تداعيات حرب غزة تصل أوروبا

تداعيات حرب غزة تصل أوروبا

تداعيات حرب غزة تصل أوروبا


30/10/2023

فيصل اليافعي

اندلع صراع جديد في الشرق الأوسط بينما تلوح حرب عالمية في الأفق.

وتعدّ الحرب بين إسرائيل وحماس من وجهة نظر أوروبا حقل ألغام كشف عن انقسامات واسعة بين دول القارة، وبين الزعماء السياسيين وشعوبهم، وأيضا وبمستوى أعلى من الأهمية، بين الغرب والجنوب العالمي الذي كان ضمان دعمه بشأن حرب أوكرانيا هدفا غربيا.

وتهدد الحرب الطويلة في غزة بتعميق هذه الانقسامات، وربما إلى درجة التأثير على الدعم الغربي لأوكرانيا.

وبرزت هذه الانقسامات خلال الأسبوع الحالي حين اجتمع وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي لمحاولة التوصل إلى اتفاق بشأن الحرب في غزة. ويشهد التكتل حالة من الاضطراب الداخلي منذ بدء الصراع.

وسرعان ما سافرت رئيسة مفوضية الاتحاد الأوروبي أورسولا فون دير لاين إلى إسرائيل دون استشارة المجلس الأوروبي الذي يمثل جميع الحكومات الوطنية. وانطلق ثنائي مختلف من أوروبا إلى مصر لتمثيل الاتحاد الأوروبي هناك، قبل أن تظهر فون دير لاين مع رئيس المجلس الأوروبي تشارل ميشيل في واشنطن. وفي غضون أيام قليلة وعبر ثلاث قارات، لم يكن هناك إجماع حول من يمثل الاتحاد الأوروبي ويتحدث باسمه.

ودعا زعماء التكتل يوم الخميس إلى إنشاء "ممرات إنسانية وفترات توقف" للسماح بوصول المساعدات إلى غزة، ولكن بعد أيام من المشاحنات حول صيغة البيان. ولم يصفوا الأمر بأنه "وقف إطلاق نار إنساني" كما اقترح البعض.

وتمتد هذه الانقسامات إلى الشعوب الأوروبية. وتظهر فجوة بين من هم في السلطة ومن يصوتون لهم. وشهدت أوروبا مظاهرات عامة حاشدة ضد حرب غزة، وكانت أكبر موجة من الاحتجاجات المناهضة للحكومة منذ حرب العراق.

وخرج عشرات الآلاف إلى الشوارع في مناسبات متعددة عبر لندن وباريس وبرلين ومدريد وأثينا والعديد من المدن الأخرى، منتقدين دعم حكوماتهم للحرب.

وفي فرنسا وألمانيا على وجه الخصوص، بدت السلطات متفاجئة من حجم الاحتجاجات وغير متأكدة من كيفية الرد. واتخذ وزير الداخلية الفرنسي قرارا مفاجئا بحظر الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين في جميع أنحاء البلاد، لكن أعلى محكمة إدارية أبطلته. واندلعت احتجاجات في مدن جميع أنحاء فرنسا هذا الأسبوع. وحاولت ألمانيا كذلك استخدام الوسائل القانونية لخنق المظاهرات، ورفضت طلبات الاحتجاجات.

وحققت هذه الاحتجاجات تأثيرا سياسيا، حيث صقل القادة اللغة التي يستخدمونها في الصراع، وخاصة تجاه الفلسطينيين. ولكن الحفاظ على هذا التوازن سيصبح أكثر صعوبة مع استمرار الحرب وشن الغزو البري الرئيسي المتوقع الذي لم ينطلق بعد.

ويلوح انقسام أكبر مع الجنوب العالمي في الأفق.

وحاول الغرب حشد الدعم بين الدول غير الغربية منذ بداية الغزو الروسي لأوكرانيا في العام الماضي، وذلك من خلال تقديمه على أنّه أكثر من مجرد حرب أوروبية. وذكروا أن الصراع في أوكرانيا يمس القانون الدولي، مما يتطلب من الأطراف البعيدة عن الصراع كبكين، وأبوجا، والقاهرة الوقوف إلى جانب أوكرانيا لدعم سيادة القانون.

ثم جاء الرد الإسرائيلي على هجوم حماس. وأصبح مكتب حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في غضون أيام يحذر من أن الحصار المفروض على غزة والمطالبة بإخلاء مليون من سكان شمال غزة من منازلهم يمكن أن يشكل انتهاكا للقانون الدولي. وتبع ذلك المزيد من هذه التحذيرات.

ولوحظ هذا الانفصال بين الأسباب التي دفعت الطلب من بلدان الجنوب العالمي تحمل الألم الشديد الناجم عن الصراع الأوكراني ومدى الدعم الشعبي الذي كان القادة الأوروبيون والأميركيون على استعداد لتقديمه لإسرائيل، بغض النظر عن سياستها العسكرية.

وقدمت روسيا خلال الأسبوع الماضي قرارا إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة يدعو إلى وقف القتال، بالإضافة إلى إدانة هجوم حماس. وعلى الرغم من دعم دول الجنوب الكبرى (الصين والبرازيل) للقرار، وحتى فرنسا، إلا أن الولايات المتحدة استخدمت حق النقض ضده.

ويكمن الخطر بالنسبة للدول الغربية في أن طريقة التصرف هذه تتماشى تماما مع ما تروج له روسيا والصين، وهو أن النظام العالمي يفضل مجموعة صغيرة من البلدان فقط، وأن دول الجنوب العالمي ليست منها. وعبّر العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني عن الأمر مباشرة قائلا إن القانون الدولي يفقد كل قيمته إذا طُبّق بشكل انتقائي.

والواقع أن الصين الراغبة في زعامة الجنوب العالمي نالت فرصة إبراز ما تريده الأسبوع الماضي، عندما انعقدت قمة بمناسبة مرور عشر سنوات على مبادرة الحزام والطريق في بكين. وعلى خلفية الدبلوماسية الجنونية التي تمارسها أميركا في الشرق الأوسط، ترأس شي جينبينغ مؤتمرا ضم 130 دولة، شملت أكبر دول الجنوب العالمي، كإندونيسيا، وإثيوبيا. وكانت روسيا في قلب المؤتمر.

وليس هذا الجانب الأخلاقي هو القضية الوحيدة، بل تُطرح المصلحة الذاتية أيضا. وتنتظر أوروبا شتاء آخر قادم، وتشير دلائل بالفعل إلى تآكل المحاولات الأوروبية لتقييد مبيعات الغاز الروسي. وأُعلن رئيس الوزراء المجري بعد أسبوع من لقائه مع فلاديمير بوتين في بكين أن البلاد ستشتري المزيد من الغاز خلال فصل الشتاء. وإذا كان الغرب غير قادر حتى على الحفاظ على تماسك بلدان الاتحاد الأوروبي، فما مدى احتمال احتفاظه بتحالف أوسع، مع اقتراب حرب أوكرانيا من شتاء ثان ثم ثالث في نهاية المطاف؟

وتشكل الاختلافات المجتمعة بين القادة والجماهير داخل الكتل الغربية وعبر الجنوب العالمي تحديا هائلا للغرب الساعي لإبقاء الحربين في أعين الرأي العام. ومع تصاعد الحرب في غزة، وتجميد الخطوط الأمامية في أوكرانيا، سيزداد الأمر صعوبة، وقد ينهار التحالف الهش الذي دام طيلة الأشهر التسعة عشر الماضية بصمت.

عن "ميدل إيست أونلاين"




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية