تعز.. مدينة تحاصرها رجعيتان: سلفية الإخوان ومدافع الحوثيين

تعز، مدينة تحاصرها رجعيتان: سلفية الإخوان ومدافع الحوثيين

تعز.. مدينة تحاصرها رجعيتان: سلفية الإخوان ومدافع الحوثيين


20/06/2023

شنّ الشيخ الإخواني والبرلماني اليمني، في حزب التجمع اليمني للإصلاح، عبد الله أحمد علي العديني هجوماً شديداً على جامعة تعز، وخصّ بالهجوم الدكتور رياض العُقاب، نائب رئيس الجامعة لشؤون الطلاب. في مقطع فيديو مدته (5) دقائق، ظل يتحدث العديني عمّا سمّاه "جريمة"، وهي كلمة ظل يكررها دون أن يحدد ماهية الجريمة التي ارتكبتها الجامعة، والدكتور العُقاب، في حق المجتمع اليمني ومبادئ الإسلام!

الجريمة المزعومة

قال العديني في خطبته: "لم يكن أحد يتوقع أنّ جامعة تعز، في بلد مسلم، وفي مدينة محاصرة، تُقدم على هذه الجريمة وترتكب هذا الفُحش وتفعل هذا المنكر وتعلن حربها على الله وعلى رسوله وعلى شريعته وعلى الشعب اليمني وعلى الأجيال! لم يكن أحد يتوقع أنّ هذا سيحدث ولا في الحُلم". ثم سمَّى العديني من يقف خلف تلك الجريمة المزعومة قائلاً: "يا إخواني، لا بدّ أن نفهم أنّنا اليوم في اليمن والسعودية وبلدان الخليج والبلدان العربية والإسلامية أمام تيار أمريكي مهيمن وينبغي ألّا نتحفظ، بل أن نقول إنّ وراء هؤلاء الـ (8) قوة خفية". ويقصد بالـ (8) أساتذة الجامعة الذين كانوا قد صوتوا لصالح قرار فتح برنامج الماجستير الخاص بالنوع الاجتماعي (الجندر) وتنمية المرأة، وهم في الواقع (6) بعد سحب أحد الأساتذة صوته، بحسب بيان نقابة أعضاء هيئة التدريس في الجامعة، كما سيأتي.

وجَّه العديني هجومه على هؤلاء الأساتذة، وامتدح الذين وقفوا ضد القرار بقوله:

"هؤلاء هم التيار الأمريكي، وقد أعلنوا بصراحة أنّهم أبناء أمريكا داخل بلاد اليمن. هؤلاء ليسوا قوة خفية؛ فالتيار الأمريكي اليوم هو التيار الذي يحكم المنطقة، وكون هؤلاء الـ (7) يركبون هذا التيار ويقفون في الطرف المقابل، فهذا يعني أنّ أمتنا ما زالت بخير". يقصد هنا الأساتذة الـ (7) الذين صوتوا ضد قرار فتح برنامج الماجستير.

الشيخ الإخواني والبرلماني اليمني، في حزب التجمع اليمني للإصلاح، عبد الله أحمد علي العديني

وواصل العديني هجومه على ما سمّاه جريمة قائلاً: "هذه الجريمة، وهذا المنكر، هذا الذي ينبغي أن تهتز له أرض اليمن كلها وتهتز له الأمة الإسلامية كلها. هل يرضى علماؤنا بهذا؟ هل ترضى أجيالنا بهذا؟ هل ترضى جامعاتنا بهذا؟ هل ترضى نساؤنا بهذا؟ هل ترضى الأمة الإسلامية بهذا؟ أن يأتي الخطر من تعز ومن بلاد اليمن التي شهد لها القرآن والنبي عليه السلام! أيّ جريمة أكبر من هذه! هذا انتهاك في حق الإسلام وفي حق الشريعة وفي حق اليمنيين وفي حق الأجيال كلها". ثم تساءل: "ما هو السبب الذي جعل جامعة تعز ترتكب هذا المنكر؟ وبقيادة رياض العُقاب الذي نعتبره من أبناء الحركة الإسلامية! هو الذي يدير المشهد... والذي كنّا ننتظر منه أن يكون الحارس للقيم والأخلاق، هو الذي يعلن عدوانه، وهو الذي يدير المشهد".

في خطبته، استرجع العديني واقعة سابقة محاولاً بها إثبات أنّ العقاب يروج للثقافة الأمريكية. قال العديني: إنّ العُقاب استدعى سابقاً قناة السعيدة الفضائية لتصور الفتيات وهنّ يلعبن الكرة، والشباب حولهن يتفرجون. أمسك العديني بلحيته موجهاً كلامه للعقاب قائلاً: "الله المستعان عليك. أنت لا تشوّه حزبك فقط (يقصد حزب الإصلاح الإخواني) أنت تشوه تعز". ثم يتوعده بالمحاكمة وهو يدق بقبضته على الطاولة: "سنحاكمك أمام الله. سيحاكمك الشعب اليمني أنت ومن صوَّت. لا أعتقد أنّ الناس سيسكتون على هذا المنكر يا إخواني." وبهذه الخاتمة يحيل العديني محاكمة العقاب إلى الناس في صيغة مواربة لكنّها معروفة يُحلّ بها دمه.

تحدَّث العديني في خطبته عن (6) جبهات للإسلام، لم يحددها، تم ضربها، بحسب قوله: "(6) جيهات كانت تحمي الإسلام وضُربت واحدة تلو أخرى. فلمّا أكملوا ضرب هذه الجبهات الـ (6)  رأينا هذه القرارات وهذه الممارسات وهذه الكافيهات...". وفي سياق استهجانه لأيّ حدث مبهج قال العديني: "تستقبل السلطة المحلية الفنانين وكأنّها تستقبل محمد سالم البيحاني (داعية يمني) أو القاضي يحيى الفسيل، وكأنّها تستقبل من سيأتي يفتتح المشاريع...". ثم ختم خطبته ساخراً: تستقبل "فناناً جاء ليغني"!

العديني خليفة الزنداني ولسان حزب الإخوان

ليست هذه المرة الأولى التي يهاجم فيها العديني المقاهي؛ فهو مشهور بأفكاره المتطرفة وآرائه المثيرة للجدل. فهو يرى، مثلاً، أنّ ثورة 26 أيلول (سبتمبر) 1962 "ثورة جاهلية"، وأنّ أحد أهداف تأسيس حركة الإخوان المسلمين في اليمن هو "الإطاحة بها". وفي تشرين الأول (أكتوبر) 2017 شن العديني هجوماً حاداً بسبب حفل فني بمناسبة احتفالات ثورة 14 تشرين الأول (أكتوبر) في مدينة تعز. وفي آذار (مارس) 2021 هاجم العديني مذيعة قناة (السعيدة الفضائية) مايا العبسي وطاقمها، ووصفهم بأنّهم "دجاجة و(5) ثعالب"، واتهم أهل المذيعة بأنّهم "عديمو الغيرة". وتكررت خطبه التحريضية ضد الحفلات والأعراس، وله فتاوى عديدة طالت حتى الأطفال، فقد برر جريمة اغتصاب وقتل طفلة لم تتجاوز (6) أعوام، بحجة أنّ ملابسها كانت فاضحة، وأثارت فتنة القاتل الذي اغتصبها!

جانب من جامعة تعز

ويحظى العديني بحماية حزب الإصلاح، ويمكن اعتباره المعبّر الرسمي عن إيديولوجيته، والبديل لشيخ حزب الإصلاح الإخواني السابق عبد المجيد الزنداني، الذي يمارس أبناؤه اليوم الوصاية على عقول الناس من تركيا وغيرها من البلدان. والعديني سلاح حزب الإصلاح الإخواني، مثلما كان الزنداني سابقاً، وبه تهاجم خصوم الحزب ونقاده، وتحرض به ضد كل مظهر فرح أو بهجة تحاول بها المدينة أن تتنفس، بعد أن أنهكها الحصار الحوثي، ليضيف العديني وحزب الإخوان على المدينة وسكانها حصاراً دينياً وثقافياً، ويعتقدون أنّهم يمثلون النسخة الصحيحة من الإسلام ومن الأخلاق.

جامعة تعز أم جامع الإخوان!

نتيجة هذا الخطاب الإرهابي المستمر تحولت جامعة تعز -أو هي في طريقها لأن تكون- نسخة من جامعة الإيمان التي أنشأها الزنداني في صنعاء، ثم استولى عليها الحوثيون بعد انقلابهم واستيلائهم على السلطة. تتضح هذه الصورة مع ما خلصت إليه نقابة أعضاء هيئة التدريس في الجامعة بشأن الجريمة التي أشار إليها العديني. لم يصدر عن الجامعة بيان يدين العديني ويوضح الصورة بما يثبت أنّ الجامعة صرح علمي، بل أصدرت نقابة أعضاء هيئة التدريس ومساعديهم في الجامعة بياناً أثبتت فيه أنّها جامعٌ تابعٌ للإخوان وفرع من مسجد يديره العديني وأمثاله.

وقالت النقابة في بيانها:

"للتوضيح، فإنّ موضوع -فتح برنامج الماجستير في مركز بحوث ودراسات تنمية المرأة بالجامعة المتعلق بالنوع الاجتماعي وتنمية المرأة- يُعدّ لاغياً بعد سحب الأستاذ الدكتور عبدالرقيب السماوي، عمبد كلية التربية، صوته من الموافقة إلى عدم الموافقة...، وبهذا أصبح التصويت (6) أصوات موافقة مقابل (7) أصوات غير موافقة ورافضة للموضوع". وأضافت النقابة في بيانها الذي ينتصر لخطاب العديني: "إنّنا في نقابة أعضاء هيئة التدريس ومساعديهم نقف صفاً واحداً ضد اعتماد أيّ مواضيع تسيء لسمعة الجامعة وتخلّ بالأخلاق والقيم المنبثقة من الدين الإسلامي الحنيف والقيم الإنسانية والمجتمعية، كما نرفض الدعوات العالمية الترويجية لهدم المجتمعات في جانب الجندر والمثلية وغيرها". وأضاف البيان مخاطباً منتسبي الجامعة وأبناء المحافظة: "إنّ جامعة تعز هي الملاذ الآمن للتغذية العلمية والروحية السليمة، ولن تكون أبداً في أيّ وقت منصة لأيّ مشاريع تستهدف ديننا وعقيدتنا وقيمنا وثوابتنا الإسلامية".

ولم تنسَ النقابة في ختام بيانها توجيه اللوم والهجوم على قيادة الجامعة متهمة قيادتها بالتقصير في إصدار بيان مماثل لبيان النقابة: "في الوقت الذي كنّا ننتظر من قيادة الجامعة ومجلسها الموقر إصدار بيان أو تصريح يوضح للمجتمع ملابسات الموضوع وقطع الطريق على كل من يحاول الإساءة للجامعة، وجدنا الأمر وكأنّه لا يعنيهم... وكأنّ الحملة الشعواء من قبل البعض لا تمسّ كرامة الجامعة وسمعتها وكرامة أبنائها الطلبة ومنتسبيها". وبهذا أصبح فتح برنامج الماجستير الخاص بالنوع الاجتماعي وتنمية المرأة يسيء للجامعة، بينما خطاب العديني وبيان النقابة يدافع عن الجامعة وسمعتها! وبهذا أصبح لزاماً على أيّ إصلاح قادم ليس تحرير تعز من مدافع الحوثيين فحسب، بل ومن فكر الإخوان، وتحرير الجامعة من أغلب أساتذتها الذين يجهلون أبسط المعاني والمفاهيم!

أمام مفترق طرق

اللجنة الوطنية للمرأة في محافظة تعز أصدرت بياناً في 17 حزيران (يونيو) 2023م بشأن الحملة التحريضية ضد جامعة تعز، وضد إدراج برنامج الماجستير الذي كان قد أُقر بالتصويت من قبل أغلب أعضاء مجلس الجامعة. وصفت اللجنة الحملة بأنّها "سعت لخلط المفاهيم؛ بهدف تشويه وإجهاض أيّ دعوة أو فعل يسعى لتطوير وتنمية المرأة لتقوم بدورها في المجتمع". وفي سياق إدانة اللجنة الوطنية للمرأة بمحافظة تعز للحملة الشعواء أكدت أنّ "مفهوم النوع الاجتماعي لا علاقة له بتلك الهرطقات التي أُلصقت به من قبل حملة المناوئين لتنمية وتطوير المرأة". وأكدت اللجنة أنّ الحملة "تقوم على التلبس برداء الدين من أجل تزييف الوعي وقمع كل دعوة للتقدم والنهوض..."، وشبهت الحملة بشعار "من جمهر كفر" "الذي أطلقه الكهنوت الإمامي يوماً في مواجهة دعاة الانعتاق من نير الجهل والتخلف والجور الذي سامه شعبنا لعقود من الزمن".

بيان نقابة أعضاء هيئة التدريس في جامعة تعز

ووضحت اللجنة في بيانها أنّ مفهوم النوع الاجتماعي "لا يعني بأيّ حال الخروج عن تعاليم ديننا الإسلامي الحنيف، ولا يعني التقليد الأعمى للثقافات الغربية، ولا يعني التمرد على القيم والعادات والتقاليد الأصيلة..."، وأنّ "إدراج جامعة تعز برنامج الماجستير في تنمية وتطوير المرأة في إطار النوع الاجتماعي، في مركز بحوث ودراسات تنمية المرأة، يُعدّ مكسباً للمرأة بما سيمثله من ركيزة أساسية ونقطة انطلاق لتفعيل دور المرأة في المجتمع، كما أنّ إدراج البرنامج يُعدّ تجسيداً وترجمة عملية لدور الجامعة في خدمة المجتمع، الأمر الذي نأمل ألّا تتراجع عنه جامعة تعز تحت ضغط المهرطقين وإرهابهم". وفي ختام بيانها دعت اللجنة الوطنية للمرأة "السلطة المحلية والأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني والكيانات المجتمعية والنقابية وكل الفعاليات النسوية إلى إدانة هذه الحملات، والتصدي لكل صوت يستهدف المرأة وتنمية وتطوير دورها في المجتمع".

وبهذه الدعوة تكون تعز أمام اصطفاف بين جبهتين: جبهة تقدمية، وأخرى رجعية ظلامية يقودها حزب الإصلاح الإخواني وشيوخه وأتباعه، وتشهد التعليقات على المنشورات المؤيدة للحملة، أو الناقدة لها، على صفحات وسائل التواصل، حجم الكارثة التي تعيشها تعز واليمن ككل. تلك التعليقات هي ثمرة جهود الإخوان والسلفيين خلال عقود لمحو كل جوهر أو مظهر حضاري ومدني، ويبدو أن نتيجة المعركة قد حسمت لصالحها.

ومن الكوارث التي يتنبه لها الباحث أنّ تعز، التي بها أكبر تكتل سكاني، لم تحظَ بجامعة إلا في عام 1995! ومرّ (33) عاماً من عمر ثورة أيلول (سبتمبر) 1962 قبل أن تحظى المدينة، التي صنعت الثورة، بجامعة! كان في المدينة كليّة واحدة تابعة لجامعة صنعاء (1970) هي كلية التربية (1985)، قبل أن تتأسس جامعة تعز في 19 نيسان (أبريل) 1993، وتفتتح في 11 تشرين الأول (أكتوبر) 1995، وهي اليوم تتكون من (8) كليّات و(17) مركزاً علميّاً، ويدرس فيها ما يزيد عن (30) ألف طالب وطالبة، تشكل الإناث النسبة الكبرى، تصل إلى 70%. هؤلاء الطلاب الذين إمّا أن يديروا شؤونهم بأحدث المناهج العلمية، وإمّا أن يدير شؤونهم شيخ إخواني بخطب وفتاوى من أحد جوامع تعز.

مواضيع ذات صلة:

اليمن: الإخوان والحوثي والقاعدة... هل أصبح التخادم على المكشوف؟

لأي هدف يقاتل حزب الإصلاح الإخواني في اليمن؟

السلام في اليمن: هل ما زال ممكناً؟



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية