تنامي المعارضة الداخلية.. هل تشهد إيران حراكاً جديداً ينهي حكم الولي الفقيه؟

تنامي المعارضة الداخلية.. هل تشهد إيران حراكاً جديداً ينهي حكم الولي الفقيه؟


24/01/2022

تحاول إيران البحث دوماً عن عدوّ خارجي لإخفاء جرائمها في الداخل بحقّ كل من يعارض نظامها، ولتكون شماعة تُعلّق عليها انتهاكاتها الإنسانية ضد مواطنين عبّروا عن معارضتهم لسياستها، عبر الاحتجاج أو حرق صورة أو تمثال لأحد رموزها الدينية.

وقد برز في الآونة الأخيرة الكثير من المظاهر التي تعكس السخط المحلي تجاه نظام الولي الفقيه الذي تقوم عليه الجمهورية والحرس الثوري.

ورغم فشلها في ضبط الرأي العام في الشارع بأحكام قمعية، إلّا أنّها تواصل ملاحقة كل من يتجرأ بالتعبير عن رأيه في شخصيات وضعها النظام في منزلة الأنبياء والمرسلين، متغافلة عن جرائمهم بحقّ شعبهم وبحقّ شعوب المنطقة عبر الوكلاء في العراق وسوريا ولبنان واليمن..

وفي السياق، كشفت وسائل إعلام إيرانية أمس عن اعتقال شخص قام بتدمير تمثال مؤسس النظام رجل الدين المتشدد روح الله الخميني.

يأتي ذلك بعد أيام من حرق تمثال لقائد ميليشيات فيلق القدس قاسم سليماني، في حوادث تشير إلى أنّ الغضب الداخلي بات أكبر من سوط القمع في طهران.

 

برز في الآونة الأخيرة الكثير من المظاهر التي تعكس السخط المحلي تجاه نظام الولي الفقيه، عبر حرق صور وتماثيل رموز النظام

 

وأفادت وكالة أنباء "فارس نيوز" الإيرانية بأنّ السلطات الأمنية في محافظة أصفهان، وسط البلاد، اعتقلت الشخص الذي قام بتدمير تمثال الخميني.

ونقلت عن حاكم مدينة أردستان التابعة لمحافظة أصفهان حميد رضا تاملي أنّ "قوات الشرطة في المدينة تمكنت من اعتقال الشخص الذي قام بتدمير التمثال بعد التعرف على هويته".

وأضاف رضا تاملي أنّ "ما قام به الشخص يُعتبر إهانة للمقدّسات، ويعرّضه للمساءلة القانونية، وأنّ الشخص جرى نقله إلى السجن، وستتخذ السلطات القضائية بحقه الإجراءات اللازمة".

اقرأ أيضاً: الحرس الثوري الإيراني: منشآتنا النووية محصنة

وزعم حاكم مدينة أردستان أنّ المعتقل كان له "تاريخ في تعاطي المخدرات"، وأنّ "دوافعه" لتدمير تمثال الخميني لا يمكن التكهن بها في الوقت الراهن".

وليست هذه الحادثة الأولى التي يتعرّض لها تماثيل رموز النظام في إيران لاعتداءات من قبل شبان إيرانيين غاضبين على النظام.

وفي مطلع كانون الثاني (يناير) الجاري، أقدم شاب بمدينة شهركرد، الواقعة جنوب غرب إيران، على إحراق تمثال القائد السابق لفيلق القدس التابع للحرس الثوري قاسم سليماني.

 

أحكام بالسجن لكلّ من يتجرّأ على إحراق صور وتماثيل شخصيات عسكرية تابعة للنظام أو الرموز الدينية

 

وجاء إحراق تمثال قاسم سليماني بالتزامن مع حلول الذكرى السنوية الثانية لمقتله بطائرة أمريكية مسيّرة قرب مطار بغداد الدولي في العراق.   

وفي آب (أغسطس) العام الماضي، أقدم شاب بمدينة "ياسوج" عاصمة محافظة كهكيلويه وبوير أحمد الواقعة جنوب غرب البلاد على إحراق تمثال قاسم سليماني.

وفي الإطار ذاته، حكمت محكمة الثورة الإيرانية في مدينة سقز، بمحافظة كردستان غرب إيران، بالسجن على (3) شبّان قاموا بحرق صورة لقائد فيلق القدس الإيراني السابق قاسم سليماني.

اقرأ أيضاً: تقرير يكشف طرق تهريب النفط الإيراني.. ما دور الحرس الثوري؟

ووفق منظمة "هنغاو" الحقوقية، حُكم على كلٍّ من آرمان حسين زادة بالسجن (3) أعوام و(6) أشهر، وميلاد حسيني بالسجن لمدة عامين و(6) أشهر، وبهمن رحيمي بالسجن لمدة عامين و(6) أشهر، وفق وكالة "فرانس برس".

وأضافت أنّ هناك متهماً رابعاً في القضية، هو سينا عبد اللهي، البالغ من العمر (17) عاماً، والذي لم تتمّ محاكمته بعد.

وإلى جانب المواقف المنفردة المعارضة للنظام ولشخصياته المقدّسة، برزت المعارضة الداخلية المنظمة، فقد أصدر (13) حزباً سياسياً ومنظمة وحركة بياناً مشتركاً لـ"الأمّة الإيرانية" خلال شهر آب (أغسطس) الماضي، أعلنوا فيه التنسيق فيما بينهم من أجل تمهيد الطريق لـ"التضامن الوطني لإنقاذ إيران"، وذلك بعد يوم من تولّي إبراهيم رئيسي رئاسة البلاد.

 

(13) حزباً سياسياً ومنظمة وحركة يصدرون بياناً مشتركاً لـ"الأمّة الإيرانية" لتمهيد الطريق للتضامن الوطني لإنقاذ إيران وإسقاط النظام

 

وكتب (13) حزباً ومنظمة وحركة بياناً مشتركاً للشعب الإيراني، أعربوا فيه عن دعمهم لإسقاط نظام الحكم، وقالوا: "إنّنا مصمّمون على تعزيز هذا التعاون في أقرب وقت ممكن إلى مستوى من التنسيق المنظم"، من أجل تمهيد الطريق لـ "التضامن الوطني لإنقاذ إيران".

ومن بين الموقعين على البيان: الجبهة الوطنية الإيرانية في الخارج، والحزب الدستوري الإيراني، وشبكة فرشكارد، والمنظمة الخارجية للحزب الإيراني، ومنظمة التحالف من أجل بداية جديدة، وحزب الحرّية والرفاه في إيران، والمجتمع الديمقراطي الاجتماعي لإيران، والحزب الديمقراطي العلماني لإيران، ومنظمة نساء من أجل الحرّية والمساواة، وحركة الديمقراطية العلمانية في إيران.

اقرأ أيضاً: مقتل عنصرين من الحرس الثوري

ويقول البيان: إنّ هذه المنظمات تؤمن بـ "الديمقراطية والعلمانية، وسلامة أراضي إيران، والإعلان العالمي لحقوق الإنسان".

يُذكر أنّ بعض تلك الأحزاب والتكتلات تدير أعمالها في الخارج، ويوجد لها تابعون في الداخل يعملون في الخفاء لكي لا يتمّ القبض عليهم ومحاكمتهم بتهم ملفقة من قبل النظام تتعلق بالإرهاب، وفق ما أوردت وكالة "إيران إنترناشيونال".

الخبير في الشأن الإيراني محمود جابر يرى أنّ عملية تنسيق وتوحد المعارضة خطوة مهمّة، مع تصاعد التوترات بين طهران والعواصم الغربية.

 

بعض الأحزاب والتكتلات المعارضة التي تدير أعمالها في الخارج لها تابعوها في الداخل الذين يعملون في الخفاء لكي لا يتمّ القبض عليهم ومحاكمتهم بتهم ملفقة.

 

وأضاف جابر في تصريح  لـ"سكاي نيوز عربية" أنّ الأوضاع مهيّأة للتصعيد داخلياً، بعد وصول شخصية محسوبة على الحرس الحديدي للنظام إلى رأس السلطة.

ولفت إلى وجود صراع عائلات داخل النظام الإيراني، "مع القبضة القوية للحرس الحديدي للنظام، واستبعاد عائلات نافذة من المشهد السياسي، كعائلات لاريجاني ورفسنجاني والخميني، يكشف عن وجود أزمة داخل هذا النظام، وتنامي المعارضة الداخلية".

اقرأ أيضاً: "تدمر"، من "الدواعش" إلى "الحرس الثوري" والموجة تجري ورا الموجة

وقد استبعد القائمون على الانتخابات الرئاسية، تحت إشراف المرشد علي خامنئي، رئيس البرلمان الإيراني السابق علي لايجاني،  من سباق الترشح للانتخابات الرئاسية، وتصاعد الخلاف بين عائلة الرئيس الإيراني السابق علي أكبر هاشمي رفسنجاني وخامنئي؛ وقد دعت فائزة هاشمي بنت رفسنجاني إلى مقاطعة الانتخابات، ولم يوافق خامنئي على ترشح حسن حفيد الموسوي الخميني للرئاسة، ويبرز الرئيس السابق أحمدي نجاد كمعارض شرس للنظام.

ونبّه جابر إلى أنّ سقف التوقعات ليس عالياً بالدرجة التي تنتظرها المعارضة الآن، فرغم قدرتها على إحداث التحرك في الشارع، إلّا أنّها قد لا تستطيع إسقاط النظام.

 

جابر: وجود صراع عائلات داخل النظام الإيراني يكشف عن وجود أزمة داخل هذا النظام، وتنامي المعارضة الداخلية

 

ومن الواضح أنّ قوى المعارضة الإيرانية، الداخلية والخارجية، باتت موجودة ومتحركة، والأهم أنّ قسماً منها له اعترافات سياسية عدة في الكونغرس والبرلمان الأوروبي، وقد دخلت هذه المعارضة التي تضمّ أكثرية من الإيرانيين الفرس وعناصر من الأقليات والإثنيات الأخرى، كالأكراد، والأذر، والبلوش، والعرب، إلى الساحة الدولية بعد حركات احتجاج عدة، أهمّها تاريخياً الإضرابات الطلابية الكبرى في 1999، والثورة الخضراء التي تفجرت في حزيران (يونيو) 2009، وصولاً إلى المسيرات الكبرى التي اكتسحت إيران في خريف 2019، فقد أثبتت المعارضة الإيرانية، على تنوعها، من الداخل إلى الخارج، من أنصار الشاه إلى "مجاهدي خلق"، إلى كلّ المجموعات الليبرالية والقومية الإيرانية، أنّها عامل ثابت لن يعود إلى الوراء، وإن عنى هذا الواقع شيئاً، فهو أنّ النظام الإيراني ليس أزلياً؛ إذ إنّ الصدمات عبر العقود بين المعارضة والنظام باتت أكثر توتراً، وأصبح المجتمع المدني الإيراني أكثر غضباً وشجاعة في تعبيره، وفق مقال للأمين العام للمجموعة الأطلسية النيابية وليد فارس، نشرها عبر شبكة الإنتدبندت بالعربية في حزيران (يونيو) العام الماضي.

 

‌فر: تحالف المعارضة يشكّل تحركاً جديداً، لكنّ غياب المعارضة الممثلة للشعوب غير الفارسية داخل إيران يمثل عقبة وحلقة مفقودة

 

وفي الإطار ذاته، اعتبر الكاتب السياسي الإيراني "محمد رحماني ‌فر" أنّ تحالف المعارضة يُشكّل تحركاً جديداً، إلّا أنّه نبَّه إلى وجود عقبة أخرى، وصفها بالحلقة المفقودة، وهي غياب المعارضة الممثلة للشعوب غير الفارسية داخل إيران، كالأتراك "الآذر"، وعرب الأحواز، والبلوش، والأكراد، وغيرهم.

وأضاف "رحماني فر"، في تصريح صحفي، أنّه حتى الآن لم تتواصل المعارضة الفارسية مع ممثلي الشعوب غير الفارسية، وبدون التنسيق معهم سيكون هناك خلل في عمل جبهة موحدة لتحقيق هدف إسقاط النظام.

ولفت المحلل الإيراني إلى أنّ التباين بين الطرفين كان واضحاً في شعارات الاحتجاجات التي شهدتها البلاد في الفترة الأخيرة، فشعارات احتجاجات مناطق العرب والأحواز والترك تتعلق بالسعي إلى الاستقلال أو على الأقلّ الحكم الذاتي، أمّا احتجاجات الفرس في طهران، فقد ركّزت على المطالبة بإسقاط النظام الذي تصفه بـ"الديكتاتورية الدينية".




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية