تجديد الخطاب الديني بين الوهم والواقع.. هل سيكون الجيل الجديد أقل أصولية؟

تجديد الخطاب الديني بين الوهم والواقع.. هل سيكون الجيل الجديد أقل أصولية؟


06/04/2021

تجديد الخطاب الديني دعوة أطلقت كثيراً من قبل مفكرين وبجهود فردية أو مؤسساتية، والكتب في هذا السياق أكثر من أن تُحصى في مقال، نذكر منها كتاب المفكر المصري الراحل نصر حامد أبوزيد "نقد الخطاب الديني"، ومشروع أبو زيد، إضافة إلى مشاريع مفكرين آخرين كبار من أمثال؛ جورج طرابيشي وعلي حرب وعلي شريعتي والصادق النيهوم وفرج فودة وعبدالجواد ياسين وغيرهم كثير، تهدف في النهاية إلى تجديد الخطاب الديني.

يسلط كتاب "تجديد الخطاب الديني بين الوهم والواقع" الضوء على دور الخطاب الديني بتزييف الوعي وتجميل الصورة

ومن هذه الجهود ما قامت به مؤسسة "أروقة" للدراسات والترجمة والنشر وهي تطلق مركزاً بحثياً طموحاً تحت اسم "رَوِيَّة للدراسات".
دشّن المركز نشاطه بإطلاق عدة إصدارات، في العام 2019، تتمحور حول تفكيك خطاب الإرهاب، منها: "الإرهاب والتطرف، قراءة في مقاربات مختلفة" لمحمد الحمامصي، "تفكيك خطاب داعش" لعلوي الملقمي، "الإرهاب من منظور القرارات الدولية" لأنور العليمي، "خرافات الصحوة الإسلامية" لمحمد عزيز العرفج، "تجديد الخطاب الديني بين الوهم والواقع" لطلعت رضوان.
 كتاب "تجديد الخطاب الديني بين الوهم والواقع" لطلعت رضوان

آفة الأُحادية
يطرح كتاب "تجديد الخطاب الديني بين الوهم والواقع" لطلعت رضوان، العديد من الأسئلة: هل يختلف الشباب المنشق عن الإخوان عن شيوخهم؟ وهل تختلف المرجعية؟ وهل سيكون الجيل الجديد، من شباب الإخوان، أقل أصولية؟ وهل يُجدي تجديد الخطاب الديني مع آفة الأحادية؟ وكيف يستقيم تجديد الخطاب الديني مع دعوة "أسلمة مصر"؟ وهل ينجح التجديد بدون علمنة مؤسسات الدولة، وفي ظل العداء للتراث الشعبي؟

اقرأ أيضاً: جناية "أل" في الخطاب الديني
يستعرض الباحث أهم الآفات التي عانت منها البشرية وأخّرت مسيرة التقدم، من تلك الآفات: مقولة "ثوابت الأمة" التي أدّت إلى الدعوة لعودة الخلافة الإسلامية، ويربط الباحث هذه العودة أو الدعوة بدعوة الحزب النازي وسيادة "الأمة النازية"، ويخلص إلى أنّ الأصل في كلتا الدعوتين هو "الأحادية الدينية والعرقية" التي هي أشد أعداء التعددية، والأحادية تؤدي حتماً إلى الجمود والثبات، ويستشهد الباحث بأمثلة من تاريخ المسيحية كقتل الفيلسوفة هيباتيا وحرق الفيلسوف جوردانو برونو، إضافة إلى أمثلة من تاريخ الإسلام كمقتل عبدالحميد الكاتب وابن المقفع والحلاج والسهروردي وفرج فودة وغيرهم.
تنطوي دعوة "أسلمة مصر"، التي يطلقها الأصوليون، على تكفير مبطن للمجتمع والدولة معاً

أسلمة مصر
تنطوي دعوة "أسلمة مصر"، التي يطلقها الأصوليون، على تكفير مبطن للمجتمع والدولة معاً، والسبب من وجهة نظرهم، كما بيَّنه الباحث، "أنّ المجتمعات العصرية تعيش مرحلة الجاهلية الحديثة"، ومن شواهد هذه الدعوة المطالبة بتطبيق الشريعة الإسلامية التي انتشرت بعد ثورة يناير 2011.
اللافت للنظر، كما يقول الباحث، "أنّ الدعوة لأسلمة مصر، لم تكن من اجتهادات الإخوان المسلمين والتيار السلفي فقط، وإنّما شارك في هذه الحملة بعض المحسوبين على الثقافة المصرية"، ومن شواهد أسلمة مصر يذكر الباحث كيف أنّ التيار الديني اخترق وزارة التربية والتعليم، في وقت من الأوقات "فتقرر تدريس كتابين للشيخ الشعراوي هما كتاب (معجزة القرآن) وكتاب (الأدلة المادية على وجود الله)".

تجديد الخطاب الديني دعوة أطلقت كثيراً من قبل مفكرين وبجهود فردية أو مؤسساتية

يربط الباحث هذا الفصل بفصل آخر عن الموقف من غير المسلمين، وعن دور الخطاب الديني في تزييف الوعي وتجميل الصورة، مستشهداً بتفسيرهم لمعنى الجزية وهو ما "أدى إلى تبرير ما يحدث في بعض الأحيان من اعتداء على (أهل الكتاب) والذين هم من نفس البلد والوطن".
الهدف من الجزية كما بينه الباحث هو "منع مواطني كل دولة يغزونها من الدفاع عن أنفسهم، أي منعهم من حمل السلاح"، ويخلص إلى أنّ الحل يكمن في حق المواطنة وذلك بتطبيق مبادئ العلمانية "حيث يضع البشر قوانينهم التي تنظم العلاقة بين المحكومين والسلطة التنفيذية وتحكم العلاقة بين المواطنين وبعضهم البعض"، وبدون هذا سيظل مشروع تجديد الخطاب الديني، كما يرى الباحث، "مجرد فكرة مثالية عسيرة على التحقيق على أرض الواقع".

اقرأ أيضاً: إستراتيجيات بناء الخطاب الديني: العدل ومعرفة مراد الله
من جهة أخرى، يرى الباحث أن توأم التعليم والإعلام يلعبان دوراً رئيسياً في احتقان الوضع وتدهور العلاقة بين أتباع الديانتين، والحل، من وجهة نظره، يكمن في حصة الأخلاق، كبديل لحصة الدين، وبجلوس التلميذ القبطي والمسلم إلى جوار بعضهما، "وتدريس نماذج من حكماء مصر القديمة"، وحكماء الأمم الأخرى كبوذا وكونفوشيوس وغيرهما.
الدعوة لأسلمة مصر لم تكن من اجتهادات الإخوان المسلمين والتيار السلفي فقط

تحييد الدين بصفته تاريخاً
لن يستقيم تجديد الخطاب الديني دون فك الاشتباك مع الماضي، كما يرى الباحث، من ذلك "أهمية حسم النزاع بين العقيدتين الإسلامية والمسيحية" وهو موضوع الفصل التاسع، والوعي باختلاف المصاحف، وهو موضوع الفصل العاشر، ويعود لطرق آفة الأحادية كأهم معوقات تجديد الخطاب الديني، في الفصل الحادي عشر. ومن الفصول المهمة في الكتاب الفصل الثاني عشر الذي وضعه في صيغة سؤال: "هل يتحقق التجديد مع العداء للتراث الشعبي؟".

اقرأ أيضاً: الخطاب الدينيّ الشعبيّ واختراق الأصوليات الإسلامية له
ويرى الباحث أنّ تجديد الخطاب الديني لا يجدي بدون تدريس التاريخ الإسلامي في المدارس والجامعات بموضوعية وحيادية، وأنّ من شأن هذه الحيادية أن تقود إلى احترام الدين بوصفه تاريخاً أو تجارب قابلة للنقد والمراجعة، وهو ما سيؤسس لثقافة تفصل بين ما هو ديني وما هو تاريخي أو بشري، ومن ثم كتابة دستور مدني يجيز فيه لجميع المواطنين اعتلاء أي منصب في الدولة بصفتهم مواطنين لامتدينين، ويستشهد الباحث بالهند حيث يمكن للمسلم أن يكون رئيساً للدولة والسيخي أن يكون رئيساً للوزراء، وهي نتيجة لتأسيس مناهج التعليم على أكبر قدر من الموضوعية والحيادية العلمية.


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية