جنوب شرق آسيا في مواجهة عاصفة الإرهاب المحتمل

جنوب شرق آسيا في مواجهة عاصفة الإرهاب المحتمل


03/08/2022

قبيل تفشي وباء كوفيد -19، شهد العام 2019، صعوداً حاداً في منحى الإرهاب في إقليم جنوب شرق آسيا، واستناداً إلى أطلس المقاتلين لجنوب شرق آسيا، الذي وضعه المركز الدولي لبحوث العنف السياسي والإرهاب (ICPVTR)، فإنّه، وعلى الرغم من تفشي الحالة الوبائية، وتعرض الجماعات الإرهابية في المنطقة، ولا سيما في الفلبين وإندونيسيا، لخسائر كبيرة على أيدي السلطات المحلية، تواصلت العمليات الإرهابية خلال أعوام تفشي الوباء، بعد مدة من الكمون؛ جاءت بهدف إعادة تنظيم الصفوف، وتضمّنت إستراتيجية الجماعات الإسلاميّة المسلّحة، عدة تحركات لدعم الأنشطة التي تعزز القدرة العملياتية لديها؛ مثل: التدريب البدني، وممارسة فنون الدفاع عن النفس، وجمع الأموال، وشراء الأسلحة والتجنيد.

المواجهة الخشنة وإستراتيجيات الإرهاب العابر للحدود

اجتاحت القوات المسلحة الفلبينية، الملاذات الآمنة للجماعات الإرهابية، ونجحت إلى حد بعيد في تدمير القدرات القتالية لها. وفي ماليزيا، قضت القيادة الأمنية بشرق صباح (ESSCOM) على مجموعة من العناصر، التي كانت تحاول إنشاء ملاذ آمن بالولاية، لأفراد جماعة أبو سياف الفارين من القوات المسلحة الفلبينية. وفي إندونيسيا، نجحت الفرقة الوطنية لمكافحة الإرهاب، في تفكيك الخلايا الإرهابية المحلية، وتقليص وتيرة الهجمات بشكل كبير. وبالتالي لجأت الجماعات الإسلاميّة المسلحة، إلى انتهاج ما يُطلق عليه الصبر الإستراتيجي.

مع الوقت، وبحسب مجلة The Diplomate، المتخصصة في الشؤون الإستراتيجية، بدأت مجموعات جهادية مسلحة، مثل الجماعة الإسلاميّة، في التسلل إلى أجهزة الدولة الإندونيسية ومؤسسات المجتمع المدني، والأوساط الأكاديمية؛ لنشر أهدافها السياسيّة. والجدير بالذكر أنّ أنونج الحمد، العضو البارز في حزب (PDRI)، وهو حزب سياسي إسلامي، تولى منصب الأمين العام للجماعة الإسلامية، وكان أنونج منخرطاً أيضاً في الأوساط الأكاديمية، ونشر كتاباً يناقش فيه ضرورات التعليم الجهادي الإلزامي في إندونيسيا.

اجتاحت القوات المسلحة الفلبينية الملاذات الآمنة للجماعات الإرهابية

في الفلبين، أوقفت جماعة الدولة الإسلامية - ماوت (DIMG) العمليات الهجومية الاستباقية، وأعطت الأولوية لعملية التجنيد بين أفراد المجتمعات المسلمة الأكثر تهميشاً وفقراً، بسبب المناوشات المستمرة بين القوات المسلحة الفلبينية، ومختلف الجماعات المسلحة، وربما تكون المنطقة على موعد مع مواجهات جديدة أكثر حدة، فهناك دلائل على عمليات إعادة التجميع والتعافي، والاستعداد لشن هجمات مباغتة.

أزمة العائدين من العراق وسوريا

من الواضح إذن أنّ التطرف قد يستمر أعواماً في المنطقة؛ حيث تبذل الجماعات الإرهابية كل ما في وسعها؛ من أجل البقاء والخروج من مخابئها بشكل أقوى. لذلك، يجب عدم إساءة فهم هذا الهدوء اللحظي، فبحسب وزير الدفاع السنغافوري، نج إنج هين، فإنّه من المحتمل عودة أعمال العنف بشدة إلى منطقة شرق آسيا، خاصّة مع استئناف رحلات الطيران، والفتح التدريجي للحدود بين البلدان.

 

 نجحت الفرقة الوطنية لمكافحة الإرهاب في إندونيسيا في تفكيك الخلايا الإرهابية المحلية وتقليص وتيرة الهجمات بشكل كبير

 

من الملاحظ أنّ استجابة المتشددين في جنوب شرق آسيا، لإعلان أبو بكر البغدادي قيام الخلافة الإسلامية في العام 2014، كانت كبيرة؛ حيث هاجر المئات من المقاتلين إلى سوريا للمشاركة في الحرب الأهلية. واستناداً إلى تقرير مركز صوفان (Soufan Center) للعام 2017، انضمّ أكثر من 1000 شخص من جنوب شرق آسيا إلى تنظيم الدولة الإسلاميّة، من بينهم القيادي السنغافوري ميجات شاهدان بن عبد الصمد، الملقّب بأبي عقيل.

ومع التراجع الميداني لتنظيم الدولة الإسلاميّة في العراق وسوريا، أضفى اللامركزية على هيكله التنظيمي، وأنشأ ولايات تابعة له على مستوى العالم، من بينها ولاية شرق آسيا، والتي تشمل دول جنوب شرق آسيا مثل: الفلبين، وإندونيسيا، وماليزيا، وسنغافورة، وتايلاند. ودعا تنظيم الدولة الإسلاميّة المجاهدين إلى التجمع في جنوب الفلبين، بشكل خاص.

 

كانت رسالة "داعش" بسيطة: إذا كنت لا تستطيع السفر إلينا، انقل القتال إلى الفناء الخلفي الخاص بك، وسرعان ما أدّت التعبئة في الفلبين إلى تجمع عدد كبير من الإرهابيين في مراوي

 

كانت رسالة "داعش" بسيطة؛ إذا كنت لا تستطيع السفر إلينا، انقل القتال إلى الفناء الخلفي الخاص بك. وسرعان ما أدّت التعبئة في الفلبين إلى تجمع عدد كبير من الإرهابيين في مراوي، من جماعة ماوت وأبو سياف، بالإضافة إلى نحو 100 مقاتل أجنبي، كان بينهم قُصر، وعناصر ماليزية متطرفة، كان على رأسها القيادي الإرهابي الشهير أمين باكو، بالإضافة إلى محمود أحمد وغيرهما. وسرعان ما فرض الجيش الفلبيني حصاراً انتهى بحرب شاملة، كانت أشبه بعملية عسكرية إقليمية كبيرة.

بدأت مجموعات جهادية، مثل الجماعة الإسلاميّة، في التسلل إلى أجهزة الدولة الإندونيسية ومؤسسات المجتمع المدني، والأوساط الأكاديمية

من أبرز المشكلات التي تؤرق حكومات شرق آسيا بشدة، هي ملف العائدين من العراق وسوريا، وبحسب تقرير موقع Diplomat Th، هناك ما يقرب من 700 إندونيسي، ونحو 100 ماليزي، محتجزون في مخيم الهول أو سجن الحسكة، شمال شرق العراق، وتشكل عودتهم  تحدياً أمنياً خطيراً لمنطقة جنوب شرق آسيا.

ترتيبات إقليمية لمواجهة الإرهاب المحتمل

تدرك حكومات جنوب شرق آسيا، أنّ التهديد العابر للحدود؛ يتطلب استجابة متعددة الأطراف، ومن أجل ذلك، أنشأت رابطة أمم جنوب شرق آسيا (آسيان)، آليات متعددة لتعزيز الاستجابة لمواجهة الإرهاب العابر للحدود، كما وُضعت مبادرات إقليمية هادفة؛ لمكافحة الإرهاب، منها، على سبيل المثال، إستراتيجية رقابة الملاحة في بحار سولو سيليبس، باعتبارها طريق العبور الأساسي، لسفر المقاتلين الإرهابيين الأجانب من ماليزيا إلى الفلبين.

 

تمّ إطلاق مجموعة عمل مكافحة تمويل الإرهاب في جنوب شرق آسيا (SEA CTWFG) في تشرين الثاني العام 2019؛ وتهدف إلى معالجة تمويل الإرهاب عبر الحدود

 

كما وافق العديد من أعضاء الآسيان، على الاجتماع مرة كل أسبوعين؛ لتبادل المعلومات الاستخباراتية حول الجماعات المسلحة، وتطوير قاعدة بيانات مشتركة حول الإرهاب. وتمّ إطلاق مجموعة عمل مكافحة تمويل الإرهاب في جنوب شرق آسيا (SEA CTWFG) في تشرين الثاني (نوفمبر) العام 2019؛ وتهدف إلى معالجة تمويل الإرهاب عبر الحدود، من خلال إقامة شراكة بين أجهزة إنفاذ القانون والصناعة والأوساط الأكاديمية، وتتألف مجموعة العمل من وحدات الاستخبارات المالية في الفلبين وإندونيسيا وأستراليا.

مواضيع ذات صلة:

توقعات حول قائمة الإرهاب الأممية المرتقبة.. من هم المرشحون الجدد؟

لماذا تصر إيران على شطب الحرس الثوري من قائمة الإرهاب الأمريكية؟

الإرهاب والجرائم ضد الإنسانية



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية