تونس على أبواب هدنة اجتماعية غير مسبوقة

تونس على أبواب هدنة اجتماعية غير مسبوقة


31/03/2022

يبدو أنّ التقارب بين رئاسة الجمهورية والاتحاد العام التونسي للشغل (أكبر منظمة نقابية) عاد من جديد، بعد أشهر من الفتور والجفاء، وهو ما قد يفتح الباب أمام هدنة اجتماعية هي الأولى منذ اندلاع الثورة في عام 2011، والتي فتحت الباب أمام الاحتجاجات والمظاهرات التي تتكرّر كلّ عام في كلّ محافظات البلد، وقد يساهم ذلك في خلق مناخ ملائم للمفاوضات والتواصل مع المانحين الدوليين.

تقارب ترجمته تصريحات الأمين العام للمنظمة الشغيلة، نور الدين الطبوبي، الأخيرة، التي أكد فيها أنّ موقف الاتحاد كان واضحاً منذ الخامس والعشرين من تموز (يوليو) الماضي، وسيكون دائماً إلى جانب الشعب، وقال في المقابل إنّ اتحاد الشغل "لا يعطي شيكاً على بياض لأيّ كان"، وفق تعبيره.

اقرأ أيضاً: تونس: الغنوشي انتهى سياسياً فهل تختفي "النهضة"؟

ويُمثل اتحاد الشغل ثقلاً سياسياً واجتماعياً لا يستهان به في التوازنات السياسية في البلاد، وقد لعب أدواراً مهمة منذ 2011 في تقريب وجهات النظر بين الفرقاء السياسيين، كما لعب دور صمام الأمان بالنسبة إلى التونسيين، إذ تراوحت أدواره بين التعديلي في المشهد السياسي، والحاسم في المسائل الاقتصادية والاجتماعية.

المنظمة الشغيلة تدعم قيس سعيّد

وقال الطبوبي إنّ مواقف رئيس الجمهورية قيس سعيّد حول المسائل الاجتماعية لا تختلف عن مواقف المنظمة النقابية، معتبرا أنّ "ما يحصل أمر طبيعي ونتيجة لتراكمات طويلة لعشرية كاملة"، وأنّ "من قاد التحركات هم النقابيون والنقابيات، والانتفاضة الشعبية الطوعية حصلت باعتبار أنّ الناس ضجرت من المشهد السياسي آنذاك".

تقارب بين سعيّد والطبوبي من أجل إنقاذ البلاد

وقال الطبوبي، في تصريحات لاحقة؛ إنّ الاتحاد ليس في معركة أو خصومة مع رئاسة الجمهورية وقيس سعيّد ولا مع الحكومة التي عيّنها، وذلك بعد أن راجت معطيات حول وجود خلاف بين الطرفين.

وكان الطبوبي قد هادن الرئيس سعيّد، في وقت سابق، بعد انتخاب مكتب تنفيذي جديد لنقابته، في خطوة بدت وكأنّها محاولة للتقرب أكثر من مسار الخامس والعشرين من تموز (يوليو) الذي يحاول سعيّد النأي به عن أيّ تحالف مع أحزاب سياسية أو أطراف نقابية أو اجتماعية، لا سيما في ظلّ شعبيته الواسعة.

يُمثل اتحاد الشغل ثقلاً سياسياً واجتماعياً لا يستهان به في التوازنات السياسية في البلاد، وقد لعب أدواراً مهمة منذ 2011 في تقريب وجهات النظر بين الفرقاء السياسيين

هذا وعاد الطبوبي إلى التهدئة، إثر لقاء جمعه بسعيّد قبل مؤتمر نقابته، حيث قال إنّه "لا يمكن التقدّم بوضع البلاد دون تحقيق استقرار سياسي وخلق مناخ إيجابي لجلب الاستثمار، والتفاوض والحوار هما سبيل الخروج من الأزمة"، وإنّ "الاتحاد منفتح على كلّ الإصلاحات، خاصّةً أنّ الوضع الاجتماعي والاقتصادي لا يحتمل التأخير".

وقد أكّد المسؤول النقابي محمد علي بوغديري لـ "حفريات"؛ أنّ الوضع الاجتماعي لعموم التونسيين تراجع كثيراً خلال السنوات الأخيرة، كما أنّ المقدرة الشرائية تدهورت، لكنّ البلد اليوم يمرّ بوضع صعب جدّاً، نتيجة السياسات الخاطئة للحكومات المتعاقبة على السلطة، وهو ما يتوجب تكاتفاً كبيراً من جميع فئات الشعب التونسي من أجل إنقاذ البلاد.

بوغديري: الوضع الاجتماعي لعموم التونسيين تراجع كثيراً خلال السنوات الأخيرة

وقال بوغديري؛ إنّ السلطة الحالية بصدد معالجة هذه الصعوبات الاجتماعية بخطى ثابتة، داعياً المنظمات النقابية والتونسيين إلى مزيدٍ من الوحدة الوطنية وتفادي الانجرار الحزبي الضيّق الذي قد يعقّد الوضع، مرجّحاً أن يتجاوز البلد هذه المرحلة وهذه الصعوبات المرتبطة بابتزاز صناديق النقد الدولية، مشدّداً أيضاً على أنّ التونسيين مستعدين للتضحية من أجل مصلحة تونس.

اقرأ أيضاً: تونس: الرئيس يحاصر "النهضة" من كلّ الاتجاهات

وشدّد بوغديري على أنّ المنظمة الشغيلة، وعموم التونسيين، مستعدون لأكل الخبز والزيتون دفاعاً عن البلد واستقلاله، إذا ما تعلّق الأمر بالسيادة الوطنية، وهو ما يتطلّب تفهماً وهدوءاً، من أجل خلق مناخ سياسي واقتصادي واجتماعي ايجابي.

هدوء وترقّب

من جانبه، أكّد وزير الداخلية، توفيق شرف الدين؛ أنّ الوضع العام في تونس يتسم بالاستقرار مع تسجيل بعض التحركات الاجتماعية القطاعية على خلفية مطالب مهنية أو للمطالبة بتفعيل اتفاقيات سابقة، مبيّناً أنّ مختلف هياكل وزارة الداخلية تحرص على التعامل مع هذه التحرّكات في كنف احترام الحقوق الأساسية للمواطن، وحماية الممتلكات العامة والخاص،ة وضمان سير المرافق العمومية.

 

اقرأ أيضاً: تونس: حركة النهضة وحيدة في مواجهة أزمتها

واعتادت تونس على دخول شتاء ساخن من كلّ عام، منذ عام 2011، بالتزامن مع المصادقة على قانون الميزانية؛ إذ يرتفع منسوب التحركات الاحتجاجية بالعاصمة خصوصاً المتعلقة منها بالتشغيل، وتكون عادةً مصحوبة بمظاهر عنف واعتداءات على المحتجين، وهو ما لم تشهده تونس هذا العام، أي بعد إعلان قرارات 25 تموز (يوليو).

اقرأ أيضاً: الحقوق والحريات.. ورقة المعارضة التونسية ضدّ قيس سعيّد

ويقول في هذا الشأن، الناشط بالحراك الاجتماعي المعطل عن العمل، عبد الحليم حمدي، إنّ الحركات الاجتماعية غير المنتظمة تحت هيكل رسمي معيّن تكون عادةً سيّدة نفسها، وتتحرّك تلقائياً دون تنظيم، مثل ما يحدث خلال الأعوام الماضية، إذا ما حصل تحرّك في منطقة تصحبه تحركات في مناطق مختلفة، لافتاً إلى دخول عموم التونسيين في حالة من الترقّب الحذر، والحيرة بانتظار تحسّن الأوضاع.

حمدي: الوضع حالياً هادئ على خلاف السنوات الماضية، لكن هذا الهدوء قد لا يطول

وأضاف حمدي، في تصريحه لـ "حفريات"؛ أنّ الوضع حالياً هادئ على خلاف السنوات الماضية، لكن هذا الهدوء قد لا يطول، لافتاً إلى وجود رغبة بين المعطلين عن العمل في منح فرصة للسلطة الجديدة، من أجل مراجعة سياساتها وآليات التعامل مع المحتجين ومع مطالبهم الاجتماعية.

توتر على امتداد عشر سنوات

وتعدّ "الحركات الاجتماعية" إحدى أكثر العبارات حضوراً في معجم ما بعد الثورة التونسية، خاصة في خطابات وأدبيات المجتمع المدني، حيث بلغت حصيلة الاحتجاجات الاجتماعية الجماعية في تونس خلال السنوات الخمس الأخيرة، بحسب أرقام المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية؛ 8759 تحركاً احتجاجياً في 2020، و9091 في 2019، و9365 في 2018، و10452 في 2017، و8713 في 2016.

الناشط عبد الحليم حمدي لـ"حفريات": هناك رغبة لدى المعطَّلين عن العمل في منح فرصة للسلطة الجديدة من أجل مراجعة سياساتها وآليات التعامل مع المحتجين ومع مطالبهم الاجتماعية

وقد استأثر مربّع محافظات القيروان والقصرين وسيدي بوزيد وقفصة بأكثر من نصف هذه الاحتجاجات خلال سنة 2020، وهي المحافظات الأكثر فقراً منذ ما قبل الثورة، فيما توزّعت بقية الاحتجاجات على كل ولايات الجمهورية، وتتشابه في مطالبها التي تتراوح بين التشغيل والتنمية والصحّة والماء الصالح للشراب والعدالة الاجتماعية.

 

اقرأ أيضاً: قيس سعيد يطوي صفحة سيطرة الإخوان على القضاء

هذه الاحتجاجات تتكرّر بالمطالب نفسها وبأشكال التحرّك والخطاب ذاتها، طيلة السنوات العشر الماضية، فيما واجهها النظام، الذي قادته حركة النهضة منذ عام 2011 بالتعامل نفسه، الذي ترواح بين القمع والعنف، والحلول الوقتية والاتفاقيات غير المنجزة.

بن عمر: الوضع الاجتماعي بتونس يمرّ من السيّئ إلى الأسوأ

ويرى رمضان بن عمر، الناطق باسم المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية (غير حكومي مهتم بالوضع الاجتماعي والاقتصادي بتونس) أنّ الوضع الاجتماعي بتونس يمرّ من السيّئ إلى الأسوأ، فاقمته الأزمة السياسية الأخيرة، غير أنّ منسوب الاحتجاج أقلّ زخماً من الأعوام الماضية، بانتظار تشكّل المشهد السياسي.

 

اقرأ أيضاً: بعد كشف جرائمها... حركة النهضة تحاول تحريك الشارع التونسي

وقال بن عمر لـ "حفريات"؛ إنّ الاحتجاجات منتشرة في البلد، لكن بزخم شعبي أقل، وبعيدة عن العاصمة، وهو ما يوحي بأنّ الوضع استقر، وأنّ الهدوء ساد المشهد، محذّراً من أنّ عدداً مهماً من التونسيين قد خرج من حالة الانتظار والتردّد التي أعقبت قرارات الرئيس في  تموز (يوليو). 

 

اقرأ أيضاً: تونس: "مواطنون ضدّ الانقلاب".. الباب الخلفي لحركة النهضة الإخوانية

وكان اتحاد الشغل قد لعب، على مرّ تاريخ تونس المعاصر، دوراً سياسياً فاعلاً، من خلال تقريب وجهات النظر بين الفرقاء السياسيين، وقد برز دوره عام 2013، حين قاد حواراً وطنياً بمشاركة منظمات وطنية أخرى، وهي: الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان، وعمادة المحامين، والاتحاد التونسي للصناعة والتجارة، الذي توّج بحصول هذه المنظمات (الرباعي الراعي للحوار الوطني) على جائزة نوبل للسلام عام 2015.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية