توظيف إقليمي لحروب المخيمات الفلسطينية... دعم التنظيمات المتطرّفة وتحجيم "فتح"

توظيف إقليمي لحروب المخيمات الفلسطينية... دعم التنظيمات المتطرّفة وتحجيم "فتح"

توظيف إقليمي لحروب المخيمات الفلسطينية... دعم التنظيمات المتطرّفة وتحجيم "فتح"


06/08/2023

إبراهيم حيدر

ليست المعارك التي يشهدها مخيم عين الحلوة الفلسطيني بين حركة "فتح" وعدد من التنظيمات الإسلامية مجرد صراع على النفوذ داخل المخيم أو تقسيم أحيائه وفرض خطوط سيطرة معيّنة للفصائل عليها، بل إنّها حلقة من المواجهة انفجرت في توقيت دقيق، ودخلت عليها قوى لبنانية وغير لبنانية لإرباك الوضع داخل المخيم، وتوجيه رسائل إقليمية تستهدف الحوار الفلسطيني - الفلسطيني الذي انعقد في القاهرة، خصوصاً بين السلطة و"فتح" و"حماس".

كانت حركة "فتح"، رغم تعدّد أقطابها، أبرز المستهدفين بتوتير أجواء المخيم، حين تلقّت ضربة موجعة باغتيال قائد الأمن الوطني الفلسطيني فيه أبو أشرف العرموشي، وجرت مواكبتها بحملات من الخارج سعت إلى تبرئة التنظيمات الإسلامية، وتحميل الحركة الفلسطينية مسؤولية ما جرى، تارةً بالحديث عن خلافات داخل الحركة تسبّبت باغتيال المسؤول الفلسطيني، وتارةً أخرى ببث روايات عن زيارة رئيس المخابرات الفلسطينية ماجد فرج إلى بيروت، وتحميله مسؤولية إثارة الفتن بين الأطراف في مخيمات لبنان خصوصاً ضدّ حركة "حماس"، لتشتيت الأنظار عن المشكلة الأساسية التي يعانيها المخيم من سيطرة الإسلاميين على بعض أحيائه وإيواء مطلوبين للسلطات اللبنانية، والتحكّم بمصيره.

جاءت اشتباكات المخيم هذه المرّة مختلفة عن كل المراحل السابقة، إذ تشير التوقّعات إلى أنّها لن تنتهي بوقف إطلاق النار، بل هي مفتوحة على صراعات متعدّدة، لعلّ أبرزها إنهاك حركة "فتح" وصولاً إلى تحجيمها، وهي صراعات تشترك فيها أو موجّهة من أطراف إقليمية، لا تربك الوضع الفلسطيني فحسب، بل لها تداعيات داخلية وخارجية على الوضع اللبناني، ومن بينها أيضاً محاولة إحياء ملف نزع السلاح الفلسطيني، خصوصاً من القوى الأكبر حجماً، وتوريط الجيش اللبناني بمعارك هو في غنى عنها، فيما تبقى التغطية المسلّحة لأطراف من خارج المخيم تستثمر في التنظيمات الإسلامية الصغيرة وتوظّفها وفق أهدافها وصولاً إلى استخدامها في تحريك الجبهة الجنوبية اللبنانية ضمن استراتيجية توحيد الجبهات ضدّ إسرائيل.
كان لافتاً في معارك المخيم خرق وقف إطلاق النار أكثر من مرّة، الأمر الذي يطرح علامات استفهام كثيرة حول محاولة جهات استثمار ما يحصل والاستمرار في إشعال الوضع لتوظيفه في استهدافات أخرى. ويتبيّن من خلال حركة المواجهات على الأرض، أنّ التنظيمات الإسلامية كلها تحالفت ضدّ حركة "فتح" لمنعها من تحقيق تقدّم على الأرض. وعلى الرغم من عدم إمكان الحسم العسكري في المخيم، إلاّ أنّ الحركة الفلسطينية حاولت تسجيل ما يمكن اعتباره حصر القوى الإسلامية في أحياء معيّنة داخل المخيم والردّ بقوة على محاولات ضربها واستفرادها. فإذا نجحت القوى الإسلامية وبينها تنظيمات متطرّفة، في إضعاف حركة "فتح"، ستجعل من المخيم بؤرة لكل المتطرّفين بمن فيهم "داعش" و"القاعدة" ومأوى للمطلوبين.

حتى الآن لا يمكن تقدير ما سيكون عليه الواقع داخل مخيم عين الحلوة، طالما لم يتغيّر شيء في موازين القوى داخله، وما يمكن أن تعكسه التطورات الفلسطينية في الداخل على اللجوء الفلسطيني في لبنان. لكن يبدو واضحاً أنّ القوى التي تعمل من خارج المخيمات وجّهت ضربة لحركة "فتح" باغتيال أحد قادتها، وقد تتعرّض الحركة الفلسطينية لمزيد من الضربات طالما لم تتمكن من تحقيق تقدّم على الأرض. وما يزيد من خطورة الوضع هو ما يتردّد عن عودة مطلوبين للدولة اللبنانية محسوبين على الأطراف الإسلامية إلى المخيم، وهم معادون لحركة "فتح"، من خلال عمليات استهدفت كوادرها في السابق، ويُقال إنّ مجموعات متطرّفة مسلّحة عادت للاستقرار في المخيم، خصوصاً مجموعة "بلال بدر"، إضافة إلى إعادة تعويم تنظيم "أنصار الله" وإدخال رئيسه إلى مخيم عين الحلوة، وهو الذي كان غادر إلى سوريا في وقت سابق بعد معارك خاضها مع "فتح"، الأمر الذي يعزّز قوة الإسلاميين في مواجهة الحركة الفلسطينية ويُضعف الفصائل الأخرى، مع معلومات عن تغطية وفّرتها جهات إقليمية لعودتهم حيث يمكن توظيفهم في مشاريع توتير أو معارك مختلفة ليست لمصلحة الفلسطينيين.

توتير أجواء المخيمات وإدخالها في أتون قتال دموي، له أبعاد متعدّدة، فإذا كان الصراع الفلسطيني - الفلسطيني قائماً ومستمراً، إلاً أنّه يتداخل مع محاولات قوى لبنانية وأخرى خارجية للعبث بأمن الفلسطينيين، في ظلّ مساعٍ لفصائل مدعومة من قوى إقليمية لمنع التقارب داخل فلسطين، خصوصاً مع إعادة تحريك منظّمات متضرّرة من الحوار الفلسطيني لتحقيق سيطرة واسعة على المخيمات في لبنان، وصولاً إلى تحجيم حركة "فتح" أولاً، وإنهاك الوضع الفلسطيني وفرض أمر واقع جديد يهزّ الأمن اللبناني. وهناك جهات تعمل أيضاً على دفع الأمور إلى الصدام بين الفلسطينيين واللبنانيين وصولاً إلى إقحام الجيش اللبناني في المعركة تحت عنوان نزع السلاح، وهو أمر غير ممكن اليوم في ضوء موازين القوى والانقسام الراهن وهيمنة قوى لبنانية ممانعة تستفيد من التوتير بتوظيفه وتحاول أيضاً إضعاف حركة "فتح".

المخيمات الفلسطينية في لبنان مرشّحة لكثير من التوترات في المرحلة المقبلة، والخطر يكمن في محاولات تمكين الأطراف المتطرّفة للسيطرة عليها برعاية إقليمية، وقبل ذلك تبدو المهمّة الأولى تحجيم حركة "فتح" وفصائل منظمة التحرير الفلسطينية، كي يتمّ التمكّن من جعل المخيمات بؤرة للتطرّف والاستخدام ضدّ الفلسطينيين واللبنانيين على السواء.

عن "النهار" العربي




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية