"حماس" تعيد تشكيل علاقات القوى في الشرق الأوسط

"حماس" تعيد تشكيل علاقات القوى في الشرق الأوسط

"حماس" تعيد تشكيل علاقات القوى في الشرق الأوسط


28/10/2023

تسفي برئيل

هبطت البورصة في اسطنبول 7%، الاربعاء الماضي، بعد فترة قصيرة من اطلاق رجب طيب اردوغان لسانه والتطاول على إسرائيل. مرتين في اليوم ذاته اضطرت البورصة الى وقف التعامل بسبب الهبوط في الاسعار، وفقط قبل المساء استؤنفت التعاملات. المستثمرون المحليون والاجانب، الذين بدؤوا للتو في العودة الى السوق المالية في تركيا صوتوا بالأرجل ضد «الوقوف القوي لاردوغان خلف حماس». الآن لا يعتبر تأييد «حماس» أمرا جيدا للمصالح التجارية، ويحذر الاقتصاديون في تركيا من أن مثل هذه التصريحات يمكن ايضا أن تستدعي عقوبات غير رسمية على تركيا.

عندما ينتقد اردوغان إسرائيل ويؤيد «حماس» فانه يصعد على مسار تصادم ليس فقط مع إسرائيل، بل ايضا مع الولايات المتحدة والدول الاوروبية، قال للصحيفة عضو في الغرفة التجارية في اسطنبول. وحسب قوله فان المناخ المناهض لتركيا في العالم يمكن أن يؤثر ايضا على فرع السياحة، وسيضر بجهود تركيا من اجل التحول الى مركز اقليمي لتسويق الغاز وسيدهور الدولة الى ازمة بالذات في الفترة التي بدأت تتعافى منها.

الغاء زيارة اردوغان لإسرائيل وتجميد المحادثات حول صفقات اقتصادية (بالاساس في مجال الطاقة)، التي معناها وقف مشروع انبوب الغاز بين إسرائيل وتركيا ومنها الى اوروبا، هي فقط جزء من الثمن الذي يمكن لتركيا أن تدفعه بسبب موقف اردوغان. على الاجندة يقف ايضا بيع طائرات اف16 لتركيا، الذي يحتاج مصادقة الكونغرس، الذي حتى قبل الحرب لم يكن متحمسا لها، وهدد بالغائها رغم قرار الرئيس، جو بايدن، المصادقة عليها. السبب الرئيسي لوقف الصفقة، التي تبلغ 20 مليار دولار، كان معارضة تركيا لضم السويد الى «الناتو». ولكن بعد بضعة اشهر من المفاوضات وافق اردوغان على انضمامها، ويوم الاثنين قام بارسال طلب من اجل الحصول على مصادقة رسمية في البرلمان. ولكن الآن قد لا تكون هذه المصادقة كافية للكونغرس الأميركي ازاء رقصة التانغو التي يرقصها مع «حماس».

عندما اندلعت الحرب في غزة عرض اردوغان خدماته لاجراء مفاوضات حول اطلاق سراح المخطوفين. وحسب موقع «مونيتور» طلب اردوغان من اسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسي لـ»حماس»، والذي كان يعيش في تركيا، مغادرة اسطنبول مع عائلته بعد مشاهدتهم في التلفاز وهم يصلون ويمدحون عملية «حماس».

ولكن بعد فترة قصيرة تحدث وزير الخارجية في تركيا، هكتان فيدان، مع هنية من اجل فحص وجود امكانية لصفقة انسانية. ولكن مثلما في حالات سابقة تبين لاردوغان أن استضافة اعضاء «حماس» والالتقاء معهم لا تساعد حقا في انضاج صفقة.

ادارة المفاوضات مع «حماس» قامت بها قطر ومصر، اللتان تمتلكان ادوات تأثير وضغط ناجعة اكثر من تركيا. هبط فيدان في هذا الاسبوع في أبو ظبي وفي الدوحة، عاصمة قطر، من اجل فحص ما الذي يمكن فعله، لا سيما من اجل المساعدة في انقاذ المخطوفين غير الإسرائيليين والأميركيين. أمل الوزير في أنه لكون تركيا كانت أول من ارسلت طائرة مساعدات لسكان غزة الى جانب هجوم لفظي من اردوغان على إسرائيل، فان دولته ستحصل على موطئ قدم في الخطوات الدبلوماسية امام «حماس».

