تجربة الإسلاميين في الكنيست الإسرائيلي: خطاب العبري يدعو إلى التعايش

تجربة الإسلاميين في الكنيست الإسرائيلي: خطاب العبري يدعو إلى التعايش


05/04/2021

تعيش إسرائيل أزمة سياسية على وقع نتائج انتخابات الكنيست الأخيرة، بعد إخفاق نتنياهو ومعارضيه في تأمين الأغلبية لتشكيل حكومة ائتلافية مستقرّة، وتجنّب اللجوء لجولة انتخابيّة جديدة، ستكون الخامسة خلال عامين، في وقت تواجه إسرائيل فيه تحديات كبرى؛ داخلية وخارجية.

ودفعت تلك الظروف إلى تغيرات داخل المجتمع العربي في إسرائيل؛ بانفصال الإسلاميين انتخابياً عن المظلة الجامعة للقوى السياسية العربية (القائمة العربية المشتركة)، وحصولهم على أربعة مقاعد، باسم القائمة العربية الموحدة، وخلف الانفصال الانتخابي تقف مجموعة من التباينات، على رأسها الموقف من دعم حكومة إسرائيلية، والقضايا الاجتماعيّة، والموقف من القضيّة الفلسطينيّة ككل.

من يُشكّل الحكومة؟

ويترقّب الإسرائيليّون قرار تكليف رئيس الحكومة، بعد استلام رئيس الدولة، رؤوفين ريفلين، النتائج النهائية الرسمية للانتخابات، والتي لم يتمكّن نتانياهو، أو معارضوه، من حسمها، ما يهدّد بإخفاق تشكيل الحكومة، واللجوء لانتخابات جديدة، وهو ما يسعى الرئيس لتجنّبه، ببحث خيارات أخرى غير تكليف نتنياهو، الذي فاز حزبه بأكبر عدد من المقاعد.

شهدت إسرائيل 4 انتخابات تشريعية خلال عامين

وطالب الرئيس ريفلين، أثناء استقباله وفد لجنة الانتخابات المركزية، لتسليمه النتائج، في اليوم الأخير من الشهر الماضي، الأحزاب بأن تكون على مستوى التحدّيات، وأكّد أنّ "المجتمع الإسرائيلي يحتاج إلى حكومة تمرّر موازنة الدولة، وتقود إلى طريق لعلاج المؤسسات، وتقديم الحلول للمواطنين المتضررين، وإنقاذ مؤسسات الدولة من الركود السياسي"، وهو ما عدّه حزب الليكود تدخلاً من الرئيس في الانتخابات.

وجاءت نتائج الانتخابات الرسمية كالآتي؛ حصد "الليكود" 30 مقعداً، "يش عتيد" 17 مقعداً، "شاس" 9 مقاعد، "أزرق وأبيض" 8 مقاعد، "يهدوت هتوراة" 7 مقاعد، "يمينا" 7 مقاعد، "العمل" 7 مقاعد، "يسرائيل بيتينو" 7 مقاعد، "الصهيونية الدينية" 6 مقاعد، "المشتركة" 6 مقاعد، "أمل جديد" 6 مقاعد، "ميرتس" 6 مقاعد، و"الموحدة" 4 مقاعد.

تبنّت الحركة الإسلامية قبل الانقسام النضال المسلح، وشكّلت خلية عسكرية، ألقت السلطات الإسرائيلية القبض على أفرادها، وهم الذين أصبحوا قياديي الجناح الجنوبي لاحقاً

ويتنافس نتانياهو، زعيم حزب الليكود، على تشكيل الحكومة، مع عدد من السياسيين، منهم  رئيس حزب "يش عتيد"، يائير لبيد، ووزير الأمن الإسرائيلي، بيني غانتس، الذي التقى عدد من قادة الأحزاب، في مسعى لتشكيل حكومة، تؤدي إلى استبدال نتنياهو، الذي يواجه تحدياً كبيراً لتشكيل ائتلاف يرشحه لتشكيل الحكومة، في ظلّ حالة واسعة من التوافق السياسي على تجنّب اللجوء لانتخابات جديدة، بالتوافق على منافس واحد لاستبدال نتنياهو، ما وضع الأخير في موقف حرج، بات معه في حاجة إلى مقاعد الإسلاميين الأربعة، لكن يصطدم ذلك بمعارضة قوية من حلفائه، في الأحزاب الدينية، الأشد عنصريةً ضدّ العرب.

الإسلاميون ونتنياهو

وترفض أحزاب القائمة المشتركة على المشاركة في حكومة إسرائيلية، ولكن بدت أقلّ تحفظاً في دعم حكومة من الخارج، لا تضمّ الأحزاب الدينية، بينما أعربت القائمة الموحّدة عن عدم تحفّظها على المشاركة أو الدعم من الخارج، وهو ما جعلها ملتقى أنظار الأحزاب الإسرائيلية، بعد أن أصبحت، بمقاعدها الأربعة، قادرة على ترجيح كفّة نتنياهو أو منافسيه في تشكيل الحكومة.

قيادات من الحركة الإسلامية

وما يبدو غريباً للمراقب الخارجي؛ أنّ الإسلاميين، أصحاب المقاعد الأربعة، أقرب إلى تأييد نتانياهو من منافسيه، رغم أنّه من أشدّ المعادين للحقوق الفلسطينية، ويزول الاستغراب بدراسة تجربة إسلامي الداخل الإسرائيلي، من واقع السياق الاجتماعي والسياسي في إسرائيل، الذي جعل الإسلاميين أقرب اجتماعياً إلى المحافظين اليهود.

لكنّ تجربة إسلاميي الداخل أثرى من الموقف الاجتماعي القيمي، فهم يطمحون إلى فعالية أقوى في إدارة المجتمع، لتحسين الوضع المعيشي للمواطنين العرب، بينما يتهمهم خصومهم بالتخلي عن القضية الوطنية الفلسطينية.

اقرأ أيضاً: إغلاق باب الترشح للانتخابات الفلسطينية على تأزم لـ"فتح"

وفي خطابه بالعبرية، في مطلع الشهر الجاري، امتنع زعيم القائمة العربية الموحّدة، ونائب رئيس الحركة الإسلامية - جنوب، منصور عباس، عن تسمية الشخصية التي سيوصي بها لتشكيل الحكومة الإسرائيلية المقبلة، خلال المشاورات التي ستجري الأسبوع المقبل مع الرئيس الإسرائيلي.

وطرح عباس رؤيته حول الحكومة، بأنّه " لا يريد أن يكون جزءاً من أيّة كتلة، يمينية أو يسارية"، موضحاً أنّه لا يستبعد أيّ شخص، وطالب بـ "خلق واقع مختلف، وتبنّي اليمين واليسار مقاربته من أجل التغيير". ودعا إلى ضرورة خلق فرصة للتعايش، مشيراً إلى المشاكل التي تواجه الجمهور العربي في إسرائيل.

اقرأ أيضاً: الذكرى الـ45 ليوم الأرض بين الصمود الفلسطيني والرغبة الملحّة في المصالحة الوطنية

وذكر الناشط الاجتماعي والسياسي، من فلسطينيي الداخل، أنور القصاص، أنّ موقف القائمة العربية الموحدة المنبثقة عن الحركة الإسلامية من تشكيل الحكومة لم يتضح بعد، وموقفها ليس مع اليمين أو اليسار.

وأردف القصاص لـ "حفريات"؛ أنّ لدى القائمة شروطاً لدعم أيّ ائتلاف، وهي "تعديل قانون القومية، وإلغاء قانون كمينتس، والاعتراف بالقرى مسلوبة الاعتراف في النقب، وتجميد هدم البيوت العربية في النقب، ومكافحة العنف والجريمة في المجتمع العربي في الداخل الفلسطيني".

الناشط الاجتماعي والسياسي الفلسطيني أنور القصاص

وأضاف: "القائمة الموحّدة لم، ولن، تكون جزءاً من الحكومة الإسرائيلية المقبلة، بل ستكون، في تصوّري، شبكة أمان لأيّة حكومة، لانتزاع حقوق المواطنين العرب؛ من ميزانيات، وتوسيع مسطحات نفوذ البلدات والقرى العربية، وتشغيل الأكاديميين في القطاع العام".

ويحوز نتنياهو على دعم 52 نائباً، من حزبه الليكود، إلى جانب أحزاب؛ "شاس" للمتدينين الشرقيين، و"يهدوت هتوراة" للمتدينين الغربيين، وحزب "الصهيونية الدينية"، وترتفع إلى 59 إذا ضمن تأييد حزب "يمينا"، ويبقى مطلوباً تأمين مقعدين في الكنيست، للحصول على الأغلبية، المحددة بـ 61 مقعداً.

ويعمل نتنياهو على إقناع كتلته بقبول انضمام نواب عرب، وهو ما ترفضه الأحزاب الدينية، وعلى رأسها حزب "الصهيونية الجديدة"، في ظلّ أنباء عن نية الرئيس تكليف رئيس حزب "يمينا"، نفتالي بينيت بتشكيل الحكومة.

الناشط السياسي الفلسطينيي أنور القصاص لـ"حفريات": موقف القائمة العربية الموحدة المنبثقة عن الحركة الإسلامية من تشكيل الحكومة لم يتضح بعد

والتقى زعيم حزب "يش عتيد"، يائير لبيد، منصور عباس، وبحثا إمكانية تشكيل حكومة جديدة، وسبق ذلك لقاء عباس بالنائب أيوب قرا من حزب الليكود، كما التقى لبيد رئيس "القائمة المشتركة"، أيمن عودة، والنائب في القائمة، أحمد الطيبي، لبحث تشكيل حكومة بديلة لنتنياهو، وصرّح الزعيمان العربيان بأنّهما لن ينظرا في إمكانية التوصية بلابيد، إذا لم يتمكن من الحصول على 55 توصية من أعضاء كنيست آخرين.

الإسلاميون والقضية الوطنية

واتّهمت أصوات فلسطينية، منصور عباس، بالتخلي عن القضية الوطنية، التي لم يشر إليها في خطابه الأخير، وينبع هذا الاتّهام من قراءة جامدة؛ تفترض أنّ كلّ فلسطيني مُلزم بالقضية الوطنية، التي تختلف من حركة سياسية لأخرى، وهو الأمر الذي يخالف الواقع السياسي، الذي تشكّل منذ اتفاق أوسلو 1993، الذي بموجبه اعترفت السلطة الشرعية للفلسطينيين، منظمة التحرير، بأنّ عرب الداخل هم جزء من الدولة الإسرائيلية، وأنّهم خارج القضية الوطنية، وهو ما قاد الحركة الإسلامية إلى الانقسام؛ إذ انفصلت الحركة إلى جناح شمالي ظلّ يتبنّى القضية الوطنية، ورفض المشاركة في الانتخابات الإسرائيلية، بزعامة رائد صلاح، وجناح جنوبي اعترف باتفاق أوسلو، وشارك في الانتخابات الإسرائيلية، وتمثّله القائمة العربية الموحدة.

زعيم القائمة العربية الموحدة، منصور عباس، أثناء الإدلاء بصوته في الانتخابات

ورغم براجماتية الحركة الإسلامية - جنوب، إلا أنّ الحديث عن القضية الوطنية ككلّ، بصورتها التقليدية، لا تغيب مطلقاً عن أحاديث القيادات الدينية للحركة، وإن غابت عن القيادات السياسية.

ويربط باحثون في علم الاجتماع حدث الانفصال بالبيئة الاجتماعية الحاضنة لجناحي الحركة، كمحاولة لسبر الاختلاف حول المشاركة في الحياة السياسية الإسرائيلية، لدى الحركة الإسلامية التي ظهرت مع صعود الإسلام السياسي في فلسطين، في سبعينيات القرن الماضي، مع حركة الجهاد الإسلامي، وحركة حماس؛ إذ إنّ موطن الجناح الشمالي حضري، وموطن الجناح الجنوبي بدوي، في صحراء النقب، المنطقة الأشدّ تهميشاً بين المناطق العربية.

اقرأ أيضاً: الإسرائيليون يدلون بأصواتهم في الانتخابات التشريعية الرابعة... كيف يتابع الفلسطينيون؟

وتبنّت الحركة الإسلامية، قبل الانقسام، النضال المسلح، وشكّلت خلية عسكرية، ألقت السلطات الإسرائيلية القبض على أفرادها، وهم الذين أصبحوا قياديي الجناح الجنوبي لاحقاً، وبعد الخروج من السجن دخلت الحركة في مراجعات فكرية، تخلّت بموجبها عن العنف، وتبنّت خيار النضال السلمي، ومع توقيع اتفاق أوسلو، وجدت الحركة نفسها أمام واقع مغاير؛ فمن ناحية اعترفت منظمة التحرير بأنّ العرب داخل الخطّ الأخضر، أو عرب 48، هم جزء من الدولة الإسرائيلية، بالتالي، لا وجود لهم في حسابات الحركة السياسية الفلسطينية الرسمية، فوقفت الحركة الإسلامية على مفترق طرق؛ إما الإبقاء على الرؤية القديمة للقضية الوطنية، أو التأقلم مع الواقع الجديد، والتعايش في دولة إسرائيل، بصفتها الوطن الذي ينتسبون إليه بحكم الواقع، وتتعلق حياتهم اليومية بإدارته.

اقرأ أيضاً: إسرائيل تحوّل أقدم مطار فلسطيني إلى أضخم حيّ استيطاني

ولا تملك الحركة الإسلامية - جنوب رفاهية امتلاك مبدأ النضال المجمد، الذي ترفعه الأحزاب العربية في القائمة المشتركة، والذي يجعلها بعيدة عن الاشتراك في تشكيل الحكومة الإسرائيلية؛ إذ تفرض طبيعة منطقة النقب في الإستراتيجية الأمنية الإسرائيلية ضغطاً شديداً على سكانها العرب، كونها منطقة قليلة السكان يهودياً، وتمثّل ضعف لأمن إسرائيل، وحال تمسّك الحركة الإسلامية الجنوبية بخيارات مثل النضال الوطني، حتى إن لم يتعدَّ مرحلة التجميد، مثل ما تفعله القائمة المشتركة، فسيزيد ذلك من معاناة سكان النقب، وتمنح اليمين المتطرف فرصة لتأكيد مزاعمه العنصرية ضدّ العرب ككل.

مؤسس الحركة الإسلامية الراحل الشيخ عبد الله نمر درويش (وسط) مع شيمون بيريز

وتأسست الحركة الإسلامية في الداخل الفلسطيني عام 1971، على يد الشيخ عبد الله نمر درويش، وترى الحركة نفسها مستقلّة عن جماعة الإخوان المسلمين، خصوصاً الجناح الجنوبي. وانقسمت الحركة إلى جناحين؛ شمالي بزعامة رائد صلاح، وجنوبي بزعامة حماد أبو دعباس عام 1996، وفي عام 2015 أعلن رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، أنّ الحركة الإسلامية- شمال تنظيم غير مشروع، وقام بإغلاق 17 جمعية تتبعها.


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية