بعد مقتل الناشط الفلسطيني نزار بنات: هل حان وقت التغيير؟

بعد مقتل الناشط الفلسطيني نزار بنات: هل حان وقت التغيير؟


27/06/2021

يمكن أن تمر جريمة مقتل الناشط الفلسطيني مرور الكرام، إذا لم يتوقف المجتمع الفلسطيني بقواه كلها في وجه الجذر الأساسي الذي أنتج الجريمة بكل وحشيتها وإرهابها وتصميم قتلة بنات على "تأديب" المجتمع وإخضاعه.

القوى الحية في المجتمع الفلسطيني مطالبة الآن بمحاكمة النهج السياسي والأمني الذي جاءت نتيجته المدوية على النحو الذي لاقاه نزار بنات، عقب اعتقاله من قبل الأجهزة الأمنية الفلسطينية، فجر يوم الخميس الماضي.

أمس، السبت، احتشد المئات في وسط مدينة رام الله، وفي مدينة الخليل، مرددين شعارات منددة بقتل الناشط الفلسطيني، ورفعوا شعارات تطالب بمحاسبة المسؤولين عن مقتله، ودعوا إلى التصعيد.

ويسود اعتقاد واسع في أوساط الفلسطينيين بأنّ السلطة الفلسطينية التي يقودها الرئيس محمود عباس هي المشتبه به الرئيسي في هذه الجريمة، ويعطفون على ذلك بأنّ إسرائيل مشتبه بها كشريك في هذه الجريمة لأنّ عملية الاعتقال التي تقوم بها السلطة الفلسطينية تتطلب تنسيقًا أمنياً. كما أنّ الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي شريكان في الجريمة من خلال دعمهما المالي لقوات الأمن. إنه نظام إجرامي ومسؤول عن القتل ويجب محاسبته، كما قال الفلسطيني مزيد سقف لشبكة "سي إن إن".

كاريكاتير يدين جريمة مقتل نزار بنات بريشة الزميل ناصر الجعبري

في المقابل، أعلن المتحدث باسم المؤسسة الأمنية الفلسطينية، طلال دويكات، أنّ لجنة التحقيق في ظروف وفاة نزار بنات بدأت عملها وستعلن النتائج فور الانتهاء منها. وأكد الالتزام بنتائج التحقيق، واتخاذ الإجراءات المطلوبة المترتبة على ذلك، مشدداً على أنّ "الحكومة معنية بالكشف عن ظروف الوفاة، وإحالة الملف إلى الجهات القضائية إن كانت الوفاة جنائية".

من أروقة اعتقال نزار بنات

التفاصيل القادمة من أروقة اعتقال نزار بنات، تشير إلى أنه تعرض للتعذيب والعنف، حيث أقرت عائلته بذلك، في حين قالت الهيئة المستقلة ومؤسسة الحق لحقوق الإنسان، في بيان إنّ تشريح جثمان بنات أظهر وجود إصابات تتمثل في كدمات بمناطق عديدة من جسده، معتبرة أن سبب وفاته "غير طبيعي".

اقرأ أيضاً: جنازة نزار بنات تتحول إلى مظاهرة حاشدة تطالب برحيل عباس

وأفاد قريب لنزار بنات بأنّ أفراد جهاز الأمن الفلسطيني "ضربوه وهو نائم ونزعوا ملابسه وقاموا بسحله".

وفي بيان مقتضب، قالت محافظة الخليل، الخميس، إنّ "صحته (نزار بنات) تدهورت" عندما توجهت القوات الفلسطينية لاعتقاله فجر اليوم، وأضافت أنه تم نقله إلى مستشفى حيث أعلنت وفاته فيما بعد".

من هو نزار بنات، ولماذا لقي هذا المصير؟

يعد الناشط نزار بنات، الذي كان ينوي خوض الانتخابات البرلمانية قبل إلغائها في وقت سابق من هذا العام، من أشد منتقدي السلطة الفلسطينية، وقد سبق أن دعا الدول الغربية إلى قطع المساعدات عنها بسبب ما اعتبره انتهاكاً لحقوق الإنسان.

في أيار (مايو) الماضي أطلق مسلحون الرصاص وقنابل الصوت والغاز المسيل للدموع على منزله بالقرب من مدينة الخليل بالضفة الغربية، حيث كانت زوجته بالداخل مع أطفالهما.

أفاد قريب لنزار بنات بأنّ أفراد جهاز الأمن الفلسطيني ضربوه وهو نائم ونزعوا ملابسه وقاموا بسحله

وألقى نزار باللوم في الهجوم على حركة "فتح" التي يتزعمها الرئيس محمود عباس والتي تهيمن على قوات الأمن، قائلاً إنها فقط من يمكنها الحصول على الغاز المسيل للدموع والقنابل الصوتية.

وقال في مقابلة مع وكالة "أسوشيتد برس" في أيار (مايو): "يحتاج الأوروبيون إلى معرفة أنهم يمولون هذه المنظمة بشكل غير مباشر".

يعد الناشط نزار بنات من أشد منتقدي السلطة الفلسطينية وقد سبق أن دعا الدول الغربية إلى قطع المساعدات عنها بسبب ما اعتبره انتهاكاً لحقوق الإنسان

أضاف: "إنهم يطلقون نيران بنادقهم في الهواء في احتفالات "فتح"، ويطلقونها في الهواء عندما يقاتل قادة "فتح" بعضهم البعض، ويطلقونها على من يعارضون فتح".

كما اتهم أنصار حركة "فتح" البارزين بشن حملة تحريضية ضده عبر مواقع التواصل الاجتماعي اتهموه فيها بالتعاون مع إسرائيل، وهو ادعاء خطير في الأراضي الفلسطينية يصل إلى حد الخيانة، نافياً صحة الاتهام.

المتابع لوسائل الإعلام التابعة للسلطة الفلسطينية أو المؤيدة لها يلاحظ صمتها عن انتقاد "الجريمة" التي أودت بحياة الناشط الفلسطيني. وقد تصفّح معد هذا التقرير العديد من الصحف والمنابر الإعلامية الفلسطينية الرسمية وشبه الرسمية، ولم يعثر إلا على أصوات خفيضة ناقدة للجريمة، أو محمّلة السلطة الفلسطينية تبعاتها.

تشكيك في أسباب وفاة معارضين

وفي أعقاب مقتل بنات، بدأت أصوات فلسطينية تشكك في أسباب وفاة معارضين معروفين للسلطة، كالدكتور عبدالستار قاسم، الذي أعلنت السلطة الفلسطينية وفاته بفيروس كورونا قبل عدة أشهر. وثمة من يعتقد أن مقتل بنات سيعمّق الشرخ بينها وبين الشعب الفلسطيني، وستتراجع شعبية حركة "فتح"، وستؤدي إلى تدهور في شعبية أبو مازن، وانهيار في ثقة المواطن الفلسطيني بالأجهزة الأمنية.

في أعقاب مقتل بنات، بدأت أصوات فلسطينية تشكك في أسباب وفاة معارضين معروفين للسلطة

السيناريو الأخطر، كما يشير تقرير في موقع "الميادين"، هو انزلاق الحالة الفلسطينية إلى مربع الفوضى والاقتتال، وخصوصاً بين المتصارعين على خلافة أبو مازن، في ظلّ امتلاك كلّ فريق لمريدين ومسلَّحين.

ويأمل التقرير أن تتغلَّب القيادات والكوادر الوطنيّة داخل حركة "فتح" على "حالة التّيه التي أوصلتها إليها سياسات التفرّد والإقصاء والاستبداد والاستهتار بتوجّهات الشعب الفلسطيني وطموحاته".

عوكل: على السلطة أن تستعجل في إجراء التحقيق؛ لأنّ الموضوع بات أكثر من واضح، ولم يكن هناك حاجة لتبريرات

وفي سياق متصل بردود الفعل على مقتل بنات، قال عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية وزير التنمية الاجتماعية د. أحمد المجدلاني لموقع "سبوتنيك"، إنّ "ما حدث لبنات غير مقبول، ومحل مراجعة من قبل الحكومة والقيادة الفلسطينية والرئيس عباس، ويُعتبر تجاوزاً على القوانين الفلسطينية، واعتداءً على الحريات الأساسية".

لكنّ الكاتب والمحلل السياسي طلال عوكل يرى أنّ "موقف السلطة بشكل عام مرتبك"، مشيراً إلى أنه كان على السلطة أن تستعجل في إجراء التحقيق؛ لأنّ الموضوع بات أكثر من واضح، ولم يكن هناك حاجة لتبريرات، لافتاً إلى أنّ الموقف محرج جداً للسلطة التي ليست بحاجة في هذه المرحلة لأن تأتيها اتهامات الآن من الداخل. 

مَن المستفيد من مقتل بنات؟

وحول الانتقادات التي وجهها القيادي السابق في فتح محمد دحلان للرئيس الفلسطيني وللأجهزة الأمنية بشأن مقتل بنات، قال  د. مختار غباشي نائب رئيس المركز العربي للدراسات السياسية والإستراتيجية، إنّ "آليات مقتل بنات، وطريقة اعتقاله وآثار التعذيب التي وجدت عليه توحي بأنّ المصلحة الأكيدة في قتله والمستفيد الأكبر هو السلطة الفلسطينية، لذلك من الطبيعي أن تذهب هذه الاتهامات إليها، والمطلوب من السلطة الآن تفسير طريقة اعتقال الناشط وآثار التعذيب والإجابة عن أسئلة كثيرة تطرح في هذا الشأن".

المتابع لوسائل الإعلام التابعة للسلطة الفلسطينية أو المؤيدة لها يلاحظ صمتها عن انتقاد جريمة بنات إذ لا يُعثر إلا على أصوات خفيضة ناقدة للجريمة ولمرتكبيها

الولايات المتحدة، اكتفت ببيان مقتضب على موقع وزارة الخارجية جاء في نصه: "نشعر بقلق عميق لوفاة الناشط الفلسطيني نزار بنات والمعلومات الواردة حول ملابسات وفاته. وبينما نتقدّم بأحرّ التعازي لأسرته ومجتمعه، فإننا نحثّ السلطة الفلسطينية على إجراء تحقيق شامل وشفاف وضمان المساءلة الكاملة في هذه القضية. لدينا مخاوف جدية بشأن القيود التي تفرضها السلطة الفلسطينية على ممارسة الفلسطينيين لحرية التعبير ومضايقة نشطاء ومنظمات المجتمع المدني".

واشنطن وافقت الرئيس محمود عباس عندما قام بتأجيل الاننخابات الفلسطينية خوفاً على مصالحه وحظوظ حركة فتح، ويرى ناشطون ومحللون أنّ على الولايات المتحدة ألا تكتفي بدور المراقب أو المحايد، وأن تضغط باتجاه كشف ملابسات الجريمة، وتقديم المتسببين فيها إلى العدالة، وهذا أقل ما يمكن فعله لتكريم دم نزار بنات وكل الذين يدافعون عن حرية القول والتعبير والنقد وكشف الفساد والفاسدين.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية