
في تطور لافت لأزمة الصراع الداخلي في جماعة الإخوان المسلمين، نشرت صفحات تابعة لجبهة التنظيم في إسطنبول بقيادة محمود حسين قبل أيام عدة بيانات، أكدت خلالها أحقيتها بشكل كامل في إدارة شؤون التنظيم وطالبت الجميع، من أعضاء التنظيم وقيادته، التعامل معها فقط باعتبارها المخولة بالإدارة، ونفت تماماً صدور أيّ رسائل من داخل السجون المصرية لتأييد جبهة لندن، في تكذيب واضح لما أعلنته الثانية في وقت سابق.
البيانات حركت قليلاً المياه الراكدة فيما يتعلق بملف الصراع الداخلي في الجماعة، خاصة أنّ الأمور بدت هادئة خلال الأشهر الماضية، ليس بسبب انتهاء الخلاف ولكن ربما لأنّ الجماعة انشغلت خلال الفترة الماضية بالتركيز على توظيف أحداث غزة لتصدر المشهد، أو محاولة العودة إلى المساحات المفقودة داخل دوائر السياسة العربية.
وتعاني جماعة الإخوان المسلمين من أزمة هيكلية عميقة تمتد جذورها إلى الصراع على قيادة التنظيم، وهي أزمة متفاقمة باستمرار. وخلال العامين الماضيين، وقبل وفاة إبراهيم منير، زعيم "جبهة لندن"، تصاعدت الخلافات حول أحقية قيادة التنظيم، فقد احتدم التنافس بين جبهة إسطنبول بقيادة محمود حسين وجبهة لندن بقيادة منير. وأسفرت هذه النزاعات عن استنزاف كبير في موارد كلتا الجبهتين، إذ حاول كل منهما فرض سيطرته على الهياكل الإدارية للتنظيم في الخارج، ممّا يعكس انقساماً داخلياً يُهدد وحدة الجماعة.
ما حال جماعة الإخوان حالياً؟
ترجح دراسة أجراها مركز (تريندز للبحوث والاستشارات) تحت عنوان: "الإخوان المسلمون بعد (10) سنوات من السقوط ومحاكمة القيادات" أن تكون مواجهة الإخوان، خلال العقد الأخير قد ضربت بُنى التنظيم الهيكلية، فباتت الجماعة ما بين أعضاء وقيادات يُحاكَمون في القاهرة على خلفية جرائم عنف ارتكبوها، أو على الأقل أنّهم متهمون على خلفيّتها. وما بين أعضاء وقيادات فرّوا إلى الخارج بهدف الهروب من المواجهة أو الاستعداد لمواجهة النظام السياسي الذي قام على خلفية ثورة 30 حزيران (يونيو) 2013؛ نظراً لأنّه بعد فضّ اعتصام رابعة العدوية، الذي كان في 14 آب (أغسطس) 2013، لم تجد قيادات الإخوان سوى الهروب خارج مصر بعد أن ضاقت عليهم أرض مصر بسبب الجرائم التي ارتكبوها، ولم يكن أمامهم سوى الهروب وتجربة محاولات فاشلة بدعم وتمويل من الخارج، لكنّ محاولاتهم لم تستطع النَّيل من الدولة المصرية التي واصلت التقدم ومحاربة الإخوان.
رغم أنّ جماعة الإخوان قد مرت بأزمات سابقة منذ تأسيسها، إلا أنّ هذه الأزمة تُعدّ الأكثر تهديداً لوحدة التنظيم بسبب التشظي الداخلي وظهور عدة جبهات تتنازع على القيادة.
وهنا انقسم التنظيم ما بين أعضاء الداخل الذين باتوا بلا حراك بسبب المحاكمات التي تعرضوا لها، وبين قيادات الخارج الذين يستعدون لمعركة المواجهة والذين انشقوا على أنفسهم، ويبدو أنّ المواجهة صنعت تنظيماً منقسماً على نفسه؛ فعندما كان التنظيم قوياً نوعاً ما في القاهرة ويقوم بمظاهرات احتجاجية عدة، بعضها كان منحازاً للعنف، كان إخوان الخارج يُريدون السيطرة عليه، حيث ظهرت في تلك الآونة ما سُمّيت اللجنة الإدارية العليا التي تم حلّها أكثر من مرة بسبب الصراع بين إخوان الداخل وإخوان الخارج.
ما السيناريوهات المستقبلية؟
بحسب دراسة أجراها موقع (إيجيبشين إنتربرايز) تواصل جماعة الإخوان المسلمين تدهورها في العالم العربي، ويتضح هذا التراجع في انسحاب حركة النهضة من المشهد السياسي التونسي، وتراجع نفوذ الجماعة في السودان، وخسارتها الانتخابات في دول مثل المغرب، وتراجع حضورها السياسي في الأردن نتيجة قرارات حكومية تُحجم دورها.
وقد فشلت قيادات الجماعة في احتواء الخلافات الداخلية التي شهدت توتراً متزايداً بين الأجيال الشبابية والقيادات التقليدية، ممّا يُعرف بـ "الصراع الجيلي"، والذي يشكل تحدياً عميقاً للنسيج التنظيمي للجماعة.
رغم أنّ جماعة الإخوان قد مرت بأزمات سابقة منذ تأسيسها، إلا أنّ هذه الأزمة تُعدّ الأكثر تهديداً لوحدة التنظيم بسبب التشظي الداخلي وظهور عدة جبهات تتنازع على القيادة. كما أنّ الانقطاع شبه التام بين الجبهات القيادية وأعضائها في مصر ساهم في تعقيد الوضع، وزاد من حدة الأزمة، خاصة في ظل المناخ السياسي غير المستقر الذي يُهدد بقاء التنظيم.
إلى جانب ذلك، تبرز مؤشرات قوية على احتمال حدوث انقسام جديد، خصوصاً مع تصاعد الخلاف بين جبهات لندن، وإسطنبول، والمكتب العام. التباين الواضح في مواقف كل جبهة، ومحاولاتها لتهميش الأخرى، قد يؤدي إلى انقسام علني وتشكيل كيانات منفصلة، ممّا سيعزز هذه الفرضية. هذا السيناريو يعكس مدى خطورة الأزمة الحالية وعمق الانقسامات التنظيمية. وبحسب تحليل الباحث بالإسلام السياسي منير أديب في دراسته المنشورة بموقع (تريندز) مرّ تنظيم الإخوان المسلمين بتحولات سياسية عدة، خاصة على صعيد البناء الهيكلي التنظيمي الذي أدى إلى انقسامه إلى جبهات عدة؛ وهو ما أضعفه وأثر على تماسكه، وبالتالي انعكس ذلك على دور هذا التنظيم وفاعليته أيضاً، وهذه التحولات على مستوى البناء التنظيمي وليس على مستوى الأفكار المؤسسة.
تبرز مؤشرات قوية على احتمال حدوث انقسام جديد، خصوصاً مع تصاعد الخلاف بين جبهات لندن، وإسطنبول، والمكتب العام
وفق الدراسة يمكن وصف التنظيم بأنّه يعيش مرحلة الضعف، ولكنّه قد يكون قادراً على تجاوزها لأنّها تمسّ بناءه التنظيمي فقط؛ فمعظم التنظيمات الإيديولوجية لديها توجهات أدبية داخل المنظومة القيمية ربّما تساعدها في تجاوز أيّ ضعف تنظيمي أو فوضى تُصاحب تماسك التنظيم؛ وبالتالي لا قيمة حقيقية لضعف هياكل التنظيم طالما لم تتعرّض الأفكار المؤسسة لصور المواجهة نفسها.
وتشير الدراسة إلى أنّ البناء الهيكلي للتنظيم مهما تعرض لضربات، بصرف النظر عن قوتها، فإنّها بلا تأثير حقيقي على انهيار التنظيم أو انهيار الفكرة، لأنّ التنظيمات تعتمد بصورة أكبر على الأفكار؛ وبقاؤها يكون مرتبطاً بالأفكار. وهياكل التنظيمات ما هي إلا غلاف قد يتأثر وقد لا يتأثر، وهو ليس دليلاً على انهيار الفكرة، وقد يتم استبدالها ببناء هيكلي أقوى وأكثر صلابة طالما الفكرة ما زالت تدبّ فيها الحياة.