تطورات في السودان: ماذا حدث وماذا سيحدث؟

تطورات في السودان: ماذا حدث وماذا سيحدث؟


28/10/2021

في تطور درامي متوقع، وصل الخلاف بين مكونات الحكم في السودان لذروته، المتمثلة في قيام الجيش السوداني بحل حكومة عبدالله حمدوك واحتجازه وزوجته وضعهم تحت الإقامة الجبرية في مكان مجهول، واعتقال عدد كبير من مسؤولي الحكومة من مختلف الدرجات الإدارية والتنفيذية، وإعلان حالة الطوارئ وحل المجلس السيادي وتعليق العمل ببعض مواد الوثيقة الدستورية وتعديل 7 مواد أخرى.

وعلى مدار يومين، أعلن قائد الجيش السوداني، الفريق أول عبدالفتاح البرهان، أن هذه القرارات وغيرها تأتي في إطار تشكيل حكومة ومجلس سيادي جديدين، مشيراً إلى أنه سيكون هناك مكون مدني بديل عن حكومة حمدوك في مختلف الأطر الجاري إعادة تشكيلها سواء كانت تنفيذية أو تشريعية، لحين عقد الانتخابات يوليو 2023، محملاً مسؤولية وصول الأمور لما وصلت إليه للمكون المدني في السلطة وما أسماه بـ”الاقتتال بين السياسيين”.

وتشهد شوارع الخرطوم منذ صباح أمس الأول مسيرات وتظاهرات بوتيرة متزايدة، تنديداً واعتراضاً على ما أسموه بـ”الانقلاب” مرددين شعار “الردة مستحيلة”، فيما سقط عدد من القتلى والجرحى في محيط مبنى القيادة العامة للجيش السوداني، وسط أنباء متفرقة عن استخدام الأسلحة الخفيفة والمتوسطة في فض ومطاردة المتظاهرين ومنعهم من الاعتصام. وذلك بالإضافة إلى قطع جزئي وكلي للاتصالات التي أعلن البرهان في مؤتمره الصحافي الثاني عن عودتها بشكل طبيعي.

وتنتشر دعوات التظاهر وإعلان الإضراب من مختلف الأطر السياسية والاجتماعية والنقابية الداعمة للمكون المدني في المجلس السيادي المنحل؛ حيث أعلن تحالف قوى الحرية والتغير وتجمع المهنيين وعدد من النقابات دعمهم لاستمرار حكومة حمدوك، ودعوة السودانيين للتصعيد السلمي ضد ما أسموه بالانقلاب العسكري، وذلك عبر الدعوة للعصيان المدني من جانب الإدارات واللجان وحتى الوزارات المجمد عملها بقرارات البرهان، لكنها تستأنف عملها جزئيا بواقع عدم سيطرة العسكريين على مقراتها بشكل كامل، سواء من الجيش النظامي أو قوات الدعم السريع، بقيادة نائب المجلس السيادي المنحل، محمد حمدان دقلو، الذي لم تصدر منه أي تصريحات بخصوص التطورات الأخيرة حتى كتابة هذه السطور.

هذا وجاءت معظم ردود الفعل الإقليمية والدولية والأممية والأفريقية بين الدعوة “لضبط النفس والحفاظ على سلامة واستقرار السودان” والتنديد بـ”الانقلاب” والدعوة لإعادة العملية الانتقالية لمسارها الطبيعي، وذلك وفق خارطة طريق عُدلت مرات عديدة منذ الإطاحة بالبشير، والتي كانت تفترض تسليم السلطة للمكون المدني في الحكم، نوفمبر المقبل، وذلك تمهيداً لإقامة انتخابات عامة.

وجاءت أبرز ردود الفعل الدولية بإعلان واشنطن تجميد حزمة مساعدات بقيمة 700 مليون دولار، ودعوة مجلس الأمن لجلسة اجتماع طارئة مغلقة مساء أمس لبحث تطورات الوضع في السودان.

خلفية

وجاءت التطورات الأخيرة كذروة لتصاعد الخلافات بين مكونات الحكم في السودان في الأسابيع الأخيرة، وتحديداً منذ محاولة الانقلاب الفاشلة في 21 سبتمبر الماضي، حيث تبادل اتهامات بين حمدوك والبرهان وحميدتي حول صلات كل منهم بهذه المحاولة التي ربطت لاحقاً بـ”محسوبين على نظام البشير” قد جُمد التحقيق مع من تم احتجازهم منهم، مما حفز استمرار أجواء التراشق الإعلامي وتبادل الاتهامات بينهم على مدار الشهر الماضي، حيث سيادة نمط استقواء داخلي وخارجي في الكباش بين الثلاثة، لتصل الأمور فجر أمس الأول إلى ما أقدم عليه البرهان من الاستيلاء على السلطة بدعوى تجنب “حرب أهلية”.

وآتى السابق مع قرب موعد استحقاقات سيادية وانتخابية جرى تأجيلها، مثل تسليم مهام الشرطة والمخابرات للحكومة وغيرها من الاستحقاقات التي تنص عليها الوثيقة الدستورية المعطلة، وكذلك تجميد لجان تحقيق خاصة بقضايا فساد مالي وسياسي قيل أنها تطول ليس فقط محسوبين على نظام البشير، ولكن ذو صلة بالمكون العسكري في المجلس السيادي المنحل، وتحديداً دور الجيش وقوات الدعم السريع في وقائع مجزرة القيادة العامة 2019، بالإضافة لاتهامات صادرة من قوى الحرية والتغيير لكل من البرهان وحميدتي بافتعال أزمات اقتصادية وأمنية تعزز تواجدهم وأدوارهم مستقبلاً.

وتشير تطورات الأحداث في السودان منذ مطلع العام الجاري لخروج الخلافات بين مثلث حمدوك حميدتي والبرهان للعلن، والذي يأتي كمبارزة ثلاثية لا يأمن فيها أياً منهما للأخر، خاصة مع رصد نمط تعاطي القوى الخارجية المعنية بالسودان وعلى رأسها واشنطن، عبر مبعوثها الخاص، جيفري فيلتمان، إبقاء الصراع بين مكونات المجلس السيادي في إطار ثنائية مدني وعسكري، وليس كما قال حمدوك قبل 10 أيام “بين معسكر الانتقال الوطني الديموقراطي، ومعسكر الانقلاب على الثورة”.

وعكست زيارات فيلتمان وتصريحاته التي ربط فيها استمرار المساعدات الأميركية والدولية بإتمام خارطة انتقال السلطة للمدنيين، أولويات واشنطن الآنية المتمثلة في إبقاء الأزمة في السودان في حدود الخلاف بين المدنيين والعسكريين وليس بين العسكريين والعسكريين؛ حيث احتمالية توسعها وامتدادها بما يؤثر على ترتيبات وأولويات واشنطن في شرق أفريقيا والقرن الأفريقي، خاصة مع تراجع  قبائل البجا على امتداد مناطق تواجدها على سواحل البحر الأحمر، التي تعد المنفذ البحري الوحيد للسودان، عن ما أسموه بـ”غلق طرق ومواني” شرق السودان في الأسابيع الأخيرة، وذلك على أثر خلاف بينهم وبين الحكومة السودانية اعتراضاً على تهميشهم في اتفاق السلام الموقع في جوبا، التي سارع مجلس هذه القبائل بتأييد خطوات البرهان الأخيرة والاعلان عن إنهاء “غلق شرق السودان” المستمر منذ أسابيع.

دلالات

بوصول الخلاف بين مكونات الحكم في السودان إلى محطة الانقلاب وفرض الأمر الواقع ، وتصاعد احتمالات العنف في الشارع وبين مختلف مكونات الاجتماع السياسي السوداني، فإن مآلات الأمور مستقبلاً تتجه نحو تحول هذا الخلاف إلى أزمة طويلة الأمد لها أبعاد إقليمية ودولية بخلاف الأبعاد الداخلية.

ويدخل السودان منعطف خطير بالتحاقه بما يجوز تسميته بحزام الفوضى الافريقي، الممتد من سواحل البحر الأحمر والقرن الأفريقي شرقاً وحتى نيجيريا غرباً، والذي يسوده اضطرابات سياسية وأمنية تعكس سيناريوهات فوضى شاملة على خلفية العديد من الملفات ليس أقلها ملف سد النهضة وعودة تفشي الحركات الإرهابية جنوب الصحراء الكبرى، والتي من شأنها التقاطع مع تموضعات واشنطن في المنطقة والعالم، وعلاقة القوى الإقليمية والدولية وتحديداً موسكو وبكين، فيما يتعلق بخطوط الطاقة والملاحة، كذلك خشية الاتحاد الأوربي من موجات هجرة غير شرعية جديدة متوقع أن تتخطى في حجمها ووتيرتها موجات العقد الماضي، وذلك حال استمرار مناخ الفوضى المشار إليه.

ورغم توقع الصدام الحادث مؤخراً بين مكونات الحكم في السودان، فإن مآلات التغيير في السودان لا تزال مرهونة بين النجاة والعبور من أزمات اقتصادية واجتماعية مزمنة بات المكون العسكري يستثمر فيها ويوظفها لأهداف محدودة وشخصية، بينما تميز أداء المكون المدني بالخفة والترهل والانقسام، وبين سيناريو فوضى شاملة تتضفر فيه ألغام الداخل والخارج، من حيث تصاعد مخاطر اقتتال أهلي على خلفيات اثنية وقبلية وجهوية، ومخاطر خارجية مثل ملف سد النهضة، والعودة لزمن العقوبات والعزلة بوقف المساعدات والمنح الموجهة لدعم السودان، والتي كانت قد ربطت بمحددات منها تطبيع العلاقات مع إسرائيل، وكذلك إدارة وتعاطي مكونات الحكم هناك تجاه مسألة امتيازات القواعد العسكرية الأجنبية على ضفاف البحر الأحمر، الذي تنتشر فيه قبائل البجا المؤيدة مؤخراً لإجراءات البرهان، وهو ما يرجح كفة سريانها في المستقبل القريب.

أما الدلالة الأبرز فتظهر في أن ما أقدم عليه البرهان بتردد وارتباك في اليومين الماضيين، يأتي كمحاولة استباقية للانقلاب عليه هو شخصياً، حيث رصدت تقارير محلية واجنبية موجات من الغضب والاستياء في صفوف القوات المسلحة من أداء حكومة حمدوك والقوى المدنية في العموم، وهو ما أتى عبر مخاطبة من ذوي الرتب العسكرية للبرهان في اجتماع 23 أكتوبر الجاري، مفادها تحركهم لـ”قيادة التغيير” لرفع الحرج عنه في الداخل والخارج، وهو ما يشير بقوة إلى احتمالية المزيد من التصعيد بغية الوصول لصفقة تتراوح بين الخروج الآمن والهيمنة على مقاليد الحكم بشكل مطلق.

وبشكل عام، فإن الأداء السياسي والإعلامي للبرهان على مدى يومين يؤكد ما يتردد عن اتخاذه للإجراءات “الانقلابية” الأخيرة بشكل عاجل كاختيار اضطراري يؤجل الصدام بين العسكريين والعسكريين؛ سواء بالانقلاب على البرهان وقيادات المجلس السيادي العسكرية، أو كصدام بين الجيش السوداني ووحدات التدخل السريع بقيادة حميدتي، خاصة مع اهتزاز موقع البرهان كرئيس للمجلس السيادي المنحل، وعدم وجود أي صفة دستورية تمكنه من قيادة البلاد منفرداً ولو بشكل مؤقت، على غرار ما فعله الرئيس التونسي قيس سعيد، الذي وعلى عكس البرهان، يتمتع بشعبية وتأييد ومؤهلات وشرعية انتخابية ودستورية، كُرست بواقع المعالجة السريعة للأزمات الصحية والاقتصادية التي عانى منها التونسيين، وذلك كمؤشر فاصل إذا ما كان البرهان ومن خلفه في الداخل والخارج سيعملون بشكل سريع على حل أزمات مُلّحة مثل أزمة المحروقات ونقص السلع والأدوية والاحتياجات الأساسية في معظم ولايات السودان.

عن "مركز الإنذار المبكر"


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية