جديد حزب الله هو قديمه

جديد حزب الله هو قديمه


14/02/2022

فاروق يوسف

ليس حزب الله طائفيا. تلك فكرة أريد تمريرها والترويج لها منذ تسعينات القرن الماضي. وهي فكرة سياسية تنطوي على حيلة، لو تفحصناها جيدا لاكتشفنا أن الطائفيين من وجهة نظر حزب الله هم الآخرون. اما الحل فإنه يكمن في عزل الطوائف الأخرى لينفرد السياسيون الشيعة بالحكم فيتخلص لبنان يومها من نظام المحاصصة الطائفي. وبما أن الآخرين الذين كانوا قد مارسوا اللعب بين حبال الطائفية وبنوا قصورهم من مادة خيالها لم يقتنعوا بتلك الفكرة فكان يجب أن يلحق العقاب بشعوبهم التي يعتبرها حزب الله شعوبا فائضة يمكن أن تُمحى تدريجيا في ظل استمرار الهيمنة الإيرانية.

شعب حزب الله هو الذي سيبقى.

ليست الطائفية تهمة مؤكدة واقعيا ما دمنا نتحدث عن شعوب سيجها التاريخ بمحيط من العزلة. سيكون ذلك الحديث غريبا على بعض اللبنانيين الذين لا يزالون يحلمون بلبنان الفينيقي وشجرة الارز والتبولة لأنهم قرروا أن ينقطعوا عن الواقع ليبحثوا عن جارة الوادي. لقد تغلب الوهم على الواقع فلم ينتبه الكثيرون إلى أن الطوائف قد تحولت إلى شعوب متناحرة. وقد استفاد حزب الله من تلك الحقيقة التاريخية ليتسيد على الطائفة الشيعية ويحولها في ما بعد إلى شعب يقيم على أرض لبنان غير أن دولته تقع في مكان آخر.

سيكون على الشيعة الذين لا يؤمنون بسياسات حزب الله أن يتحدثوا عن مظلومية من نوع جديد، لكن في زمان آخر غير زماننا. غير أن حزب الله الذي قرر أن يشن حربا سرية على الشعوب الأخرى المقيمة على أرض لبنان كان قد حرص على أن آثار تلك الحرب لن تصيب شعبه. لذلك فإن الانهيار المالي الذي ضرب لبنان لم تقع كارثته في المناطق الخاضعة له. ذلك لا يعني أن ذلك الشعب يعيش في ترف وهناءة. فذلك شعب وهب نفسه مضطرا للزهد الذي جعله المقاومون أسلوب عيش في الوقت الذي كان فيه المقاومون أنفسهم يرسلون أولادهم في بعثات دراسية خارج لبنان ويدخرون أموالهم في مصارف تقع في أميركا الجنوبية.

ومثلما أنشأ حزب الله دولته في محاذاة الدولة اللبنانية من غير أن يتخلى عن أذرعه الممدودة داخل مؤسسات الحكم وبالأخص الأمنية والمخابراتية والمالية فقد كانت مؤسساته الاقتصادية تعمل على تدمير مؤسسات الدولة بالاختصاص نفسه لتقيم على ركامها اقتصادا مجاورا يعمل على خدمة الشعب الشيعي الذي استسلم لقدره. لذلك فإن الكارثة التي ضربت المودعين في مصارف لبنان لم تضرب المودعين في مصارف حزب الله. وهو ما كشف عن حقيقة أن حزب الله كان قد عزل شعبه في الجانب الآمن وعمل على تدمير الجانب الآخر وبالأخص على المستوى الاقتصادي.  

لقد ربح شعب حزب الله الحرب. لا تزال أمواله كما هي. كما أنه لا يزال قادرا على سحب تلك الأموال والتصرف بها. وأيضا فإن حزب الله باعتباره تنظيما للفقراء المظلومين لا يزال قادرا على أن يزود أتباعه  

بالخبز وسلة الغذاء اليومية. لعبة البطاقة التموينية التي انقذت الأنظمة الشمولية من السقوط على حساب كرامة الشعوب. في حقيقة الأمر فإن شعب الضاحية الجنوبية هو وديعة لدى حزب الله يفعل بها ما يشاء فيما ينمو اقتصاده الذي يتكون من عمليات غسيل الأموال وتجارة المخدرات إضافة إلى الاتجار بالأسلحة والبشر التي يمارسها مع العراق واليمن من خلال الحوثيين والحشد الشعبي.

كان يُقال إن حزب الله دولة داخل دولة، ولكن الصحيح أنه نجح في أن يستخرج من اللبنانيين شعبا خاضعا له ليحولهم في ما بعد إلى شعوب لا يمكنها أن تتفاهم في ما بينها. تلك شعوب يعز عليها أن تستعيد فكرة أن تكون شعبا واحدا. وهو عن طريق ذلك التقسيم طرح فكرة الانتهاء من نظام المحاصصة الطائفية ليكون الحكم خالصا لطائفة واحدة التي صارت بوجوده شعبا. حينها سينهي تأريخ ليبدأ تأريخ جديد. هو تأريخ الشعب الشيعي الذي لن يعترف بلبنان الفينيقي أبدا.

إلى أن يقع ذلك التحول الذي يؤمن حسن نصرالله بحتمية وقوعه فإن كوارث حزب الله ستظل تنزل حمما على الجميع وسيكون من الصعب على الشعب اللبناني أن ينتبه إلى روح المؤامرة التي تحيط به من كل الجهات وبالأخص ما يصدمه من طرفها العالمي.

عن "ميدل إيست أونلاين"



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية