تركيا تحول بوصلتها إلى الشرق الليبي وتفتح علاقات جديدة معه.. ما أهدافها؟

تركيا تحول بوصلتها إلى الشرق الليبي وتفتح علاقات جديدة معه.. ما أهدافها؟

تركيا تحول بوصلتها إلى الشرق الليبي وتفتح علاقات جديدة معه.. ما أهدافها؟


15/01/2025

يبدو أن المشهد السياسي الليبي يشهد بداية تحول استراتيجي في العلاقات بين أطرافه الداخلية والخارجية، خصوا بعد انفتاح تركيا على الشرق الليبي وفتح صفحة جديدة مع ممثليه، فقد أعلنت تركيا، على لسان سفيرها غوفين بيجيتش، اعتزامها فتح قنصلية جديدة بمدينة بنغازي، وتسيير رحلات طيران مباشرة إليها، بدءاً من أمس الثلاثاء، بينما وجّه محمد المنفي، رئيس المجلس الرئاسي، محمد الحداد، رئيس أركان القوات الموالية لحكومة الوحدة، بضرورة استتباب وفرض الأمن في كل المناطق الليبية.

وشارك بيجيتش رفقة وزارة الطيران المدني بحكومة "الاستقرار"، وأعضاء بمجلس النواب، وعدد من القيادات الأمنية والعسكرية، في مراسم تدشين عودة الرحلات الجوية بين تركيا ومطار بنينا الدولي في بنغازي، بعد انقطاع دام سنوات.

تقارب بعد القطيعة

وكان رئيس المجلس التسييري لبلدية بنغازي، الصقر بوجواري، قد أعلن خلال لقائه مساء الاثنين مع السفير التركي عودة رحلات الخُطوط الجوية التركية المباشرة، من وإلى مدينة بنغازي، بدءاً من الثلاثاء، وأكد على أهمية فتح القُنصلية التركية في مدينة بنغازي، بالإضافة إلى العمل على تطوير التعاون المشترك بين رجال الأعمال في المجالات الاقتصادية المُختلفة، والاستفادة من الخبرات التركية في مجالات البنية التحتية والإعمار.

 رئيس المجلس التسييري لبلدية بنغازي: الصقر بوجواري

وقد صرح الأمين العام للقيادة العامة لـ"الجيش الوطني" الفريق خيري التميمي بأنه بحث في بنغازي مع بيجيتش سُبل تطوير التعاون المشترك بين الجانبين. كما بحث رئيس مجلس النواب عقيلة صالح، مساء الاثنين، في مدينة القبة مع بيجيتش، مستجدات الأوضاع على الأصعدة كافة، وسبل تطوير التعاون المشترك بين البلدين.

وبعد سنوات من القطيعة بسبب دعم تركيا لحكومة الوفاق الوطني في طرابلس ضد قائد الجيش الليبي خليفة حفتر، عامي 2019 و2020، بدأت تركيا في الانفتاح على سلطة حفتر في شرق البلاد، خاصة بعد التقارب الكبير في العلاقات بين القاهرة وأنقرة مؤخرًا. 

 

يتم بعدها طي الخلافات التي وصلت إلى الصدام المسلح سواء بشكل مباشر أو عبر وكلاء داخل الأراضي الليبية

 

وقد وزار رئيس مجلس النواب عقيلة صالح، منتصف كانون الأول / ديسمبر عام 2023، أنقرة بدعوة من نظيره التركي في أول خطوة في اتجاه الانفتاح بين الجانبين، قبل أن تعلن الحكومة التركية عن عزمها افتتاح قنصلية لها في بنغازي.

وقد أجرى السفير التركي لدى ليبيا غوفين بيجيتش عدة زيارات إلى شرق البلاد، التقى خلالها مسؤولين على علاقة بملف الإعمار الذي تقوده قيادة حفتر في شرق البلاد، لمناقشة سبل مشاركة الشركات التركية في مشاريع الإعمار.

تصالح المصالح

ملامح المرحلة الجديدة بدأت تنسج خيوطها بين العدوين اللدودين قائد الجيش الوطني الليبي خليفة حفتر المسيطر على الشرق الليبي والنظام التركي، بدأت منذ زيارة أداها بلقاسم حفتر نجل خليفة حفتر إلى تركيا في آب / أغسطس الماضي، على أن يتم بعدها طي الخلافات التي وصلت إلى الصدام المسلح سواء بشكل مباشر أو عبر وكلاء داخل الأراضي الليبية، وهو توافق حسب كثير من التقديرات يرتبط بلغة المصالح التي يبدو أنها قد تصالحت.

ويرجع مراقبون الأمر إلى التحولات التي يشهدها إقليم الشرق الأوسط، خاصة التقارب الواضح بين مصر وتركيا وحل الخلافات التي استمرت بينهما لأكثر من عقد وكان لها انعكاسها داخل ليبيا، وذلك بحسب وكالة "فرات للأنباء (ANF)".

 

يرجع مراقبون الأمر إلى التحولات التي يشهدها إقليم الشرق الأوسط خاصة التقارب الواضح بين مصر وتركيا وحل الخلافات التي استمرت بينهما لأكثر من عقد

 

وقد كانت ليبيا إحدى أبرز ساحات المواجهة بين مصر وتركيا، ففي حين كانت الأولى تدعم الشرق الليبي وخليفة حفتر كانت الثانية تدعم بكافة الوسائل سلطات الغرب الليبي المتحصنة بمليشيات اتهمت بالإرهاب، إلى أن حدث التقارب بين الجانبين المصري والتركي وصولاً إلى استعادة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين والتي كانت قد قطعت بسبب مواقف نظام أردوغان الداعمة لجماعة الإخوان والرافضة للإطاحة بها من سدة الحكم عقب ثورة 30 حزيران / يونيو.

مكاسب تركيا من التقارب مع شرق ليبيا

وبحسب تقرير لـ"مركز الدراسات العربية الأوراسية"، فإن تركيا التي كانت ضد حفتر وداعميه، إذا تيقنت أن حفتر مستعد لإعطائها النفوذ والمصالح المنشودة، فلن تتردد في توثيق علاقاتها بالشرق الليبي، وهو ما يقوم بالأساس على مكاسب اقتصادية وجيوسياسية يجنيها أردوغان من هذا التقارب.

 قائد الجيش الوطني الليبي خليفة حفتر

ومن أهم هذه المكاسب؛ أداء دور الوسيط، خصوصا أن تركيا تسعى إلى استخدام علاقاتها المتطورة مع الشرق الليبي لتعزيز التكامل بين الشرق والغرب، بجانب تكثيف جهودها الدبلوماسية من خلال التواصل مع القوى الإقليمية، كمصر، والإمارات، وقطر، إذ يمثل هذا النهج سياسة فعالة لتركيا للحفاظ على مكاسبها الحالية، وتحقيق فوائد أكبر في المستقبل.

من المكاسب أيضا بحسب المركز؛ الحلم بغاز المتوسط، خصوصا أن تركيا التي تمتلك علاقات تاريخية وثقافية واقتصادية عميقة مع كلتا المنطقتين في ليبيا، ستؤمن مصالحها ومكاسبها التجارية في شرق البحر الأبيض المتوسط؛ من خلال نقل نفوذها الموجود في الغرب إلى الشرق، حيث تأمل أنقرة أن يتغير المناخ السياسي في الشرق، الذي كان معارضًا لاتفاقيات تركيا لعام 2020 بشأن ترسيم الحدود البحرية واتفاقية الهيدروكربونات لعام 2022.

وفي حال نجح التطبيع بين تركيا وشرق ليبيا؛ فمن المحتمل أن تتنامى الاتفاقيات مع الشركات التركية من خلال صندوق التنمية وإعادة الإعمار الليبي التابع للبرلمان إلى حد كبير؛ إذ إن الفوائد التجارية التي يمكن أن تحققها تركيا من هذا الدور ذات أهمية حاسمة في تحسن الوضع الاقتصادي لأنقرة.

ومنذ الإطاحة بنظام العقيد الليبي الراحل معمر القذافي وليبيا غارقة في فوضى سياسية عززتها الميليشيات والتنظيمات الإرهابية والتدخلات الخارجية والصراعات الداخلية، حتى باتت البلاد أمام حكومتين متنازعتين إحداهما في الشرق وأخرى في الغرب، فيما لم تثمر أية جهود دولية عن حل يمكن أن يوحد مؤسسات الليبيين الذين يتجرعون مرارة صراع أخذ في أوقات كثيرة طابعًا دمويًا منذ عام 2011.

لن تتخلى عن الغرب الليبي

من جانبه، أكد الكاتب السياسي المتخصص في الشأن الليبي عبدالله الكبير في حديث إلى "اندبندنت عربية"، أن لن تتخلى عن الغرب الليبي سواء كان رئيس حكومة "الوحدة الوطنية" عبدالحميد الدبيبة موجوداً على رأس الحكم أو لا، "لأنها لن تغامر بخسارة عقودها في التنقيب عن الغاز بالسواحل الليبية ولن تتخلى أيضاً عن نفوذها الأمني، وبخاصة أن لديها قوات عسكرية بواحدة من أهم القواعد العسكرية الليبية وهي قاعدة ’الوطية‘ غرباً قرب الحدود التونسية". 

 

تركيا التي تمتلك علاقات تاريخية وثقافية واقتصادية عميقة مع كلتا المنطقتين في ليبيا ستؤمن مصالحها ومكاسبها التجارية

 

وأكد أن "العلاقات التركية مع القطب الشرقي ستتوطد أكثر مستقبلاً في ظل التقارب المصري-التركي لتحقق بذلك حكومة أردوغان أهدافها التوسعية في إطار سياستها البراغماتية".

وأكد الكبير أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان "لن يتخلى عن المعسكر الغربي لأن بلاده لديها تحالفات كبيرة في المنطقة الغربية مع مجموعات أمنية وأقطاب سياسية"، موضحاً أن "تركيا انفتحت على الشرق الليبي منذ عامين وهي بصدد نسج علاقات أمنية وسياسية هناك، وذلك جلي من خلال دعوتها رئيس مجلس النواب عقيلة صالح ورئيس صندوق الإعمار بلقاسم حفتر، والآن توجهت نحو رئيس القوات البرية الفريق ركن صدام خالد حفتر لأنها تعي جيداً أنه المقرب من والده قائد قوات الشرق خليفة حفتر".




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية