تداعيات التقارب المصري القطري على جماعة الإخوان

تداعيات التقارب المصري القطري على جماعة الإخوان

تداعيات التقارب المصري القطري على جماعة الإخوان


15/09/2022

 تمثل زيارة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إلى قطر الثلاثاء 13 أيلول (سبتمبر) 2022، استكمالاً لمسار المصالحة والانفتاح الذي تبنّته الدولتان في أعقاب الانفراجة التي شهدتها الأزمة العربية الخليجية مع قطر، عقب قمّة العلا في السعودية في كانون الثاني (يناير) 2021، ثم زيارة الأمير تميم بن حمد للقاهرة يومي 24 و25 حزيران (يونيو) 2022، وللتقارب هذا تداعيات على إعادة التموضع وصياغة التحالفات والعلاقات الإقليمية، إلا أنّ هذه الورقة البحثية ترصد تداعيات الزيارة على مستوى أثرها على جماعة الإخوان المسلمين، خصوصاً في ضوء فقدان الجماعة لعدد من الدول التي كانت داعمة لها.

مراجعة المقاربة القطرية إزاء اللإخوان

يُلاحظ أنّ وجود الإخوان كتنظيم في قطر ليس بالقدر المشاع عنه إعلامياً، لا سيّما بعد حل تنظيم الإخوان في قطر أواخر السبعينيات، لكن تظل علاقة قطر الداخلية بالمشروع الإخواني علاقة كبيرة وممتدة، ومن وجوه نفاذية هذا المشروع وتناميه أنّ عدداً كبيراً من الإخوان، وبعضهم ظاهرياً ليس محسوباً على التنظيم، متوغلون في المؤسسات التعليمية والفكرية والبحثية والتربوية والجامعية والخيرية داخل قطر، و"حين سافر الإخوان إلى قطر في الستينيات كان عدد المدارس هناك (40) مدرسة للبنين، تضم (205) طلاب في الإعدادية، و(25) طالباً في المعهد الديني" (عبد الرحمن الحص، "نهضة وطن في تاريخ رجل"، مطابع العروبة، الدوحة، 1965، ص41)، ومن ثمّ يصعب نزع الوجود الإخواني من البيئة القطرية، لكن هذا لا ينفي أنّ إعادة صياغة المقاربة القطرية إزاء الإخوان في ضوء المتغيرات الإقليمية الحالية سيكون له تداعيات على علاقة الطرفين، ويمكن إبراز تغير المقاربة القطرية إزاء الإخوان على النحو التالي:

1- الانفراجة في العلاقات المصرية القطرية: أحد المؤشرات الرئيسية التي عكست مراجعة قطر لمقاربتها على مستوى العلاقة بالإخوان، تتمثل بشكل رئيس في الانفراجة التي شهدتها العلاقات المصرية القطرية، وهي الانفراجة التي بدأت عقب قمّة العلا في السعودية في كانون الثاني (يناير) 2021، وتجسدت في زيارة وزير الخارجية القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني لمصر، وكذا اللقاء الذي جمع بين الرئيس المصري وأمير قطر على هامش قمّة بغداد في آب (أغسطس) 2021، وصولاً إلى زيارة أمير قطر للقاهرة، حتى وصول الرئيس المصري إلى الدوحة، ليحل التعاون والتوافق والتقارب وتعزيز العلاقات محل النزاع والتوتر.

تمثل زيارة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إلى قطر استكمالاً لمسار المصالحة والانفتاح الذي تبنّته الدولتان

2- تغير التعاطي القطري مع متغيرات ما بعد 2013: بالتزامن مع الانفراجة التي شهدتها العلاقات المصرية القطرية، بدأت السلطات القطرية في التعاطي بشكل مختلف مع المتغيرات التي شهدتها مصر عقب ثورة الـ (30) من حزيران (يونيو) 2013، وهو التعاطي الذي غلب عليه تجاوز ورفض الرواية الإخوانية بهذا الخصوص، وهو ما تجسّد بشكل واضح في تصريحات وزير الخارجية القطري في حديث للتلفزيون العربي، التي قال فيها: "إن الرئيس السيسي يمثل الشرعية المنتخبة في مصر، وإنّ النقاط الخلافية بين مصر وقطر بشأن الإخوان يمكن معالجتها"، فضلاً عن أنّ الأمير تميم بن حمد نفسه قدّم التهنئة للرئيس المصري ولشعب مصر كله بمناسبة قرب الاحتفال بذكرى ثورة 30 حزيران (يونيو)، في إشارة صريحة وواضحة إلى التغير الذي طرأ على المقاربة القطرية بهذا الخصوص.

أحد المؤشرات الرئيسية التي عكست مراجعة قطر لمقاربتها على مستوى العلاقة بالإخوان، تتمثل بشكل رئيس في الانفراجة التي شهدتها العلاقات المصرية القطرية، وهي الانفراجة التي بدأت عقب قمّة العلا في السعودية في كانون الثاني 2021

3- مغادرة بعض قادة الإخوان لقطر: استشعر عدد من قادة تنظيم الإخوان الخطر الذي يمثله التقارب المصري القطري، على حضورهم ونشاطهم في قطر، فقاموا بمغادرة البلاد وإنهاء أنشطتهم خصوصاً التحريضية ضد الدولة المصرية ومؤسساتها، في مؤشر واضح على تجليات هذا التقارب، مع الإشارة إلى أنّ شخصاً كالشيخ "يوسف القرضاوي" سيظل متواجداً في قطر، فلا مصر ستطلب شيئاً بخصوصه مع كبر سنّه وظروفه الصحية وضعف تأثيره ودخوله فيما يشبه الابتعاد والاعتزال، ولا قطر يمكن أن تضحي به لأنّها تعتبره مواطناً قطرياً يحمل الجنسية القطرية، ويظل الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين يؤدي دوره في قطر؛ لأنّه يمثل الهيئة العلمية والذراع القطرية لتدعيم قرارات ومواقف الدولة دينياً.

دوافع تغير الموقف القطري

يمكن القول إنّ السياسة التي تبنّتها قطر مع مصر طوال الأعوام التي أعقبت الإطاحة بنظام الإخوان، وقيامها بالدعم غير المتناهي لتنظيم الإخوان بهدف شن حملات عدائية وتحريضية ضد مصر ومؤسساتها، هذه السياسة باتت غير فعَّالة ولا مؤثرة ولا مجدية، وهو ما دفع باتجاه تبلور مقاربة جديدة في هذا الملف، ويمكن تناول دوافع التوجه القطري، على النحو التالي:

1- تراجع الرهان على مشروع الإسلام السياسي: عقب المتغيرات الإقليمية الأخيرة وتطور العلاقات المصرية القطرية، فضلاً عن الإخفاقات الكبيرة التي تعرّض لها مشروع الإسلام السياسي في المنطقة، بدأ العديد من الدوائر القطرية في النظر إلى الرهان على مشروع الإسلام السياسي، والاستمرار في دعمه، على أنّه رهان خاسر، وإهدار للأموال، وتأجيج لحالة عداء مع دولة محورية كمصر دون تحقيق أي فائدة.

2- النجاحات السياسية لمصر خارجياً: أحد الاعتبارات الرئيسية التي تقف خلف تغير مقاربة الدول الإقليمية التي كانت داعمة لمشروع الإسلام السياسي، وبالتحديد قطر وتركيا، ترتبط بشكل رئيسي بالنجاحات التي حققتها السياسة الخارجية المصرية في مرحلة ما بعد ثورة 30 حزيران (يونيو) 2013، فقد استطاعات الدبلوماسية المصرية الانخراط والتفاعل بإيجابية في عدة ملفات إقليمية، خصوصاً في قضايا فلسطين وليبيا واليمن وسوريا، إلى الحد الذي جعل العديد من الدوائر غير المصرية تؤكد أنّ مصر عادت إلى ممارسة دورها الريادي إقليمياً ودولياً، وهو ما حتم التنسيق مع مصر إزاء القضايا الإقليمية المختلفة، كما أنّ المزاعم التي كانت تُثيرها بعض المنظمات التي كانت تُسوّق للرواية الإخوانية، باتت غير مؤثرة على الدور المصري إقليمياً، ولم تحل دون استعادة مصر لهذا الدور.

 تراجع الرهان على مشروع الإسلام السياسي

فصار الوقوف في صف تنظيم الإخوان عبئاً على الدولة القطرية، مع مراعاة أنّ تراجع الدعم لجماعة الإخوان بدا هو المسار والتوجه لتركيا والمغرب وموريتانيا والعديد من الدول، وأنّ المشكلات الدولية والخطر المحدق بالأمن القومي العربي بات له الأولوية عند قطر، فضلاً عن مصالحها المتنوعة، وليس الرهان على مشروع الإسلام السياسي الذي ثبت فشله.

انعاكسات الزيارة على مستقبل الإخوان

يُحتمل أن يكون للتقارب المصري القطري انعكاسات بالغة على الإخوان، خاصةً أنّ تركيا التي تضامنت مع قطر أثناء المقاطعة العربية لها بدأت تسارع الخطى في وتيرة تطبيع العلاقات مع مصر، ممّا شجع قطر على اتخاذ المواقف نفسها وبفاعلية أقوى، مع أسباب أخرى تمّت الإشارة إليها.

 وأهم ما يمكن رصده في تداعيات وانعكاسات التقارب المصري القطري على جماعة الإخوان:

1- جماعة الإخوان لم تحقق أيّ مكاسب لها على أرض الواقع، ساعة أن كانت تحظى بدعم مطلق من قطر وتركيا، ومن ثَمَّ فإنّ رفع الدعم القطري والتركي عنها سوف يفقد الحركة أهم داعمين لها، (الدوحة وأنقرة)، ويزيد من تعقيد موقف التنظيم في ظل الانشقاقات والانشطارات الداخلية التي تعاني منها الجماعة.
2- من شأن زيارة الرئيس المصري لقطر، وقبلها زيارة الأمير القطري لمصر،  القضاء على فكرة "عزلة" النظام المصري خارجياً، تلك الفكرة التي ظلت جماعة الإخوان تسوّق لها وتسخِّر لها منصاتها الإعلامية والإلكترونية بكل قوة، من أجل أن تظهر مصر كأنّها جزيرة منعزلة ومرفوضة بسبب ما سمّته الجماعة (الانقلاب العسكري)، وبعد حوالي (8) أعوام صار لمصر علاقات مع كل دول العالم، وختمت بالعلاقات المصرية القطرية، وهذا نجاح يحسب للخارجية المصرية.

أحد الاعتبارات الرئيسية التي تقف خلف تغير مقاربة الدول الإقليمية التي كانت داعمة لمشروع الإسلام السياسي، ترتبط بشكل رئيسي بالنجاحات التي حققتها السياسة الخارجية المصرية في مرحلة ما بعد ثورة 30 يونيو 2013


3- توقيت عودة العلاقات المصرية القطرية له أهمية، من حيث إنّه جاء في الوقت الذي أعلنت فيه مصر عن فتح حوار وطني داخلي يضم رموز المعارضة المصرية، ممّا يعني المضي في خطين متوازيين؛ خارجياً بإنهاء العزلة المزعومة، واستعادة الدور الإقليمي المؤثر، وداخلياً بفتح حوار وطني مع جميع الفئات، وبهذا تفقد الجماعة جزءاً أصيلاً كانت تسعى لتوظيفه، وهو المعارضة المصرية ورموزها الذين قرروا الاندماج في الحوار الوطني، وتصبح جماعة الإخوان هي المعزولة، وليس الدولة المصرية.
4- جماعة الإخوان تحولت من كونها فاعلة بذاتها إلى كونها "أداة وظيفية"، يمكن أن توظفها دولة ما لتحقيق ما تصبو إليه، هذه الأداة الوظيفية تظل ضمن الأدوات السياسية لأيّ دولة تدعم الجماعة، فإذا انتهت وظيفة هذه الورقة تتموضع الدولة الداعمة للجماعة في صف الدولة المناوئة لها، وهذا سيكون له تأثير سلبي، ليس على الإخوان كتنظيم فحسب؛ بل على نفسية أتباع الجماعة، ولذلك لن يكون أمام الجماعة إلا الهجوم الشرس عبر اللجان الإلكترونية ومواقع التواصل الاجتماعي رداً على هذا التقارب بين البلدين، وذلك بترويج الإشاعات والأكاذيب بزعم أنّ مصر وضعت يدها في يد من كانوا أعداء للدولة المصرية في يوم ما، في محاولة لاقتناع التيار الإخواني بأنّ التقارب بين البلدين يُسيء لمصر، في تشويش من التنظيم على المكاسب الكبيرة التي ستجنيها مصر من التقارب، والخسائر الأكيدة التي سيجنيها الإخوان.

    سيناريوهات واحتمالات متعددة

    عدة سيناريوهات متوقعة فيما يخص مستقبل جماعة الإخوان بعد عودة العلاقات بين البلدين:

     السيناريو الأول: إبقاء قطر على علاقتها بالإخوان، لضمان وجود أذرع للسياسة القطرية الخارجية تمثل قوة ناعمة، مع قدرة قطر على ضبط الأداء الإعلامي للإخوان، ولكن بالطريقة التي لا تغضب مصر؛ وبتعبير آخر: البقاء على المشروع الإخواني وعدم استخدام التنظيم بما يضر بالعلاقة بين مصر وقطر، وقد لوحظ وجود تغييرات في تغطية قناة الجزيرة للشأن المصري؛ فالقناة وإن لم تتوقف تماماً عن سياستها، لكنّها لم توظف برامجها ومنصاتها في صناعة الإحباطات التي كانت تصدرها طوال الأعوام السابقة، وفي التشكيك في قرارات الدولة المصرية، لإرباك المشهد الداخلي في مصر، وهزّ الاستقرار، وجعل المواطن المصري في حالة حماسية ملتهبة دائمة كما كان الوضع قبل التقارب.

    جماعة الإخوان لم تحقق أيّ مكاسب لها على أرض الواقع

    والمتوقع في هذا السيناريو أنّ قطر، وإن لم تتخلَّ عن الإخوان داخل الأرض القطرية، لكنّها ستوقف تمويل المنصات الإعلامية للإخوان، وستقلل بذكاء، يلحظه المشاهد، حدة الإعلام، لا سيّما أنّ الاهتمام الأول لقطر هو على كأس العالم وإخراج تنظيمه بصورة مبهرة.

    وإن كنا نستبعد أن تكون قناة الجزيرة حاضرة في المباحثات المصرية ـ القطرية، لسبب متعلق بمصر نفسها، حيث إنّ هذه القنوات لم يعد لها أيّ تأثير ملموس أو قدرة على تحريك الشارع المصري ونشر الفوضى الداخلية.

    رفع الدعم القطري والتركي عن الجماعة سوف يفقدها أهم داعمين لها؛ الدوحة وأنقرة، ويزيد من تعقيد موقف التنظيم في ظل الانشقاقات والانشطارات الداخلية التي تعاني منها الجماعة

    السيناريو الثاني: قيام قطر بمنع نشاط جماعة الإخوان بالكليّة، وترحيل أو تسليم الإخوان المطلوبين قضائياً، ووقف التدعيم الكامل للإخوان، وهو خيار مستبعد الوقوع، لأسباب، منها:

    1- إنّ مصر لم تطالب به أصلاً؛ لأنّها غير متخوفة من منصات الإخوان وأذرعها، وإنّ ملفات الاقتصاد وضخ الاستثمارات والتجارة بين البلدين والقضايا الإقليمية الكبرى باتت هي الملفات التي تشغل الدولة المصرية بعد استقرار الوضع الأمني، لا سيّما ملف ليبيا، وهو ملف خطير بدا تعظيم قطر للرؤية المصرية في هذا الملف، ولها أسبابها في التقارب مع مصر مقدمة مع رعايتها للإخوان ضد مصر.

    2- قطر لا تريد أن تظهر بمظهر المنقلبة رأساً على عقب تجاه الإخوان.

    السيناريو الثالث: أن تتدخل قطر لدى مصر للمصالحة مع الإخوان، وهو السيناريو الذي يتمناه التنظيم الدولي للجماعة، وعبّر عنه إبراهيم منير، حين رحب قبل ذلك بالتصالح مع الحكومة المصرية، وحين سألته قناة "الجزيرة مباشر" عن موقف الإخوان من التقارب المصري القطري قال: "إنّ الجماعة لن تقف أمام من يحقق الخير"، وهذا السيناريو مستبعد، لأسباب بعضها متعلق ببنية تنظيم الإخوان والانشقاقات الدائرة، وبعضها متعلق بأنّ إشكالية الإخوان لم تعد مع الحكومة المصرية، بل "مع الشعب نفسه"، حسب تصريح الرئيس المصري.

    والسيناريو الأول هو الأرجح، لأنّ قطر، وإن لم تعمل على تصفية الجيوب والأذرع الإخوانية والتخلص من العبء الذي تشكله جماعة الإخوان في علاقتها بمصر ودول الخليج، لكنّها ستحدد وتقوض هذا العبء، وتمنعه من التحريض أو التشويه ضد مصر ودول الخليج.

    والحاصل: أنّ التقارب المصري القطري، وأيضاً التقارب المصري التركي، يمثل كلفة على جماعة الإخوان، ويجعلها تبحث عن بديل، وقد يكون لديها القدرة على التعويض، لكنّ هذا البديل سيكون مهدداً طالما أنّ الدبلوماسية المصرية لديها الخبرة الكبيرة والحنكة السياسية في إدارة هذه الملفات.([1])

    هامش:

    ([1]) منذ عدة أعوام وجماعة الإخوان تبحث عن ملاذات آمنة لأفراد الجماعة، كالرحيل إلى هولندا أو ماليزيا أو جنوب أفريقيا، ولم يكن هذا مرتبطاً بالتغييرات السياسية المتعلقة بالتقارب التركي والقطري مع مصر.



    انشر مقالك

    لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

    آخر الأخبار

    الصفحة الرئيسية