
هشام النجار
يمكن تفسير الفيديو المرئي الجديد القصير لحركة “حسم”، وهي إحدى الخلايا المسلحة لجماعة الإخوان بمصر، بأنه جاء في سياقات محاولة إظهارها مختلفة، بالتزامن مع الذكرى الثانية عشرة لعزلها عن السلطة في مصر يوم الخميس.
ويُستبعد أن يكون الإصدار المرئي، والذي أثار جدلًا سياسيا، يرمي إلى تغليب هيمنة جناح ما يُعرف بالتغيير أو الكماليين على باقي الأجنحة المتصارعة على الهيمنة على مقاليد الجماعة المنقسمة على نفسها.
وبات أي مظهر عسكري يتصل بجماعة الإخوان دالًا على حضور لجناح الكماليين، نسبة إلى محمد كمال قائد اللجان النوعية المسلحة الذي قضى نحبه في مواجهة مع أجهزة الأمن عام 2016، حيث دشنت الجماعة نشاطها المسلح عقب عزلها عن السلطة، تزامنا مع تصعيد هذا الجناح وتمكينه من قيادة التنظيم عام 2015.
وبعد تقويضه من قبل أجهزة الأمن المصرية، ضمن العديد من التشكيلات المسلحة الموالية لتنظيمي داعش والقاعدة، لم يتبقَ لهذا الجناح سوى مظهر وحيد وهو النشاط التحريضي لقادته الهاربين في الخارج، وأبرزهم يحيى موسى ومحمد منتصر.
ويُعد الفيديو المرئي الأخير أول ترجمة للتحريض والإعداد النظري لقادة الجناح المسلح الهاربين، والذي استمر قرابة عامين تحت مسمى “ميدان”، في سياق رسالة مُفادها أن ما يجري ليس نشاطا تنظيريا إعلاميا، إنما هو إعداد ميداني لخلايا مسلحة.
وتضمن الفيديو المرئي في نهايته بيانًا يربط قادة الحركة فيه مصر بالأحداث الإقليمية، في محاولة للمزايدة عبر توظيف الحرب على قطاع غزة، وتصوير الحركة كمنقذ لا بديل عنه لمن أطلقت عليهم تسمية “عائلات المعتقلين والثكالى داخل مصر”.
وانطوى البيان الذي ختمت به الحركة مشاهد تدريبات عسكرية بأسلحة رشاشة وعربات دفع رباعي بمناطق جبلية مجهولة، وفي ختامه برزت الآية القرآنية “فانتظروا إني معكم من المنتظرين” على علم الحركة التقليدي، على رسائل تهديد باستعداد الحركة لتنفيذ أعمال عنف.
ولا يمضي التحول من التحريض الدعائي من خلال نشاط ما يُعرف بتيار “ميدان” إلى مرحلة التحريض عبر دعائية مرئية بمظهر عسكري، بما تؤمله جماعة الإخوان باتجاه تفكيك أزمتها، فمن المرجح أن يزيدها تعقيدًا.
وتزيد ترجمةُ التهديد المبطن إلى أي عمل عنيف أوضاعَ جماعة الإخوان تعقيدًا، وقد تُمنى أي محاولة لإحياء النشاط المسلح للإخوان بالفشل الذريع، والاستجابة في حينه لمطالب تدعو إلى تنفيذ أحكام الإعدام الصادرة ضد بعض قادة الجماعة.
ويبدو من مجمل المشهد وفقًا لتسلسل سيناريوهاته الرئيسية أن جماعة الإخوان من المستبعد أن تغامر بتصعيد ما عُرف باللجان النوعية المسلحة أو ما يُطلق عليه جناح التغيير؛ فتمكينه من قبل قادة الجماعة ومرشدها بعد فشلها في استعادة السلطة بمختلف الوسائل بداية من عام 2015 تسبب في تعقيد أوضاع الجماعة والإمعان في تفكيك هيكلها التنظيمي وتجفيف مصادر تمويلها الذاتية والخارجية.
وقد يكون الدفع بالجناح المسلح لجماعة الإخوان إلى الظهور مجددًا، هدفه ممارسة ضغوط على القاهرة عبر التلويح بمظهر من مظاهر العنف للاستجابة لبعض مطالب الجماعة، مثل قبول عروض سابقة تتعلق بالمصالحة مع السلطة في مصر.
وهو تفسير منطقي، لأن بيانات الجماعة على مدار السنوات الماضية وصولًا إلى بيانها الأخير بمناسبة بيان الثالث من يوليو الذي عزل الجماعة عن السلطة، أتت دون تحقيق تقدم نحو حل أزماتها المُسْتعصية، معتمدة على خطاب مُكَرر قائم على ارتداء ثوب المظلومية وإطلاق تصورات غير واقعية من قبيل التشكيك في شرعية النظام المصري، والزعم بأن عودة الجماعة تحل العديد من أزمات المجتمع.
وأرادت جماعة الإخوان، بالتزامن مع التحولات في الإقليم، أن يكون تعاطيها مع ذكرى عزلها عن السلطة مختلفًا، مع رغبتها في تقليل مستوى الإحباط في صفوفها.
وترغب جماعة الإخوان في أن تلحق بالأحداث المتسارعة التي شهدت صعودًا لفصائل تنتمي إلى تيار الإسلام السياسي من خارجها، وتجد نفسها أقل في قائمة الأولويات والرعاية والاهتمام من جانب بعض الرعاة التقليديين.
ويُعد التفسير الثاني لمغزى هذا التطور هو الأقل ترجيحًا، والمتعلق بمسعى جناح التغيير أو ما يُعرف بالكماليين داخل الإخوان ويتبنى العنف المسلح في الهيمنة على مقاليد الجماعة، لأن الأمر يُدار داخل التنظيم عبر تبادل الأدوار، وهذا الجناح يؤدي تكليفًا محددًا لتحقيق هدف بعينه يخدم التنظيم ككل.
ولم يوجد على طول تاريخ جماعة الإخوان تصارع أجنحة فعلي أو تمرد من جناح مسلح، إنما ظل التكتيك تأسيس خلايا مسلحة من داخل الجماعة لممارسة الضغط والابتزاز وإظهار القوة، ثم التنصل منها إذا فشلت في أداء مهمتها أو انكشفت أمنيًا.
ووفق هذا التصور لا تعمل حركة “حسم” منفصلة أو بمعزل عن قيادة الجماعة والأجنحة الأخرى.
العرب اللندنية