بلحاج عائداً إلى ليبيا من قطر: سفير مصالحة أم نذير حرب؟

بلحاج عائداً إلى ليبيا من قطر: سفير مصالحة أم نذير حرب؟


27/04/2022

أثارت العودة المفاجئة للقيادي السابق في الجماعة الإسلامية المقاتلة، المصنفة إرهابياً، عبد الكريم بلحاج، تساؤلات عديدة حول توقيت العودة وعلاقتها بالصراع السياسي بين رئيس الوزراء المنتهية ولايته، عبد الحميد الدبيبة، ورئيس الوزراء المُكلف، فتحي باشاغا، وما تشهده المنطقة الغربية من اقتتال متقطع بين الميليشيات المسلحة.

وتثير عودة بلحاج مخاوف كبيرة من إعادة تجميع العناصر المتطرفة، بعد أن تفرقوا، على الميليشيات المسلحة، وكذلك على الأمن الليبي بشكلٍ عام، والأمن في المنطقتين الشرقية والجنوبية خاصةً، فضلاً عن الدور السياسي الذي يتطلع للقيام به، وكيف سيؤثر على مسار الأزمة.

عودة بلحاج

ووصل بلحاج إلى طرابلس، مساء 20 نيسان (أبريل) الجاري، قادماً من الدوحة، التي حضر فيها إفطار الوداع، بصحبة الداعية الهندي المثير للجدل، ذاكر نايك، وعدد من رجال الدين من دول مختلفة، ممن تحتضنها العاصمة القطرية.

وحظي القيادي السابق في الجماعة المصنفة إرهابياً، باستقبال كبير، واحتفالات شعبية بعودته، من قبل منتسبين إلى جمهور نادي الاتحاد الرياضي، وأُقيمت له حفلات استقبال في عددٍ من مناطق طرابلس.

بلحاج مستقبلاً مشجعين من نادي الاتحاد

وألقى بلحاج خطاباً بمناسبة عودته، وبحسب ما نشره مكتبه على صفحته في الفيسبوك، قائلاً: "تمر بلادنا بمرحلة تاريخية حاسمة، تواجه فيها مخاطر التقسيم وعودة الحروب، واستلاب إرادتها الوطنية لعقود قادمة بعد أن كان القرار الوطني بيد الليبيين".

ودعا إلى "دعم جهود الحوار الذي تقوده البعثة الأممية في ليبيا، وكذلك القوى الوطنية من كافة مناطق ليبيا التي تلتزم بمنع الحرب أو الاقتتال بين الإخوة".

ووضعت عودته النائب العام الليبي في مأزق؛ بسبب صدور أمر ضبط وإحضار بحقه، عام 2019، في جريمة الهجوم على الحقول والموانئ النفطية، والهجوم على قاعدة تمنهنت، والتدخل في القتال بين القبائل الليبية، وجرائم القتل والخطف بالجنوب، والاستعانة بعناصر المعارضة السودانية والتشادية في القتال بين الليبيين.

وكان بلحاج قد صرّح بأنّ قرار ضبطه أمر سياسي، ومن غير الوارد تنفيذ قرار النائب العام بحقه، وإن كان من المحتمل إسقاط القرار.

رغم خطاب بلحاج السياسي الداعي إلى الحلّ السلمي، ومحاولات بناء الشعبية عبر موقعه في رعاية نادي الاتحاد الرياضي، فمن المؤكد أنّه يسعى لإعادة تشكيل قوته العسكرية

ولم تكن عودة بلحاج منفردة؛ إذ سبقتها عودة القيادي الإسلامي، شعبان هدية، وقيادات أخرى على صلة بالجماعات الإرهابية في مجلس شورى بنغازي ودرنة السابقين، وتبع ذلك إفراج جهاز الردع عن 86 عضواً من مجلس شورى درنة وشورى بنغازي، المسجونين على ذمة قضايا إرهاب.

ويرى الناشط السياسي الليبي، مجدي الفسي؛ أنّ رجوع عبد الحكيم بلحاج في هذا التوقيت من قطر هو لـ "تنفيذ مخطط جديد يقوم على تأسيس تحالف جديد تقوده دول معادية للاستقرار، وتتحالف مع حكومة الدبيبة،  لضمان بقائه في السلطة".

الفسي: يوم قدوم بلحاج شهدت طرابلس اشتباكات بين ميليشيات مؤدلجة وأخرى جهوية

وأضاف لـ "حفريات": "لم تكن عودة بلحاج وشعبان هدية، الملقّب "أبو عبيدة"، صدفةً؛ ففي يوم قدوم بلحاج شهدت طرابلس اشتباكات بين ميليشيات مؤدلجة وأخرى جهوية، وبعدها شهدت مدينة الزاوية اشتباكات لثلاثة أيام".

وأشار الناشط السياسي إلى أنّ ""أبو عبيدة" ينحدر من مدينة الزاوية، وله صلة بالاشتباكات، ومن الواضح أنّ هناك خطة لإعادة سيطرة الجماعة المقاتلة والإخوان على المشهد العسكري، بعد تراجع نفوذهم خلال الفترة الماضية، وذلك بهدف استمرار الفوضى التي تخدم مصالحهم".

المخاوف الأمنية

وقاد بلحاج ميليشيا لواء طرابلس إبان القتال ضدّ الرئيس الراحل، معمر القذافي، وتولى بعدها قيادة مجلس طرابلس العسكري، وشارك في هجوم فجر ليبيا على العاصمة طرابلس، عام 2014، الذي طرد مجلس النواب والحكومة الشرعية، وأسس سلطة موازية، حتى توقيع اتفاق الصخيرات عام 2015.

ولا تنفصل السياسة عن الحرب في ليبيا؛ لهذا فرغم خطاب بلحاج السياسي الداعي إلى الحلّ السلمي، ومحاولات بناء الشعبية عبر موقعه في رعاية نادي الاتحاد الرياضي، فمن المؤكد أنّه يسعى لإعادة تشكيل قوته العسكرية، وهذه المرة بدعم من عبد الحميد الدبيبة، الذي لم تكن عودة بلحاج بعيدةً عنه، وعنه المصالح التركية.

وحول ذلك، يرى المدير التنفيذي في مؤسسة سلفيوم للدراسات والأبحاث، ومنسق حراك جيشنا طوق النجاة في طبرق، فتحي بولقرع لعبيدي، أنّ "عودة بلحاج يهدف لتوحيد صفوف الفارين من المنطقة الشرقية من الجماعات الإرهابية بعد انتصار الجيش الوطني عليهم، وتحرير بنغازي ودرنة منهم".

لعبيدي: عودة بلحاج تهدف لتوحيد صفوف الفارين من الجماعات الإرهابية

وقال لـ "حفريات": "كلّ العناصر الإرهابية التي فرّت من المنطقة الشرقية والجنوبية توجهت إلى طرابلس والمدن الغربية، وتوزعت على الكتائب الأيديولوجية القريبة من الإخوان المسلمين، وبعضهم لم ينتمِ لكتائب، لكن كان على صلة بهم، وبعودة بلحاج سيُعاد تجميعهم في إطار عملية التحشيد التي تشهدها المنطقة الغربية".

وتوقع المدير التنفيذي في مؤسسة "سلفيوم"؛ أن تشهد المنطقتان، الشرقية والجنوبية، عمليات إرهابية ضدّ القوات المسلحة، وربما اشتباكات لخلط الأوراق في المنطقة الغربية.

ورغم هذه المخاوف، فمسألة التصعيد العسكري لن تلقى قبولاً دولياً، حتى مع دعم تركيا وقطر لبلحاج، ولهذا قد تكون هناك ترتيبات أخرى تتطلب عودة بلحاج، وخصوصاً في العملية السياسية المعقدة؛ فوجوده يقوي تيار الإسلام السياسي مقابل الصراعات البراجماتية بين الدبيبة و باشاغا، والتي تشارك فيها جماعة الإخوان، لكن بشكلٍ غير مباشر.

ماذا يريد الدبيبة؟

وبالعودة إلى اشتباكات مدينة الزاوية، يقول المحلل السياسي الليبي، محمد قشوط: "منذ فترة يعمل الدبيبة على إزالة كلّ خصومه الموالين الباشاغا داخل طرابلس، حتى يتمكن من تحصين نفسه داخلها، ويبعد أيّ خطر عنه، عبر تحريك ميليشيات غنيوة وعبد السلام الزوبي ضدّ قوة دعم المديريات التي دُعمت من باشاغا، زمن توليه وزارة الداخلية في حكومة السراج".

وأفاد قشوط لـ "حفريات": "أيضاً في مدينة الزاوية هدفت الاشتباكات إلى إضعاف القوة التابعة لعلي بوزريبة، بعد استهدافها من الميليشيات القريبة من بلحاج والإخوان، ولهذا أتوقع أن يكون الهجوم المقبل على القوة التابعة للواء أسامة الجويلي، بهدف طردها من العاصمة".

فتحي بولقرع لعبيدي لـ "حفريات": عودة بلحاج بهدف توحيد صفوف الفارين من المنطقة الشرقية من الجماعات الإرهابية بعد انتصار الجيش الوطني عليهم، وتحرير بنغازي ودرنة منهم

ويتولى أسامة الجويلي منصب آمر المنطقة العسكرية الغربية، وينحدر من مدينة الزنتان. وذكرت وسائل إعلام ليبية أنّه التقى فتحي باشاغا في تونس، بصحبة رئيس مجلس الزنتان، فتحي الغزيل، وإذا صحّت هذه الأخبار، إلى جانب ما يُذكر عن دعم الجويلي والزنتان فتحي باشاغا، فيرجح ذلك ارتباط عودة بلحاج بصدامات عسكرية قريبة في المنطقة الغربية، بهدف إحكام القبضة على طرابلس لصالح الدبيبة ومن ورائه الإخوان المسلمين وحلفائهم من التنظيمات المصنفة إرهابياً.

وكان الجويلي ضمن القائمة الرابعة لاختيار السلطة التنفيذية في جنيف، في شباط (فبراير) العام الماضي، والتي ضمّت عقيلة صالح رئيساً للمجلس الرئاسي، وعضوية عبد المجيد سيف النصر، وأسامة الجويلي، وفتحي باشاغا رئيساً للوزراء، وهو أمر يعزز ما هو متداول عن دعمه الباشاغا.

قشوط: يعمل الدبيبة على إزالة كلّ خصومه الموالين الباشاغا داخل طرابلس

وفي سياق متصل، تداول الليبيون مقطع فيديو لرئيس أركان الجيش في طرابلس، الفريق أول محمد الحداد، بدا فيه غاضباً خلال اجتماع مجلس الوزراء بقيادة الدبيبة، وقال الحداد: "ليبيا في خطر، وعلينا أن نشعر بهذه المسؤولية والظروف التي تمرّ بها، والتي وصل إليها المواطن الليبي".

ووجه الحداد حديثه إلى عبد الحميد الدبيبة خلال الاجتماع: "أشكرك لأنّك على رأس الحكومة، جبتلنا حتى جزء من الاستقرار ولا ننكره، لكن لا نريد اليوم الذي تجَرّ فيه البلاد إلى الحرب. الحرب لن تقوم". وربط معلّقون بين غضب الحداد، الذي جاء بعد زيارة الدبيبة إلى الجزائر، والتي أغضب خلالها الرئيس الجزائري، عبد المجيد تبون، الليبيين، بتصريحاته التي تحدث فيها عن الاعتراف فقط بحكومة الدبيبة.

وتعليقاً على الفيديو، قال المدير التنفيذي في مؤسسة "سلفيوم" للدراسات والأبحاث: "يبدو أنّ الحداد عبّر عن غضبه لشيء ما تم الاتفاق عليه في الجزائر، ولهذا أكد على عدم مشاركة الجيش في ما تم الاتفاق عليه". ويتوقع فتحي بولقرع لعبيدي أنّ تشهد الفترة المقبلة إقالة الحداد بسبب موقفه الرافض لما يخطط له الدبيبة.

ويُذكر أنّ عبد الحكيم بلحاج سافر إلى أفغانستان إبان الحرب ضدّ السوفيت، والتقى زعيم تنظيم القاعدة السابق، أسامة بن لادن، وعاد إلى ليبيا في التسعينيات وشارك في تأسيس الجماعة الليبية المقاتلة، بهدف الإطاحة بالقذافي، وتحويل ليبيا إلى إمارة إسلامية، وفرّ إلى أفغانستان وباكستان بعد القضاء على الجماعة، وبايع تنظيم القاعدة وطالبان، واعتقلته المخابرات الأمريكية عام 2004، في ماليزيا، وسلمته لاحقاً إلى ليبيا، ليُفرج عنه عام 2010، ضمن المصالحة التي رعاها سيف الإسلام القذافي.

مواضيع ذات صلة:

هل فقدت البعثة الأممية في ليبيا مصداقيتها؟ 

لماذا تخلى إخوان ليبيا عن فتحي باشاغا؟

الإخوان في ليبيا: مراحل التكيف مع الطغيان والثورة



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية