واجهت جماعة الإخوان المسلمون في الأعوام الأخيرة العديد من التحقيقات والتدقيق حول أنشطتها داخل الدول الأوروبية وتمويلها، ومساهماتها في الكثير من الفعاليات التي وصفت في القارة العجوز بالتطرف والتشدد، لهذا أعاد الكثير من مراكز الدراسات والأبحاث الحديث عن بنيتها الهيكيلة وانتشارها وخلاياها.
ووفقاً للدراسة الصادرة عن المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات، فقد ركزت استراتيجية الانتشار والتمكين لدى جماعة الإخوان المسلمين منذ نشأتها في مصر عام 1928، على دول الغرب باعتبارها نطاقاً جغرافياً ضرورياً لحماية مصالح التنظيم وتوسيع أنشطته، وضمن خطة الانتشار التي وضعها مؤسس التنظيم الأول آنذاك حسن البنا، وعرفت باسم مخطط "أستاذية العالم"، كانت دول أوروبا، وفي مقدمتها لندن، حاضرة كواجهة رئيسية للتنظيم للانطلاق فيما بعد إلى غالبية دول القارة العجوز، ويسجل التنظيم اليوم حضوراً بارزاً في ألمانيا وفرنسا وبلجيكا والنمسا وغيرها، إلى جانب العاصمة البريطانية التي تُعدّ واحدة من أهم معاقل الإخوان في العالم.
وبالرغم من تشديد الإجراءات لمواجهة التنظيم داخل المجتمعات الأوروبية منذ عام 2021، في ضوء استراتيجية شاملة أقرها الاتحاد الأوروبي لمواجهة الإرهاب والتطرف، إلّا أنّ الجماعة ما تزال تمثل خطراً محدقاً على المجتمعات الأوروبية بوجه عام، وتتوالى التحذيرات الأمنية والاستخباراتية من مغبة التواجد الإخواني داخل دول أوروبا.
وأكد المركز أنّ البناء التنظيمي داخل جماعة الإخوان يتكون من مجموعة من الخلايا، وتشكل الأسرة التنظيمية النواة الأولى، وتتكون الأسرة عادة من (4 - 7) أشخاص، ينتخب أحدهم نقيباً للأسرة ويمثلها أمام رئيس الشعبة الإخوانية، وهي رتبة تنظيمية أعلى، وتتلقى الأسرة برنامجاً تربوياً عبارة عن برنامج ثقافي وجزء اجتماعي يشمل التعارف والتفاهم والتكافل والبرنامج التربوي، والأهم برنامج رياضي أقرب إلى التدريبات العسكرية، يختص بالشباب والنشئ بحسب المراحل العمرية المشاركة فيه، وتُعرف المجموعة المشاركة في هذا البرنامج الأخير باسم "الكتيبة"، نسبة إلى المجموعات العسكرية في الجيوش.
يشبه البناء التنظيمي لجماعة الإخوان الشكل الهرمي، يترأسه المرشد العام، يليه مكتب الإرشاد، ثم مجلس الشورى العام، تليه القطاعات واللجان والمكاتب الإدارية، لكنّ حالة الصراع الأخيرة داخل تنظيم الإخوان أثرت بشكل مباشر على الهرم التنظيمي في الداخل والخارج، فمع غياب المرشد العام، والصراع المحتدم بين إبراهيم منير (قبل وفاته) وصلاح عبد الحق ومحمود حسين على منصب القائم بالأعمال، وانقسام الجماعة فعلياً إلى جماعتين لكلّ منهما مرشد؛ الأولى جماعة لندن، والثانية جماعة إسطنبول، فضلاً عن غياب القطاعات واللجان المشكلة داخل مصر بسبب الملاحقات الأمنية لعناصر الجماعة المرصودة على قوائم الإرهاب، مع كل هذه المتغيرات سقطت لائحة العمل التنظيمي للإخوان، وتلاشى البناء الهرمي المركزي، وأصبحت آلية عمل الخلايا الإخوانية أقرب إلى المسارات العنقودية تتسم بعشوائية شديدة وعدم القدرة على حسم القرار بشكل مركزي.
