حياد دول الخليج... علاقات قوية مع روسيا أم فتور مع إدارة بايدن؟

حياد دول الخليج... علاقات قوية مع روسيا أم فتور مع إدارة بايدن؟


07/03/2022

الحرب الروسية الأوكرانية، التي تدخل يومها الـ12 اليوم الإثنين، أصبحت أكثر من حرب بين دولتين جارتين، فهي اختبار حقيقي لقوة العلاقات الدولية، وانعكاس لتغيير ما حدث سهواً في خريطة التحالفات الدولية.

متخطية الطبيعة الجغرافية، كشفت الحرب الروسية الأوكرانية دون قصد عمّا يدور خلف أبواب السياسة الدولية المغلقة، وخاصة العلاقات بين إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن والدول العربية، وفي مقدّمتها دول الخليج التي بدت مؤخراً أكثر استقلالية عن القرار الأمريكي.

اقرأ أيضاً: أين تقف أفريقيا من الحرب الأوكرانية؟

وبينما تشير الولايات المتحدة الأمريكية إلى آسيا على أنّها محور سياستها الخارجية، تعمل روسيا على تعميق وجودها في الشرق الأوسط، مستغلة كغيرها من الدول، وفي مقدمتها الصين، الفراغ الذي تركته أمريكا.

مجلس الأمن الدولي من محفل للقرار إلى ساحة للمكاشفة

مؤخراً، سلّطت تقارير إعلامية غربية الضوء على موقف المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة من الحرب الروسية الأوكرانية، ورفضهما الضغوط الأمريكية لإدانة الغزو الروسي.

 كشفت الحرب الروسية الأوكرانية دون قصد عمّا يدور خلف أبواب السياسة الدولية المغلقة

وفي تحليل لصحيفة "فايننشال تايمز" الأمريكية، أشارت إلى أنّه قبل يوم من تصويت مجلس الأمن الدولي على قرار أمريكي يدين الغزو الروسي لأوكرانيا، تواصلت واشنطن مع أحد أهمّ شركائها العرب في سعيها لحشد الدعم ضدّ الرئيس فلاديمير بوتين.

اقرأ أيضاً: باحث من موسكو لـ "حفريات": احتمالات الحرب في أوكرانيا كارثية

وفي ضوء المقعد المؤقت الذي تشغله الإمارات في مجلس الأمن هذا العام، اتصل وزير الخارجية الأمريكي أنطوني بلينكن بنظيره الإماراتي الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان، للتأكيد على "أهمية بناء ردّ دولي قوي لدعم السيادة الأوكرانية"، إلّا أنّه عندما تعلق الأمر بالتصويت في 25 شباط (فبراير)، تجاهلت الإمارات العربية المتحدة مناشدات واشنطن، وانضمّت بدلاً من ذلك إلى الصين والهند في الامتناع عن التصويت، في مؤشر جليّ على شعور أبو ظبي بـ"الإحباط" من السياسات الأمريكية، على حدّ قول الصحيفة الأمريكية.

 

كشفت الحرب الروسية الأوكرانية دون قصد عمّا يدور خلف أبواب السياسة الدولية المغلقة، وخاصة العلاقات الأمريكية الخليجية

 

جاء الامتناع الإماراتي عن التصويت قبل أيام قليلة من تولي أبو ظبي رئاسة مجلس الأمن الدولي في 1 آذار (مارس)، بعد الإشارة القوية التي تمّ إرسالها في 25 شباط (فبراير)، حسب تقرير لوكالة نوفا الإيطالية للأنباء.

وخلال الاجتماع الاستثنائي للجمعية العامة للأمم المتحدة، صوتت الإمارات والسعودية لصالح قرار يدين الغزو الروسي لأوكرانيا، في إشارة جديدة إلى واشنطن.

اقرأ أيضاً: اليمين المتطرف في العالم و"النازيون" في أوكرانيا

وأعرب مندوب الإمارات لدى الأمم المتحدة، في بيان أمام الجمعية، عن قلقه إزاء الوضع الإنساني الناجم عن الأزمة، داعياً إلى العودة إلى الدبلوماسية والحوار لإنهاء الأعمال العدائية، لكنّه لم يُدن روسيا صراحة، ولم تُصدر المملكة العربية السعودية أيّ بيانات.

وزير الخارجية الأمريكي أنطوني بلينكن

ووفقاً للصحيفة الأمريكية، سعت القوتان القويتان في الخليج، الإمارات والسعودية، على مدى عقود، لهزيمة أمريكا، لكنّ قرار 25 شباط (فبراير) يبرز كيف تنتهجان سياسات خارجية أكثر استقلالية، في الوقت الذي تعمّق فيهما العلاقات مع خصوم واشنطن في موسكو وبكين.

انتهاء سياسة الضوء الأخضر

اعتبر محللون أنّ رفض المملكة العربية السعودية والإمارات للضغوط الأمريكية هو مؤشر على انتهاء سياسة الضوء الأخضر التي انتهجتها الولايات المتحدة الأمريكية على مدار عقود، فقد قال عبد الخالق عبد الله، أستاذ العلوم السياسية الإماراتي، لـ"فايننشال تايمز": "لم نعد بحاجة إلى ضوء أخضر من أمريكا أو أيّ عاصمة غربية أخرى لاتخاذ قرار بشأن مصلحتنا الوطنية"، مضيفاً: "نحن لسنا مع أو ضدّ هذا هو الموقف، إذا كانت أمريكا مستاءة، فسيتعين عليها فقط أن تتعامل مع ذلك".

وكان ردّ فعل معظم دول الخليج، التي اعتبرت الولايات المتحدة على مدى عقود ضامناً لأمنها، "صامتاً" أثناء محاولتها اتباع موقف محايد للحفاظ على التعاون مع موسكو في القضايا الجيوسياسية والطاقة، مع تجنّب الاتهامات الغربية بأنّ رفض إدانة روسيا يرقى إلى مستوى الدعم للغزو.

قال أستاذ العلوم السياسية الإماراتي: لم نعد بحاجة إلى ضوء أخضر من أمريكا لاتخاذ قرار بشأن مصلحتنا الوطنية

ونقلت "فايننشال تايمز" عن إيميل حكيم، خبير الشرق الأوسط في المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية، قوله: إنّ "امتناع الإمارات عن التصويت، في وقت إجماع غربي، فاجأ بعض المسؤولين الغربيين"، إلّا أنّه أضاف أنّ "سلوك التحوّط الإماراتي مستمر منذ بعض الوقت".

صدع في العلاقات الخليجية الأمريكية

الموقف الخليجي الأخير لم يكن مصادفة، بل هو نتاج تراكمات عمرها أكثر من عقد، أدّت إلى نوع من الفتور في العلاقات الخليجية الأمريكية، حيث تعتقد كلٌّ من الإمارات والسعودية أنّ الإدارات الأمريكية المتعاقبة تنفصل عن الشرق الأوسط تدريجياً.

"لقد كانوا يعربون بشكل خاص عن استيائهم من السياسات الأمريكية منذ أن كان يُنظر إلى الرئيس الأسبق باراك أوباما على أنّه تجاهل مصالح الشركاء العرب على المدى الطويل خلال الانتفاضات الشعبية عام 2011، وكذلك عندما وقّع على الاتفاق النووي لعام 2015 مع إيران"، على حدّ قول الصحيفة الأمريكية، في إشارة إلى دول الخليج.

الموقف الخليجي الأخير لم يكن مصادفة، بل هو نتاج تراكمات عمرها أكثر من عقد

وقبيل الحرب الروسية الأمريكية، برزت مخاوف أبو ظبي في الواجهة في كانون الأول (ديسمبر) الماضي، عندما علقت المحادثات مع إدارة بايدن بشأن محاولة الإمارات شراء طائرات إف -35 أمريكية الصنع، فقد اعتبرته الصحيفة الأمريكية أنّه "غضب" إماراتي من قيود واشنطن على استخدام هذا الطراز من الطائرات.

وهذا العام، أثار استياء الإمارات ما اعتبرته ردّ فعل إدارة بايدن "الفاتر" على الهجمات على أبو ظبي من قبل جماعة الحوثي المدعومة من إيران في اليمن.

وقد نشرت الولايات المتحدة أصولاً عسكرية إضافية في الإمارات العربية المتحدة، وهي جزء من تحالف تقوده السعودية يقاتل الحوثيين المتحالفين مع إيران منذ تدخلها في الحرب الأهلية اليمنية في عام 2015.

اقرأ أيضاً: عشرات المحاربين القدامى الأمريكيين ينضمون إلى جبهات القتال في أوكرانيا

وتضغط أبو ظبي على واشنطن لتصنيف الحوثيين منظمة إرهابية، وفرض عقوبات أشدّ على الجماعة اليمنية، غير أنّ إدارة بايدن "مترددة" في القيام بذلك؛ لأنّها تجري محادثات غير مباشرة مع إيران بشأن إحياء الاتفاق النووي، وتنتبه إلى التحذيرات من أنّ مثل هذه الخطوة ستؤدي إلى تفاقم الأزمة الإنسانية في اليمن، وفقاً للصحيفة.

وفي 17 كانون الثاني (يناير) الماضي، تعرّضت الإمارات لهجوم غير مسبوق شنته جماعة الحوثي الإرهابية، المدعومة من إيران، بطائرات مسيّرة مفخخة وصواريخ باليستية أسفرت عن سقوط (3) قتلى و(6) جرحى.

إدارة بايدن والسعودية والبدائل 

في مؤشر جديد على اتساع الصدع وعمق الفتور بين المملكة العربية السعودية والإدارة الأمريكية الحالية، علّق ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع السعودي، في حوار مع مجلة "أتلانتيك" الأمريكية مؤخراً على العلاقات السعودية الأمريكية، قائلاً بحسب النصّ الأمريكي للحوار: إنّ "استعداء النظام الملكي السعودي من شأنه أن يضرّ بموقف بايدن".

ولي العهد السعودي قال في حوار مع "أتلانتيك": إنّ استعداء النظام الملكي السعودي من شأنه أن يضرّ بموقف بايدن

ووجّه بن سلمان، الذي لديه علاقات خطوط مفتوحة مع الصين، رسالة إلى إدارة بايدن قائلاً: "في المملكة العربية السعودية إمكانات هائلة، إذا كنت تريد تفويتها، فهناك آخرون في الشرق الأوسط سيكونون سعداء للغاية."

وفي حين تبنّى الرئيس الأمريكي موقفاً عدائياً تجاه ولي العهد السعودي، إلّا أنّ الرئيس الروسي فلاديمير بوتن أشاد به علناً في اجتماع لمجموعة الـ20 في 2018، كما شاركت المملكة العربية السعودية، التي لم تصدر بيانات بشأن الغزو الروسي لأوكرانيا، مصالح الطاقة مع موسكو، لأنّ السعودية هي اللاعب الرئيسي في (أوبك +)، الذي انضمّت إليه روسيا في عام 2016.

وعلى الرغم من ارتفاع أسعار النفط فوق عتبة الـ(100) دولار للبرميل، قاومت الرياض الضغوط الأمريكية لضخّ المزيد من النفط، ويقول محللون: إنّها تعتقد أنّ زيادة الإمدادات لن تحدث فرقاً يُذكر.

 المملكة العربية السعودية ملتزمة بـ(أوبك +)، بحسب بيان سعودي في نهاية شباط (فبراير)

وفي اتصال هاتفي مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، قال ولي العهد السعودي: إنّ المملكة ملتزمة بـ(أوبك +)، بحسب بيان سعودي في نهاية شباط (فبراير).

وقال المعلق السعودي علي الشهابي: إنّ "الولايات المتحدة أرسلت إشارات وإجراءات متعددة، بأنّ تحالفها مع المملكة لم يعد علاقة يمكن أن تعتمد عليها الرياض"، مضيفاً: "من هنا قرّر القادة السعوديون أنّ عليهم بناء تحالفات وعلاقات متعددة مع القوى الكبرى الأخرى، لا سيّما الصين وروسيا".

وأضاف أنّ الرياض استثمرت بكثافة في بناء العلاقات مع موسكو، واعتبرت (أوبك+) علاقة استراتيجية مهمّة لـ"شريان الحياة" لاقتصاد المملكة وهو النفط، مشيراً إلى أنّ "هذا ليس شيئاً تتخلص منه المملكة في المرحاض الآن، لقد أثبتت روسيا أنّها تتذكر أصدقاءها، وأيضاً أعداءها".




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية