تناقضات الإخوان: في الموقف من الاستعانة بغير المسلم

تناقضات الإخوان: في الموقف من الاستعانة بغير المسلم


16/07/2020

بابكر فيصل

قلت في المقال السابق إن من أكبر المآزق التي يقع فيها تيار الإسلام السياسي هي محاولته إقحام الشأن الديني في الأمر السياسي بطريقة تدخله في تناقضات مكشوفة. ولما كان هذا التيار يستند في مشروعيته السياسية على الدين، فإن مثل هذا التناقض يؤثر سلبا على الدين في جوهره الذي يتسامى على صراعات السياسة المرتبطة بالمصالح الدنيوية المتغيرة على الدوام.

من ضمن القضايا التي ظل تيار الإسلام السياسي، وعلى رأسه جماعة الإخوان المسلمين، يعمل على صبغها بصبغة الدين تبرز قضية الاستعانة بالآخر في حسم النزاعات السياسية التي تنشب بين المسلمين داخل الدولة الواحدة أو بين أكثر من دولة مسلمة، والآخر المعني هنا هو غير المسلم.

في هذا الإطار ظل خطاب التعبئة الداخلية داخل تيار الإسلام السياسي يقوم على فكرة الاصطفاف لمواجهة العدو الذي يتربص بالإسلام. في ظل الحرب الباردة تجسد هذا العدو في الاتحاد السوفياتي وأضحى بعد ذلك متمثلا في الغرب المسيحي إجمالا وعلى رأسه الولايات المتحدة الأميركية.

في ضوء هذه الخلفية شرع تيار الإسلام السياسي في توزيع صكوك الكفر على دعاة الاستعانة بالآخر، مع أن الموقف من الاستعانة بالأجنبي في أصله موقف تمليه المصالح ويخضع بالدرجة الأولى للمعايير والتقديرات السياسية وليس للعقيدة الدينية وبالتالي فإنه يلزم عدم تصنيف من يسانده أو يرفضه وفقا لثنائية (مسلم/ كافر).

يقف على رأس الأصوات التي تعبر عن مواقف الإسلام السياسي، الأب الروحي لجماعة الإخوان المسلمين في الوقت الراهن، الدكتور يوسف القرضاوي، الذي كشفت ثورات الربيع العربي ومن قبل ذلك حرب الخليج الأولى تناقض مواقفه ومواقف التيار الذي يعبر عنه حيال التدخلات الأجنبية في الدول العربية والإسلامية.

في إحدى خطب الجمعة التي ألقاها بمسجد عمر بن الخطاب بالعاصمة القطرية قبل عدة سنوات، تقدم القرضاوي بالشكر لأمريكا على دعمها للمعارضة السورية، وقال "نشكر الولايات المتحدة الأميركية على تقديمها السلاح للمقاتلين بقيمة 60 مليون دولار، ونطلب المزيد".

الحديث أعلاه يمكن أن يُفهم ببساطة شديدة في دنيا السياسة التي تتشابك فيها مصالح الدول والجماعات ولا يوجد فيها عداء ينبني على العقيدة الدينية، ولكن يتعذر فهمه عندما يصدر من رمز لتيار ديني يرى في أميركا العدو الأكبر للإسلام ويقوم خطابه على تخوين كل من لا ينتمي لتيار الإسلام السياسي ويسعى لتوفير سند دولي لقضية سياسية شبيهة بما يجري في سوريا الآن.

لم يكتف القرضاوي بشكر أميركا بل طالبها صراحة بالتدخل العسكري لإسقاط النظام السوري، وقال: "لماذا لم تفعل أميركا مثلما فعلت في ليبيا؟ على أميركا أن تدافع عن السوريين وأن تقف وقفة رجولة، ووقفة لله، وللخير والحق".

يا للهول... الشيخ القرضاوي يطلب من أميركا أن تقف وقفة لله! أميركا التي ينعتها أهل الإسلام السياسي بالشيطان الأكبر مطلوب منها أن تقف وقفة لله لمجرد أن الإخوان المسلمين يدعمون معارضة الأسد.

لا يساورني أدنى شك في أن أهل الإسلام السياسي إذا كانوا يحكمون سوريا وهب في وجههم الشعب في ثورة شبيهة بما يحدث مع نظام الأسد لأصدر الشيخ القرضاوى فتوى بتكفير كل من يستعين بـ "الأميركيين الصليبيين" وإباحة دم كل من يشارك في إسقاط النظام.

الشيخ القرضاوي يطلب في الحديث أعلاه من أميركا أن تفعل مثلما فعلت في ليبيا، والذي فعلته أميركا في ليبيا هو تحريك قوات الناتو لضرب الآلة العسكرية لنظام العقيد القذافي وهو العمل الحاسم الذي لولاه ما سقط نظام القذافي.

في تصريحات لصحيفة " فاينانشيال تايمز"،نادى القرضاوي صراحة بتدخل حلف الناتو في سوريا لإيقاف المذابح وبرر مطالبته بالقول إن الدول العربية "عاجزة عن التدخل حتى الآن".

هذا الموقف يناقض موقف الإخوان المسلمين من دخول صدام حسين للكويت، حينها كانت الجماعة تعتقد أن جيش العراق لن يخرج من الكويت مطلقا وأن الفرصة باتت متاحة أمامها لوراثة الأنظمة العربية المتهالكة، لذا أخرجت أعضاءها للتظاهر في شوارع الخرطوم وعمان وصنعاء وغيرها من العواصم منددة بالتحالف الأممي ومطالبة بترك أمر إخراج الجيش العراقي للدول العربية، ولو حدث لظلت الكويت محتلة حتى اليوم.

غير أن تناقض موقف القرضاوي من قضية التدخل الأجنبي تبدَّى جليا في رأيو حول ثورة البحرين التي نفى أن تكون ثورة شعب وقال إنها حركة طائفية ووصف الدعوات البحرينية المطالبة بتدخل العالم بأنها "استقواء بالخارج!".

من سخرية الأقدار أن الرد على ادعاء القرضاوي لم يأت من تيارات أخرى يتهمونها بمعاداة الإسلام بل جاء من ابنه عبد الرحمن يوسف القرضاوي الذي كتب حينها مقالا تحت عنوان "يحدث في البحرين" قال فيه:

"يحلو لبعض الناس الآن أن يختلفوا حول ما يجرى في البحرين، فبعضهم يقول ثورة البحرين ويراها جزءا من الربيع العربي، وبعضهم يبالغ في تشويه ما يحدث حتى يُصور ما يجري كأنه حركة طائفية عنصرية هدفها الفتنة بتمويل من الخارج". ثم عرض عبد الرحمن القرضاوي رأيه في ما جرى بالبحرين قائلا:

"في رأيي أن ما يحدث في البحرين ظلم بيّن، سواء سميناه ثورة أم لم نسمه، المهم أن هناك مطالبات عادلة، رفعت على مدار سنوات وسنوات ولم يستجب أحد، وهي الآن تتحرك في الشارع بشكل سلمي تماما، وقد ووجهت هذه المطالبات العادلة بعنف وقمع شديدين، حيث أن السلطات في المملكة البحرينية تستخدم كل أشكال القمع ضد كل من يطالب بالمساواة بين المواطنين، واستعانت في ذلك بدول الخليج العربي بتفعيل بعض الاتفاقيات الخاصة بالدفاع المشترك".

اختتم عبد الرحمن القرضاوي مقالته حول ما يحدث في البحرين بعبارة في غاية البلاغة، لا يُراودني شك أنه أراد أن يرد بها على والده الذي رفض تسمية ما يجري في البحرين بالثورة، قائلا "ليس مهما وصف ما يحدث في البحرين بأنه ثورة، المهم أنه ظلم بيّن يندى له جبين الإنسانية".

من الجلي أن الشيخ القرضاوي يوظف المشروعية الدينية لخدمة مصلحة سياسية معينة تخص جماعته أو مذهبه، ويسحب تلك المشروعية عن رؤى سياسية أخرى لا تتفق مع تلك المصلحة ولو كان الأمر مقتصرا على الاختلاف السياسي لكان ذلك مقبولا ولكن الخطورة تكمن في تخوين وتكفير أصحاب الرؤى المخالفة.

عن "الحرة"


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية