
أعلنت الجماعة الإسلامية، وهي جماعة مسلحة في جنوب شرق آسيا كانت مرتبطة بتنظيم القاعدة، في 30 يونيو الماضي حل نفسها علناً، ما يمثل نقطة تحول محتملة في الحرب ضد الإرهاب في إندونيسيا ويثير تساؤلات حول مستقبل الجماعة.
وقد أثار الإعلان الذي أصدره زعماء الجماعة ردود فعل متباينة، حيث أعرب بعض الخبراء عن شكوكهم بشأن دوافع المجموعة وإمكانية استمرار نشاطها السري.
ونفذت الجماعة الإسلامية بعضاً من أعنف الهجمات الإرهابية في إندونيسيا، مستهدفة المصالح الغربية وقوات الأمن الإندونيسية، بما في ذلك تفجيرات بالي عام 2002 التي أسفرت عن مقتل 202 شخص.
وقال أبورسيدان، أحد قادة المجموعة، أثناء قراءته من بيان معد سلفا بحضور أعضاء كبار آخرين في مكتب الوكالة الوطنية لمكافحة الإرهاب في بوجور، على بعد حوالي 50 كيلومترا (31 ميلا) جنوب جاكرتا، “نحن مستعدون للمساهمة بشكل فعال في تقدم إندونيسيا وكرامتها”.
وقال محمد أدهي باكتي، المدير التنفيذي لمركز دراسة التطرف وإزالة التطرف، إن الجماعة الإندونيسية تحولت بالفعل بعيدا عن العنف تحت قيادة بارا ويجايانتو، الذي حصل على إجازة من السجن لحضور الإعلان.
وأضاف باكتي “لقد اختار كبار الشخصيات في الجماعة الإسلامية المسار الأكثر منطقية بحل الجماعة”.
ومع ذلك، أعرب عن قلقه من أن الأعضاء من المستوى الأدنى قد لا يحذون حذوه قائلا “أنا قلق من ظهور مجموعات منشقة في المستويات الدنيا”.
وجاء في تقرير نشره منتدى شرق آسيا أنه بالتأمل في هذا التطور، يلوح سؤال واحد في الأفق: هل هذه هي النهاية الحاسمة للجماعة الإسلامية، أم أنها خداع إستراتيجي له آثار بعيدة المدى؟
وكان زوال الجماعة الإسلامية، التي كانت ذات يوم المنظمة الإرهابية الأكثر رعبًا في جنوب شرق آسيا، والتي ترتبط بتنظيم القاعدة، غير متوقع.
ويعتقد أن زعيم المجموعة الحالي، بارا، الذي حُكم عليه بالسجن سبع سنوات بتهمة الإرهاب في عام 2020، فضل نهجًا أكثر اعتدالًا مع التركيز على التواصل والتعليم الإسلامي بدلاً من العنف.
نشأة الجماعة الإسلامية
تأسست الجماعة الإسلامية في تسعينات القرن العشرين بهدف واضح وهو إنشاء دولة إسلامية في جميع أنحاء جنوب شرق آسيا.
وبالإضافة إلى تفجيرات بالي في عامي 2002 و2005، كانت المجموعة وراء هجمات عامي 2003 و2009 على فندق ماريوت في جاكرتا، وتفجير السفارة الأسترالية في العاصمة الإندونيسية في عام 2004.
واتخذت الحكومة الإندونيسية إجراءات صارمة ضد الجماعة بعد تفجيرات بالي الأولى، واعتقلت وسجنت العديد من قادتها.
وتم حظر الجماعة رسميا في عام 2008، لكنها واصلت العمل في الخفاء، وتجنيد الأعضاء، وجمع الأموال، وإجراء التدريبات العسكرية، بحسب مسؤولين ومحللين.
ويأتي قرار حل الجماعة بعد سنوات من الضغوط من جانب السلطات الإندونيسية التي اعتقلت العشرات من أعضاء الجماعة الإسلامية في السنوات القليلة الماضية.
وأضعف الصراع الداخلي الجماعة الإسلامية. فقد أدى النطاق المروع لتفجيرات بالي وغيرها من الهجمات إلى فقدان الدعم العام، مما أدى إلى إبعاد المجندين المحتملين وتقليص الدعم المالي للجماعة الإسلامية. كما أدت الخلافات الأيديولوجية والنزاعات القيادية والانقسامات الفصائلية إلى تآكل تماسك الجماعة.
وعلى الرغم من محاولات إعادة الظهور في منتصف العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، وخلال ذلك الوقت كانت الجماعة الإسلامية ملتزمة بعدم الانخراط في الإرهاب في إندونيسيا، إلا أن الجماعة الإسلامية لم تتمكن أبدًا من استعادة قوتها السابقة.
وكان اعتقال زعيمها بارا ويجايانتو في عام 2019 ضربة قاضية. وبحلول عام 2022، اعترف ويجايانتو في مقابلة في السجن بأن الجماعة الإسلامية لم تعد موجودة ككيان موحد.
ولكن قصة الجماعة الإسلامية لا تنتهي بحلها. إذ لا يزال تأثيرها الأيديولوجي قائماً من خلال شخصيات مثل الدكتور سوناردي، الذي أدى مقتله على يد دينسوس 88 إلى احتجاجات واسعة النطاق من جانب المجتمع الطبي، الأمر الذي يؤكد الحاجة إلى التواصل الشفاف في ما يتصل بإستراتيجيات مكافحة الإرهاب.
ويظل الشك قائماً داخل الدوائر المتطرفة وبين خبراء مكافحة الإرهاب بشأن الطبيعة الحقيقية لهذا الحل. فهل اختفت الجماعة الإسلامية حقاً أم أنها انزلقت ببساطة إلى الظل، في انتظار لحظة أكثر ملاءمة للظهور مرة أخرى تحت ستار مختلف؟
ومن الجوانب المزعجة في حل الجماعة الإسلامية الافتقار إلى الشفافية في ما يتصل بالأصول الاقتصادية للجماعة. فلم يكن هناك تحويل واضح للأموال أو الكشف عن التعاملات المالية للجماعة، الأمر الذي أثار الشكوك في أن هذا قد يكون مناورة تكتيكية وليس حلاً حقيقياً.
وتضيف قضية العضو البارز في الجماعة الإسلامية بامبانج سوكيرنو، المعروف باسم “بانجكير”، طبقة أخرى من التعقيد.
وعلى الرغم من الشكوك حول تعاونه مع السلطات الإندونيسية، يظل بانجكير مؤثراً بسبب موارده المالية الضخمة. ولا يزال من غير الواضح ما إذا كان مؤيداً حقيقياً للجماعة الإسلامية أم حليفاً سرياً للسلطات؟
فرصة للحكومة
يمثل حل الجماعة الإسلامية فرصة للحكومات لتحويل التركيز نحو إعادة التأهيل. فالأعضاء السابقون في الجماعة الإسلامية الذين يفتقرون الآن إلى هيكل تنظيمي يقفون عند مفترق طرق. ومن الممكن أن تمنع برامج إعادة التأهيل الفعّالة هؤلاء الأفراد من الانزلاق إلى التطرف مرة أخرى، بل وتوجههم بدلاً من ذلك نحو إعادة الإدماج الاجتماعي.
ولكن هذا أسهل قولاً من الفعل. فالتأهيل لا يقتصر على توفير التدريب المهني أو التعليم؛ بل يتطلب نهجاً شاملاً يعالج الأسباب الجذرية للتطرف، بما في ذلك التلقين الأيديولوجي والاغتراب الاجتماعي.
وبدعم من الوكالة الوطنية لمكافحة الإرهاب، يمكن للمانحين الدوليين والمنظمات الإسلامية مثل محمدية ونهضة العلماء ــ وإن لم تكن قوية بعد في جهودها لإعادة التأهيل ــ أن تعمل بشكل وثيق مع جماعات المجتمع المدني الأخرى المشاركة في منع ومكافحة التطرف العنيف في إندونيسيا. ويمكن لهذه المنظمات أن تساعد في ضمان تخلص المدارس التابعة للجماعة الإسلامية، التي لا تزال تعمل بشكل قانوني بموجب القانون الإندونيسي من الأيديولوجيات المتطرفة وتعزيز السلام والتسامح.
وتعني الشعبية المستمرة للنهج المزدوج للجماعة الإسلامية ــ الدعوة (الدعوة) والنضال المسلح (الجهاد) ــ بين قطاعات معينة من السكان أن إرث الجماعة قد يستمر في إلهام أجيال جديدة من المتطرفين. وفي غياب الرصد المستمر والمشاركة، قد تنشأ كيانات جديدة وأكثر خطورة في المنطقة.
ويشكل حل الجماعة الإسلامية لحظة حاسمة في مكافحة الإرهاب في جنوب شرق آسيا. لكن هذا الانتصار الظاهري لا ينبغي أن يهدّئ المنطقة ويحولها إلى حالة من الرضا عن الذات.
ويتعين على صناع السياسات أن يواصلوا تعزيز جهود الاستخبارات، وتعزيز التعاون الإقليمي، وبناء مجتمعات مرنة قادرة على الصمود في وجه التهديدات الأيديولوجية والعملياتية التي قد تنشأ في حقبة ما بعد الجماعة الإسلامية.
وسوف يكون الاختبار الحقيقي لحل الجماعة الإسلامية ما إذا كانت منطقة جنوب شرق آسيا قادرة على منع بقاياها من إعادة تشكيل نفسها وما إذا كان من الممكن إعادة تأهيل الأعضاء السابقين بنجاح.
وإذا تحقق ذلك، فقد يتذكر الناس حل الجماعة الإسلامية باعتباره انتصاراً ضد الإرهاب. وإذا لم يحدث ذلك، فقد يصبح مجرد فصل آخر في النضال المستمر ضد التطرف العنيف في المنطقة.
العرب