رداً على تضليل الغنوشي.. تونس مرتكز المشروع العثماني وضحيته

رداً على تضليل الغنوشي.. تونس مرتكز المشروع العثماني وضحيته


22/01/2020

محمد طعيمة

حقائق ما قبل 500 عام مضت تقول إن العثمانيين عرفوا شواطئ تونس لأول مرة لاجئين، “قبّلوا الأعتاب” حرفيا. كانوا هاربين من “قانون العرش الدموي” في الأستانة، وهو يبيح، عُرفا ثم تشريعا، لمن يستطيع من المتنافسين عليه قتل كل المتصارعين معه، من الأخوة لأبناء العم.. وطبعا الموالين لهم.

كان السلطان التركي بايزيد الثاني قد رحل، واثنان من أولاده، قرقود وسليم، يتقاتلان على عرشه، والأخوة بربروس، عروج وخيرالدين وإسحق وإلياس، يمارسون القرصنة لحساب الأول.

مع انتصار سليم ومطاردته لبقايا قوات أخيه، فرت عصابة بربروس برجالها وسفنها، عام 1512، لتبعية السلطان الحفصي أبو عبدالله محمد المتوكل (1494 – 1526). نجاة من سيوف سليم وللاستفادة من أحواض تونس البحرية، خاصة ميناء حلق الوادي، في استمرار مسيرتهم للقرصنة مقابل خُمس الغنائم للسلطان الحفصي، خفضت الحصة للثُمن مع بدء تمرد عصابة بربروس.

كما هجمات القرصنة التي راكمت ثرواتهم وضاعفت قدراتهم، انطلقت من موانئ تونس حملات سفن بربروس لاحتلال شرق الجزائر، الذي كان تابعا للحفصيين قبل احتلال الإسبان له، ثم المدينة نفسها. بعد فشلهم مرات ومقتل عروج، نجح خيرالدين في وضع قدمه بأكثر من ميناء، وحين استعادته شرق الجزائر رفض عروض حاميه الحفصي للبقاء تحت ولايته، وأرسل وفدا لسليم الثاني مع مفاتيح قلعة جيجي، راجيا عفوه وقبول رفعه للراية العثمانية، فقبل. مده بالمال والعتاد، وخطبت منابر الجزائر باسمه.

“فقدت السلطنة الحفصية القسم الغربي منها” كتب محمد العروسي المطوي في “السلطنة الحفصية.. تاريخها السياسي ودورها في المغرب الإسلامي”، لصالح القرصان العثماني. العروسي استعاد في كتابه مؤشرات ضعفها مع آخر حكامها.. أبو عبدالله محمد بن الحسن، المعروف بالحسن الحفصي. وصفه روبار برنشفيك في “تاريخ إفريقية في العهد الحفصي”، بـ”الضعف وهواية اللذات”.

تركيبة حاكم، طمع معها خيرالدين في احتلال ملجأه السابق، تونس. استقطب أحد أخوته، رشيد الحفصي إلى الجزائر، ثم اصطحبه معه إلى الأستانة، مقترحا على سليمان القانوني الإذن له بغزو تونس باسم “رشيد”، فسمح له ومده بالأموال وبـ250 سفينة حربية.

نزلت قوات العثمانيين في بنزرت دون مقاومة، أملا في التخلص من الحاكم الغارق في ملذاته، وخطبت مساجدها لسليمان القانوني بدعوة من رشيد. فر الحسن من تونس العاصمة ليحتمي بقبائل الجنوب، وتقدم خيرالدين ليحتل المدينة عام 1530. لم تكن محتلة من “الكفار”، وضعف وإهمال الراعي لا ينفي عن “الذئب” طبيعته.

خلافا لبنزرت، عندما تأكد أن رشيد لن يحكم ولو تحت راية الأستانة، وإن “خيرالدين جاء ليضم تونس إلى نفوذ العثمانيين مثلما تم مع الجزائر”، و”لسوء تصرف الجيوش التركية” حسب العروسي، تحول تأهب العاصمة إلى مقاومة شعبية. ينقل عن ابن أبي دينار في “المؤنس في أخبار إفريقية وتونس”، “قام أهل باب سويقة على خيرالدين، وكانت بينهم مقتلة عظيمة مات فيها خلق كثير من الجانبين” و”انتقلت الصدامات إلى باب البنات وحومة العلوج”. تدخل خيرالدين بكامل قواته، وقمع الثورة بوحشية عُرف تاريخيا بها.

ورغم تعهده للأهالي والأعيان بالأمان، بدأ خيرالدين ترسيخ أقدامه في تونس بنفي من اعتبره قائد الثورة، الشيخ محمد بن محمد مغوش إلى القسطنطينية. ولشهرته بين علماء دين عصره عرض عليه السلطان العثماني ولاية قضاء العسكر التركي، لكنه فضل الرحيل إلى مصر للانقطاع إلى العلم حيث توفي.

أين كان الإسبان المحتلون كما زعم راشد الغنوشي؟ حاولوا غزْو جربة 3 مرات وفشلوا.. يوليو 1510 وفي الشهر التالي وبعدها بعشر سنوات، ونجحوا عام 1535 في احتلال تونس من أيدي محتل منافس تركي.

ليبيا أولا، هذا ما نراه الآن، وتونس محطة تمركز دوائر العثماني ينطلق منها، لتكون ضحيته الأخيرة كجوهرة التاج. رئيس جمهوريتها، قيس سعيد،

يترك ملفه الأساسي، السياسة الخارجية لحركة تتباهى بتماهيها مع العثماني الجديد. يستقبل شيوخ قبائل ليبية محسوبين على “الكراجلة”، وسلطانهم رجب طيب أردوغان.

يُنشط اتفاق استيراد مدرعات من شركة بي.أم.سي التركية، التي تصنعها بالتعاون مع شركة هاتهوف الصهيونية، وهو من تمنى علنا لو كان يمكنه أداء القسم الدستوري أمام علم فلسطين كما علم وطنه تونس! تماما كما خطاب المنظومة العثمانية والإخوانية، ترفع قميص القدس وتتاجر بها.

وزعيم حركة إخوانية فرع لتنظيم دولي، حين يفشل في تشكيل الحكومة يهرع لسلطانه، مهدرا كل قواعد رجل الدولة سواء كشخصية عامة أو رئيس برلمان. وفي الذاكرة اتهامات بتجنيد حركته، الآلاف من التونسيين وتسفيرهم للقتال في سوريا، أولى نقاط اختراق العثماني للخريطة العربية.

تتفاوت تقديرات التوانسة الذين نجحت دائرة العثماني المحلية في تسفيرهم إلى أحضان داعش، تقول الحكومة أنهم 2929 مواطنا، بينما قدرهم مركز ”فيريل” الألماني للدراسات، في 11 ديسمبر 2017، بـ12 ألف و800.

أيا كان الرقم، فهو فارق بتناقضه مع التجربة العلمانية التي عرفتها تونس لعقود، وكاشف عن بيئة حاضنة وفارزة، تبجل وتحن لخلافة آل عثمان، ظهرت في نتائج الانتخابات كقطاع أكبر، وإن واجهتها وتحجمها، تدريجيا، قطاعات مدنية أكبر منها إن اجتمعت. لكنها تظل محاطة، ومتداخلة مع، ببيئات مجاورة مماثلة في الفرز الإرهابي بالجزائر وانتعاشه في مالي وبلاد الساحل الأفريقي، والأخطر في ليبيا حيث توجهت موجة العثمانية الجديدة الأولى لاختراق شمال أفريقيا، آلاف المرتزقة المجلوبين من شمال سوريا إلى طرابلس ومصراتة.

ذاكرة الدم التونسي في سوسة وباردو وبنقردان موصولة بجارتها، وبإرهابيين أخوة لآلاف يشحنهم أردوغان الآن، ممن تمرسوا على الدم في جارته سوريا. وإلى ليبيا تتابعت تقارير تهريب السلاح والمقاتلين عبر تونس، واتهامات وجهتها وسائل إعلام ونواب برلمان، مطالبين بتحقيق لم يتم.

وبالتوازي سياقات تعامل من الرئاستين القائمتين، الجمهورية والبرلمان، مع الملف الليبي تشي بتخندقهما مع أنقرة. من التحرك سرا ومفاجأة الرأي العام وتجاهل شركاء مفترضين في الوطن، إلى ترك دفة المواجهة الإعلامية للوكالة الرسمية لمرجعيتهم، الأناضول، حتى داخل قصر قرطاج. ربما لهذا السبب لم تُدعَ تونس إلا في الساعات الأخيرة لقمة برلين، وكأن حضور أردوغان يغني عنهما.

أجواء، هي تنويعة على ما حدث قبل 500 عام. وإذا كان مفهوما أن يحن التركي اللاجئ إلى دولته، فغير المفهوم أن يفعلها توانسة، إلا إذا كانوا “خوانجية”، فهم وحدهم، مثل “إخوانهم” في مصر وسوريا وليبيا.. إلخ، يقدمون الجماعة ووهم الخلافة العثمانية، على الوطن.

عن "العرب" اللندنية



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية