر تشدداً.
وشهدت الجماعة منذ عام 2000 صعود تيار موال لحركة "حماس" ومتأثر بها وبتجربتها في غزة من حيث المزج بين العمل السياسي والعسكري، في مقابل تيار ينادي بتبني الهم الأردني والانفصال تماماً عن الحركة.
لكن تيار "حماس" تمكن من تحقيق غلبة تنظيمية، فسيطر على عدد كبير من فكر وتوجه العناصر الشابة في التنظيم، ممن يشعرون بأن الخطاب الرسمي للجماعة في الأردن بات "مهادناً" ولا يحمل أي مشروع سياسي حقيقي، وتسبب في تراجع نفوذ الجماعة في البرلمان والنقابات وحتى الشارع.
وبحسب مطلعين على الشأن الحركي للجماعة، فإن تيار "حماس" لا يتماهى بالضرورة مع توجهات القيادة التاريخية للجماعة التي اختارت في السنوات الأخيرة خطاباً أقل صدامية وأكثر براغماتية في التعامل مع الدولة، بل ينظر إليه باعتباره من أسباب التأزيم الداخلي الذي تعانيه الجماعة منذ فترة.
هل هناك أزمة داخلية
وكانت الجماعة سارعت إلى إصدار بيان تنأى فيه بنفسها، وتؤكد أن ما حدث لا يعبر عن منهجها، وهو ما ترك الباب مفتوحاً أمام تفسيرات تقول إن ثمة أزمة داخلية مؤجلة تعيشها الجماعة وحالة من الانقسام التنظيمي بين الداخل والخارج منذ ما يعرف بالربيع العربي، بدليل تواصل بعض المتهمين من أفراد الخلية مع قيادات خارجية في التنظيم.
في حين وجدت السلطات الأردنية نفسها أمام اختبار حقيقي لكيفية إدارة العلاقة مع جماعة تقول تقديرات غير رسمية إنها تحظى بتعاطف ومناصرة نحو مليون أردني، وبتمثيل وزان في البرلمان.
ويعكس رد فعل جماعة الإخوان توجهات القيادات التاريخية التي لا ترغب في قطيعة كاملة مع الدولة، وإبداء المرونة والانفتاح على الحوار، إلا أن عدم توجيه إدانة صريحة لأفعال الخلية يشير إلى وجود تيار متشدد في الجماعة.
وهنا تقول مصادر لـ"اندبندنت عربية" أن ثمة خلافاً ضمنياً بين جماعة الإخوان كمرجعية أيديولوجية، وبين حزب جبهة العمل الإسلامي كواجهة سياسية، في كيفية التعامل مع الأزمة، إذ بدت لهجة وخطاب الحزب مختلفين عن الجماعة في البيان الذي أصدر لمحاولة احتواء الأزمة من دون تقديم تنازلات صريحة، مع إبقاء هامش المناورة مفتوحاً في المشهد السياسي الأردني.
تغيير قواعد الاشتباك
إلى ذلك تتصاعد مؤشرات قوية على وجود تغير لافت في قواعد الاشتباك الرسمي مع الجماعة، في حال الاكتفاء بتقليم أظافرها من دون اللجوء إلى خيارات أكثر تصعيداً.
فالخطاب الرسمي ضد الجماعة أصبح أكثر مباشرة على غير العادة، ومثل قفزة في اللهجة الحكومية، من المهادنة إلى الإدانة، وتمثل ذلك بتوجيه القضية مباشرة إلى محكمة أمن الدولة.
ويعتقد مراقبون أن هذه القضية ستؤثر في مستقبل الجماعة القانوني والسياسي، مما قد يؤدي إلى تراجع شعبيتهم وتمثيلهم في الانتخابات المقبلة، فضلاً عن انقسامات داخلية في الجماعة والحزب بصورة قد تؤدي إلى تغيير البنية التنظيمية.
تاريخياً شهدت العلاقة بين جماعة الإخوان والحكومات المتعاقبة سلسلة من الأزمات والاعتقالات، وصولاً إلى قرار حلها.
ففي عام 1994 بدأت العلاقة بين "الإخوان" والحكومة تشهد توترات، بسبب مواقف الجماعة من اتفاق وادي عربة للسلام مع إسرائيل ومعارضتها لها.
وعام 2006 اعتقل عدد من أعضاء الجماعة بتهم تتعلق بالتحريض على العنف والمشاركة في أنشطة غير قانونية، وفي عام 2010 قامت الحكومة الأردنية بحل مجلس شورى الجماعة، بينما شهد عام 2015 انقساماً داخلياً واسعاً، إذ قامت مجموعة من الأعضاء بتأسيس جمعية الإخوان المسلمين، وتبع ذلك نزاعات قانونية حول ملكية المقار والعقارات.
في العام الذي يليه 2016 أغلقت السلطات الأردنية المقر الرئيس للجماعة في عمان بالشمع الأحمر، بدعوى أن الجماعة غير مرخصة.
وفي نهاية المطاف عام 2020 أصدرت محكمة التمييز الأردنية قراراً بحل الجماعة، لعدم تصويب أوضاعها القانونية.
حظر أم تقليم أظافر
يتحدث الكاتب والمحلل السياسي حسين الرواشدة حول مصير جماعة الإخوان بعد ضبط الخلية الإرهابية، متسائلاً إن كانت الدولة الأردنية ستفك ارتباطها بصورة نهائية مع الجماعة، وتفعل الحكم الصادر في حقها من محكمة التمييز عام 2020 باعتبارها غير مرخصة، أم أن المسألة ستبقى في إطار "التكتيك" السياسي لمحاولة ضبط الحركة، وتقليم أظافرها السياسية، وإعادتها لبيت الطاعة، مرجحاً تنحيتها عن المشهد العام وعدم السماح لها بممارسة نشاطاتها، من دون أن تدرج علناً على قوائم الإرهاب أو حظرها نهائياً إلى حين اتخاذ إجراءات سياسية وإدارية ربما تكون متدرجة.
ويضيف الرواشدة، "الجماعة مسؤولة عما جرى، سياسياً وأخلاقياً في الأقل، وإذا كان لا علم لها به فهي مخترقة، وربما تكون ثمة جماعة أخرى داخل الجماعة، وتتكتم عليها".
ويصف الكاتب إبراهيم غرايبة الإخوان بأنها "جماعة اختطفت منذ سنوات طويلة لمصلحة جماعة أخرى ليست أردنية"، مضيفاً أن "الجماعة لم تكن منذ عام 1954 جماعة وطنية تلتزم بقوانين الدولة وسيادتها، ثم ازدادت غلواً وانفصالاً ومفاصلة منذ عام 1972".
الغرايبة الذي كان أحد أعضاء هذه الجماعة سابقاً يؤكد أنها كانت ترى نفسها أمة مميزة من دون سواها، ليست ملزمة بقوانين الدولة واحترام مؤسساتها، فلم تجد حاجة إلى مراجعة أو محاسبة نفسها.
مقاربة إخوانية
يؤكد المدير التنفيذي لمركز إستراتيجيكس للأبحاث حازم الضمور أن ضبط الخلية الأخيرة، يكشف عن ازدواجية مقاربة الإخوان تجاه الأردن، التي تتمثل باستغلال سياسة الدولة الناعمة تجاههم، لممارسة ضغوطهم عليها بالحشد والتشكيك في أوقات الاضطرابات والتوترات الإقليمية.
ويعتقد الضمور أن ثمة غياباً للخطوط الفاصلة ما بين فكر الجماعة وموروثاتهم الأدبية وخطاباتهم وبين التطرف والإرهاب، ولجوء الجماعة أو أفراد منها إلى استخدام السلاح والعنف ضد الدولة والمجتمع.
لكن نفي الجماعة، وتوصيفها ما جرى بأنه "عمل فردي"، لم يوقف الجدل حول مسؤوليتها، بل أثار تساؤلات أعمق حول وجود تيارات متشددة داخلها، إذ لم تكن قضية الخلية الإرهابية الأخيرة الأولى من نوعها، إذ سبقتها في مايو (أيار) الماضي 2024 محاولة أخرى عرفت بقضية التفجيرات وجرى إحباطها قبل تنفيذها، مما قد يشير إلى نمط متكرر من حيث الأهداف والدوافع.
تيارات وانشقاقات
يمكن تلخيص سردية الانشقاقات في "الإخوان" الأم بمراحل تاريخية عدة، إذ شهدت الجماعة منذ تأسيسها عام 1945 سلسلة من الانقسامات الداخلية، لا سيما في العقدين الأخيرين ومن أبرز هذه الانقسامات، مبادرة زمزم التي أطلقت في عام 2013، من القيادي السابق في الجماعة، رحيل الغرايبة ودعا من خلالها إلى إصلاحات داخلية، وقوبلت هذه المبادرة برفض من قيادة الجماعة، مما أدى إلى فصل الغرايبة وعدد من القياديين الآخرين.
أما في عام 2015 فجرى تأسيس جمعية الإخوان المسلمين المرخصة بقيادة المراقب العام السابق للجماعة عبدالمجيد الذنيبات تحت شعار الهوية الأردنية المستقلة، والابتعاد من حركة "حماس".
في عام 2016 شرع المراقب العام السابق للجماعة سالم الفلاحات بتأسيس حزب سياسي جديد باسم "حزب الشراكة الإنقاذ" بعد استقالته من حزب جبهة العمل الإسلامي، الذراع السياسية للجماعة، ورفضه العودة للتنظيم.
اندبندنت