هذا بالنسبة لاردوغان فيلم تمت مشاهدته في السابق، اعاده الى نهاية العام 2008 عشية عملية «الرصاص المصبوب»، حيث استضاف اردوغان رئيس الحكومة، ايهود اولمرت، كي يناقش معه اجراء مفاوضات مع بشار الاسد. وعندما كانا يتحدثان اقترح اردوغان الاتصال مع الاسد واجراء مكالمة غير مباشرة بينه وبين اولمرت. وافق الاخير. كانت المحادثة بين اردوغان والاسد بوساطة مترجم، والمضمون تم نقله بشكل فوري لاولمرت الذي كان يجلس في الغرفة. وحسب اقوال مصدر رفيع في تركيا، قال للصحيفة بأن اردوغان كان على قناعة بأن اولمرت ليس فقط هو حليف، بل ايضا صديق مقرب.

في الوقت ذاته عرف اردوغان بأن الجيش الإسرائيلي ركز قوات على حدود القطاع تمهيدا لعملية «الرصاص المصبوب». بروحية الصداقة بينهما طلب من اولمرت السماح له باقناع «حماس» بالتوقف عن عملياتها ضد إسرائيل، وربما التوصل الى اتفاق وأن يمنع بذلك تنفيذ العملية. وعد اولمرت بالتفكير بهذا الاقتراح عند عودته الى القدس. وعندما تباطأ اولمرت في اعطاء اجابة، اتصل معه اردوغان. ولدهشته وغضبه تم تغييبه مرتين وفهم أن اولمرت لا ينوي اشراكه في القرار.

«شعر اردوغان بأنه تمت خيانته من قبل من اعتبره صديقا مقربا»، قال المصدر الرفيع. «لا ينسى اردوغان ولا يغفر»، قال لي في هذا الاسبوع صحافي تركي في احدى الوسائل الاعلامية الرسمية. «قبل أن يكون ايديولوجيا هو وطني تركي، وهو قبل أي شيء مدير حسابات حريص». ايضا الآن أرسلت تركيا رسائل لإسرائيل تضمنت طلبا لتأخير – وربما حتى الغاء – شن الهجوم البري. وكانت اجابة إسرائيل حادة وواضحة.

قلق يشمل عدة دول

في حين أن اردوغان يحتضن من جديد «حركة التحرير» فان قطر تقود الاتصالات مع «حماس». رافعة الضغط الاساسية لها هي اللجوء الذي تمنحه لجزء من قيادة «حماس» والمساعدات المالية الضخمة بمئات ملايين الدولارات، التي ارسلتها لهذه المنظمة وللقطاع في العقد الاخير، جزء منها بمصادقة من إسرائيل وبتشجيع منها. في حين أن إسرائيل تصف «حماس» بأنها جهة تقع تحت رعاية ايران، فان «حماس» قررت اجراء المفاوضات بالتحديد مع قطر.

يبدو أن «حماس»، خلافا لـ «الجهاد الاسلامي» المرتبط بالحبل السري لايران، قدرت أن «القناة العربية»، وليس الايرانية، يمكن أن تخدمها بشكل أفضل. وهي أيضا رأت أن فكرة «وحدة الساحات»، التي كان يمكن أن تضمن مشاركة كثيفة من «حزب الله» في المعركة لا تتحقق بشكل كامل. ربما أنها استنتجت من ذلك شيئا حول سياسة ايران. المناوشات بين إسرائيل و»حزب الله» هي في الحقيقة غير مسبوقة منذ حرب لبنان الثانية، لكن بالنسبة لحجم القوات التي استخدمتها «حماس» ضد إسرائيل فان «حزب الله» ما زال بعيدا عن تلبية توقعات الشريكة في غزة، رغم أنه نجح في اخلاء عشرات المستوطنات الإسرائيلية.

حتى الآن تكبدت «حماس» عشرات القتلى واضرارا كثيرة في قواعدها، لكن حسن نصر الله لم يظهر حتى الآن بشكل علني. هو ايضا لم يقم بالقاء خطاب حماسي يعرض فيه التضحية التي قدمها «حزب الله» من اجل «حماس» وسكان غزة، ولم يفصل كيف ينوي توسيع وحدة الساحات. ربما أن سبب هذا الصمت هو أن «حزب الله» لم يقرر بعد، أو أنه لم يحصل على الاذن من ايران من اجل توسيع المعركة. تفسير هذه الخطوة يمكن أن يكون حربا اقليمية، يمكن فيها لايران ايضا أن تكون شريكة مباشرة وهدفا للهجوم.

في بداية الاسبوع اشار رئيس حكومة قطر، محمد آل ثاني، الى امكانية حدوث اختراقة في الاتصالات مع «حماس»، ستؤدي الى اطلاق سراح مجموعة اخرى من المخطوفين. ولكن التفاصيل ما زالت غير واضحة. فمن غير الواضح كم هو عدد المخطوفين وما هي جنسياتهم، وبالاساس مقابل ماذا ستطلق «حماس» سراحهم. الضغط في هذه الاثناء هو من اجل التوصل على الاقل الى اطلاق سراح المخطوفين المدنيين، المصابين والاطفال والنساء والشيوخ، مقابل المساعدات الانسانية للقطاع.

لكن هذه العملية، حتى لو نجحت، لن ترفع عن «حماس» تهديد الهجوم البري. هنا يكمن الخوف الكبير لدول رئيسية في المنطقة تتعاون مع الادارة الأميركية. في اللقاء بينه وبين وزير الخارجية الأميركي، قبل اسبوع، حذر ولي عهد السعودية، محمد بن سلمان، من انزلاق الحرب الى دول عربية. يوم الثلاثاء عندما تحدث ابن سلمان مع الرئيس الأميركي فان لهجته كانت طلبية اكثر. فقد طلب بشكل صريح منع القيام بعملية عسكرية في غزة التي يمكن أن تؤدي الى قتل جماعي للمدنيين.

من ناحية ابن سلمان هذه ليست فقط قضية انسانية. ففي اليوم الذي تحدث فيه مع بايدن قام باستضافة مؤتمر المستثمرين، الذي سمعت فيه تقديرات متشائمة حول احتمالات نجاح حلم 2030، وهو المشروع الرئيسي للسعودية، اذا اندلعت حرب واسعة في الشرق الاوسط. الكثير من المندوبين قالوا في المؤتمر إن «استثمارات ضخمة تحتاج الى الاستقرار والهدوء». واذا تحولت الحرب في غزة الى مواجهة تشارك فيها عدة دول في المنطقة فانه ستمر فترة طويلة الى أن يوافق المستثمرون على ضخ اموالهم، حتى في دول مثل السعودية التي هي غير مشاركة بشكل مباشر في الحرب.

جمدت السعودية في الحقيقة المحادثات حول التطبيع مع إسرائيل، لكنها تحافظ في هذه الاثناء على حضور منخفض وخطاب غير هجومي. في الشبكات الاجتماعية تتعرض للانتقاد الشديد بسبب ما اعتبر عدم مبالاة تجاه المأساة في غزة، وبسبب أنها لا تستخدم ضغطا اكبر على واشنطن من اجل وقف هجوم إسرائيل. من هب للدفاع عنها كان بالذات احد كبار الصحافيين في مصر، عمر أديب، الذي يمتلك شركة اتصالات وهو مقرب من الرئيس السيسي. يوم الثلاثاء كتب في احد المنشورات: «لا أحد يمكنه انتقاد موقف السعودية أو التعالي على جهود ابن سلمان، من اليوم الاول (للحرب) كان موقف السعودية افضل بكثير من موقف بعض الدول التي تعرفونها بشكل جيد».

السعودية شريكة كاملة في قلق مصر من الاملاء الذي فرضته على المنطقة منظمة تمقتانها. فقط الموقع الجغرافي لمصر، وقربها من قطاع غزة والسيطرة على معبر رفح، يضع في يدها القوة من اجل التأثير على «حماس». السعودية لا توجد لها مثل هذه الرافعة للتأثير. فقوتها تستخدمها في واشنطن، ويوجد لها بعض العضلات التي يمكن أن تشمل، ضمن امور اخرى، كمية انتاج النفط.

لكن الى جانب الحوار الثنائي فان السعودية ومصر، وبشكل كبير ايضا الامارات وتركيا وقطر، لا تشعر بالاخوة فيما بينها، وتجد نفسها في تحالف فرضته عليها منظمة تهدد باشعال دولها وبالتأكيد الحاق ضرر اقتصادي وأمني حقيقي بها. السخافة وغير المعقول يصبحان اكبر عندما نتذكر كيف أن السعودية لعبت في ملعب الكبار وتحدت حتى فترة متأخرة الولايات المتحدة بطلبها السماح لها بالقيام بتطوير برنامج نووي مستقل، ومنح اتفاق دفاع مشترك مقابل التطبيع مع إسرائيل في الوقت الذي تقوم فيه بلعبة تنس طاولة بين واشنطن والصين.

الآن السعودية مضطرة الى مواجهة تحالف من المنظمات، واحدة في غزة والثانية في لبنان. ويجب عليها الأمل بأن قطر بالذات، الدولة التي فرضت عليها المملكة حصارا خانقا في الاعوام 2017 – 2021، ستنجح في النقطة الحالية باعادة صمام الامان للعبوة الناسفة التي هي على وشك الانفجار في غزة.

عن صحيفة "الأيام" نقلاً عن "هآرتس"




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية