تونس ما بعد الدستور الجديد: ما الأولويات؟ وماذا ينتظر النهضة؟

تونس ما بعد الدستور الجديد: ما الأولويات؟ وماذا ينتظر النهضة؟


27/07/2022

اجتازت تونس خطوة مفصلية نحو إتمام خريطة الطريق السياسية التي أعلن عنها الرئيس قيس سعيد في 25 تموز (يوليو) العام الماضي، بعد موافقة كبيرة من التونسيين على الدستور الجديد في البلاد، فيما يترقب الجميع الخطوات المقبلة، وأبرزها تحديد موعد الانتخابات التشريعية.

وأعلنت هيئة الانتخابات التونسية ليل الثلاثاء موافقة (94%) من المشاركين في الاستفتاء على الدستور الجديد.

وقال فاروق بوعسكر رئيس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات خلال مؤتمر صحفي نقلته وسائل إعلام تونسية: إنّ (148) ألفاً صوّتوا بـ"لا"، أي بنسبة (5.40%)، فيما صوّت مليونان و(600) ألف بـ "نعم"، وتمّ تسجيل (56) ألف ورقة ملغاة.

وأوضح بو عسكر أنّ عدد المراقبين المحليين والأجانب لإجراء الاستفتاء الدستوري في تونس يوم الإثنين وصل إلى ( 5800)، وأشار إلى أنّ الاستفتاء على مشروع الدستور جاء تحت أنظار العالم من خلال المراقبين المحليين والأجانب.

التونسيون يرغبون بطيّ صفحة الإخوان والاهتمام ببناء الدولة في ضوء مبادئ الجمهورية الجديدة القائمة على مكافحة الفساد والتطرف ‎

وبعد الموافقة على الدستور يترقب الشارع التونسي مجموعة من الخطوات التي كان الرئيس قيس سعيد قد أعلن عنها سابقاً، وأبرزها إصدار قانون الانتخابات، وحزمة تشريعات اقتصادية واجتماعية تشمل مظلة حماية للمواطنين، وتدعم منظومة العمل والخدمات.

 ما أولويات مرحلة ما بعد الدستور؟

 وبحسب خبراء تونسيين تحدثوا لـ"حفريات"، يأتي قانون الانتخابات والملف الاقتصادي على رأس أولويات عمل مؤسسات الدولة خلال الفترة المقبلة لتحقيق قدر من الاستقرار السياسي والتنمية التي من شأنها تحسين أوضاع المواطنين ودعم منظومة الخدمات، في ضوء الظروف الاقتصادية الصعبة التي تمر بها البلاد منذ أعوام تسببت بشكل كبير في تدهور القطاع الخدمي.

المحلل السياسي التونسي نزار الجليدي توقع أن يتم الإعلان عن قانون الانتخابات الجديد بالبلاد خلال الأسابيع المقبلة، على أن تجري قبل نهاية العام الجاري، تحديداً في 17 كانون الأول (ديسمبر).

 

نزار الجليدي: من المتوقع أن يتم الإعلان عن قانون الانتخابات الجديد في البلاد خلال أيام، على أن تجري في موعدها المحدد وفق خريطة الطريق في 17 كانون الأول المقبل

 

ويقول الجليدي في تصريح لـ"حفريات": إنّ موافقة التونسيين بالإجماع على الدستور التونسي تضع الرئيس والحكومة أمام تحديات جديدة، لاستكمال خريطة الطريق السياسية بالاعتماد على محوري الإصلاح ومكافحة الفساد، وفي الوقت ذاته وضع إجراءات عاجلة لإنقاذ الملف الاقتصادي وتحسين منظومة الخدمات المقدمة للمواطنين.

وحول الأولويات، يتفق مع الجليدي الخبير القانوني التونسي حازم القصوري، حيث يتوقع أيضاً أن تشهد الأسابيع القليلة المقبلة الإعلان عن إجراءات قانون الانتخابات التشريعية في تونس، وستُجرى في الموعد المحدد لها.

ويؤكد القصوري أيضاً على حيوية الملف الاقتصادي خلال الفترة المقبلة كأولوية عمل للحكومة وكافة مؤسسات الدولة، خاصة أنّ الوضع الاقتصادي في البلاد تأثر إلى حد كبير بالتداعيات الدولية للأزمة الأوكرانية وأزمة كورونا، فضلاً عن أنّه كان يعاني تدهوراً كبيراً جراء أعوام حكم الإخوان بالبلاد وفق الإحصاءات الرسمية.

 هل هناك نية لإجراء تعديلات بالحكومة؟

 بسؤاله عن احتمال إجراء بعض التعديلات في حكومة نجلاء بودن التي عينها الرئيس التونسي قبل عدة أشهر، حيث ترددت أنباء عن تعديلات في بعض الحقائب عقب الاستفتاء على الدستور، قال الجليدي: إنّه "لا يستبعد إجراء بعض التعديلات على الحكومة الراهنة، خاصة أنّ البلاد قد تجاوزت مرحلة صعبة من أزمة الاختناق السياسي، ومن الطبيعي إجراء تعديلات تشمل كافة القطاعات في الدولة من أجل المرور إلى الجمهورية الثالثة"، على حدّ قوله.

مرحلة فتح الملفات

من جانبه، يقول حازم القصوري: إنّ "المرحلة المقبلة في تونس يمكن أن نطلق عليها "مرحلة فتح الملفات"، موضحاً أنّ "هناك العديد من الملفات التي ما تزال مغلقة في تونس، أبرزها ما يتعلق بالاتهامات الموجهة لحركة النهضة، والخاصة بقضايا الاغتيالات السياسية، وفي مقدمتها قضية اغتيال السياسيين شكري بلعيد ومحمد البراهمي".

القصوري: الاتهامات الموجهة للإخوان قد تمنعهم قانوناً من خوض غمار الانتخابات البرلمانية المقبلة

ويرى القصوري أنّ ما تم كشفه حتى الآن ليس سوى القليل جداً من منظومة فساد كبير كانت تديرها الحركة الإخوانية لصالح أجندتها، دون أيّ ولاءات وطنية.

وبحسب الخبير القانوني التونسي "ينتظر الشعب محاسبة الحركة الإخوانية على عدد كبير من الاتهامات، غير الاغتيالات السياسية، منها الفساد الحكومي والتلاعب بالمال العام، والملف الأخطر ما يتعلق بقضية الجهاز السري، أو ما يُسمّى "العلبة السوداء"  لحركة النهضة.

 

حازم القصوري: المرحلة المقبلة ستشهد فتح ملفات تتعلق بجرائم حركة النهضة، أهمها قضية الاغتيالات السياسية والجهاز السري

 

ووفق القصوري، ستشهد الأيام المقبلة الكثير من المفاجآت التي تتعلق بفساد الإخوان، وإرهابهم، ضمن أولويات عمل المؤسسات الوطنية في إطار تحقيق مبدأ مكافحة الفساد ومحاسبة الفاسدين، وهو واحد من أهم محاور خريطة الطريق السياسية.

وفي السياق، يصف القصوري الدستور الجديد في البلاد بأنّه وثيقة تاريخية جديدة لإعلان حقوق الإنسان والمواطنين التونسيين، لما يتضمنه من حقوق تكفل قيم المساواة والمواطنة، وعدم التمييز، واحترام الآخر، وهو ما يعتبره القصوري امتداداً لمنظومة الحقوق والحريات التي أسّس لها الرئيس التونسي الأسبق الحبيب بورقيبة.

هل سيترشح الإخوان للانتخابات المقبلة؟

يجمع الخبيران على انتهاء شعبية الإخوان في الشارع التونسي، بعد انكشاف حقيقة التنظيم، وأنّه "يعمل وفق أجندة دولية تتعلق بالجماعة ولا تهتم لصالح الوطن".

وبحسب الجليدي، كانت "العشرية السوداء"، التي حكم فيها الإخوان تونس منذ عام (2011)، كفيلة بكشف فساد هذا التنظيم وزيف شعاراته التي تتناقض تماماً مع مبادئ الجهمورية والدولة الوطنية في تونس، مشيراً إلى أنّ التونسيين يرغبون بطيّ صفحة الإخوان، والاهتمام ببناء الدولة في ضوء مبادئ الجمهورية الجديدة، القائمة على مكافحة الفساد، والتطرف، والعدل، والمساواة.

ومن الناحية القانونية، يستبعد القصوري أيضاً فكرة ترشح الإخوان للانتخابات البرلمانية المقبلة، مشيراً إلى أنّ "عدداً كبيراً من قيادات التنظيم مدانون بقضايا في تونس في الوقت الراهن، وحزب النهضة مُعرّض للحل في أيّ لحظة؛ بسبب الاتهامات الخاصة بالفساد، وتلقي التمويلات، وقضية الجهاز السري للحركة".

ويضيف: "إذا فكّر الإخوان بخوض الانتخابات، وهذا أمر وارد، فسيكون أمامهم عقبة قانونية تتعلق بالاتهامات الموجهة إليهم بالفساد والإرهاب، وعقبة اجتماعية تتعلق بالرفض الشعبي القاطع لوجودهم في الحياة السياسية مرة ثانية".

مواضيع ذات صلة:

"نعم" دستورية لسعيد... هل يرضخ الإخوان لإرادة التونسيين؟

بعد الاستفتاء: الرئيس التونسي في مواجهة استحقاقات أخرى

استفتاء تونس: التاريخ لن يعود إلى الوراء... هل أُغلق باب عودة النهضة إلى الأبد؟



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية