تصاعد الصراع بين المجلس الرئاسي والبرلمان الليبي: مراسيم مثيرة للجدل تعمّق الانقسام وتربك المشهد السياسي

تصاعد الصراع بين المجلس الرئاسي والبرلمان الليبي: مراسيم مثيرة للجدل تعمّق الانقسام وتربك المشهد السياسي

تصاعد الصراع بين المجلس الرئاسي والبرلمان الليبي: مراسيم مثيرة للجدل تعمّق الانقسام وتربك المشهد السياسي


04/05/2025

تخيم الغيوم على المشهد الليبي في ظل أفق سياسي متوتر، ترتفع فيه وتيرة الخلافات بين المؤسسات السيادية، وتطفو على السطح أوجه الصراع على المرجعيات القانونية، كعنوان مستدام لانزياح التوافق الوطني.

مراسيم رئاسية تثير أزمة دستورية وتغذي الانقسام بين السلطات

إلى ذلك، أصدر المجلس الرئاسي (3) مراسيم في وقت واحد، من بينها وقف العمل بالقانون رقم (54) لعام 2023، الصادر عن مجلس النواب بشأن إنشاء المحكمة الدستورية العليا، الأمر الذي قدّره البرلمان والحكومة المكلّفة تغوّلًا على السلطة التشريعية ومحاولة للالتفاف على الترتيبات الدستورية.

وكان عضو المجلس الرئاسي عبد الله اللافي قد أعلن رفضه المراسيم، وقال: إنّ "إصدار المراسيم الرئاسية يتطلب قراراً جماعياً للمجلس، ولا يمكن الانفراد به، وإنّ أيّ إعلان منفرد لا يمثل المجلس الرئاسي مجتمعاً، ولا يُرتب أثراً دستورياً أو قانونياً، هو والعدم سواء.

في المقابل، رفض رئيس مجلس النواب، المستشار عقيلة صالح، هذه الإجراءات، واعتبر أنّ المجلس الرئاسي تجاوز حدود اختصاصه واعتدى بشكل مباشر على صلاحيات مجلسه وما يملكه من سلطات تشريعية، مؤكدًا أنّ إصدار القوانين أو إلغاءها يبقى حقًا حصريًا للمجلس النيابي، ولا يجوز لأيّ جهة، بما فيها المجلس الرئاسي، أن تمارس هذا الدور دون نص دستوري واضح.

 رئيس مجلس النواب الليبي: المستشار عقيلة صالح

المجلس الرئاسي تحت النار: اتهامات بالتفرد وخرق الاختصاصات

من جانبه، شنّ رئيس الحكومة المكلّف من البرلمان، أسامة حمّاد، هجومًا على رئيس المجلس الرئاسي، محمد المنفي، ومقره طرابلس، معتبرًا أنّ ما صدر عنه تحت مُسمّى "المرسومين 1 و2" يمثّل اعتداءً على اختصاصات السلطة التشريعية المنتخبة، ممثلةً بمجلس النواب.

وأكد حمّاد، في بيان رسمي، أنّ المنفي منتهية ولايته، وغير ذي صفة أو صلاحية لإصدار أيّ قوانين أو مراسيم تشريعية، مشيرًا إلى أنّ اتفاق جنيف الذي يستند إليه فقد صلاحيته، وأنّ مجلس النواب هو الجهة الشرعية الوحيدة المخوّلة بإصدار القوانين.

في هذا السياق يقول المحلل السياسي السنوسي إسماعيل إنّ الاتفاق السياسي الليبي الذي وُقّع في عام 2015 برعاية الأمم المتحدة نصّ على وجود (3) أجسام.

وتابع في سياق تصريحاته لموقع (حفريات) أنّ مجلس النواب هو الجسم الأول، وهو السلطة التشريعية الوحيدة، أمّا الجسم الثاني فهو مجلس الدولة، باعتباره أعلى سلطة استشارية في الدولة، وله صلاحية إصدار استشارات ملزمة في بعض القضايا الدستورية، والتي تتعلق بالمؤسسات السيادية أو سحب الثقة من الحكومة أو بعض المسائل الأخرى.

الاستقطاب بين المؤسسات يهدد فرص توحيد السلطة وإجراء الانتخابات

لا شكّ أنّ الاتفاق السياسي تضمّن توقعات بإمكانية محاولة الجسم التنفيذي أن يتغول ويهيمن على الدولة، والجسم التنفيذي في الطرف السياسي هو المجلس الرئاسي. ولكن  أعتقد أنّ الأمر من الناحية الدستورية والقانونية واضح: سلطة التشريع وإصدار القوانين يمتلكها حصراً مجلس النواب، باستثناء بعض النقاط التي يُلزم فيها مجلس النواب باستشارة مجلس الدولة.

وبالتالي، فإنّ أيّ تشريعات تصدر من أيّ جهة غير مجلس النواب هي تشريعات، بطبيعة الحال، لا قيمة لها، ولا يمكن أن تؤدي إلى أيّ نتيجة، سواء سُمّيت مراسيم أو قوانين أو قرارات أو غير ذلك. أيّ شيء يتعارض مع حصر سلطة التشريع لدى مجلس النواب هو، بلا شك، باطل ومنعدم. كما يُقال بلغة القانون: "هو والعدم سواء" بحسب المصدر ذاته.

ويلفت السنوسي إسماعيل إلى أنّ قرارات المجلس الرئاسي ليست قرارات المجلس الرئاسي بالمعنى الكامل؛ إذ حتى لو افترضنا أنّها تمّت بالإجماع بين الأعضاء الثلاثة (الرئيس ونائبين)، فإنّها تُعتبر قرارات منفردة. فما بالك إذا كانت قد صدرت من السيد المنفي وحده؟ وبالتالي، فهي قرارات فردية تخص السيد المنفي، وليس لها أيّ تأثير قانوني أو سياسي على أيّ جهة.

أعتقد أنّ مثل هذه المناكفات السياسية تصبّ الزيت على النار، وتتسبب في مزيد من تأزيم العملية السياسية المأزومة أصلًا والمتجمدة، رغم وجود محاولات لإطلاقها من جديد. وطبعًا هذه المحاولات تأتي برعاية الأمم المتحدة، وبالاتصالات الجارية بين مجلسي النواب والدولة، وهناك أيضًا دول نافذة تسعى إلى إطلاق عملية سياسية تؤدي إلى اختيار حكومة موحدة وسلطة تنفيذية جديدة، وتحديد موعد للانتخابات، والانطلاق في مسار سياسي يفضي إلى انتخابات.

بتقديري أنّ الانتخابات مهمة جدًا في ليبيا، ولتنظيمها لا بدّ من وجود حكومة موحدة، وهو ما لا يتوفر حاليًا. وأعتقد أنّ مجلس النواب ما يزال إلى الآن هو الجهة التي تمتلك سلطة التشريع، وإلى حين إجراء انتخابات جديدة سيستمر مجلس النواب في أداء هذا الدور المناط به.

أمّا بالنسبة إلى المجلس الرئاسي الحالي، فقد أُسندت إليه وظيفة محددة حين اختير في اتفاق جنيف، وهناك بعض الشكوك حول دستورية هذا المجلس، نظرًا لأنّ اتفاق جنيف لم يُضمَّن في الإعلان الدستوري، ولم يُعدَّل الاتفاق السياسي بناءً عليه، لذلك يبدو لي أنّ الأمور لا تعدو أن تكون مناكفات سياسية.

 المحلل السياسي: السنوسي إسماعيل

في سياق متصل يذهب السنوسي إسماعيل إلى أنّه فيما يخص الوضع داخل مجلس الدولة، فإنّ انقسامه، بلا شك، يضعف دوره، وربما يخرجه من المشهد، وهذا أمر متوقع. السيد محمد تكالة رفض تسليم السلطة للسيد خالد المشري عندما خسر أمامه بفارق صوت، وما تزال المشكلة قائمة أمام القضاء. أعتقد أنّ هذه المشكلة كان يمكن حلّها تحت قبة مجلس الدولة وبالرجوع إلى اللوائح الداخلية، لكنّ السيد تكالة رفض حتى قرار الهيئة القضائية داخل المجلس.

ويختتم السياسي الليبي السنوسي إسماعيل تصريحاته لـ (حفريات) قائلًا: "بالتالي، نحن في انتظار الحكم القضائي الفاصل بين الرجلين من أجل توحيد المجلس، لأنّ بقاءه مشروط بوحدته. وإن لم يتحقق ذلك، فإنّ خروجه من المشهد في ظل الانقسام الحالي يبدو هو الاحتمال الأقرب، ممّا يؤدي إلى ضعف دوره. وقد يتمدد دور مجلس النواب، وتُسنِد إلى الكتلة التي تمثل غرب ليبيا دور مجلس الدولة في المرحلة السياسية المقبلة، والتي ستتطلب بكل تأكيد ترتيبات وتوافقات بين الأطراف السياسية الليبية".

ويرى الكاتب السياسي محمد محفوظ أنّ جميع الخطوات التصعيدية التي تتخذها بعض الأطراف، مثل المجلس الرئاسي، وكذلك المبادرة الأخيرة لتوحيد رئاسة المجلس الأعلى للدولة بعد حالة الانقسام التي استمرت لأشهر، إلى جانب الإجراءات التي قامت بها حكومة الدبيبة، تندرج ـ من وجهة نظره ـ ضمن سياق التنافس ومحاولة استباق مخرجات اللجنة الاستشارية، المتوقع أن تُنهي أعمالها خلال اليومين القادمين.

تصعيد سياسي يسبق مخرجات مرتقبة للجنة الاستشارية الأممية

ويضيف محفوظ في حديثه لـ (حفريات) أنّ الجميع يدرك أنّ مخرجات اللجنة الاستشارية ستكون بمثابة قاعدة تنطلق منها بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، كما ستشكل نقطة انطلاق للأطراف الدولية الراعية للعملية السياسية نحو مسار شامل قد يفضي إلى تغيير فعلي، بل ربما إلى خارطة سياسية جديدة قائمة على أسس دستورية متينة تمهّد لإجراء الانتخابات، وبالتالي فإنّ معظم الأطراف تجد نفسها متضررة بشكل مباشر أو غير مباشر من هذا المسار.

ويؤكد محفوظ أنّ التصعيد المتبادل بين الفاعلين السياسيين لا يمكن اعتباره وليد المصادفة، بل هو انعكاس للتطورات السياسية المرتقبة، خصوصاً مع اقتراب اختتام أعمال اللجنة الاستشارية. ويرى أنّ هذه الخطوات التصعيدية لا تعبّر عن رؤية استراتيجية، بل تمثل تحركات ارتجالية من شأنها تعميق الانقسام، لا الدفع نحو الاستقرار. ويختم بالقول: "ما نطمح إليه هو مسار سياسي جامع، يُقصي هذه الأطراف المتنازعة، ويؤدي إلى تشكيل حكومة موحدة، وخارطة طريق واضحة ذات سقف زمني محدد لإجراء الانتخابات".




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية