برغم تراجع المؤشرات التنموية... لماذا خفت زخم الشارع التونسي؟

برغم تراجع المؤشرات التنموية... لماذا خفت زخم الشارع التونسي؟

برغم تراجع المؤشرات التنموية... لماذا خفت زخم الشارع التونسي؟


01/06/2023

غابت خيام المعتصمين الذين اتخذوا من ساحات الإدارات الحكومية مقراً منذ الثورة، وتراجعت التحركات الاحتجاجية المنادية بالمطالب الاجتماعية المعهودة خلال الأعوام الـ (10) الماضية، على غرار الشغل والحرية والكرامة الوطنية والعدالة الاجتماعية، خلال العامين الماضيين، ممّا يثير التساؤل حول هذا التراجع في حركة الشارع التونسي التي لم تهدأ على امتداد عقد من الزمن؟

وتُعدّ "الحركات الاجتماعية" واحدة من أبرز العبارات التي ظلّت حاضرة بقوة في "معجم" ما بعد الثورة التونسية، خاصة في خطابات وأدبيات المجتمع المدني، وهي تحرّكات ونضالات منظّمة لمجموعة من الأفراد تربطهم تصورات ومصالح مشتركة، يحاولون تغيير سياسات معيّنة من أجل تحسين أوضاعهم المعيشية.

تراجع زخم الشارع التونسي

هذه الحركات التي أقلقت كل حكومات ما بعد الثورة في شوارع كل المحافظات أمام مقرات الوزارات، وخصوصاً في شارع (الحبيب بورقيبة) وسط العاصمة التونسية، تراجع زخمها في العامين الماضيين، وفقاً لما أكدته إحصائيات المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية في نشرياته الشهرية.

وتراوحت مطالبهم بين توفير الشغل (وهو مطلب رئيسي وأهم شعار قامت عليه الثورة)، وتوفير الماء، وتسوية وضعيات مهنية، إلى جانب مطالب أخرى، أشرف على أغلبها وأطرها اليسار التونسي، الذي لم يشارك في السلطة وظلّ في المعارضة، حتى أفول نجمه من المشهد السياسي خلال المحطة الانتخابية الأخيرة.

تُعدّ "الحركات الاجتماعية" واحدة من أبرز العبارات التي ظلّت حاضرة بقوة في "معجم" ما بعد الثورة التونسية

مباشرة بعد القرارات التي أعلنها الرئيس قيس سعيّد، علّق أغلب الناشطين اعتصاماتهم، وأنهوا الإضرابات، كما توقفوا عن الاحتجاج، كحركة ترقب لما قد تؤول إليه الأمور، خصوصاً بعد إنهاء حكم الإخوان، الذي كانوا يعتبرونه السبب الرئيس في تعطيل مطالبهم، وتأخير تحقق أهداف الثورة الاجتماعية.

إلى ذلك، اعتادت تونس على دخول شتاء ساخن من كلّ عام، منذ عام 2011، بالتزامن مع المصادقة على قانون الميزانية؛ إذ يرتفع منسوب التحركات الاحتجاجية بالعاصمة خصوصاً المتعلقة منها بالتشغيل، وتكون عادةً مصحوبة بمظاهر عنف واعتداءات على المحتجين، وهو ما لم تشهده تونس في عامي 2022 و2023.

هدنة وترقب

وكان ناشطون قد أكدوا في تصريحات سابقة لـ "حفريات"، على غرار عبد الحليم حمدي وعبد الحق بسدوري، وجود رغبة بين المعطلين عن العمل في منح فرصة للسلطة الجديدة، من أجل مراجعة سياساتها وآليات التعامل مع المحتجين ومع مطالبهم الاجتماعية.

وقد لعب الاتحاد العام التونسي للشغل، على مرّ تاريخ تونس المعاصر، دوراً سياسياً فاعلاً، من خلال تقريب وجهات النظر بين الفرقاء السياسيين، وبرز دوره عام 2013، حين قاد حواراً وطنياً بمشاركة منظمات وطنية أخرى، وهي: الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان، وعمادة المحامين، والاتحاد التونسي للصناعة والتجارة، الذي توّج بحصول هذه المنظمات (الرباعي الراعي للحوار الوطني) على جائزة نوبل للسلام عام 2015.

هذه الحركات التي أقلقت كل حكومات ما بعد الثورة في شوارع كل المحافظات أمام مقرات الوزارات تراجع زخمها في العامين الماضيين

الاتحاد المدافع عن الطبقة العاملة، يبدو أنّه تخلى اليوم عن دوره بحسب محللين سياسيين، لأنّه يمر بوضع خاص جعله ضعيفاً إزاء السلطة، خصوصاً أنّه كان حاضناً لتحركات الشارع، علاوة على كونه خيمة للأصوات المعارضة للسلطة، لكنّه هو الآن منشغل بترتيب بيته الداخلي، فضلاً عن تراجع حضور الأحزاب في الشارع وعدم قدرتها على الاستقطاب.

رموز الحركات الاجتماعية على رأس الإدارات التونسية

وفي قرارات مفاجئة اختار الرئيس سعيّد عدداً من رموز التحركات الاحتجاجية في تونس، فضلاً عن مفروزين أمنياً (ممّن كانوا ممنوعين من العمل بسبب تقارير أمنية)، إلى جانب داعمي حملته الانتخابية، وممثلي تنسيقياته الجهوية، وجميعهم شباب عاطلون عن العمل.

في قرارات مفاجئة اختار الرئيس سعيّد عدداً من رموز التحركات الاحتجاجية في تونس

ومن أبرز الأسماء التي عيّنها سعيّد في مناصب سيادية حساسة، الناطق باسم الحركات الاجتماعية عبد الحليم حمدي، الذي عيّنه محافظاً على سيدي بوزيد (مركز التحركات الاحتجاجية ومصدّرة الثورات) ونادر حمدوني، وهو أيضاً يتحدر من محافظة سيدي بوزيد، على رأس محافظة قفصة، وقبله عيّن سمير عبد اللاوي، الذي شارك في الحملة الانتخابية التي أوصلت سعيّد إلى قصر قرطاج، محافظاً لمحافظة بنزرت، وهو الآخر من محافظة سيدي بوزيد، وقد لاقى تعيينه إجماعاً منقطع النظير.

واعتبر حينها أغلب العاطلين عن العمل في تونس أنّ حلم التشغيل صار قريباً منهم، بتعيين بعض الأسماء المدافعة عن قضايا الشغل، على رأس السلطات المحلية، وهو ما اعتبره مراقبون محاولة ذكية من سعيّد لاحتواء الحراك الاجتماعي.

تفاقم الأزمة الاقتصادية والاجتماعية

هذا التراجع في الحركات الاجتماعية، يأتي في وقت سجل فيه الاقتصاد التونسي نمواً يقدّر بنحو 2.5% في عام 2022، وما يزال أصغر ممّا كان عليه قبل 2011، وقد نما عدد السكان بنحو 12% في العقد الماضي، وبات يعيش حوالي خُمس السكان الآن في فقر.

ويُضاف التضخم الجامح إلى كل هذا، بعد أن وصل مؤشر أسعار المستهلك إلى رقم مزدوج في 2022، وهو أعلى مستوى له في (30) عاماً.

اعتادت تونس على دخول شتاء ساخن من كلّ عام منذ عام 2011، بالتزامن مع المصادقة على قانون الميزانية، وهو ما لم تشهده تونس في عامي 2022 و2023

وشهدت البلاد نقصاً متقطعاً في المواد الغذائية الرئيسية على مدار الـ (12) شهراً الماضية. ووصل الوضع إلى إرسال ليبيا في وقت سابق من كانون الثاني (يناير) القمح والأرز والسكر كمساعدة.

وقد أشار تقرير لـ (بلومبرغ) إلى ارتفاع بطالة الشباب إلى 37.8% في الربع الثالث من عام 2022، ارتفاعاً من 35.4% في 2019، وبلغ المعدل ذروته عند 42.5% في الربع الأخير من 2020.

شهدت البلاد نقصاً متقطعاً في المواد الغذائية الرئيسية على مدار الـ (12) شهراً الماضية

وتعليقاً على تراجع المؤشرات، أكد الرئيس قيس سعيّد في عدة مناسبات أنّ الأزمة الاقتصادية والهيكلية شاملة في تونس منذ فترة، ممّا تسبب في "نقص بعض المواد الأساسية المستوردة من الخارج"، وأسفر عن "ندرة تلك المنتجات وارتفاع أسعارها"، وأنّ هذه المعطيات "تسببت في ارتفاع تكاليف المعيشة في البلاد"، ممّا أدى إلى خروج "تظاهرات واحتجاجات في بعض المناطق الشعبية الفقيرة".

ولفت سعيّد في تصريحاته إلى أنّ تونس تعاني من أزمة اقتصادية منذ (10) أعوام، بسبب ممارسات غير مسؤولة للحكومات السابقة التي دمّرت الاقتصاد التونسي.

ونتيجة تلك الممارسات تراكمت الديون على تونس، والتي وصلت إلى (120) مليار دينار تونسي، وتسعى الحكومة لإيجاد حلول لتلك الأزمة الآن.

مواضيع ذات صلة:

جدل العلاقة بين حركة النهضة الإخوانية وجبهة الخلاص في تونس

هل تكون جبهة الخلاص بوابة تنازلات النهضة لاسترضاء قيس سعيد؟

تونس... هل ينجح البرلمان الجديد في ما فشل فيه برلمان الإخوان؟



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية