"حماس" في لبنان: محطة أم قاعدة إستراتيجية؟

"حماس" في لبنان: محطة أم قاعدة إستراتيجية؟

"حماس" في لبنان: محطة أم قاعدة إستراتيجية؟


17/11/2022

صهيب جوهر

مُنذُ العام 2019 وفي أعقاب التطورات التي شهدها لبنان باتت بيروت حاضنةً رئيسةً لقيادات حركة “حماس” الفلسطينية ومحطةً مُهمّة لتواجدها السياسي والأمني. يأتي ذلك في ظل إعادة ترتيب العلاقة بين “حزب الله” و”حماس” التي بدأت منذ العام 2017 تَزامُنًا مع تولّي فريق يحيى السنوار والمعروف بتيار “الأمن” داخل الحركة زمام المبادرة، واستبعاد جناح خالد مشعل عن واجهة العمل السياسي بعد سنواتٍ من انحياز الحركة لثورات “الربيع العربي” ولا سيما للثورة في سوريا.

تَحَوُّلُ الوجهة وبيروت هي المحطة

مع تزايد سيطرة فريق السنوار على قيادة “حماس”، جرت عمليةُ إعادة تموضعٍ سياسيٍّ استراتيجيٍّ للحركة عبر تولّي اسماعيل هنية (رئيس حكومة غزة السابق) لرئاسة الحركة والذهاب بشكل تدريجي لربط العلاقة أكثر باتجاه الجانب الإيراني، لذا كان من البديهي الاستفادة من المساحة اللبنانية في ظل تحسّن العلاقات التركية-الإسرائيلية وعدم قدرة قطر على احتضان نشاط “حماس” إلّا في مساحاتٍ تمثيلية ضيِّقة، مثلًا بعد حصار الدوحة في 2017 من قِبَلِ ثلاثِ دولٍ في مجلس التعاون الخليجي ومصر، أصبحت بيروت قبلةَ بعض مسؤولي “حماس”. ففي صيف 2018 استقبلت بيروت نائب رئيس المكتب السياسي ل”حماس” صالح العاروري الذي يتنقل بينها وبين طهران وأنقرة. غير أن تركيا لم تعد اليوم في المدار السياسي ذاته، فهي تشهد تقاربًا مع إسرائيل. وقد انعكس ذلك في عدم قدرة أنقرة على لعب الدور نفسه في استضافة اجتماعات قادة الحركة.

كذلك، أضحت بيروت محطةً دائمة لقادة “حماس” مثل: خليل الحية المسؤول عن العلاقات العربية والإسلامية، وزاهر جبارين المسؤول عن ملف الأسرى والجرحى والشهداء، وكلاهما من الوافدين حديثًا بعد تقارب تركيا مع إسرائيل، الأمر الذي دفع “حماس” لجعل لبنان أحد أهم مراكز حضورها السياسي ومن ثم الأمني والعسكري. في هذا السياق، كان لافتًا عملية انفجار مخزن السلاح في مخيم البرج الشمالي في نهاية العام 2021 ومقتل القيادي حمزة شاهين وتشييعه في لبنان بدون إعلان سبب الوفاة، فيما تحدّثت وسائل إعلام إسرائيلية وعربية بأنه قضى داخل هذا المخزن المُعبَّأ بالأسلحة.

قرار “حماس” بتوسيع حضورها الأمني والعسكري في لبنان يخدم الهدف الذي أطلقته قياداتٌ عدّة في محور الممانعة وهو “توحيد الجبهات والساحات”، وهو يندرج في استراتيجية “حماس” الجديدة مع السنوار، أي خلق مساحات جديدة “لاستهداف إسرائيل”، ليكون لبنان إلى جانب غزة والضفة الغربية والداخل الإسرائيلي. وبغضِّ النظر عن حجم الوجود العسكري للحركة في لبنان، من الواضح اليوم أن هناك توجّهًا لربط الساحة اللبنانية بكافة الجبهات حين اندلاع المواجهة المقبلة المحتملة مع إسرائيل.

لم تخفِ الحركة هذا التوجه، فقد أعلن محمد السنوار وهو أحد أبرز القيادات العسكرية عن وجود غرفة عمليات مشتركة ساندت الحركة في معركة “سيف القدس” وتضم ضباطًا من “حزب الله” والحرس الثوري الإيراني ومقرّها لبنان.

في هذا الإطار، تستمر التقارير الأمنية الإسرائيلية في الإشارة إلى أن عناصر “حماس” في لبنان سينضمّون إلى أي معركة قد تندلع مع غزة، بوصفه أحد السيناريوهات التي يستعد الأمن الإسرائيلي للتعامل معها. تستند هذه التقارير على ما ترصده من تكثيف “حماس” نشاطاتها في مناطق لبنانية عدة، وهذا يعني أن الحركة قد قرّرت توسيع إطار استهداف إسرائيل.

مساحاتٌ سياسية والعودة للأسد

حضورُ “حماس” في لبنان ليس عسكريًّا أو أمنيًّا فقط، بل يتّخذُ أيضًا طابعًا سياسيًا على المستويين اللبناني والإقليمي، لذا فإن وسائل حماس السياسية والإعلامية انتقلت إلى بيروت بشكلٍ تدريجي، وهذا النشاط يظهر في مسارَين: الأول داخلي لبناني، ظهر جليًّا في إعادة “حماس” ربط علاقة “حزب الله” ب”الجماعة الإسلامية بعدما فرّقتهما الثورة السورية، وانغمس كل طرف منهما في دعم فريقٍ ضد آخر. لذا، فإن “حماس” عملت على إجراء تلك المصالحة بخطواتٍ حثيثة عبر فتح قنوات التواصل السياسي بين الجانبين والعمل على دعم تشكيل لجنة حوار بينهما، وتاليًا إصطحاب إسماعيل هنية عزام الأيوبي، مرشد الجماعة الإسلامية في لبنان، للقاء الأمين العام ل”حزب الله” السيد حسن نصر الله مرتين متتاليتين.

بحسب ما نُشِر أخيرًا فإن الحركة ساهمت في إيصال الجناح القريب منها إلى سدة القرار في الجماعة الإسلامية في لبنان، وغالبية من عُيِّنوا في المواقع القيادية الجديدة هم على جداول رواتب “حماس” بوصفهم موظّفين مُتفرّغين، ما يعني أن التطابق السياسي بين الحزب والجماعة بات أمرًا مؤكّدًا. هذا التطور داخل الإخوان في لبنان، الذي ساهمت “حماس” فيه بشكل مباشر، تجلى أخيرًا بتصويت نائب الجماعة االإسلامية لوحيد في البرلمان اللبناني عماد الحوت لصالح نبيه بري -حليف “حزب الله”- لرئاسة مجلس النواب، ومن ثم مقاطعته للقاء النواب السنة لدى السفير السعودي في لبنان وليد البخاري في 24 أيلول/سبتمبر الحالي، وتاليًا تصويته مع نواب مقرّبين ل”حزب الله” بورقة بيضاء في جلسة انتخاب رئيس الجمهورية في 29 أيلول/سبتمبر، ما يثبت التأثير المباشر لهذا التقارب بين الحزب والجماعة برعاية الحركة.

كذلك، كان لبنان محطة رئيسة لحوارٍ جمع مسؤولين في حركة “حماس” والنظام السوري قبيل الإعلان عن إعادة العلاقة بين الطرفين، وهي لقاءات لم يكن “حزب الله” بعيدًا منها كونه عرّاب التقارب بين الطرفين. وفي حين أن لقاءاتٍ عدة بين النظام السوري و”حماس” كانت أُعلنت أخيرًا، غير أن الأهم هو لقاء إسماعيل هنية بمسؤولين أمنيين سوريين من الصف الأول، ما يعني أن بيروت ستكون أيضاً “قطارًا سياسيًا” لعودة الحركة إلى دمشق.

في نهاية المطاف، تبدو حركة “حماس” بقيادتها الجديدة المتمثّلة بالسنوار والعاروري أكثر حماسة للتقارب مع الجانب الإيراني وحلفائه، ولا سيما الحليف الأساسي “حزب الله”، كون الحركة تعيش مرحلة دقيقة في تاريخها، بسبب انسداد الطرق أمامها للعودة إلى التواصل مع عواصم عربية، خصوصًا تلك التي حسمت خيارها بالتطبيع مع إسرائيل، وبات الخطر الأبرز على تلك الدول هو التمدد الإيراني المستمر، مع احتمال توقيع اتفاقٍ نووي جديد بين واشنطن وطهران على حساب الأطراف الإقليمية المُتَوَجِّسة.

لذلك، فإن الحركة بين خيارين أحلاهما مر؛ إما الاستدارة بشكلٍ كاملٍ نحو طهران والنظام السوري و”حزب الله”، وهذا يعني خسارة الحاضنة العربية ذات الأغلبية “السنية” التي أعطت “حماس” شرعيةً شعبيةً لسنوات طويلة، وإما التمايز عن المحور الإيراني، والابتعاد عنه بشكل تدريجي، وهو خيار أكثر صعوبة لأنه يعني أيضًا إعادة النظر في العلاقة مع النظام السوري.

سيؤدي خيار ابتعاد “حماس” عن هذا المحور إلى مبادرة طهران بإقفال أبواب دعمها وإنهاء احتضانها للحركة. لذلك تستفيد “حماس” اليوم من المساحات المُعطاة لها إيرانيًا، وبيروت إحداها، ولا يبدو أن الحركة مستعدة للتراجع على الرغم من عدم ظهور حماسة سورية حقيقية لإعادة استقبالها من جديد.

عن موقع "أسواق العرب"



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية