بعد تعافي ليبيا: هل تنجح تونس في تجفيف منابع الإرهاب؟

بعد تعافي ليبيا: هل تنجح تونس في تجفيف منابع الإرهاب؟


02/06/2021

ارتياحٌ كبيرٌ سجّلته تونس، بعد استقرار الوضع السياسي في ليبيا، التي تحدّ البلد شرقاً، لما لهذا الاستقرار من آثار إيجابية على الحركة التجارية والوضع الأمني، الذي تضرّر خلال السنوات الأخيرة بفعل سيطرة الميليشيات المسلحة على مناطق شاسعة من هذا البلد.

كان من المنتظر أن يطرح الرئيس التونسي مع نظيره الليبي، رئيس المجلس الرئاسي الليبي، محمد المنفي، ملاحقة التنظيمات الإرهابية المتسللة من ليبيا إلى تونس، ووضع خطة لمواجهتها، لدى التطرّق إلى ملف التعاون الأمني، في زيارته السبت إلى تونس، وفق ما أفادت به مصادر مقرّبة من القصر الرئاسي، غير أنّ الملف قد تأجّل إلى مناسبات قادمةٍ قد لا تكون بعيدةٍ، بحسب مراقبين للشأن السياسي بتونس.

 جاء ذلك بعد أيام من اختتام ملتقى الحوار السياسي الليبي جلساته المنعقدة افتراضياً على مدار يومين، في اجتماعات كشفت عن هوة عميقة بين أعضاء الملتقى، تنذر بأزمةٍ تواجه خارطة الطريق، التي كانت تونس مستضيفة لمعظم حلقاتها، وعلى رأسها الملتقى السياسي.

معركة كسر عظام مع حركة النّهضة

ويحاول الرئيس التونسي، قيس سعيّد، ضرب معاقل الإرهاب بقوّة، خصوصاً في ظلّ معركة كسر العظام التي يخوضها ضدّ حركة النّهضة الإسلامية، والتي تحاول بدورها تضييق الخناق حوله وعزله، معتمدةً في ذلك، سيطرتها على البرلمان.

النقاش ما يزال يتخبط في المسألة الاقتصادية، لأنّ تونس تبحث عن دعم مالي للخروج من أزمتها، في المقابل تضغط ليبيا لاستعادة أموالها

وقد بدأت المعركة منذ تسلّم سعيّد رئاسة البلاد أواخر 2019، وبلغت أشدّها، بعد تصريحه في 2020، في كلمة خلال اجتماع المجلس الأعلى للجيوش والقيادات الأمنية، والذي قال فيه إنّ "هناك من يسعى إلى تفجير الدولة من الداخل عبر ضرب كل مؤسساتها وتغييب سلطتها في عدد من المناطق بعد ضربها وتفكيكها"، وتواصلت إلى اليوم.

اقرأ أيضاً: الباحث التونسي محمد ذويب لـ "حفريات": "النهضة" ما زالت ترعى الإرهاب

هذا ورجّح بدر الدين القمودي النائب عن حركة الشعب المقرّبة من الرئيس، أن يطرح سعيّد ملف التنظيمات الإرهابية المتنقلة بين البلدين، والبحث عن المتسبب فيها، في أقرب وقت، مع نظرائه من الجانب الليبي في أقرب وقت ممكن، لافتاً إلى ضرورة توفّر الإرادة السياسية لحلّ الملف.

النائب عن حركة الشعب بدر الدين القمودي

ورأى القمودي، في تصريحه لـ "حفريات"، أنّه كان من المتوقع أن يُطرح الأمر خلال زيارة رئيس المجلس الرئاسي الليبي إلى تونس، لكن يبدو أنّ الأمر ما يزال يعتمد على المزيد من استقرار الوضع الأمني في ليبيا من أجل ذلك.

اقرأ أيضاً: استطلاع رأي جديد في تونس: حركة النهضة وحلفاؤها لا يحظون بثقة الشعب

وتُتهم حكومة الترويكا (التي تشارك فيها كلٌ من حزب حركة النّهضة والمؤتمر من أجل الجمهورية برئاسة المنصف المرزوقي والتكتل من أجل العمل والحريات) التي تسلّمت الحكم مباشرةً بعد الثورة، بزعامة النّهضة، بتسهيل تنقل العناصر الإرهابية بين البلدين، وسط غياب شبه تام للدولة في ليبيا، وفاقم الأزمة التي قاربت عقدٍ من الزمن، وسط مخاطر أمنية كثيرة على جيرانها.

اقرأ أيضاً: تونس: قضية فلسطين بين التجارة والنفاق السياسي

 يأتي ذلك في وقتٍ تؤكد فيه تقارير أمنية لخبراء في الأمم المتحدة، أنّ ما بين 1000 و1500 تونسياً، التحقوا بتنظيمات إرهابية بليبيا، من مجموع يتجاوز 5500 تونسياً انضمّوا لتنظيمات إرهابية في سوريا والعراق ومالي واليمن.

النهضة وراء معسكرات الإرهاب!

ولتفكيك العلاقة بين هذه الحركات الإرهابية على المستوى الإقليمي والدولي، يرى المحلل السياسي عبد الجبار المدوري، في حديثه لـ "حفريات"؛ أنّ هذه التنظيمات تسعى إلى تحسين قدراتها القتالية عبر مراكمة الخبرات لضخّ مجموعاتها بالمقاتلين المتمرسين، وهو هدف رسمته الحركات الإرهابية التي كانت في المنافي والسجون والفوضى، قبل أن تعرف حالة من التنظيم بعد صعود الإسلام السياسي إلى السلطة، بعد انتخابات 23 تشرين الأوّل (أكتوبر) 2011.

اقرأ أيضاً: تونس في مواجهة الإرهاب... ما الجديد؟

 ويرى المدوري؛ أنّ صعود حركة النهضة للحكم في تونس سمح لهذه الحركات الإرهابية بالتحرك بمرونة على كامل أرض تونس، لتبدأ في مرحلتها الأولى بإعداد العدّة والتسلح، بداية من المحاولات الأولى، عبر المناطق الحدودية القريبة من الحدود التونسية الليبية، التي كانت تعيش حالة فوضى، بسبب طاحونة الحرب الدائرة في ليبيا، مشيراً إلى أنّ الرئيس التونسيّ، قيس سعيد، يحاول تقليم دور الحركة والجماعات الإرهابية في هذا الجانب، وتأمين الحدود بين تونس وليبيا.

المحلل السياسي عبد الجبار المدوري

وكانت المنطقة الحدودية الذهيبة من ولاية تطاوين، أولى النقاط التي عمل الإرهابيون على إدخال السلاح منها، والتي شارك فيها حلمي الرطيبي، في تشرين الثاني (نوفمبر) 2011، إلى أن تمّ كشفه خلال شهر شباط (فبراير) 2012، فيما يعرف بملف بئر علي بن خليفة، و قد استمر إدخال السلاح إلى تونس وتهريبه من خلال المنطقة الحدودية بنقردان، التابعة لولاية مدنين، عن طريق الإرهابيين أحمد الرويسي، ومحمد العوادي، ورضا السبتاوي، وهي المعطيات التي تم كشفها في القضية التي عرفت  باسم سلاح مدنين، ثم تواصلت بعد ذلك عمليات كشف مخابئ السلاح ومحاولات إدخاله.

مخاطر تأسيس شبكات تسفير

وانتقلت الحركات الإرهابية في تونس من دورها المحلي الداخلي إلى لعب أدوار إقليمية ودولية، من خلال تأسيس شبكات تسفير منظمة إلى بؤر التوتر، بعد أن كوّنت بواسطة زعمائها ومقاتليها شبكات مع أغلب القيادات والتنظيمات، إقليمياً ودولياً، كما ساهم رفع الرقابة عن عمليات تمويل الإرهاب ودعمه، بعد الثورة، في بروز شبكة من الجمعيات، التي ساندت وموّلت نشأة هذه الحركات الإرهابية المتوحشة وزادت تمدّدها، خاصّةً بعد السيطرة على المساجد، وتنظيم الخيمات الدعوية، التي ساهمت في بروز فكر إنشاء معسكرات للتدرب والتدريب.

المحلل السياسي عبد الجبار المدوري لـ"حفريات": الرئيس التونسيّ قيس سعيد يحاول تقليم دور الحركة والجماعات الإرهابية في هذا الجانب، وتأمين الحدود بين تونس وليبيا

وسارعت الحركات الإرهابية التونسية، بداية من شهر أيار (مايو) 2011، لتدريب إطاراتها على استعمال السلاح بمعسكرات تدريب ليبية، أشهرها معسكر درنة، الذي أشرف عليه كلّ من أحمد الرويسي وعادل السعيدي وغيرهما، ليقع بعدها إنشاء معسكراتها الخاصة؛ كدار الضيافة ومعسكر مسراطة.

هذا وقد تمّ اكتشاف أوّل هذه المعسكرات داخل تونس، في 10 كانون الأوّل (ديسمبر) 2012، في جبل "السنك" بالقصرين، إثر اغتيال الشهيد أنيس الجلاصي، إذ تمّ العثور على وثيقة تثبت مبايعة مجموعة إرهابية أطلقت على نفسها "كتيبة عقبة بن نافع" لـ "عبد المالك درودكال"، المكنى "أبو مصعب عبد الودود"، أمير القاعدة في بلاد الغرب الإسلامي، على المشاركة في إحياء سنّة الجهاد في أرض عقبة ابن نافع.

ويرى في هذا السياق، الناشط السياسي فيصل العليمي؛ أنّ الحركات الإرهابية عموماً نشأت في ظرفية الحرب الباردة، حيث أصبح الصراع بالوكالة، ولم يعد صراعاً مباشراً، كما لم يعد اختراق حدود عسكرية للدول مسألة تنتمي إلى سلطة واضحة المعالم، حيث أصبح سباقاً على الطاقة وعلى الثروات الطبيعية والمواد الخامة، تديره عصابات تُموّل من قبل دول إقليمية.

اقرأ أيضاً: أزمة المحكمة الدستورية في تونس.. هكذا تخطط النهضة لعزل قيس سعيد

وأضاف العليمي أنّه، وبخلاف قانون الأمم المتحدة، فقد أصبح من السافر جداً أن تعتدي دول على حدود دول أخرى ونظامها المستقر وسيادتها، حيث بات للدولة العظمى والإقليمية التحيّل، وتغير تكتيكها عبر تمويل وتجنيد جماعات دينية في المناطق التي تمتلك الثروات الطبيعية.

ملف الإرهاب بين الممكن والمستحيل

ورغم محاولات الجماعات المتطرفة استغلال ارتباك الوضع السياسي وضعف منظومة الحكم في كلّ من تونس وليبيا، ما تزال التجربة التونسية صامدة أمام الإرهاب الذي استهدف جميع أركان المجتمع ومؤسسات الدولة، بفضل نجاح القوات الأمنية في ضرب جذوره بقوة، وثانياً بفضل الدور الديبلوماسي والموقف المشترك بين الدول المجاورة بخصوص محاربة الإرهاب.

اقرأ أيضاً: الإخوان المسلمون: حرب تكسير عظام في تونس وتناقضات في المغرب ومناورات في ليبيا

وكان الرئيس التونسي، قيس سعيّد، قد توجه، في تشرين الأول (أكتوبر) 2019، بزيارة هي الأولى من نوعها لرئيس تونسي إلى الجارة ليبيا، منذ سنة 2012، أكّد خلالها على الدور البارز والتاريخي للبلدين في محاربة كلّ ما من شأنه أن يمثل خطراً على وحدتهما وتماسكهما، والقضاء على الإرهاب والتطرف.

المحلل السياسي محمد بوعود

رغم هذا السعي الواضح من الرئيس التونسي لمحاربة الإرهاب، لا يعتقد المحلل السياسي، محمد بوعود، أن يفتح ملفّ التنظيمات الإرهابية الناشطة بين تونس وليبيا، مشيراً، في تصريحه لـ "حفريات"، إلى أنّ تصريحات رئيس المجلس الرئاسي الليبي، محمد المنفي، في لقائه مع رئيس الحكومة، هشام المشيشي، حول السماح لليبيين المصنّفين بالإرهابيين بالدخول والخروج إلى تونس، مخالفة لتوصيات المحكمة الجنائية الدولية.

وقال بوعود؛ إنّ الحسم في ملف التنظيمات الإرهابية هو آخر اهتمامات البلدين، خاصّة في ظلّ التعقيدات التي يشهدها الملف الأمني، موضحاً أنّ النقاش ما يزال يتخبط في المسألة الاقتصادية، لأنّ تونس تبحث عن دعم مالي للخروج من أزمتها، في المقابل تضغط ليبيا لاستعادة أموالها.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية