خلافة عباس.. فوضى أشبه بصراع العروش

خلافة عباس.. فوضى أشبه بصراع العروش

خلافة عباس.. فوضى أشبه بصراع العروش


18/10/2022

يقترب الرئيس الفلسطيني محمود عباس من عامه الـ88، متمماً قرابة 17 عاماً في رئاسة السلطة الفلسطينية خلفاً للراحل ياسر عرفات. وفي 2005 بدأ الرئيس الفلسطيني المسن مشواره السياسي بشكل رسمي، بعد فوزه في الانتخابات الرئاسية، بعدد كبير من أصوات الفلسطينيين الذين رحبوا به رغم قلة جاذبيته، لكن على اعتبار أنه رجل إصلاح وسلام.

شكل فوز عباس المعروف بلقب "أبو مازن" نقطة فارقة في التاريخ السياسي الفلسطيني، وأسعد وصوله لسدة الحكم، إسرائيل وأمريكا على حد سواء، لما له من دور كبير في إنجاز اتفاق أوسلو، الموقع بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل في 1993، وفقاً لما ذكرته صحيفة "الغارديان" البريطانية اليوم الإثنين. 

وما أثلج صدور الأمريكيين والإسرائيليين بفوز عباس، تبنيه للنضال الشعبي، وشجبه للعنف، على عكس سلفه ياسر عرفات.

وبعد وصوله لرأس هرم السلطة، تعاظم الأمل الفلسطيني بتحقيق منجزات سياسية أكبر في ظل رئاسته، لكن بعد عام واحد فقط من توليه الحكم، وفوز "حماس" في الانتخابات التشريعية، اشتعل الاقتتال بين الحزبين الأقوى في الأراضي الفلسطينية، وأدى الصراع لفقدان السلطة السيطرة على قطاع غزة، لتشدد أجهزتها الأمنية بعد ذلك قبضتها على الضفة الغربية، متبعة نهجاً قمعياً إلى حد كبير من أجل استباب الحكم للرئيس محمود عباس، بحسب الصحيفة.

وبعد ما يقرب من عقدين من الزمان، لم يعد اتفاق أوسلو يعالج الواقع السياسي على الأرض. كذلك لا تحظى حركة فتح التي يتزعمها أبو مازن ومنظمة التحرير الفلسطينية، المشبّعة بالفساد، بدعم كبير بين الفلسطينيين، خاصة الأجيال الجديدة الشابة. 

قيود
فرضت السلطة الفلسطينية قيوداً كبيرة على الفلسطينيين في الضفة الغربية، وأصبح الكل تقريباً معرضاً للاعتقال والسجن، بتهم من بينها التنديد بالسلطة، وتشير التقارير، إلى أن أعداداً كبيرة من الصحافيين والنقابيين وحتى المواطنين العاديين، أدخلوا السجن بتهم كتابة منشورات على الفيس بوك، وانتقاد السلطة.

وقالت الغارديان، إن الرئيس الفلسطيني عزز على مدار السنين الماضية سيطرته على المؤسسات الحكومية مهمشاً عن قصد البرلمان الفلسطيني المنحل، ونقل سلطاته إلى المجلس الوطني لتسهيل تعيين حلفاء الرئيس في المناصب العليا داخل منظمة التحرير.

"فوضى صراع العروش"
ومع بلوغ الرئيس الفلسطيني سناً متقدماً، وتدهور صحته الملحوظ، وشراهته في التدخين، تنتشر من حين لآخر شائعات إعلامية عن وفاته، أو دخوله المستشفى. ويعتبر عباس آخر عضو على قيد الحياة من جيل الفلسطينيين المؤسسين للحركة الوطنية، وسيشكل رحيله نقطة فارقة، وفوضى أشبه بتلك المعروفة في مسلسل صراع العروش الشهير، بحسب الصحيفة. 

ويبقى الخوف من مرحلة ما بعد عباس، هو الطاغي على حديث الفلسطينيين. ولم تشهد السطلة انتخابات منذ 16 عاماً، كذلك لم يعين الرئيس الحالي خلفاً له، بل هو أقدم على إلغاء الانتخابات التي كانت مقررة العام الماضي، بدعوى استحالة إجرائها في القدس المحتلة. ومع توصل الفصائل الفلسطينية لاتفاق مصالحة في الجزائر، تبقى الشكوك أيضاً قائمة، فهذه المصالحة بدت شكلية بحسب المحللين، ولن تفضي إلى أي انتخابات رئاسية التزاماً ببنود إعلان الجزائر، بحسب الصحيفة التي أكدت أن مكتب الرئيس الفلسطيني رفض عدة طلبات من الغارديان لإجراء مقابلة صحافية.

ولا يعرف ماذا تخبئ الأيام للفلسطينيين بعد مرحلة عباس، لكن المؤشرات تكشف عن سيناريوهات عديدة، العنف إحداها، مما يجعل تحقيق حلم عباس بإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود عام 1967 بعيد المنال. 

"رجل عاطفي"
تقول الصحيفة البريطانية، إن أبو مازن رجل ذو عاطفة جياشة، يحب بشدة ويكره بشدة أيضاً، نقلاً عن ناصر القدوة، الذي طرد من اللجنة المركزية لحركة فتح العام الماضي، بعد تحديه لعباس في انتخابات 2021 الملغاة.

ويقول القدوة عن عباس، بقي في ظل عرفات لمدة 15 أو 20 عاماً، وعندما رحل الأخير، بزغ نجم عباس، وصار بمقدوره أن ينتقم ممن يريد. 

تدرج عباس في السلم السياسي، وبناء على طلب من واشنطن، عينه الراحل ياسر عرفات على مضض رئيساً للوزراء في 2003. وبعد وفاة "الختيار" في العام التالي، كان أبو مازن في وضع جيد للترشح لقيادة السلطة.

مؤامرات
تؤكد الصحيفة، أن حكم عباس اليوم أشبه بشبكة من التناقضات، والمؤامرات، التي يحيكها قياديو السلطة ضد بعضهم البعض، ومع ذلك فهو يحظى باحترام نظرائه الدوليين الذين ما زالوا يثنون على دوره المحوري في إنجاز اتفاق أسلو.

لكن، على الصعيد الداخلي، تراجعت شعبية عباس إلى أدنى مستوياتها، وفي إسرائيل لم يعد ينظر له على أنه شريك في السلام، كما لا يعتبر عدواً أيضاً. 

يقول أمين عام اللجنة المركزية لحركة فتح، جبريل الرجوب، المقرب من عباس، "نظامنا ليس نموذجاً أفلاطونياً، لكن أبو مازن هو الزعيم الفلسطيني الوحيد الذي يتمتع بالشرعية والتفويض، وهو الوحيد الذي يستطيع قيادة السلطة".

وفي حال استقال أبو مازن من منصبه، أو توفي، فبموجب القانون الفلسطيني، من المفترض أن يصبح رئيس مجلس النواب رئيساً مؤقتاً ويصدر مرسوماً بالانتخابات خلال 60 يوماً. ومع تعطل المجلس التشريعي الفلسطيني (البرلمان)، فإن تلك الخطوة مستحيلة. 

مرشحون 
وتشير التوقعات، إلى تحضير حسين الشيخ، المقرب من عباس لاستلام الحكم بعد رحيله. وأصبح الشيخ واحداً من أهم قادة السلطة، وفي مايو (أيار) الماضي، أصبح أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، وكان القيادي البالغ من العمر 60 عاماً مسؤولاً سابقاً عن التنسيق الأمني مع إسرائيل، ومتهم بالفساد، ولا يحظى بشعبية كبيرة.

ورغم تلميحه لإجراء انتخابات رئاسية وتشريعية، يتذرع حسين الشيخ بضرورة عقدها أيضاً في القدس، لتصبح دعوته واهية، وصالحة للاستهلاك الإعلامي فقط. كما يشدد الشيخ على أهمية علاقة السلطة بإسرائيل، وهو يحظى بدعم من البيت الأبيض، وفسرت زيارته الأخيرة إلى واشنطن، بتقريبه من الإدارة الأمريكية استعداداً لخلافة عباس. 

ويوجد العديد من المنافسين الآخرين على زعامة حركة فتح والسلطة الفلسطينية، ومنهم ماجد فرج، الذي يتولى رئاسة جهاز المخابرات، أيضاً محمود العالول الذي يشغل منصب نائب رئيس حركة فتح. 

كذلك، يعد مروان البرغوثي المسجون مدى الحياة في إسرائيل واحداً من المنافسين على منصب رئيس السلطة، وهو يحظى بشعبية كبيرة في الشارع الفلسطيني، وأعلن مراراً من داخل سجنه استعداده للترشح للانتخابات الرئاسية. ومن المنافسين الآخرين على منصب رئيس السلطة الفلسطينية محمد دحلان. 

وقد يؤدي الخلاف على خلافة عباس، إلى نشوب صراع عنيف في الضفة الغربية، كذلك يعد ظهور فصائل جديدة على ساحة الصراع في الضفة، كـ"عرين الأسود" وغيره، دليلاً على احتمال توسع الاشتباكات مع إسرائيل ونشوب انتفاضة ثالثة، أو حرب أهلية مع حماس، وكل تلك التفسيرات،  احتمالات قائمة في حالة حدوث فراغ كبير في السلطة.

من جهتها، تبدو إسرائيل مستعدة لجميع تلك السيناريوهات المذكورة أعلاه، ووفقاً لصحيفة "يديعوت أحرونوت"، فإن خطة الجيش الإسرائيلي التي تحمل الاسم الرمزي "غروب الشمس" مخصصة للتعامل مع مرحلة ما بعد عباس.

تقول الدكتورة حنان عشراوي، التي استقالت من اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية في 2020، إن التركيز على ما سيحدث "في اليوم التالي لأبو مازن" يحجب حقيقة أن مشروعه السياسي قد فشل بالفعل.

وتقول أيضاً، إن الوضع في منحدر خطير. وأضافت، أن هذا ليس خطأ عباس بالكامل: نحن نعيش في ظل احتلال، وقد تم عمل كل شيء لإضعاف السلطة الفلسطينية.

وقالت عشراوي أيضاً، "كلما كان النظام أضعف، انغلق على نفسه وأصبح قمعياً. لا أعرف الشكل الذي سيتخذه المستقبل .. يمكن أن يكون سلمياً. لكن كلما طال الوقت لرؤية تغيير حقيقي، يصبح العنف أكثر احتمالاً. وإذا لم تسمح بنقل السلطة عبر الطرق الديمقراطية السلمية سيجد الناس وسائل أخرى للتعبير عن أنفسهم".

عن موقع "24"



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية