
قرّبت "جبهة مساندة غزة" المسافة السياسية بين حزب الله والجماعة الإسلامية "الذراع السياسية للإخوان في لبنان"، التي كانت تنضوي ضمن ما يُعرف بـ "فريق 14 آذار" المعارض للحزب، وهو ما ظهر بشكل أساسي عبر انخراط الجناح العسكري للجماعة المعروف بـ "قوات الفجر"، ضمن "جبهة مساندة غزّة" التي افتتحها حزب الله في 8 تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، وتكرّس بلقاء بين الأمينين العامين حسن نصر الله ومحمد طقوش.
وأفاد بيان مشترك نقلته قناة (المنار) بأنّ "اللقاء الذي جمع الطرفين بحث التطورات السياسية والأمنية في لبنان وفلسطين، والتأكيد على أهمية التعاون بين قوى المقاومة في معركة الإسناد للمقاومة في غزّة وأهلها الصامدين الشرفاء".
وشكّل انضمام الجماعة الإسلامية إلى جبهة المقاومة تحوُّلاً في العلاقة بين الفريقين، خصوصاً أنّ الاخوان كانوا في صلب المعسكر السياسي المناهض للحزب منذ العام 2005، وبلغ الخلاف ذروته بينهما بسبب الدور الذي لعبه الحزب في الحرب في سوريا.
قرّبت "جبهة مساندة غزة" المسافة السياسية بين حزب الله والجماعة الإسلامية، الذراع السياسية للإخوان في لبنان.
ووضع مصدر مسؤول في الجماعة لقاء نصر الله وطقوش في إطار "التعاون والتنسيق المباشر لإدارة المعركة في جنوب لبنان"، ورأى أنّه "من الطبيعي فتح قنوات التواصل بين كل حركات المقاومة، حتى نحقق الانتصار في مواجهة العدو الإسرائيلي، ونوقف حرب الإبادة في غزّة".
وأكد المصدر لصحيفة (الشرق الأوسط) أنّ "المرحلة الحالية هي مرحلة مواجهة من أجل بقاء لبنان وهزيمة المشروع الإسرائيلي، كاشفاً أنّ "لقاءات قيادة الجماعة الإسلامية لا تقتصر على (حزب الله)، بل ستشمل كل القوى الوطنية والإسلامية المرابطة في جبهة الجنوب، من أجل إنجاح العمل الجهادي ـ الميداني".
وإزاء تحفّظ الجماعة الإسلامية على إعطاء تفسيرات سياسية للاجتماع مع قيادة الحزب، وصف مصدر مقرب جداً من حزب الله لقاء نصر الله - طقوش بـ "الاستراتيجي"، عادّاً أنّه "يؤسس لعلاقة جديدة أبعد من التنسيق الميداني والعمل المقاوم الذي يجمعهما في جنوب لبنان"، مؤكداً أنّ "أهم ما في العلاقة المستجدّة أنّها أزالت التباين الذي كان قائماً بين الطرفين إبّان الحرب السورية".
وأوضح المصدر المسؤول في الجماعة أنّ "التحالف السياسي بين الطرفين مستقبلاً قد لا يكون مقبولاً لدى جمهور الجماعة، لأنّ هذا الجمهور لم ينسَ حتى الآن اجتياح بيروت عسكرياً في السابع من أيار (مايو) 2008، وقتل عشرات الأبرياء وترويع المدنيين الآمنين، ولم ينسَ دور الحزب في الحرب السورية ضد أهل السنّة تحديداً، ولا تخريب علاقات لبنان مع الأشقاء العرب، مؤكداً أنّ قيادات في الجماعة بدأت تبرر للقاعدة الشعبية أسباب لقاء الشيخ محمد طقوش مع حسن نصر الله.
هذا، واعتبر الكثير من المراقبين أنّ اللقاء عبارة عن رسالة من حزب الله للداخل اللبناني، بأنّه يدعم، بل يحمي الوجود العسكري للجماعة الإسلامية، في تحدٍّ واضح لقيادة الجيش، فيما يشبه الهجوم الاعتراضي على أيّ إجراءات ينوي الجيش اتخاذها تجاه الإخوان وميليشياتهم، الأمر الذي يقطع الطريق أمام جهود نزع سلاح "قوات الفجر"، ويغذي مكونات وجودها من الناحية السياسية والعسكرية.
انضمام الجماعة الإسلامية إلى "جبهة المقاومة" يُعدّ تحوُّلاً في العلاقة بين الفريقين، خصوصاً أنّ الاخوان كانوا في صلب المعسكر السياسي المناهض للحزب.
من جهته، قلل النائب السابق الدكتور مصطفى علوش من أهمية التقارب بين الإخوان والحزب، وقدرة الأخير على اختراق الساحة السنيّة، وقال في تصريح لـ (الشرق الأوسط): "لا يمكن للجماعة الإسلامية أن تكون غطاءً سنيّاً لـ (حزب الله)، بالنظر إلى محدودية تأثيرها على الساحة"، مذكّراً بأنّ "حزب الله لا يؤمن بالتحالف مع أيّ فريق، بل يؤمن بالتبعيّة الكاملة لمشروعه".
وأكد علوش أنّ الحزب "لن يتوقف عن محاولات اختراق الساحة السنيّة بذريعة إرساء وحدة إسلامية، لكنّ المؤكد أنّه يريد تأسيس مجموعات تابعة له لا أكثر ولا أقلّ".
ولم تتوقف تطلعات الإخوان عند حدود حزب الله، فقد قال مصدر سياسي لبناني مقرب من الحركة الإسلامية: إنّ نائب رئيس المكتب السياسي بسام حمود اقترح توسيع قاعدة المؤيدين لوجود ميليشيا "قوات الفجر" عبر التواصل مع الحركات والتيارات اليسارية والقومية، وبناء جسور قوية معها، وهو ما تحفظ عليه نسبياً رئيس المكتب السياسي ياسين أبو علي، لكنّ محمد طقوش حسم الأمر بالموافقة؛ من أجل فك الطوق السياسي المفروض على الجماعة، سواء من القيادة العسكرية، أو من المكونات السياسية الطائفية الأخرى، وفق ما نقلت منصة (الحل نت).
مراقبون: إنّ لقاء نصر الله وطقوش عبارة عن رسالة من حزب الله للداخل اللبناني بأنّه يدعم ويحمي الوجود العسكري للجماعة الإسلامية، في تحدٍّ واضح لقيادة الجيش.
وأضافت المنصة، في تقرير كتبه الباحث في الإسلام السياسي سامح إسماعيل، أنّه في 11 حزيران (يونيو) الجاري التقى الأمين العام للجماعة الإسلامية، الشيخ محمد طقوش، برئيس حزب التوحيد العربي، وئام وهّاب، وبحسب الجماعة الإسلامية، "كانت وجهات النظر متفقة على أنّ الصمود في الميدان بوجه العدوان الصهيوني كفيل بتحقيق النصر للأمّة".
وبحسب المصدر السابق، وبعد مداولات داخل الإخوان على مستوى المكتب السياسي، حسم الأمين العام قراره بالتواصل مع الحزب الشيوعي اللبناني، واتفق الطرفان، بطلب من الأخير، ألّا يكون اللقاء بشكل رسمي، وهو ما جرى بالفعل، حيث استقبل طقوش، الأمين العام السابق للحزب الشيوعي الدكتور خالد حدادة، في لقاء شهد اتفاقاً على مواصلة العمل العسكري من قبل الجماعة الإسلامية ضدّ إسرائيل.
كما حرص وفد من الجماعة الإسلامية، برئاسة رئيس المكتب السياسي علي أبو ياسين، وبصحبته مسؤول الجماعة في البقاع رامي الزمار، على زيارة أمين سر دار الفتوى في البقاع الشيخ عاصم جراح؛ لتقديم التهنئة بتكليفه برئاسة دائرة الأوقاف الإسلامية، في محاولة لجذب الجناح الديني في المكون السنّي، واصطفافه خلف المشروع العسكري للجماعة الإسلامية.
وعن موقف الجيش من تحركات الحركة الإسلامية، نقلت منصة (الحل نت) عن مصدر أمني لبناني رفيع أنّ الجيش اللبناني يواصل ضغوطه على الإخوان المسلمين، وسط تقارير أمنية أكدت ضلوعهم في تجنيد عدد من الشباب السوري ضمن "قوات الفجر"، وحتى اللحظة يرفض الجيش اللبناني الاعتراف بمشروعية الجناح العسكري للجماعة الإسلامية، ويصر على أن تكون قناة التواصل بينه وبين الجماعة هي النائب عماد الحوت، ممثل الإخوان في البرلمان اللبناني.
وأكد المصدر الأمني أنّ رئيس أركان الجيش اللبناني العميد حسان عودة التقى الحوت في جلسة خاصّة يوم 25 حزيران (يونيو) الجاري، وأكد له أنّ الأمر لم يعد يحتمل المزيد من التوتر الأمني، لافتاً إلى أنّ قيادة الجيش، ممثلة في العماد جوزيف عون، باتت ترفض ضمناً التحركات الواسعة التي تمارسها الميليشيا الإخوانية عبر الحدود السورية، وأنّ الجيش رصد عدة حوادث لتهريب السلاح، تحت حراسة عناصر من ميليشيا "قوات الفجر"، كما لفت إلى أنّ دخول السلاح بهذه الكثافة ينذر بعواقب وخيمة على أمن وسلامة لبنان.
الحركة الإسلامية تعمل على توسعة قاعدة المؤيدين لوجود ميليشيا "قوات الفجر"، وقد التقت مع حزب التوحيد العربي، والحزب الشيوعي اللبناني.
وبحسب المصدر، فإنّ لهجة حسان عودة الصارمة هذه المرة دفعت إلى عقد اجتماع عاجل للمكتب السياسي للجماعة الإسلامية، حيث قرّر طقوش التواصل مع شركاء المعركة، أي حزب الله اللبناني، من أجل التشاور حول رسالة الجيش اللبناني.
وكان الجيش الإسرائيلي قد اغتال في 22 حزيران (يونيو) الجاري القيادي في قوات الفجر، التابعة للجماعة، أيمن غطمة (أبو عمر) ومرافقه، بوساطة قصف استهدف سيارة كان يستقلها، بالبقاع الغربي بلبنان.
يُذكر أنّ الحركة الإسلامية "جماعة الإخوان" تنقسم إلى فئتين: الفئة المتحالفة مع تيار المستقبل الذي أسسه رئيس الوزراء الراحل رفيق الحريري، والفئة الثانية التي ترتبط بأطراف سياسية أخرى كحزب الله وسوريا، وقد برز عدد من العناصر المتطرفة داخل الحركة، بحسب ما ورد في ورقة بحثية صدرت عن (مركز كارنيغي للشرق الأوسط).