أثار باسم الكربلائي، الرادود (المنشد) الحسيني الشهير في العراق، الجدل مجدداً، بعد وصفه الصحابة، رضي الله عنهم، بـ العصابة"، في إحدى العبارات في القصيدة التي غناها، باللهجة العامية العراقية، قبل 8 أشهر.
واعتبرت لجنة الأوقاف والعشائر النيابية ما ورد على لسان الكربلائي بتجاوزات "تسعى لتكريس الفرقة والانقسام وتعميق هوة الخلافات الطائفية بين المسلمين".
وما أن صدر البيان الغاضب رداً على الكربلائي، حتى انتشرت القصيدة وتداولها رواد مواقع التواصل الاجتماعي على نطاق واسع، لتأتي غالبية الردود رافضة للعبارة، في حين برر بعضهم الوصف بأنها "تختص بمن شارك في قتل الحسين وأصحابه في واقعة الطف أو معركة كربلاء"، وفق ما أورد موقع الحرة.
أصدرت لجنة الاوقاف والعشائر النيابية اليوم الأحد، بياناً شديد اللهجة، أدانت فيه مجلساً لباسم الكربلاء، اساء خلاله إلى الصحابة، على حد قولها. pic.twitter.com/OK2O6N57P6
— ahmed.🇮🇶✌️🇮🇶أحمد (@ahmed_IQ_yahoo) September 11, 2022
وفي السياق، أصدرت رابطة أئمة وخطباء الأعظمية بياناً قالت فيه إنّ "الإساءة إلى رموز الأمة من مظاهر الغلو والتطرف التي لا تختلف عن الجرائم التي ارتكبها متطرفو داعش".
من جانبه، دعا رئيس تحالف السيادة رعد الدهلكي إلى إصدار مذكرة إلقاء قبض في حق باسم الكربلائي ومنعه من إقامة المجالس الحسينية، ليدخل المجمع الفقهي العراقي على خط الأزمة ملوحاً باللجوء إلى قانون العقوبات العراقي، وتحديداً المادة 372 التي تعاقب بالحبس لمدة لا تزيد عن 3 أعوام كل من اعتدى بإحدى الطرق العلانية على معتقدات لإحدى الطوائف الدينية أو حقّر من شعائرها، أو تعمد التشويش على شعائر دينية، أو من أهان علناً رمزاً أو شخصاً هو موضع تقديس أو تمجيد أو احترام لدى طائفة دينية"، وفق المصدر السابق.
وليست هذه المرة الأولى التي يثير فيها باسم الكربلائي الجدل، فقد أثار حفيظة الكويتيين عام 2016، بقصيدة حملت عنوان "الجبت والطاغوت"، مُنع على إثرها من ممارسة أي نشاط داخل الكويت بعد أن اعتبرت قصيدته "مثيرة للنزعة الطائفية والتفرقة بين السنّة والشيعة"؛ ليطلق بعض الكويتيين المستائين حينها وسم #اطردوا_الرادود_الطائفي_من_
من هو باسم الكربلائي؟
يعتبر باسم الكربلائي الرادود الأكثر شهرة وشعبية في العالم الشيعي؛ بفضل صوته المتميز وطريقته الحديثة في قراءة النعي خلال طقوس عاشوراء التي يحييها سنويا ملايين الشيعة حول العالم، في ذكرى مقتل الإمام الحسين، رضي الله عنه، ومركزها في محافظة كربلاء حيث دارت معركة الطف التي انتهت بمقتله.
ولا يتوقف الكربلائي عن إثارته الجدل بقصائد أو سلوكيات تعرضه لانتقادات شعبية حادة من حين لآخر، أحدثها كان ظهوره في مجلس عزاء أقامه زعيم تيار الحكمة عمار الحكيم، بحضور لافت لعدد من قادة الفصائل المسلحة وأعضاء من الإطار التنسيقي، الذي يخوض صراعاً قوياً مع التيار الصدري بزعامة مقتدى الصدر، الأمر الذي اعتبره البعض وقوفاً مع جهة سياسية ضد أُخرى، وفق ما أوردت شبكة "الحرة".
ليست هذه المرة الأولى التي يثير فيها الكربلائي الجدل، فقد أثار حفيظة الكويتيين عام 2016، بقصيدة حملت عنوان "الجبت والطاغوت"، مُنع على إثرها من ممارسة أي نشاط داخل الكويت
كما أثار الكربلائي قبل 3 أعوام، موجة انتقادات بعد منحه لقب "سلطان المنبر الحسيني"، وتتويجه بتاج ذهبي أُطلق عليه اسم "تاج الولاية"، ووضْعِ عباءة مطرزة على كتيفيه في حسينية قصر الزهراء بمدينة الكاظمية وسط بغداد؛ بسبب ما اعتبر خرقاً من الكربلائي للتحريم الشرعي لارتداء الرجال للذهب، ناهيك عن تاج ذهبي مرصع، ما اضطر الكربلائي حينها إلى إهداء التاج إلى العتبة العباسية.
طريق الكربلائي إلى التاج بدأ عام 1980، وهو العام ذاته الذي شهد نفيه وعائلته من كربلاء بعد اندلاع حرب الخليج الأولى، بحجة الأصول الإيرانية للعائلة التي استقرت لاحقاً في أصفهان، وفق "الحرة"، وهناك، وتحديداً في الحسينية الكربلائية وخلال حضوره لمجالس العزاء اكتشف أحد أخواله إمكانياته الصوتية المذهلة، ودفعه إلى قراءة القصائد في المناسبات الدينية المختلفة، ثم ساعده على تعلم أُصول الإنشاد على يد الملا تقي الكربلائي في إيران، التي عاش فيها 13 عاماً، قبل أن يتنقل بين دول الخليج ويتزوج بفتاة عُمانية ويستقر عشرة أعوام في الكويت.
ومع ازدياد شعبيته عبر شرائط الكاسيت في التسعينيات تنقل الكربلائي حول العالم، وأقام مجالس عزاء في الولايات المتحدة وبريطانيا وكثير من دول أوروبا، وصولاً إلى الصين.
سمح هذا التنقل بين الدول للكربلائي باستحداث أطوار جديدة في الإلقاء والإيقاع، ومكّنه من التعاون مع ملحنين وموزعين مختلفين. وأُثيرت حول هذا التحديث انتقادات حادة فتحت الباب أمام "جدل شرعي" حول استخدام الآلات الموسيقية في الإنشاد.
لم يغير الكربلائي فقط الأطوار السائدة في إلقاء القصائد، ولكنّه غيّر أيضاً من مهنة الرادود الحسيني؛ بل طرح، قبل أعوام، عطراً يحمل أول حرفين من اسمه باللغة الإنجليزية (BK)ليتعرض من جديد إلى موجة انتقادات تتعلق هذه المرة بالتشبه بالمشاهير والخلط بين التجارة وخدمة المنبر.
مع ازدياد شعبيته عبر شرائط الكاسيت في التسعينيات تنقل الكربلائي حول العالم، وأقام مجالس عزاء في الولايات المتحدة وبريطانيا وكثير من دول أوروبا، وصولاً إلى الصين
ولم تتنوقف الانتقادات إلى هنا؛ بل طالت أجور عمله في المجالس الحسينية التي تصل إلى آلاف الدولارات، لكن عند سؤاله في أحد اللقاءات التلفزيونية عن المبالغ التي يتقاضاها مقابل حضوره مجالس العزاء والإنشاد فيها، أنكر طلبه المال أو تحديده أي مبلغ مالي مقابل مشاركته في الإنشاد بمجالس العزاء الحسينية.
حقق الكربلائي شهرة واسعة بين الشباب الذي لا يميل إلى الأساليب الغنائية العراقية القديمة التي كانت سائدة قبل عقود وتعتمد على صوت المنشد والمشاركين في مجالس العزاء.
ويحظى الكربلائي بشعبية كبيرة على مواقع التواصل التي ينشط فيها بشكل لافت، فقناته على يوتيوب حققت 3 مليارات و200 مليون مشاهدة، ويتابعها 9.76 مليون شخص، فيما يتابع حسابه على "فيسبوك" أكثر من ثلاثة ملايين، وعلى "تويتر" يتجاوز متابعوه المليون شخص، ليطلق عليه محبوه ألقاب عديدة منها "أسطورة العشق الحسيني"، "سلطان المنابر"، "مزمار الحسين"، "خادم الحسين"، "صوت الشيعة"، "صوت الحسين"..إلخ.
ينتمي الكربلائي إلى التيار الشيرازي الذي جرى تأسيسه في كربلاء من قبل محمد الشيرازي (1924-2001)، وهو من التيارات الشيعية التي تتهم بالمغالاة، وتنشط إعلامياً عبر عدد كبير من الفضائيات ووسائل الإعلام، واجتماعياً عبر منظمات وجمعيات دينية حول العالم.
ويدافع التيار الشيرازي عن طقوس دينية تثير الخلاف بين فقهاء الشيعة مثل؛ الدفاع عن التطبير (ضرب الرأس بالسيف في مراسم عاشوراء وإدماؤه) الذي يؤيده باسم الكربلائي نفسه.
وتغذي ذكرى مقتل الحسين، رضي الله عنه، أحياناً التوترات الطائفية في عدد من دول العالم منها؛ العراق وباكستان والهند. وما يزيد الموقف صعوبة في العراق هذا العام تزامنها مع أزمة سياسية خانقة تستمر منذ عشرة أشهُر بين مكونات البيت الشيعي العراقي، ومخاوف من حرب أهلية، هذه المرة شيعية-شيعية، يمكن أن تُدخل البلاد في نفق مظلم يعيد سيناريو الحرب الأهلية بين عامي 2006 و2007.