أثار القرار القضائي المصري برفع عدد من المواطنين من قوائم الإرهاب، بينهم قيادات داخل تنظيم الإخوان، حالة من الجدل حول تحول الموقف المصري تجاه الجماعة التي تضعها الحكومة المصرية على قوائم الإرهاب منذ عام 2014، خاصة في ضوء ترويج بعض السياسيين والباحثين لاحتمالات حدوث تفاهمات في هذا الصدد، لكنّ مصدراً مصرياً مطلعاً، فضلاً عن باحثين مختصين بالملف، أكدوا لـ (حفريات) أنّ القرار يأتي في سياق بعيد تماماً عن أيّ تغييرات في موقف الدولة المصرية، أو الموقف القانوني لجماعة الإخوان، مؤكدين أنّ ملف المصالحة "مستبعد" تماماً، ولا يحظى بقبول رسمي أو شعبي، رغم مطالب الجماعة المتكررة بهذا الصدد.
وكانت النيابة العامة بمصر قد أعلنت الأحد الماضي رفع (716) شخصاً من قوائم الإرهاب، من بينهم قيادات إخوانية بارزة متهمة بجرائم على ذمة العديد من القضايا الإرهابية؛ أبرزهم: القيادي الإخواني يوسف ندا، والداعية وجدي غنيم، ويحيى حامد الوزير السابق في حكومة الرئيس المعزول محمد مرسي، والقيادي أمير بسام، فضلاً عن أحد أبرز المتحدثين باسم الجماعة جهاد عصام الحداد، والداعية الراحل يوسف القرضاوي، وعبد الله نجل مرسي الراحل، إضافة إلى مجموعة من رجال الأعمال والصحافيين، "حسبوا في السابق على التنظيم"، وغيرهم.
ويقول مصدر مصري مطلع في تصريح لـ (حفريات): إنّ الحديث عن القرار باعتباره جزءاً من قرار مصري للمصالحة مع الإخوان، هو أمر لا يمتّ للواقع بصلة، مشدداً على التزام بلاده بالقوانين المنظمة للائحة المنظمات والكيانات الإرهابية، التي تشمل تنظيم الإخوان وعدد من التنظيمات الأخرى التي مارست عنفاً وإرهاباً ممنهجاً ضد الشعب المصري ومؤسسات الدولة الوطنية، وبسؤاله عن طبيعة القرار ودوافعه، اكتفى المصدر بالقول إنّه "يأتي في ضوء إجراءات قضائية وقانونية".
وينص القانون المصري الصادر في عام 2015 تحت عنوان "تنظيم قوائم الكيانات الإرهابية والإرهابيين" على أنّ مدة إدراج الأشخاص في قوائم الإرهاب هي (5) أعوام، وبعد مرور هذه الفترة تقوم محكمة الجنايات بمراجعة القوائم واتخاذ قرار بتمديد إدراج الأسماء أو شطبها بناءً على التحريات والتحقيقات التي يقدمها النائب العام، كما ينص القانون على أنّ الشخص المدرج في هذه القوائم يخضع لسحب أو إلغاء جواز سفره، أو يتم منعه من تجديده، سواء كان مقيماً داخل البلاد أو خارجها. بالإضافة إلى ذلك يفقد الشخص حقه في التمتع بسمعة "حسن السيرة والسلوك" التي يتطلبها تولي المناصب العامة أو النيابية.
جدل غير منطقي
ويقول رئيس الهيئة العامة المصرية للاستعلامات ضياء رشوان: "إنّ القرار القضائي غير المسبوق باستبعاد مئات الأشخاص، جلّهم من الإخوان، من قوائم الإرهابيين، ليس سياسياً أو صادراً عن الرئيس أو رئيس الحكومة أو أيّ مسؤول في السلطة التنفيذية كي يتحدث البعض عن مصالحة بين السلطة وجماعة الإخوان، بل هو قرار قضائي".
وتساءل رشوان في تصريح صحفي لـ (بي بي سي): "أيّ جماعة تلك التي سيعترف أو يتصالح معها النظام؟ إذا كانت الجماعة نفسها لا تعترف بنفسها، وتقسمت إلى عدة جماعات وكيانات؟".
وشدد على أنّ هذا القرار يخص قضية قوائم الكيانات الإرهابية والإرهابيين، أي أنّ استبعاد أيّ شخص من تلك القوائم يعني أنّه بات غير محروم من حقوقه المتعلقة بحياته كشخص مصري كامل الأهلية للتعامل المالي والتعامل مع الجهات والمؤسسات وغيرها من الحقوق، ولكنّ هذا لا يعني إسقاط أيّ قضية جنائية أخرى أو جريمة يحاكم الشخص نفسه عليها أمام القضاء إن وجدت.
هل المصالحة ممكنة؟
أوضح الباحث المختص بالإسلام السياسي والإرهاب أحمد سلطان لـ (حفريات) أنّ قضية المصالحة مع جماعة الإخوان المسلمين تصدرت النقاش العام مؤخراً، خاصة بعد قرار محكمة مصرية برفع بعض الأسماء من قوائم الإرهاب، وأشار إلى أنّ هذه الخطوة ليست الأولى، فقد شهدت الأشهر الماضية رفع أسماء أخرى من القائمة، لكنّ القائمة الأخيرة أثارت جدلاً نظراً لاحتوائها على شخصيات بارزة، في حين أنّ قرارات سابقة لم تحظَ بالاهتمام ذاته لأنّها لم تشمل أسماء قيادية معروفة.
وتساءل سلطان عمّا إذا كان هذا التوجه يشير إلى وجود نية للمصالحة، مشيراً إلى أنّ رفع الأسماء كان يمكن اعتباره جزءاً من الإجراءات الروتينية لجهات إنفاذ القانون، لكنّه استدرك أنّ البيان الصادر من النيابة العامة، الذي أشار إلى مراجعة شاملة للأسماء المدرجة على قوائم الإرهاب، يوحي بوجود توجيه من القيادة السياسية لإعادة تقييم هؤلاء الأشخاص بناءً على نشاطاتهم الحالية ومدى تورطهم في أعمال عنف أو تهديد للدولة.
وأضاف أنّ اتخاذ قرار بالمصالحة ليس أمراً بسيطاً، فهو يرتبط بالسياقات المحلية والإقليمية والدولية، مثل التوترات في فلسطين ولبنان، واعتبر أنّ هذه الخطوة قد تكون أولية وقد تعقبها خطوات أخرى، لكنّها قد تظل أيضاً خطوة منعزلة إذا لم تحظَ بالدعم اللازم من الجهات المختلفة، وشدد على أنّ مثل هذا القرار يتطلب مشاورات مع جهات متعددة، بما فيها الجهات الأمنية والقضائية والتنفيذية، ويصدر في النهاية عن المستوى السياسي الأعلى، أي رئيس الجمهورية.
وتطرق سلطان إلى حالة التفاؤل التي أبدتها بعض الأطراف بشأن القرار، مشيراً إلى أنّ الحديث عن المصالحة الشاملة في الوقت الحالي غير واقعي، لأنّ جماعة الإخوان نفسها تعاني من انقسامات داخلية حادة، وأوضح أنّ الجماعة منقسمة بين مجموعات مختلفة، مثل جبهة محمود حسين وجبهة إبراهيم منير والمجموعة الشبابية، ممّا يجعل التوصل إلى تفاهم شامل مع كل هذه الأطراف أمراً معقداً.
وأكد الباحث المصري أنّ بلاده سبق أن اتخذت خطوات تهدف إلى نزع التطرف وإعادة تأهيل ودمج الأفراد، لكنّه أوضح أنّ المصالحة مع جماعة الإخوان تتطلب ترتيبات دقيقة وضمانات قوية، وهي أمور لم تتوفر بشكل كامل حتى الآن، مشيراً إلى أنّ احتمالية تكرار خطوات إعادة التأهيل والدمج مع جماعة الإخوان المسلمين قائمة، لكنّها تواجه حالة من عدم اليقين تجعل استشراف المستقبل صعباً. وبيّن أن الحكم بوجود اتجاه واضح نحو المصالحة غير ممكن في ظل المعطيات الحالية، رغم اتخاذ بعض الخطوات العملية.
وأوضح سلطان أنّ ردود الفعل داخل الجبهات الإخوانية المنقسمة تعكس هذا الغموض، حيث شهدت الفترة الأخيرة، حتى بعد قرار رفع بعض الأسماء من قوائم الإرهاب، انتقادات من أعضاء بمجلس الشورى العام لجماعة الإخوان، خصوصاً المحسوبين على جبهة محمود حسين. وأضاف أنّ هؤلاء الأعضاء هاجموا القرار علناً رغم أنّ كثيرين منهم يسعون للتنسيق سراً، ممّا يعكس صعوبة توحيد الرؤية داخل الجماعة.
وأكد أنّ الاتفاق على قرار موحد داخل الإخوان ما زال بعيد المنال، ممّا يجعل الحديث عن مصالحة شاملة غير واقعي في المرحلة الراهنة. وشدد على أنّ أيّ مصالحة مستقبلية ستكون مشروطة بحسم الملفات العالقة داخل الجماعة، إلى جانب وجود إرادة سياسية واضحة من القيادة المصرية لدفع هذا المسار.