خبير ألماني في الأنشطة الجهادية: حربنا على الإسلام السياسي

خبير ألماني في الأنشطة الجهادية: حربنا على الإسلام السياسي

خبير ألماني في الأنشطة الجهادية: حربنا على الإسلام السياسي


22/04/2024

ترجمة: محمد الدخاخني

ما يزال سفين كورنباخ يتذكّر صور انهيار برجي مركز التّجارة العالميّ ودقيقة الصّمت العفويّة في قسم شرطة برلين التي تلت ذلك؛ عندما سلّح الإرهابيّون الإسلامويّون طائرات الرّكاب، في 11 أيلول (سبتمبر) 2001، ممّا أسفر عن مقتل ما يقرب من 3000 شخص، كان كورنباخ ما يزال رئيساً للتّفتيش في الوحدات الخاصّة لشرطة برلين، واليوم هو كبير المحقّقين الألمان في الأنشطة الجهاديّة.

اقرأ أيضاً: ما علاقة أردوغان بمنظمة "العثمانيون الألمان"؟.. نائب يكشف الخفايا

قبل عشرين عاماً، كان الإرهاب الإسلامويّ ما يزال مجهولاً إلى حدٍّ كبيرٍ بالنّسبة إلى السّلطات الأمنيّة الألمانيّة، كما يتذكّر كورنباخ مؤخّراً في حدثٍ نظّمته منظّمة "ميدياندينست إنتغراسيون" في برلين، كانت دزينة من الضّبّاط فقط تتعامل مع الإرهاب الإسلامويّ في المكتب الشّرطيّ الجنائيّ الفيدراليّ.

منذ عام 2019، ترأّس كورنباخ "إدارة الإرهاب/ التّطرّف ذي الدّوافع الإسلامويّة"، التي تأسّست حديثاً داخل المكتب الشّرطيّ الجنائيّ الفيدراليّ، هناك حوالي 500 محقّق جنائيّ وعالم ومترجم ومحلّل يعملون هناك للتّحقيق مع الإسلامويّين، ومراقبة الأفراد الخطرين، ومحاولة منع الهجمات، وقد ألقت ألمانيا مؤخّراً القبض على أحد جامعي الأموال المشتبه بهم الرّئيسين لتنظيم "الدّولة الإسلاميّة".

أفغانستان: إمارة للإرهاب؟

إنّ حقيقة أنّه بعد عقدين من هجمات 11 سبتمبر رُفِعَ علم طالبان مرّةً أخرى فوق كابول تُقلق كورنباخ.

سفين كورنباخ

يقول لدويتشه فيليه: "أخشى أن تتسامح طالبان مع مجموعةٍ واسعةٍ من المنظّمات الإرهابيّة على أراضيها، وأن تكون هناك معسكرات تدريب مرّة أخرى".

ويضيف: "كانوا دائماً هناك، لا سيّما في المنطقة الحدوديّة بين أفغانستان وباكستان".

ويشير كورنباخ إلى المنظّمات التي اختفت من العناوين الرّئيسة لوسائل الإعلام، والتي لديها بالفعل إشارة ألمانيّة باسمها، مثل: "مجاهدو طالبان الألمان"، ويتابع: "كانوا بالفعل يصوّرون أشرطة فيديو دعائيّة في ذلك الوقت في المناطق الّتي تسيطر عليها طالبان في أفغانستان".

يرى السّلفيّون أنفسهم الممثّلين الوحيدين للإيمان الحقيقيّ، ويقلّلون من قيمة الآخرين، هذا التّفكير المتطرّف القائم على تقسيم الأشياء إلى أسود وأبيض يُشيطن الأعداء ويحرمهم من إنسانيّتهم

تلاحظ كيرستين إيبرت، وهي خبيرة في الإسلامويّة من بيليفيلد؛ أنّ مجموعات ألمانية مختلفة تستغلّ بالفعل التّطوّرات في أفغانستان لأغراض دعائيّة، بحسب قولها، كان استيلاء طالبان على كابول "هدية للحركة في ألمانيا. بعد سقوط تنظيم الدّولة الإسلامية في سوريا، يتحدّث الإسلامويّون الآن مرّةً أخرى عن "انتصار الإسلام"".

أكثر من 1,000 شخص "خطير" و"ذو صلة"

بحسب معطيات الشّرطة، فإنّ عدد من يسمّون بـ "الأشخاص الخطرين" في مجال الإرهاب الإسلامويّ يبلغ حالياً 554 شخصاً، 90 منهم رهن الاعتقال و136 يعيشون خارج أوروبا، على سبيل المثال، في معقل المتمرّدين شمال سوريا في إدلب.

يشير مصطلح "الأشخاص الخطرين"، الغامض نوعاً ما، إلى الأشخاص الذين تعتقد الشّرطة أنّهم قد يرتكبون "جرائم ذات دوافع سياسيّة وذات أهميّة كبيرة".

إضافة إلى ذلك، هناك 527 "شخصاً ذا صلة"؛ هؤلاء هم أشخاص في الدّائرة الأوسع لأولئك الخطرين تعتقد السّلطات أنّهم يستطيعون تقديم الدّعم الّلوجستيّ أو غيره من أشكال الدّعم للأعمال الإرهابيّة.

كان سوق عيد الميلاد في برلين Breitscheidplatz مسرحاً لهجوم إرهابي عام 2019

انخفض عدد الأشخاص الإسلامويّين الخطرين في ألمانيا بنحو الرّبع، منذ كانون الأوّل (ديسمبر) 2019، في ذلك الوقت، حدّدت الحكومة الفيدراليّة 679 تهديداً بدوافع دينيّة، ردّاً على سؤال برلمانيّ من الحزب الدّيمقراطيّ الحرّ.

يؤكّد الباحث المختصّ في الإسلام مايكل كيفر؛ أنّه منذ فشل تنظيم "الدّولة الإسلاميّة" في سوريا، دُفِعَت القوّات المتشدّدة للوراء لصالح الشّبكات الإسلامويّة الكلاسيكيّة، لكنّ كيفر يؤكّد أيضاً أنّ القضيّة ستظلّ ذات صلة.

اقرأ أيضاً: الاستخبارات الألمانية تحذر... هل تصبح أفغانستان ملجأ للإرهاب؟

إنّ نظرة على تقارير جهاز المخابرات الألمانيّ، المكتب الاتّحاديّ لحماية الدّستور، تؤكّد ذلك.

قبل عشرين عاماً، كان موضوع الإسلام السّياسيّ ما يزال مدرجاً في القسم الخاصّ بـ "التّهديدات الأمنيّة والجهود المتطرّفة للأجانب"، يحتوي أحدث تقرير عن حماية الدّستور على فصل خاصّ عن "الإسلامويّة/ الإرهاب الإسلامويّ" والّذي يقلّ قليلاً عن 70 صفحة.

جرائم الحرب والتّجنيد

إنّ الزّيادة في الحركات الإسلامويّة في كافّة أنحاء العالم، وكذلك في ألمانيا، لها علاقة بالطّريقة الّتي تمّت بها "الحرب على الإرهاب"، الّتي أعلنها قبل عقدين من الزّمن الرّئيس الأمريكيّ آنذاك جورج دبليو بوش، الهجوم على العراق عام 2003 في انتهاك للقانون الدّوليّ، وإعادة إدخال التّعذيب تحت مصطلح "أساليب الاستجواب المعزّزة"، واحتجاز الأشخاص لمدّة عقود دون أيّ حكم قضائيّ في القاعدة البحريّة الأمريكيّة في غوانتانامو، وانتهاكات شركات الأمن الخاصّة، وخطاب بوش حول "حملة صليبيّة" كلّها لعبت دوراً في الدّعاية الإسلامويّة.

يوضح مايكل كيفر: "كانوا سعداء بتلقّف ذلك وتطوير سرديّات الضّحيّة الخاصّة بهم منه"، وقد جعل ذلك إظهار الإرهاب وكأنّه حرب دفاعيّة أمراً ممكناً.

يوافق جوليان ينك، وهو عالم سياسيّ من مؤسّسة "هيسيان" لأبحاث السّلام والصّراع، على ذلك.

الزّيادة في الحركات الإسلامويّة في كافّة أنحاء العالم، وكذلك في ألمانيا، لها علاقة بالطّريقة الّتي تمّت بها "الحرب على الإرهاب"، الّتي أعلنها آنذاك جورج دبليو بوش

يقول ينك لدويتشه فيليه: "يمكننا القول إنّ الأساليب الخارجة عن القانون في "الحرب على الإرهاب" كان لها تأثير تعبويّ للجماعات السّلفيّة والجهاديّة". ويضيف: "يمكن أن تُسهِم تجارب الظّلم هذه في عمليّات الرّدكلة، لكن هذه العمليّات نادراً ما تكون أحاديّة السّببيّة".

الإنترنت والدّعاية والوقاية

لكنّ ينك يشير أيضاً إلى عوامل أخرى لعبت دوراً في العشرين عاماً الماضية، مثل التّطوّرات في التّكنولوجيا: "لدينا الآن طائرات بدون طيار، وخوارزميّات الإنترنت، والقدرة على التّنظيم بسرعة وبشكل عبر وطنيّ في شكل مشفّر، ومشاركة المعلومات والسّماح للأفكار بالتّجوّل، كلّ هذا يُسهِم في الشّعور بوجود مزيد من التّعبئة للإرهاب وفي الوقت نفسه مزيد من الخوف منه"، ويضيف يونك: "هذه التّقنيات الجديدة تفتح أيضاً مجالاً لمكافحة الإرهاب بإجراءات وقائيّة أو رقابيّة".

الكلمة الأساسيّة هي الوقاية. غادر أكثر من 1000 ألمانيّ إلى أراضي الخلافة الإرهابيّة في سوريا والعراق بعد 2014 للانضمام إلى تنظيم "الدّولة الإسلاميّة". يقول كيفر، الخبير في الإسلامويّة، إنّ موجة المغادرين فاجأت السّلطات الألمانيّة، لكن بعد ذلك أنفقت الحكومة الفيدراليّة وحكومات الولايات الكثير من الأموال على برامج الوقاية.

ويضيف كيفر؛ أنّ أكثر من 100 مليون يورو (120 مليون دولار) تُنفق سنويّاً، هذه الأموال موجّهة على وجه التّحديد ضدّ السّلفيّة؛ فغالباً ما يمنح تفسيرها المحافظ للإسلام الأساسَ الأيديولوجيّ للجهاديّين المتشدّدين.

يرى السّلفيّون أنفسهم الممثّلين الوحيدين للإيمان الحقيقيّ، ويقلّلون من قيمة الآخرين، هذا التّفكير المتطرّف القائم على تقسيم الأشياء إلى أسود وأبيض يُشيطن الأعداء ويحرمهم من إنسانيّتهم، وكما يلاحظ مايكل كيفر، هذه خاصّيّة يشترك فيها الإسلامويّون مع المتطرّفين اليمينيّين.

مصدر الترجمة عن الإنجليزية:

ماتياس فون هاين، دويتشه فيليه، 4 أيلول (سبتمبر) 2021



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية