تركيا ومصر: أردوغان يسعى لكسر الحصار!

تركيا ومصر: أردوغان يسعى لكسر الحصار!


16/03/2021

محمد صلاح

لا يحتاج الأمر الى تكرار مفردات الخطاب التركي الجديد تجاه مصر، فقد بات علنياً وتخطى التلميحات ووصل إلى مرحلة الطلب المباشر لتحسين العلاقات مع مصر، بل والندم على سنوات مرّت ناصبت فيها تركيا مصر وشعبها العداء.

ليس هناك فارق كبير بين ما فعله الرئيس التركي رجب طيب أردوغان منذ ثورة الشعب المصري ضد حكم تنظيم "الإخوان المسلمين" الإرهابي وإطاحة محمد مرسي من المقعد الرئاسي في حزيران (يونيو) 2013، وبين سلوك عناصر "الإخوان المسلمين" ضد مصر وشعبها مذ فقدوا السلطة والنفوذ وتحول حلمهم الكبير الى كابوس عظيم. ولا يحتاج تفسير سياسات أردوغان إلى محلل سياسي أو خبراء ممن درسوا تاريخ جماعة "الإخوان" والمحطات التي مرت عليها والأحداث التي عصفت بها وإنما إلى خبير نفسي أو عالم في السلوك الإنساني يشرح للناس لماذا خطط ودبر وجهز واحتضن عناصر "الإخوان"؟ أو ليفسر أسباب تحرشه بمصر والإساءة لها وتهديد أمنها القومي والسعي الي محاصرتها، والإنفاق على حملات تبناها قادة في "الإخوان"، بل ونساء وأطفال ومنصات إعلامية، ليرددوا شعاراتهم وهتافاتهم وخطاب التنظيم الإرهابي لسنوات وليروجوا لنظرية أن "الانقلاب يترنح" وباقي المفردات التي دأبوا على المضي في إشاعتها، ناهيك باستخدام مواقع التواصل الاجتماعي والقنوات التي تنفق عليها قطر وتبث من الدوحة أو تلك التي تدعمها تركيا وتنطلق من أنقرة وإسطنبول.

كل ذلك بالنسبة إلى أفعال "الإخوان" طبيعي بغض النظر عن الحقائق أو ما يتابعه الناس في أرجاء المعمورة في باقي وسائل الإعلام، لكن المذهل في الحملات الشرسة والمخطط المستمر والكمائن التي نصبت للتحرش بالمصريين كان يقودها الرئيس التركي من دون أي مراعاة لقواعد دبلوماسية او حتى مكانته كرئيس لم يخجل أن يستخدم لغة الشوارع وأن يرفع علامة رابعة مفتخراً! ادخل على موقع يوتيوب وشاهد اللغة التي استخدمها والشتائم التي أطلقها والاعتداءات اللفظية التي مارسها لتدرك أن الأمر ممنهج ومخطط ولم يكن مجرد خلاف سياسي او حتى حدودي او مصالحي وإنما عداء ورغبة في الانتقام.

مواقف أردوغان ذلك الرئيس العقائدي تجاه مصر والسيسي وتعاطيه مع مصر يبدو وكأنه جاء من موقعه التنظيمي في الأساس وليس الوظيفي، وبغض النظر عن وجهة نظر البعض ممن يرون أن الرجل فقد أحلامه وخسر طموحه في قيادة كيانات ما بعد الربيع العربي بفعل ثورة المصريين ضد "الإخوان"، فإن الحقيقة التي لا يمكن إخفاؤها أن كل "إخواني" في العالم يقدم مصالح الجماعة على مصالح وطنه، وأن لا فرق بين أردوغان مثلاً والدكتور سعد الكتاتني، فالإثنان لا يتعاطيان السياسة وإنما يروجان لما يفعلانه أنه جهاد في سبيل الله، علماً أن السمع والطاعة للمرشد ومكتب الإرشاد أول شرط لعضوية الجماعة، وأن تنفيذ التعليمات حتى لو كانت غير منطقية كفيل بأن يضمن لـ"الإخواني" مكاناً في الجنة!.

مرت تركيا أخيراً بظروف سياسية صعبة: خسرت الخليج وأحرجها السيسي بالخط الأحمر الذي رسمه في ليبيا وفشلت في حصار مصر من الجنوب بعد سقوط البشير في السودان، ناهيك بعلاقات مصر المتطورة جداً مع اليونان وقبرص واتفاقات الغاز ومنتدى المتوسط. لدى أردوغان صراعات مع قوى متعددة في الداخل حاول رأب صدعها، ومكانته تعرضت لخسائر فادحة، وهو الذي كان يُصور للعالم أن شعبه حوله وجيشه كذلك، صحيح أنه حقق ارتفاعاً للقاعدة الصناعية والسياحية والتشييد والتنمية عموماً، وكان على مشارف دولة متقدمة لكنه بكل تأكيد فشل في الإدارة السياسية، إذ دخل في صدامات كثيرة.

مصر أسقطت "الإخوان" كجماعة فاشية وأبعدتها عن الحكم بعد سنة واحدة من الحكم "الإخواني"، أما في تركيا، فأردوغان حكم منذ عام 2002 وحزبه منظم جداً وممول جيداً وعقائدي بالدرجة الأولى، لكن أزمات أردوغان ربما أجبرته أن يتعامل بتواضع أكبر في محيطه الداخلي والإقليمي والدولي، أو هكذا يحاول الآن أن يظهر.

اللافت أن الرئيس المصري لا يتناول المواقف التركية من بلاده أو هجوم أردوغان عليه ولا يتحدث عن الأمر في أحاديثه وتكتفي الإدارة المصرية عادة ببيانات قصيرة ومختصرة تصدر عن وزارة الخارجية لتوضيح ما ترى أنه مغالطات أو تدخلات تركية في الشأن المصري، أما وسائل الإعلام المصرية، فلا تفرق ما بين مواقف أردوغان من مصر ومواقف كل قادة وعناصر جماعة "الإخوان المسلمين"، سواء أولئك الموجودين داخل مصر أو المنتشرين في دول العالم، الذين يبدو خطابهم ومواقفهم السياسية وكأنها تطبيق لـ "كتالوج" يحفظونه وينفذون بنوده.

ضربت مصر اكثر من عصفور في ادارتها للعلاقة مع تركيا بحجر واحد، إذ تحركت في ملف القضية القبرصية وترسيم الحدود مع قبرص واليونان لتحقيق مصالحها الاقتصادية والسياسية، من دون أن تخالف القانون الدولي أو القرارات الأممية، وردت علي مواقف تركيا في ليبيا بخط احمر وتحقيق توافق بين القوي الليبية فحافظت علي أمنها القومي، ودعمت التغيير في السودان، فأفشلت مخطط أردوغان لتأسيس قاعدة عسكرية في جزيرة سواكن على البحر الأحمر.

الخلاصة: أرادت تركيا حصار مصر، نصرة لـ"الإخوان" وتماهياً مع الأطماع التاريخية في الإقليم، فوجد أردوغان نفسه محاصراً! هو يسعى الآن إلى محاولة الخروج من الحصار.. من طريق مصر!

عن "النهار" العربي


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية