
بعد أن فشلت كل تحركاتها الاحتجاجية طيلة العامين الماضيين في توحيد التونسيين، التقطت المعارضة التونسية نسبة الإقبال الضعيف على الانتخابات التشريعية للاستثمار فيها من أجل تجديد مطالبها القديمة ضد الرئيس قيس سعيّد ومطالبته بالتنحي عن منصبه، بعد أن وصفته بأنّه "فقد الشرعية"، في محاولة للعودة من جديد إلى السلطة.
وبلغت نسبة المشاركة في الانتخابات البرلمانية التي انطلقت السبت 17 كانون الأول (ديسمبر) الجاري 8.8%، واعتُبرت النسبة هي الأضعف في تاريخ الانتخابات بالبلاد، وتؤشر إلى عمق الأزمة السياسية التي تتخبط فيها تونس منذ 2011 إلى اليوم.
وتُجمع أغلب القراءات السياسية لضعف نتائج الإقبال على الانتخابات على أنّ النخب السياسية في تونس بعد 2011 لم تنجح في رسم ملامح مشروع سياسي جديد يلتف حوله التونسيون، ويقطع مع ما كان سائداً قبل 2011، وفقد معظم التونسيين الأمل في الطبقة السياسية التي حكمت البلاد بعد الثورة بمختلف مشاربها السياسية والفكرية.
في الأثناء، يتصدر الرئيس سعيّد استطلاعات الرأي، سواء على مستوى الانتخابات الرئاسية، أو على مستوى ثقة التونسيين، حيث يحظى بنسبة 62%.
النهضة تطالب بإلغاء الدورة الثانية للانتخابات
حركة النهضة الإخوانية، التي شاركت في كل حكومات ما بعد الثورة والتي تجاوز عددها الـ (10)، خلال (10) أعوام فقط، وحصلت على أغلبية المقاعد في كل البرلمانات منذ الثورة (3 مجالس نيابية)، وطالب التونسيون بضرورة خروجها من المشهد السياسي ورفع يدها عن الشعب، اعتبرت الحركة أنّ "موقف الشعب التونسي كان حاسماً في رفض المشاركة في الانتخابات، لأنّها فاقدة لأيّ شرعية أو رهان أو أفق، فضلاً عن حالة الإحباط واليأس التي يعيشها التونسيون بسبب تدني المقدرة الشرائية وارتفاع الأسعار وفقدان مواد حيوية وانتشار البطالة".
وجددت حركة النهضة كذلك دعوتها لكلّ "القوى الحية المؤمنة بالثورة وأهدافها المدافعة عن الديمقراطية وسيادة الشعب إلى التشاور والتنسيق للتعجيل بالاتفاق على بديل ديمقراطي".
ودعت الحركة إلى إلغاء الجولة الثانية من الانتخابات، وأدانت تصريحات رئيس هيئة الانتخابات التونسية فاروق بوعسكر حول الانتخابات، واتهمته "بتشويه ملايين التونسيين بعد اتهامهم بالفساد".
يأتي ذلك بعد أن اعتبر رئيس الهيئة الانتخابية فاروق بوعسكر أنّه من الطبيعي تراجع تحفيز الناخب في ظل غياب ماكينات حزبية، واستعمال الموارد العمومية والجمعيات ووسائل الإعلام مثلما كان في السابق.
العزوف عن المشاركة رسالة قوية لكل الطبقة السياسية التونسية تؤشر إلى قطيعة حقيقية بين الطرفين
وفسّر أسباب العزوف بتغيير نظام الاقتراع، وغياب المال السياسي عن الحملات الانتخابية، واعتبر أنّ الانتخابات التي أجريت قبل يومين "نظيفة"، وأنّ الحملة الانتخابية دارت لأول مرة في أجواء نقية من المال السياسي المشبوه، الذي كان السبب وراء شراء الأصوات، ومن توظيف وسائل إعلام لفائدة أحزاب سياسية، على حدّ تعبيره.
وقارن بوعسكر بين نتائج انتخابات 2014 و2019، وقال: إنّ تقارير محكمة المحاسبات أدانت العديد من الممارسات السياسية، مؤكداً أنّ التقارير بالنسبة إلى الانتخابات الحالية ستسجل على غرار استفتاء 25 تموز (يوليو) 2022 غياباً كليّاً لظواهر وصفها بـ"المقيتة"، كالمال السياسي والتمويل الأجنبي، على حدّ تعبيره.
مطالب بتنظيم انتخابات رئاسية وتشريعية سابقة لأوانها
الحزب الجمهوري حليف حركة النهضة ضمن ما يُعرف بجبهة الخلاص، قال في بيان له الأحد: "إنّ الانتخابات المهزلة التي نظمتها سلطة 25 تموز (يوليو)، وفي سابقة تاريخية، سجلت أدنى مستويات المشاركة الشعبية ببلوغ نسبة المقاطعة ما يزيد على 90% من مجموع الناخبين".
وطالب في "ضوء النتائج المعلنة، واحتراماً لإرادة التونسيين، وقف هذا المسار العبثي وإلغاء دورته الثانية"، داعياً "رئيس سلطة الأمر الواقع لاستخلاص النتائج المترتبة عن ذلك، والتنحي عن الحكم، وفسح المجال أمام مرحلة انتقالية جديدة تؤمّن عودة الاستقرار وتعافي مؤسسات الدولة المدنية الديمقراطية".
المعارضة التونسية استغلت نسبة الإقبال الضعيف على الانتخابات من أجل تجديد مطالبها القديمة ضد سعيّد
ودعا "كل القوى الحية المتمسكة بإنقاذ البلاد إلى "إطلاق مشاورات عاجلة تمهيداً لإطلاق حوار وطني ينتهي إلى إقرار خطة وطنية للإنقاذ، ووضع برنامج متكامل للإصلاحات السياسية والاقتصادية في تونس، ينتهي بتنظيم انتخابات رئاسية وتشريعية سابقة لأوانها".
وتسعى جبهة الخلاص الوطني بقيادة أحمد نجيب الشابي، التي يعتبرها سياسيون واجهة سياسية لحركة النهضة الإخوانية، لاستثمار النسبة الضعيفة في الانتخابات في تأليب الشارع على الرئيس سعيّد.
رسالة احتجاج قوية
من جانبه، اعتبر حزب آفاق تونس، أحد الأحزاب المقاطعة للمسار الانتخابي، أنّ "إرادة الشعب التونسي قادت إلى مقاطعة ما يُسمّى الدور الأول من الانتخابات التشريعية، ورفض التصويت على مجلس نيابي صوري فقد كل مقوّمات الشرعية والمشروعية، إثر امتناع الأغلبية الساحقة من الناخبين عن التوجّه إلى مراكز الاقتراع، في رسالة واضحة للتعبير عن رفضهم لهذه المنظومة غير المسبوقة والبعيدة عن المشاغل الحقيقية للمواطن".
واعتبر الحزب "هذه النسبة المتدنية في المشاركة غير مسبوقة في تاريخ البلاد منذ عام 2011، وتحمل في طياتها بشكل واضح وجليّ العديد من الرسائل، أهمها رسالة شعبية لسحب الثقة من قيس سعيّد، ومن مسار منظومته السياسية والدستورية القائمة على الشعبوية والحكم الفردي والتسلّط، وهي أيضاً مقاومة ورفض لمشروع البناء القاعدي والانحراف المتواصل نحو الممارسات البائدة وانتهاك الحقوق والحريات".
موسي تدعو لإعلان الشغور الرئاسي
رئيسة الحزب الدستوري عبير موسي (الخصم التاريخي لحركة النهضة ومساندة سابقة لقيس سعيّد) دعت رئيس الجمهورية قيس سعيّد إلى "الخروج بطريقة حضارية للشعب التونسي، وإعلان الشغور في منصب رئاسة الجمهورية، على أن يواصل القيام بأعمال الرئاسة، وأن يدعو مباشرة إلى انتخابات رئاسية سابقة لأوانها، كاعتراف منه بانتهاء مشروعية مساره وفشله".
وطالبت في كلمة لها موجهة لأنصارها، بُثت مساء السبت على صفحتها الرسمية على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" عقب الإعلان عن النتائج الأولية لنسب المشاركة في الانتخابات، طالبت بتجميد كافة أعمال وأنشطة رئيس مجلس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات وأعضائه والهيئات الفرعية للانتخابات، داعية النيابة العمومية إلى "التعهد الفوري والجدي بملف هيئة الانتخابات، وإغلاق مقرها، وحجز كل المعدات والتجهيزات، وتجميد الأموال الموضوعة على ذمة الهيئة وفروعها، وفتح تحقيق مالي وإداري في كل أعمالها".
انتخابات رئاسية مبكرة
ودعا عبد الرزاق الخلولي رئيس المكتب السياسي لـ "حراك 25 تموز (يوليو)"، الداعم لقيس سعيّد، في تصريح لإذاعة "موزاييك" المحلية، إلى انتخابات رئاسية سابقة لأوانها، بعد تسجيل نسبة مشاركة ضعيفة في الانتخابات التشريعية.
واعتبر الخلولي، في المقابل، أنّ هذه النسبة لا تمسّ بشرعية أو مشروعية قيس سعيّد، وهي غير مرتبطة به أو بشعبيته، بل مرتبطة بأطراف حزبية وسياسية ونظام انتخابي ضعيف وغياب التمويل العمومي.
يتصدر الرئيس سعيّد استطلاعات الرأي، سواء على مستوى الانتخابات الرئاسية أو على مستوى ثقة التونسيين
ويرى الخلولي أنّه اعتماداً على قراءة أوّلية للظروف والمناخ الذي جرت فيه الانتخابات والأسباب المتراكمة، فإنّ نسبة المشاركة متوسطة، وليست ضعيفة، دون أن يعني ذلك القبول بهذه النتائج.
وترى أوساط تونسية أنّ "العزوف عن المشاركة رسالة قوية لكلّ الطبقة السياسية التونسية، تؤشر إلى قطيعة حقيقية بين التونسيين والنخب السياسية، بينما تتنامى معاناة الشعب الذي يواجه ظروفاً صعبة اقتصادياً واجتماعياً.