تونس وصندوق النقد الدولي: هل يغدو الضغط الاقتصادي باباً خلفياً لحركة النهضة؟

تونس وصندوق النقد الدولي: هل يغدو الضغط الاقتصادي باباً خلفياً لحركة النهضة؟


24/03/2022

ثمة خبر على تخوم أزمة تستدعي عديد العناصر، التي تتفاعل معاً؛ فتطرح جملة من الأطروحات المتعلقة بمستقبل تونس الخضراء. الخبر يشير إلى زيارة وفد من صندوق النقد الدولي، خلال الشهر الجاري؛ لإجراء مزيد من النقاشات حول برامج المساعدات المالية الجديدة، ويسعى خبراء الصندوق إلى البناء على ما تم إحرازه سلفاً، للتقدم نحو في فهم سياسات الصندوق الإصلاحية، وذلك بحسب ما أعلنه، جيري رايسيسرسل، المتحدث باسم صندوق النقد الدولي لوكالة الأنباء الفرنسية.

 

اقرأ أيضاً: "حل الأعلى للقضاء".. إشادة تونسية بقرب زوال الإخوان

أمّا الأزمة، فتتشكل ملامحها عبر واقع اقتصادي مأزوم، واجتماعي متوتر؛ نتيجة المراهقة السياسية التي انتهجتها حكومات حركة النهضة الإخوانية، خلال سنوات العقد الماضي؛ حيث فرّطت غير مرة في كافة سبل الإصلاح، ودفع البلاد نحو ملاذات آمنة ومستقرة اقتصادياً وسياسياً.

ذلك التفاعل بين وضعية الاقتصاد التونسي، وواقع السياسة، يطرح عدة تصورات حول مآلات المستقبل وسيناريوهاته بين الأطراف الفاعلة داخلياً، سيما مؤسسة الرئاسة التي تقبض على مفاعيل السلطة، بعد قرارات 25 تمّوز (يوليو) الماضي، والاتحاد التونسي للشغل؛ بما يمثله من ثقل نقابي ومدني، وما يحمله من رمزية تاريخية في البلاد.

جنات بن عبدالله: زيارة وفد صندوق النقد الدولي، نهاية الشهر آذار  الجاري للبلاد، تتزامن مع تخفيض الوكالة العالمية للتصنيف الائتماني لترقيم تونس السيادي من (b-) إلى (cc c)

كل ذلك يطرح سؤالاً: هل ثمة مسار من الممكن أن يجمع المؤسستين؟ بحيث يعززان قبضة البلاد ضد حركة النهضة، ويطرحان من خلال ذلك مسارات سياسية بديلة لسنوات قادمة، أم أنّ الأخيرة ستعثر على ضالتها، من خلال أزمة الواقع، وما بين فراغات الفرقاء؟

صعوبة الإذعان لشروط الصندوق

وفي هذا الصدد، تقول جنات بن عبد الله، الخبيرة الاقتصادية التونسيّة، وعضو لجنة العلاقات الثنائيّة بين تونس والاتحاد الأوروبي، في المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، إنّ حصول تونس على تمويل جديد من صندوق النقد الدولي، يرتهن بقدر التنازلات التي ستقدمها الحكومة التونسيّة، ولذلك فهي ترى أنّ فرص تحقق ذلك "ضعيفة".

وتلفت الكاتبة المختصة بالشأن الاقتصادي والتجارة الدولية، في تصريحاتها لــ "حفريات"، إلى أنّ ما استقرت عليه عديد القوى الوطنية، يتجه نحو التأكيد على أنّ هذه التنازلات، استدرجت إليها الحكومة التونسيّة، التي لم تتردد في الانخراط في إصلاحات هيكلية، منذ تولّيها لمهامها رسمياً، بيد أنّ ذلك حدث في ظل غياب تقييم حقيقي لهذا البرنامج، وكذا تأثيراته على التوازنات المالية الداخلية، المتعلقة بعجز ميزانية الدولة، والتوازنات المالية الخارجية، المتعلقة بعجز ميزان المدفوعات.

لطفي الرياحي: الوضع المأزوم الذي تعانيه تونس اقتصادياً واجتماعياً، له ظل سياسي، وتداعيات مهمة على واقع ومستقبل البلاد، في إطار مباحثات صندوق النقد الدولي

وترى جنات بن عبدالله، أنّ زيارة وفد صندوق النقد الدولي، خلال نهاية آذار (مارس) الجاري للبلاد، تتزامن مع تخفيض الوكالة العالمية للتصنيف الائتماني لترقيم تونس السيادي من (b-) إلى (cc c) ما يكشف حقيقة التوازنات المالية الخارجية، التي تتسم بشح وندرة سيولة العملة الأجنبية، بما يرفع من درجة المخاطر الائتمانية لتونس، ويقلّص من قدرتها على سداد يونها الخارجية، الأمر الذي يضع البلاد على حافة الإفلاس.

وتقدّر الخبيرة الاقتصادية التونسيّة أنّ هذه الوضعية، تعمق الضغوط على الجانب التونسي، في سياق مفاوضاته مع الصندوق؛ خاصّة مع غياب المساندة من أهم منظمة نقابية، وهي الاتحاد العام التونسي للشغل، الذي رفض برنامج الإصلاح الموضوع من قبل حكومة السيدة نجلاء بودن، بسبب ما جاء فيه من محاور تتعلق بالسياسات المالية العموميّة، والتي تقوم على سياسة التقشف، من حيث تقليص الأجور في الوظيفة العموميّة، ورفع الدعم عن المواد الأساسيّة والمحروقات.

 

اقرأ أيضاً: تونس: حركة النهضة وحيدة في مواجهة أزمتها

تختتم جنات بن عبدالله تصريحاتها، مؤكدة أنّ الحكومة التونسيّة تصر على استكمال مفاوضاتها مع صندوق النقد الدولي، وتعتبر التمويل فرصة لإنقاذ الميزانية العامة للدولة، سيما مع التراجع المستمر لسعر صرف الدينار التونسي أمام  الدولار الأمريكي، حيث لامس حد الثلاثة دنانير، بعدما كان سعره ديناراً وثلاثمائة مليم في العام 2010.

إجراءات ضرورية

يرى مراقبون أنّ سياق التعثر بين صندوق النقد الدولي وتونس له بعد تاريخي، منذ التعاون الذي تمّ في العام 2013؛ إذ لم تف تونس بتعهداتها في برنامج الإصلاح، ثم عادت في العام 2016، بعد المصادقة على الدستور، وإجراء الانتخابات، وتشكيل حكومة جديدة، وتقدمت بطلب للحصول على قرض، وحصلت عليه بالفعل، بيد أنّها لم تلتزم بتلك الإصلاحات في ذلك الوقت، ما يفرض تحديات متعددة في مسار المفاوضات.

من جانبه، يرى لطفي الرياحي، رئيس المنظمة التونسية لإرشاد المستهلك، أنّه لا يخفي على أحد، الازمة التي تعيشها تونس، خاصّة على المستوى الاقتصادي؛ إذ يبلغ حجم الدين العمومي، المسجل إلى غاية آخر شهر تشرين الأول (أكتوبر) العام 2021، ما قدره 35.5 مليار دينار.

زهير المغزاوي: الشعب التونسي يدرك تماماً مسؤولية حركة النهضة الإخوانية، والحكومات التابعة لها، عن وضعية البلاد اقتصادياً واجتماعياً وسياسياً

ويتابع الرياحي، تصريحاته لــ "حفريات"، لافتاً إلى أنّ انضمام تونس لصندوق النقد الدولي، كان في العام  1958، وفي العام  1986، حصلت على أول قرض، وكررت البلاد هذا التعاون بعد أحداث العام 2011، وتحديداً في العام 2013، حيث تحصّلت تونس على 1.7مليار دولار، وفي العام 2016، تحصّلت على 2.9 مليار دولار.

على خلفية ذلك، تتجه الحكومة حالياً إلى طلب الحصول على مبلغ قدره 4 مليارات دولار؛ لمعالجة الوضع الراهن.

يقدّر رئيس المنظمة التونسيّة لإرشاد المستهلك، أنّ هذا التعاون يأتي من جانب الحكومة التونسيّة؛ بغية دعم الوضع الاقتصادي، بيد أنّ ذلك يتطلب التحرك بجدية، نحو إصلاحات عميقة، ومن خلال ذلك أشار إلى وجهة نظر المنظمة التونسيّة لإرشاد المستهلك، بضرورة أن تكون وصفة العلاج؛ عبر المقاربة المعتمدة للضغط على نفقات ميزانية الدولة، من خلال الضغط والتحكم في موجات ارتفاع الأسعار، والسعي نحو تحسين القدرة الشرائية للمستهلك، وذلك بإصدار مراسيم تعمل على الهيكلة الحقيقية لأسعار المنتوجات؛ عبر إلغاء هامش الربح الخلفي، التي تعتمده المساحات الكبرى، ما يجبر المنتج على الرفع في أسعار منتجاته؛ ليحافظ على توازناته.

ويؤكد لطفي الرياحي، أنّ أهم العناصر التي تساهم في ارتفاع الأسعار، عدم تحديد أعلى سقف لهامش الربح لجميع المتدخلين، من المنتج إلى تجار الجملة وتجار التجزئة، مع ضرورة ترشيد توريد المنتوجات التى لها مثيل وطني، والعمل علي مكافحة الاحتكار والتهرب الجبائي؛ لتحقيق حماية النسيج الوطني.

ومن جهة أخرى، يوضح رئيس المنظمة التونسيّة لإرشاد المستهلك، ضرورة إعادة هيكلة فاتورة الكهرباء والماء؛ باعتماد آلية الأقساط المنفردة؛ للحد من تضخمها وتأثيرها على ميزانية المستهلك، والتوجه نحو تطوير الاقتصاد الاجتماعي التضامني؛ ليلعب دوراً محورياً في تعزيز الإدماج الاجتماعي؛ للنفاذ إلى سوق العمل، ومكافحة التفاوت الطبقي؛ لتحقيق العيش الكريم والعدالة الاجتماعية، والحد من هيمنة الاقتصاد الريعي.

منية العرفاوي: لا ينبغي تجاهل رمزية الاتحاد التونسي للشغل، وقيمته باعتباره أهم التكتلات النقابية في البلاد

إلى ذلك، يختتم الرياحي تصريحاته، مؤكداً أنّ "الوضع المأزوم الذي تعانيه تونس اقتصادياً واجتماعياً، له ظل سياسي، وتداعيات مهمة على واقع ومستقبل البلاد، في إطار مباحثات صندوق النقد الدولي؛ إذ يعول رئيس الجمهورية على ضخ أموال البرنامج؛ لتعزيز وضعية الاقتصاد، والخروج بالبلاد نحو وضعية آمنة؛ تمكّنه من إتمام مشروعه السياسي".

البُعد السياسي

لا ترتبط قرارات صندوق النقد الدولي، فقط، بمؤشرات اقتصادية، بل تمتد نحو خلفية سياسية؛ سواء عبر توجهات صندوق النقد الدولي، ورأي الدول التي تتحكم فيه، خاصّة الولايات المتحدة، فضلاً عن الأهمية اللافتة، التي يضعها الصندوق، فيما يتصل بمدى استقرار الوضع السياسي داخل البلد، وتوافق الأطراف الفاعلة؛ ما يعني أنّ الوضعية السياسية حاضرة بقوة، في مشاورات صندوق النقد الدولي مع الحكومة التونسيّة، وأنّها سوف تمثل جلّ المفاوضات فيما بين الطرفين.

في هذا السياق يذهب زهير المغزاوي، رئيس حركة الشعب التونسيّة، إلى التأكيد على أنّ الملف الاقتصادي، هو واحد من أهم الملفات، التي ينبغي على الرئيس قيس سعيّد أن يوليها اهتمامه، ويدرك أنّ البعد الاقتصادي والاجتماعي، أكثر أهمية من الدستور، ولذلك طلبنا من الرئيس غير مرة، والحديث للمغزاوي، عقد حوار مع الاتحاد التونسي للشغل، والخروج بالبلاد من هذه الأزمة المركبة والمعقدة.

ويضيف المغزاوي، في تصريحاته لـــ "حفريات"، أنّه وتأسيساً على ذلك، يرى معدومية نجاح المفاوضات مع صندوق النقد الدولي، لتداعيات ذلك على حياة المواطن التونسي، الذي يعاني بالأساس من انخفاض الأجور، فضلاً عن كون التعاون مع الصندوق في المرات الماضية لم يترك بصمة إيجابية، سواء على مستوى الاقتصاد، أو ما يرتبط بحياة المواطنين.

ويشير المغزاوي، إلى أنّ الشعب التونسي يدرك تماماً مسؤولية حركة النهضة الإخوانية، والحكومات التابعة لها، عن وضعية البلاد اقتصادياً واجتماعياً وسياسياً، وبالتالي لا نجد أيّ أثر في ذاكرة التونسيين، يسمح لقيادات النهضة أن يفكروا في أيّ تحرك جديد، سواء توافقت الحكومة مع الصندوق، أو فشل الأمر. وينبغي أن يدرك الرئيس قيس سعيّد، أنّ مسار 25 تمّوز (يوليو) ارتكز في الأساس على دعم المكون الاقتصادي والاجتماعي للمواطنين، ولذلك ينبغي التحرك نحو دعم ذلك، بعديد الإجراءات التي أشارت إليها حركة الشعب، والقوى الوطنية التونسيّة، وأن يتيقن الرئيس من استحالة أن يدرك المرء النجاح بمفرده.

من جهتها، تذهب الكاتبة الصحفية التونسيّة، منية العرفاوي، نحو طرح جملة من التحديات أمام الاتفاق مع صندوق النقد الدولي، سيما الاتحاد التونسي للشغل، الذي يرى من وجهة نظره، أنّ ذلك يمثل تهديداً لحقوق المواطن التونسي ومكتسباته الاقتصادية والاجتماعية، وأنّ الرضوخ لمطالب الصندوق، من ناحية تجميد وضع الأجور، ورفع الدعم عن المواد الاستهلاكية، والتفويت في بعض المؤسسات العمومية؛ لتغطية عجز الميزانية، لن يكون حلاً للأزمة الاقتصادية والاجتماعية.

وترى العرفاوي، في تصريحاتها لــ "حفريات"، أنّه لا ينبغي تجاهل رمزية الاتحاد التونسي للشغل، وقيمته باعتباره أهم التكتلات النقابية في البلاد، من خلال العمل لصالح كافة الشغيلة داخل تونس، الأمر الذي يضعه في حرج بالغ، إزاء مطالب الصندوق، ولذلك تتوقع العرفاوي أن يتدخل الاتحاد بقوة؛ لتخفيف مطالب الصندوق، لتتناسب مع رؤية الاتحاد، وتمكّنه من تمرير الأمر، كما حدث في السنوات السابقة.

وحول أثر ذلك على الوضع السياسي، ومستقبل حركة النهضة، أوضحت الكاتبة التونسيّة أنّ الشعب التونسي يدرك جيداً كم الآثار السلبية، التي علقت ببلاده؛ نتيجة العشرية الماضية، بفضل الحكومات المتعاقبة، التي ارتبطت بشكل مباشر بحركة النهضة الإخوانية.

ومن خلال ذلك، يتيقن التونسيون أنّ الأزمة الحالية في رقبة حركة النهضة وقياداتها، وتأسيساً على ذلك، لا يمكن أن نبصر مساحة حركة لقيادات النهضة في الأفق، حتى وإن كان البعض يلوم الرئيس في تأخر بعض إجراءاته السياسية، لكن الغضب الأكبر، والضيق الأعنف يطول النهضة وقياداتها، التي عبثت بواقع تونس، خلال سنوات العقد الماضي.




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية