تحريم اليوغا تطرف أم تطفل على الرياضة؟

تحريم اليوغا تطرف أم تطفل على الرياضة؟


16/12/2020

يمينة حمدي

أصبحت اليوغا مصدر قلق كبير في أوساط الكثير من المسلمين الذين يرغبون في ممارسة هذه الرياضة والاستفادة من فوائدها الصحية والنفسية، لكنهم يخشون أن تتعارض هذه الرياضة مع عقيدتهم الإسلامية، بعد أن أحاط بها طوق الفتاوى التي أدرجتها ضمن قائمة الرياضات المحرمة.

ويثار تحريم اليوغا من قبل حلقات دينية متشددة ومغالية، بينما يؤكد خبراء الصحة على أهمية اليوغا كوسيلة لمكافحة التوتر أثناء الحجر المنزلي المفروض بسبب فايروس كورونا، وعلى دورها في تعزيز الصحة الجسدية والنفسية.

ويزعم بعض رجال الدين أن اليوغا محرمة شرعا لأنها من العقيدة الوثنية الهندوسية التي تشجع على الإشراك بالله، ولذلك لا يجوز للمسلم أن يمارسها مطلقا.

ويعترف الباحث المصري في علوم الشريعة، مسعود صبري بأهمية المردود النفسي لرياضة اليوغا بوصفها رياضة لإذكاء الروح والسمو بالنفس، لكنه لا يتردد في تحريمها بالقول “لا يمكن لأحد أن ينكر الأصل لرياضة اليوغا؛ ذلك الأصل الهندي، وأن أول ممارستها لدى الهنود هو نوع من العبادة حسب معتقداتهم، والتي ترجع إلى آلاف السنين، وهذا شيء يخالف عقيدة التوحيد وهو حرام شرعا في شريعة الإسلام”.

ويمثل رأي صبري الذي تنتشر دراساته في المواقع الإسلامية التي يدعمها الإخوان المسلمون، مثالا على التطرف في النظر إلى الممارسات الاجتماعية والرياضية، ويصل الحال إلى درجة متقدمة من التطرف عند الإقرار بفائدة رياضة ما مبنية على التأمل والإصرار وتحريمها بهدف سياسي.

وينصح الباحث المصري الراغبين في ممارسة اليوغا بأداء الصلاة كبديل ديني عن رياضة اليوغا المحرمة، بالقول “إن المردود النفسي لرياضة اليوغا موجود بالفعل في بعض عبادات الإسلام، كالصلاة، ففيها الطمأنينة النفسية، وفيها إذكاء للروح، وسمو للنفس، وبث روح الجماعة بين الناس، والتعاون والنظام وغير ذلك من الفوائد الجمّة للصلاة، والتي لا يقارن أيّ شيء آخر بها، بالإضافة إلى الثواب المرتب عليها، فضلا عن أنها فريضة على المسلم ولقاء بينه وبين ربه سبحانه وتعالى”.

ولم يكن رأي صبري سابقة في هذا الموضوع، فقد سبق وأن أصدرت دار الإفتاء المصرية فتوى بتحريم رياضة اليوغا، وجاء في نص الفتوى أن “اليوغا من طرق التنسك الهندوسية، ولا يجوز اتخاذها طريقًا للرياضة أو للعبادة”.

وأكد علي جمعة مفتي مصر السابق، أنه لا يمكن فصل اليوغا عن فلسفتها الروحانية، فإذا تمّ فصلها عن فلسفتها الروحية فإنها لن تؤدي أثرها وتصير عبثًا، وتصبح حركات بلا معنى.

وقال جمعة في إجابته عن سؤال ما حُكم ممارسة اليوغا كتمارين رياضية، بعيدا عن فلسفتها الروحانية؟ “إن اليوغا لها آثار تأتي وتتحقق من الاعتقاد بفلسفتها، وفلسفتها هي الحلول”، منوّها إلى أن “الحلول لا يجوز عند أهل السُنة والجماعة، لأن العبد عبد والرب رب، فهناك فارق بين المخلوق والخالق”.

وأضاف “أصحاب فلسفة اليوغا، يتكلمون عن الطاقة العليا والمهندس الأعظم، يقصدون بذلك الله – صرحوا أو لم يصرحوا – ولكن هذه الطاقة في ذلك النوع من اليوغا، قد يحل فيها شيطان أو جن أو عفريت، ولا تجوز ممارستها كرياضة فقط دون فلسفة، إذ ستكون عبثًا”.

وتابع “اليوغا تؤدي في النهاية إلى أن يعتقد الإنسان في نفسه الكمال، وهو ما نسميه ‘الكبر’، الذي قال عنه رسول الله: لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةِ خَرْدَلٍ مِنْ كِبْرٍ”.

وأدخل تصريح جمعة رياضة اليوغا بشدة في دائرة المحرمات رغم أن خبراء الرياضة والأطباء يؤكدون أن ممارستها يمكن أن تساهم بشكل كبير في محاربة فايروس كورونا، على اعتبار أنها تقوي النظام المناعي للجسم، إضافة إلى العديد من الفوائد الصحية لهذه الرياضة.

وتكمن أهمية تصريح علي جمعة في أنه عضو بهيئة كبار العلماء التي تمثل مرجعية عليا للمسلمين، الأمر الذي يشجع الأحزاب الإسلامية والمنظمات الدينية على اعتبار حديث جمعة وثيقة يمكن الاستناد إليها وإثارة اللغط بشأن تحريم اليوغا وأنواع أخرى من الرياضة.

وتجمع الكثير من الفتاوى التي صدرت في دول إسلامية، على مخالفة رياضة اليوغا لتعاليم الشريعة الإسلامية، وسواء اقتنع بها المسلمون أم لا، فإنهم يجدون أنفسهم أحيانا عاجزين عن التصدي لسلطة رجال الدين وقوانين الإسلام الاجتماعي التي تتحول مع الوقت إلى ثوابت دينية من الصعب الاعتراض عليها وتخطيها.

وكان المجلس الوطني للفتوى في ماليزيا قد أصدر في عام 2008 فتوى حظر بها على المسلمين ممارسة اليوغا.

واعتبر المجلس في فتواه أن اليوغا تتضمن عناصر كثيرة من العقيدة الهندوسية التي “قد تضعف إيمان المسلمين”.

ويشكل الماليزيون من أصول هندية وصينية 90 في المئة من ممارسي اليوغا في ماليزيا. وبينما لا يوجد ما يدل على أن المسلمين الذين يمارسون اليوغا قد تخلوا عن إيمانهم، بيد أن المجلس يخشى أن ممارسة اليوغا يمكن أن تعمل على تآكل الإيمان بالإسلام.

ويبدو أن الجدل برمته فعل شيئا واحدا، وهو أنه زاد الاهتمام برياضة اليوغا، كما أن معلمي اليوغا على قناعة بأن شعبيتها ستنمو أكثر بسبب ظروف الحجر المنزلي التي فرضتها جائحة كورونا.

عن "العرب" اللندنية


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية