أحمد شهاب
هل أنت إسلامي أم ليبرالي؟ شيعي أم سني؟ سلفي أم إخواني؟ هل تنتمي للسلفية الجامية أم السرورية؟ هل تنتمي للأشعرية أم الماتردية؟ هل تؤمن بخلق القرآن أو قدمه؟
المبالغة في التصنيف هي ظاهرة اكتسحت المجتمعات العربية بشكل لافت للغاية، ولم يتم تسليط الضوء عليها بما فيه الكفاية، ولكن نظرا للارتدادات السلبية لهذه الظاهرة فيحسن بنا التوقف قليلا عندها، من باب التأمل.
التصنيف لأغراض الدراسة والفهم لا غبار عليه، ولكنه يتحول إلى مشكلة عميقة عندما تبنى عليه مواقف تؤثر على علاقات الناس ببعضهم بعضا، وإذا تشكلت من خلاله رؤية سلبية عن الآخر، أو إذا أدى إلى الدخول في صراعات شخصية.
المقلق في هذه الظاهرة أنها متشظية، بمعنى أن العقلية التقسيمية لا تتوقف عند حدود، وإنما تتوالد، فالإسلامي مثلا لا يكتفي بعزل غيره عن الإسلام، وإنما ينتقل تاليا إلى عزله مذهبيا ثم مرجعيا ثم مناطقيا ثم لغويا، وأتذكر أن لغطا دار قبل سنوات حول تغريدة كتبها شيخ مشهور قال فيها “إن الفرقة الناجية هي ما كان عليه علماؤنا وأهل نجد ومن تبعهم فقط والباقي في النار”.
يضحك أحدنا على هذه العقليات، ولكنه ربما يكون أحد سدنتها. فلو رآك تخرج من مسجد مّا فإنه سرعان ما يصنفك ضمن جماعة محددة، وإذا سافرت إلى مدينة مّا يصنفك ضمن مذهب معين، وإذا تم تصنيفك وأنت في العاشرة من عمرك فإن اللافتة ستلازمك إلى آخر لحظة من حياتك، حتى ولو بدلت ثوبك عشرات المرات.
وتترتب على هذا التصنيف مواقف بعضها غير مهم وطفولي ومثير للسخرية، مثل عدم التواصل، وعدم تقدير الرأي الآخر، والتجاهل، وعدم رد السلام، ولكن بعض الآثار قد تكون مؤثرة وخطيرة مثل التنابذ الأسري، أو تعثر اتفاقات الزواج، أو غيرها من الإجراءات الحادة.
أما الآثار السياسية لمثل هذه التصنيفات فحدث ولا حرج، فقد يتم عزل مجموعات بشرية بناء على تصنيفها المذهبي أو العرقي، حتى أن بعض اللادينيين أو العلمانيين دفعوا ثمنا غاليا بناء على أن عوائلهم (وليسوا هم) تصنّف ضمن المذهب أو الجهة المغضوب عليها.
وعند السؤال عن شخص مّا فطبيعي أن يقال لك إنه ليبرالي سني، أو علماني شيعي، أو بعثي أعجمي، على الرغم من أنهم جميعا أرادوا التحرر من الأوصاف التقليدية أساسا، لكنهم لم ينجوا من الوصف المذهبي والمناطقي.
هذه العقلية التصنيفية هي نبات داعشي مصغر، يظهر في بيئة بكتيرية تساعد على نمو جماعات التطرف والغلو، وهي الأرضية الخصبة لتحول التيارات الدينية إلى تيارات إقصائية لا تتردد عن مخاصمة المجتمع وربما نحره تاليا.
عن "العرب" اللندنية