جماعة الإخوان المسلمين منذ نشأتها في مصر عام 1928 ركزت على دول الغرب باعتبارها نطاقاً جغرافياً ضرورياً لحماية مصالح التنظيم وتوسيع أنشطته
وتابعت الدراسة أنّ الانشقاقات والصراعات داخل الجماعة انعكست على آليّة عمل التنظيم؛ بسبب المواجهة الأمنية الشاملة التي تنفذها السلطات في مجموعة من الدول، وفي الوقت الراهن باتت جماعات الإسلام السياسي تعتمد استراتيجيات تركز على التضليل والسرية في ممارسة نشاطها، وتخفي تماماً أيّ صلة تنظيمية مباشرة مع جماعة الإخوان، المصنفة على قوائم الإرهاب في عدة دول عربية، ومتهمة بممارسة العديد من العمليات الإرهابية.
وبحسب المركز الأوروبي، سعت الجماعة لاستخدام المنظمات غير الحكومية في أوروبا، وهي جمعيات غير ربحية، مثل الجمعيات الخيرية والمساجد وغيرها من المؤسسات، بهدف الترويج لأفكارها المتطرفة، والقيام بأعمال العنف والتطرف.
واستندت الدراسة إلى إعلان السلطات الألمانية حظر جماعة (أنصار الدولية) في 6 أيار (مايو) 2021؛ بسبب تورطها في تمويل منظمات إرهابية كـ (هيئة تحرير الشام) في سوريا، و(حركة الشباب الصومالية).
وذكرت الدراسة أهم القيادات الإخوانية التي تدير خلايا التنظيم في أوروبا، خاصة في بريطانيا وألمانيا وفرنسا والسويد وسويسرا، وهم: إبراهيم الزيات، رشيدة النقزي، سمير فلاح، أحمد الراوي، أنس التكريتي، أحمد جاب الله، أبو بكر عمر، عمر الأصفر، فؤاد العلوي، مصطفى الخراقي، محمد الخلفي، شكيب بن مخلوف، عماد البراني، محمد كرموص.
الجماعة ما تزال تمثل خطراً محدقاً على المجتمعات الأوروبية، فيما تتوالى التحذيرات الأمنية والاستخباراتية من مغبة التواجد الإخواني
وعن الهيكل التنظيمي للإخوان في أوروبا، بينت الدراسة أنّ استراتيجية الجماعة اعتمدت على الانتشار في أوروبا على منحى عكسي، مقارنة بنشاطها في الدول العربية، بمعنى أنّ عملية التوغل في الدول الأوروبية تحدث من خلال مؤسسات خيرية ومنظمات اجتماعية ومدنية، وليست تحت هيكل تنظيمي موحد أو ثابت أو إطار سياسي وتنظيمي، كما هو الحال في مصر على سبيل المثال. ويجد الباحثون والسلطات التي تراقب نشاط الإخوان في تلك الدول صعوبة في وضع حدود فاصلة لتلك المؤسسات، والتأكد من انتمائها تنظيمياً للإخوان، وبالتالي يختلف الهيكل التنظيمي للإخوان في أوروبا من دولة إلى أخرى، ولكنّ الملامح المشتركة تتعلق بالأهداف التي تسعى كافة المنظمات والمؤسسات التابعة للتنظيم حول العالم لتحقيقها، والمواقف التي يتم تمريرها من خلال تلك المؤسسات، وكذلك علاقتها بنشاط الجماعة الأم في مصر أو في بعض الدول العربية، فضلاً عن المعلومات التي تتكشف من حين إلى آخر بخصوص التعاون بينها وبين أذرع الإخوان في العالم.
وبحسب الدراسة، تنقسم جماعة الإخوان إلى (67) فرعاً حول العالم، يضعها التنظيم الدولي تحت تقسيم جغرافي إلى (7) مناطق، أهمها على الإطلاق في الوقت الراهن أوروبا باعتبارها الملاذ الآمن لنشاط التنظيم، وينقسم الهيكل التنظيمي للإخوان في أوروبا كالتالي: التنظيم الدولي الذي أسسه مصطفى مشهور المرشد الخامس للجماعة عام 1982 بعد هربه من مصر إلى ألمانيا، والمنظمات والمؤسسات التابعة للإخوان، التي تأسست في الدول الأوروبية تحت غطاء القانون لكنّها تعمل وفق أهداف التنظيم وعلى تحقيق أجندته الخاصة، وبحسب المعلومات المتاحة في هذا الصدد، تُعدّ أبرز تلك المؤسسات؛ الرابطة الإسلامية في بريطانيا، المجلس الإسلامي البريطاني، الهيئة الدينية الإسلامية في النمسا، التجمع الإسلامي في ألمانيا، منظمة (رؤيا) الألمانية، منظمة المرأة المسلمة في ألمانيا، المجلس الإسلامي فى برلين، المركز الإسلامي في ميونيخ.
وسلطت الدراسة الضوء على الشبكات المالية للإخوان، موضحة أنّ التقديرات تؤكد أنّ "الإمبراطورية المالية" لجماعة الإخوان في أوروبا، تتنوع ما بين البنوك والاستثمارات المالية المصرفية والشركات في مختلف القطاعات، والتجارة الحلال، و"الأوف شور"، - شركات يتم تأسيسها فى دولة أخرى غير الدولة التي تمارس فيها جماعة الإخوان نشاطها-، وتُعدّ أحد أهم الروافد التمويلية لجماعة الإخوان.
البناء التنظيمي داخل جماعة الإخوان يتكون من مجموعة من الخلايا تشكل الأسرة التنظيمية النواة الأولى، وتتكون الأسرة عادة من (4 - 7) أشخاص
ورصدت تقارير أوروبية مجموعة من الاستثمارات التابعة لجماعة الإخوان داخل أوروبا بالإضافة إلى تجارة "الحلال" و"الأوف شور"، منها على سبيل المثال: بنك التقوى، وبنك أكيدا الدولي، ومؤسسة أوروبا، وشركة “Stahel Hardmeyer AG in Nachlassliquidation“ وشركة “World Media Services Ltd” ، وشركة ” Jordan Company Secretaries Limited “، وشركة BS Altena AG.
وأكد المركز أنّه رغم نفي علاقتها، إلّا أنّ شبكات التنظيم داخل أوروبا تخضع في إداراتها بشكل كامل لمكتب الإرشاد، وتنفذ الأوامر والتعليمات الصادرة من قمة الهرم التنظيمي، ويُعدّ منصب الأمين العام للتنظيم الدولي هو المشرف والمنسق لآليّة عمل الإخوان داخل الدول الغربية بشكل كامل.
وأظهرت حالة الصراع الأخيرة داخل الإخوان حقيقة حاولت الجماعة إنكارها على مدى العقود الماضية، حول علاقة التنظيم الدولي بالجماعة، المُصنفة "إرهابية" في عدة دول عربية وأوروبية منذ عام 2014، وأثبتت مدى ارتباط هؤلاء بتنظيم الإخوان في الداخل المصري، وأنّهم جميعاً يدورون في فلك التنظيم نفسه، لذلك يجب أن تراجع دول أوروبا، خاصة الدول الداعمة للتنظيم، مواقفها بشأن الإخوان.
مواضيع ذات صلة:
- مدارس الإخوان في أوروبا بين تكريس خطاب الكراهية وغسيل الأموال
- "شبكات الإخوان في أوروبا".. طرد الجماعة الإسلامية في ألمانيا