بانوراما قطاع غزة: إعادة الإعمار أو تجديد التدمير؟

بانوراما قطاع غزة: إعادة الإعمار أو تجديد التدمير؟


30/12/2021

مع نهاية العام الذي جلب الوبال والهلاك والشقاء على الفلسطينيين، تأتي مماطلة الاحتلال الإسرائيلي في عملية إعمار ما دمره خلال عدوانه الأخير في أيار(مايو)2021، وربطه بإعادة الجنود الأسرى المحتجزين لدى حركة حماس، لتزيد الأمور تعقيداً، خاصة وأنّ الأخيرة تصر على عدم ربط ملف الإعمار بأي ملفات أخرى، وهذا يدلل على أنّ الهدوء الحاصل في غزة لن يدوم طويلاً، وأنّ هناك جولة تصعيد جديدة، والمهلة التي منحتها الفصائل للاحتلال قد تكون هي الأخيرة.

اقرأ أيضاً: الجدار الإسرائيلي "الذكي" يجعل غزة أكبر سجن في العالم

فبعد اجتماع استمر لعدة ساعات بين الوفد الأمني المصري وقيادة فصائل المقاومة الفلسطينية، وعلى رأسها حركتا حماس والجهاد الإسلامي، لنقل رد الجانب الإسرائيلي على الشروط التي وضعتها الفصائل، فيما يخص الإسراع في إعادة الإعمار، وإنجاز ملف الأسرى، عاد أعضاء الوفد إلى القاهرة دون الوصول إلى نتائج إيجابية، حاملين بجعبتهم رسائل تهديد من الفصائل تنذر باقتراب جولة قتال جديدة بين الطرفين.

يقول المراسل والمحلل العسكري الإسرائيلي لصحيفة هآرتس العبرية  أنعاموس هرئيل في مقاله اليومي بالصحيفة: "إنّ الوفد المصري حاول خلال الأيام الأخيرة تحقيق تقدم في 3 محاور، تتمثل في مشاريع إعادة الإعمار، والمفاوضات الخاصة بصفقة تبادل أسرى، وهدوء طويل الأمد، مشيراً إلى أن هناك اختلافاً في المواقف بين حماس وإسرائيل يجعل من الصعب على الأقل تحقيق الهدفين الأخيرين.

لا يوجد خيارات كثيرة أمام الفصائل الفلسطينية خاصة وأنّ الاحتلال الإسرائيلي تلاعب بالوقت، والظرف ولم يعطِ الفصائل أي شيء على أرض الواقع

وأضاف: "الحكومة الإسرائيلية في الوقت الحالي ليس لديها سوى مساحة ضيقة للمناورة من أجل التوصل إلى اتفاق وخاصة بشأن صفقة التبادل، وخاصة عدم وجود ضغط حقيقي من الجمهور الإسرائيلي لإعادة المدنيين، وجثتي الجنديين المحتجزين لدى حماس، وعدم وجود دعم حقيقي سواء كان رسمياً أو شعبياً داخل "إسرائيل"، واستعداد لدفع الثمن الباهظ الذي تطالب به حماس بإطلاق سراح مئات الأسرى، ومنهم من شاركوا في قتل عشرات الإسرائيليين.

اقرأ أيضاً: الموت والاحتلال الإسرائيلي يفرّقان سامي وغادة

فما هي السيناريوهات المتوقعة؟ وهل سوف تتدحرج الأمور إلى حد مواجهة عسكرية؟ ولماذا يصر الاحتلال على ربط ملف إعادة الإعمار بقضية الأسرى؟ ولماذا لم تنجح الوساطة المصرية لحل الملفات العالقة؟ وهل يتراجع الاحتلال عن المماطلة بإعادة الإعمار بعد تهديدات فصائل المقاومة؟

حالة اختناق

وفي إطار الرد على تلك التساؤلات يقول الكاتب المختص بالشأن الإسرائيلي هاني حبيب لـ"حفريات" إنّ "تهديدات الفصائل الفلسطينية جدية إلى حد كبير، لأنه لا يوجد خيارات أمامهم، خاصة وأنّ الاحتلال الإسرائيلي تلاعب بالوقت، والظرف ولم يعطِ الفصائل أي شيء على أرض الواقع، وهناك حالة اختناق في غزة، وقد تلجأ الفصائل إلى الطرق العسكرية للخروج من تلك الحالة".

الكاتب المختص بالشأن الإسرائيلي هاني حبيب: تهديدات الفصائل الفلسطينية جدية إلى حد كبير

ويضيف: "الاحتلال الإسرائيلي لا يريد أن تسير عملية الإعمار بشكل سريع، ويستخدم ملف إعادة الإعمار، كورقة ضغط على حركة حماس، للاستجابة لمطالب أكثر، وكلما تستجيب لشروطه يضغط من جديد، حتى تقدم ما كانت ترفضه في السابق".

اقرأ أيضاً: "بدنا نعيش": قطاع غزة ينتفض احتجاجاً في وجه "حماس"

أضف إلى ذلك أنّ "الاحتلال الإسرائيلي لم يقدم تنازلات منذ سيطرة حركة حماس على قطاع غزة قبل خمسة عشر عاماً، وفي ظل حكومة بينيت، والتي تعد أكثر تطرفاً من الحكومات السابقة، من الصعب تقديم أية تنازلات دون ثمن؛ ولكن من الممكن أن يقدم الجانب الإسرائيلي فقط بعض الأشياء كجزء من رشوة السياسة، ولكنها لا تعد تنازلات بالمفهوم الحقيقي.

وعود فقط

واستبعد حبيب أن يكون هناك انفراجة حقيقية في أي من الملفات العالقة في قطاع غزة، ولكن من الممكن أن يقدم الاحتلال بعض الوعود فقط من أجل نزع فتيل الحرب ليس أكثر.

اقرأ أيضاً: "عصا موسى" تشق المنظومة الأمنية الإسرائيلية

وبسؤاله عن سبب عدم قيام مصر بالضغط على الاحتلال الإسرائيلي لتنفيذ تفاهمات التهدئة والإسراع بعملية الإعمار، أجاب: "مصر لا تمتلك الأوراق التي تمكنها أن تضغط على الاحتلال، لأنها مجرد وسيط، وليست صاحبة قرار، ووظيفتها أن تسمع من جانب، وتنقله إلى الجانب الآخر وبالعكس، وهي لا تستطيع إلزام أي من الطرفين على تنفيذ الشروط والمطالب".

اقرأ أيضاً: الاحتلال الإسرائيلي يتوسع في الاستيطان.. والعالم مغمض العينين

ويوضح أنّ سبب ربط الاحتلال ملف إعادة إعمار قطاع غزة بعودة الأسرى المحتجزين لدى حركة حماس، لأنه لا يريد أن يقدم شيئاً للحركة دون مقابل، لذلك استغلت حكومة بينيت ملف الإعمار، واستخدمته كورقة مقايضة، لإنهاء ملف الأسرى بشكل نهائي، دون تقديم تنازلات حقيقة للفلسطينيين.

الكاتب والمحلل السياسي حسن عبده: الاحتلال الإسرائيلي هو الذي يدفع باتجاه التصعيد

وفي السياق ذاته، يرى الكاتب والمحلل السياسي حسن عبده أنّ الاحتلال الإسرائيلي هو الذي يدفع باتجاه التصعيد، وأنّ التأخير بإعادة إعمار قطاع غزة، دفع فصائل المقاومة الفلسطينية إلى أن تبعث رسائل قوية، وواضحة للاحتلال عبر الوسيط المصري، مفادها أنّ تلك المماطلة ستؤدي إلى إعادة التوتر، والذهاب نحو دوامة التصعيد".

هل غزة مقبلة على جولة تصعيدية؟

ويشير عبده في حديثه لـ"حفريات" إلى أنه لا يوجد ما يوحي بأنّ قطاع غزة مقبل على جولة تصعيدية كبيرة خلال الفترة المقبلة، ولكن في حال استمر التعنت الإسرائيلي بربط الإعمار بقضية الأسرى المحتجزين لدى حركة حماس، وعدم منح تسهيلات جديدة للفلسطينيين، ستضطر المقاومة أن ترد على ذلك".

المحلل السياسي حسن عبده لـ"حفريات": من المتوقع أن تستبدل فصائل المقاومة الفلسطينية التصعيد العسكري بالخيارات الشعبية مثل "البالونات الحارقة، والمظاهرات الأسبوعية قرب الشريط الحدودي، وفعاليات الإرباك الليلي"

وبحسب عبده، فإنه من المتوقع أن تستبدل فصائل المقاومة الفلسطينية التصعيد العسكري بالخيارات الشعبية مثل "البالونات الحارقة، والمظاهرات الأسبوعية قرب الشريط الحدودي، وفعاليات الإرباك الليلي"، وغيرها من الوسائل التي تم استخدامها سابقاً، وكان لها أثر إيجابي.

اقرأ أيضاً: الأسيرة المحرّرة نسرين أبو كميل: كلمة "ماما" أنستني قهر السجّان

ويبين الكاتب والمحلل السياسي أنّ الاحتلال الإسرائيلي يصر على إبقاء حالة الحصار، من خلال ربطه سائر الملفات ببعضها بعضاً، ظناً منه بأنّ تحسين الوضع الاقتصادي، والبدء بعملية الإعمار، له علاقة بالجنود الأسرى، وأنّ فصائل المقاومة من الممكن أن تستبدلهم ببرنامج اقتصادي، لتحسين شروط الحياة في غزة.

واستبعد عبده أن تقبل فصائل المقاومة بربط الحياة الاقتصادية، وأية تسهيلات أخرى، بقضية الأسرى المحتجزين لديها، لأنّ هامش المناورة لديها ضعيف جداً.

عضو دائرة العلاقات الوطنية في حركة حماس إبراهيم المدهون: حركة حماس تعتبر الاعتداء على الأسرى والأسيرات خطاً أحمر

وفي سياق متصل، يقول عضو دائرة العلاقات الوطنية في حركة حماس إبراهيم المدهون لـ"حفريات" إنّ "حركة حماس تعتبر الاعتداء على الأسرى والأسيرات خطاً أحمر، وهي مصممة على المضي قدماً حتى الإفراج عنهم جميعاً، وتبييض السجون، وهي تعمل كل ما بوسعها من أجل الضغط على الاحتلال الإسرائيلي، وترفض السياسة الإسرائيلية المتمثلة في ربط ملف إعادة الإعمار، ورفع الحصار عن قطاع غزة، بقضية الجنود الأسرى.

لماذا تتحرك حماس دولياً وإقليمياً؟

يضيف المدهون: "استمرار حصار قطاع غزة عنصر متفجر، ولن تقبل حركة حماس باستمراره، وستعمل كل ما بوسعها لمقاومة الاحتلال، والحركة اليوم تتحرك إقليمياً ودولياً، وتسعى إلى تحشيد القوى العربية والإسلامية، من أجل رفع الحصار عن قطاع غزة، وتأمين حياة كريمة لسكان قطاع غزة، بعد أن ذاقوا الأمرّين بسبب الحروب المتكررة، والحصار المفروض منذ ما يزيد عن خمسة عشر عاماً".

ويردف: "حركة حماس تمتلك أوراق ضغط قوية، وستستخدم كل ورقة بالوقت المناسب،  وذلك من أجل الضغط على الاحتلال الإسرائيلي للاستجابة لمطالب الشعب الفلسطيني كافة، وعلى رأسها الإفراج عن الأسرى والأسيرات، والإسراع بعملية الإعمار التي يستخدمها كورقة ابتزاز للشعب الفلسطيني.


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية