بعد سقوط حكومة النّهضة.. أيّ حظوظ لتشكيلة الرئيس الجديد؟

تونس

بعد سقوط حكومة النّهضة.. أيّ حظوظ لتشكيلة الرئيس الجديد؟


22/01/2020

بعد مشاورات طويلة تواصلت إلى ساعة متأخرة من ليل أول من أمس، وبرغم ما تم تداوله من ضغوط مارستها حركة النّهضة الإسلامية، كلّف الرئيس التونسي قيس سعيد، إلياس الفخفاخ (47 عاماً) بتشكيل حكومة جديدة، في غضون شهر، وذلك بعد أن أسقط البرلمان لأوّل مرّة حكومة النهضة التي شكّلها مرشّحها الحبيب الجملي منتصف هذا الشهر.

فتحي العيّادي: الفخفاخ شارك في الانتخابات الرئاسية الماضية، ولم يحظَ بثقة الشعب، ومن المحرج أن يستعيد السلطة

ويحظى إلياس الفخفاخ بدعم واسع من الأحزاب الوسطية، التي رشّحته ودعمته (حزب تحيا تونس بقيادة رئيس الحكومة الحالية يوسف الشاهد، وحزب التيار الديمقراطي)، كما يدعمه شقٌ واسع من الشباب، من خلال حملة "يزيهم" (يكفيهم)، التي أطلقوها مباشرةً بعد سقوط حكومة الجملي، هدفها تعيين رئيس حكومة شاب، أو قريب منهم، واقتراح أعضاء للحكومة، على أساس الكفاءة و"نظافة اليد" (لا تحوم حولهم شبهات فساد).
وإلياس الفخفاخ شغل سابقاً وزيراً للمالية، ووزيراً للسياحة في حكومة الترويكا 1 والترويكا 2، التي حكمت لمدّة عامين من أواخر 2011، وضمّت أحزاب النهضة والتكتل والمؤتمر من أجل الجمهورية، في عهديْ حمادي الجبالي (قيادي مؤسّسٌ في حركة النهضة استقال منها لاحقاً)، وحكومة علي لعريض (قيادي أيضاً في حركة النهضة).

اقرأ أيضاً: هل تورّط الرئيس التونسي باستقبال أردوغان بضغط من النهضة؟
وينتمي الفخفاخ لحزب التكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات، وهو حزب غير ممثلٍ في البرلمان، خاض انتخابات الرئاسة، العام الماضي لكنّه لم يحصل على أكثر من 11 ألف صوت من أصل نحو 3.4 ملايين ناخب، فيما يختلف كثيرون حول تصنيفه، بين من يعتبره قريباً إلى التيار الثوري وخط الرئيس قيس سعيّد، ومناصراً للثورة ومبادئها، وبين من يعتبره شخصيةً قريبة إلى اليسار الاجتماعي.
الأحزاب ذات الأغلبية البرلمانية لا تدعم إلياس الفخفاخ

أحزاب الأغلبية ترفضه
ويبدو حسب معطيات سُرّبت خلال مشاورات سعيّد مع الأحزاب والائتلافات، والاتحاد العام التونسي للشغل (أكبر منظمة نقابية في البلاد) حول الاسم الذي ينوي الإعلان عنه، أنّ حركة النّهضة (54 نائباً من مجموع 217 نائباً) ممثّلةً في زعيمها راشد الغنّوشي، عارضته، ومارست عليه ضغوطاً من أجل تغييره.
هذا وأعلن القيادي في الحركة، العجمي الوريمي، أنّ الفخفاخ لم يكن ضمن قائمة مرشحي النهضة، لكن رئيس الجمهورية رأى فيه الشخصية الأقدر من بين المرشحين الآخرين الذين تقدمت بهم بقية الأحزاب، مشيراً إلى أنّ مؤسسات الحركة ستجتمع وتتخذ القرار النهائي بخصوص التصويت لحكومته من عدمه.

غازي الشواشي: الفخفاخ هو الشخصية الأقدر على قيادة الحكومة في هذه المرحلة الحرجة التي تمرّ بها البلاد

ويرى النائب بالحركة فتحي العيّادي، في تصريحه لـ"حفريات"، أنّ إلياس الفخفاخ شارك في الانتخابات الرئاسية الماضية، ولم يحظَ بثقة الشعب، كما أنّ حظوظ حزبه كانت ضعيفةً لدى التونسيين، ومن المحرج أن يستعيد السلطة، ويعود عبر أهمّ منصبٍ في السلطة التنفيذية، مشيراً إلى أنّ الحركة ستدعمه، في حال استجاب إلى شروطها بتكوين حكومةٍ سياسيةٍ، تضمّ الأحزاب الممثلة في البرلمان.
من جانبه، أكّد أسامة الخليفي، قيادي في حزب قلب تونس (38 نائباً)، أنّ الفخفاخ لن يحظى بالإجماع في البرلمان، واعتبر في تدوينة على حسابه بموقع فيسبوك "أنّ الانقلاب على الشرعية الانتخابية جريمة ترتقي إلى الخطأ الجسيم، وانتهاكاً للدستور"، خاصّةً أنّ حزب التكتّل الذي ينتمي إليه الفخفاخ غير ممثلٍ في البرلمان.
كما استغرب سيف الدين مخلوف، النائب عن ائتلاف الكرامة (18 نائباً)، من تكليف الفخفاخ بتشكيل  الحكومة، معتبراً أنّ هذا التعيين لا يعكس التوجّه الذي عبّرت عنه الأحزاب في اقتراحاتها لرئيس الجمهورية، وأنّ عدداً محدوداً من النواب اقترحوه لهذا المنصب ولا يتجاوزون الـ 37 نائباً.

اقرأ أيضاً: رداً على تضليل الغنوشي.. تونس مرتكز المشروع العثماني وضحيته
وكان الأمين العام لحركة الشعب (19 نائباً) زهير المغزاوي، قد أكّد قبل تكليف الفخفاخ بتكوين حكومةٍ، أنّ حركته لن تدعمه، "لأنّه قيادي في أحد الأحزاب وقادمٌ من منظومة الانتخابات"، مشيراً إلى أنّ "هذا الموضوع يتعلق بالتزامٍ أخلاقي"، وأنّ الحركة لا ترغب في تعيين أحد المتحزبين وهو نفس السبب الذي رفضت لأجله حكومة النّهضة.

أحزاب اليسار الاجتماعي تدعمه
في المقابل، أعلنت مجموعةٌ من الأحزاب التونسية دعمها لتكليف إلياس الفخفاخ بتشكيل الحكومة القادمة؛ حيث أكّدت قيادات حزب تحيا تونس (14 نائباً)  الذي يقوده رئيس الحكومة الحالي يوسف الشاهد، أنّ الحزب سيسعى إلى توفير ظروف النجاح للرئيس المكلف، وعلى إنجاح مقترح الرئيس؛ لأنّ البلاد لم تعد تحتمل أيّ تأخيرٍ، فيما اعتبر أمينه العام أنّ نجاح الفخفاخ مرتبط باستقالته من حزبه.

اقرأ أيضاً: تهديدات باغتيالات سياسيين تونسيين.. من وراءها؟
كما يدعم حزب التيار الديمقراطي (22 نائباً) بقوّة تكليف الفخفاخ؛ حيث عبّر عن دعمه له، منذ اقتراحه على رئيس البلاد، وفق ما أكّده النائب عن التيار غازي الشواشي في تصريح لـ"حفريات"، الذي وصفه بالشخصية الأقدر على قيادة الحكومة، في هذه المرحلة الحرجة التي تمرّ بها البلاد.
وقال الشواشي إنّ الفخفاخ تتوفّر فيه معايير الرئيس القوي، الذي يعمل وفق رؤيةٍ، وتصوّر واضحٍ، وأكد على أنّ حزبه سيدخل مشاورات تكوين الحكومة، وسيدعمه بقوّةٍ، معبراً عن تفاؤله بحصول حكومته على إجماع الأحزاب، وستنال الثقة داخل البرلمان.
الفخفاخ يحظى أيضاً بدعمٍ كبيرٍ من الشباب التونسي المحسوب على الخطّ الثوري، من خلال حملة "يزيهم" (يكفيهم)، التي أطلقتها مجموعةٌ من الناشطين على موقع فيسبوك، تحت شعار "الشباب يقرّر"، وتجاوزت خلال أيامٍ قليلةٍ، ستة آلافٍ مشتركٍ، بعد أن اقترحته إلى جانب أربعة أشخاصٍ آخرين لهذا المنصب، وضغطت من أجل اختياره.
رسمياً.. قيس سعيّد يكلف الفخفاخ بتشكيل الحكومة الجديدة

"كل الأحزاب ستجبر على منح الثقة لحكومة الفخفاخ"
ولا يزال أمام الفخفاخ 30 يوماً فقط ليشكل حكومة قادرة على كسب ثقة النواب، خاصّةً أنّ الفصل 89 من الدستور التونسي ينصّ على حلّ البرلمان، وإجراء انتخاباتٍ جديدةٍ، وفي حال لم يحصل على الأغلبية البسيطة في اقتراع بالثقة داخل البرلمان، وهو ما سيضطرّ الأحزاب التي حازت على عددٍ مهمٍّ من الأصوات على المحافظة على مقاعدها، وتمرير الحكومة، مهما كانت تشكيلتها.
ويرجّح، في هذا السياق، المحلّل السياسي، يوسف الوسلاتي، أن يمنح النواب الثقة للحكومة الجديدة مهما كانت تركيبتها، ومهما كان برنامجها، لعدّة أسبابٍ، أوّلها أنّ الأحزاب المكوّن حالياً للبرلمان، غير متأكدة من إعادة نفس المشهد البرلماني، وخاصّة منها، ائتلافات "الصدفة"، التي وجدت نفسها فجأةً ممثلةً داخل مجلس نواب الشعب.

يوسف الوسلاتي: الأحزاب التونسية وخصوصاً حركة النهضة في حالة إنهاكٍ وليست لها الجرأة لمواجهة ناخبيها في انتخابات جديدة

ويؤكّد الوسلاتي، في تصريحه لـ"حفريات"، أنّ هذه الأحزاب وخصوصاً حركة النهضة وقلب تونس، في حالة إنهاكٍ أمام قواعدها الشعبية، ولن تكون لها الجرأة لمواجهة ناخبيها في انتخابات جديدة؛ لأنّ الفشل الحكومي والسياسي سيُعلّق عليها كأحزاب الأغلبية، التي كان يجب أن تكوّن حكومة، وأن تعمل على استقرار الأوضاع السياسية.
المحلل السياسي يضيف أيضاً أنّ حكومة إلياس الفخفاخ ستمرّ؛ لأنّ الأحزاب الليبرالية، قد أخذت درساً من التشتّت الذي عاشته على امتداد الأعوام التسعة الماضية، ولن تسمح بمزيدٍ من التشتّت، ومزيدٍ من الفشل.
من جهته، يؤكد الديبلوماسي السابق عبد الله العبيدي، في تصريحه لـ"حفريات"، أنّ معظم الأحزاب التي تشكّل المشهد البرلماني الحالي، وُلدت من لا شيء، لذلك لن يرموا بأنفسهم في المجهول، ويخاطرون بانتخابات جديدة، قد لا تمنحهم فرصة العودة إلى البرلمان، لذلك سيمنحون ثقتهم إلى الحكومة الجديدة، مهما كان توجهها، بما في ذلك الأحزاب الكبرى.
ويعدّ إلياس الفخفاخ ثاني أصغر رئيس حكومة في تاريخ تونس، بعد رئيس الحكومة الحالي يوسف الشاهد (45 عاما).



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية