باحثان يقدمان لـ"حفريات" تصورات عن مآلات الحالة السودانية

باحثان يقدمان لـ"حفريات" تصورات عن مآلات الحالة السودانية


01/11/2021

يرى باحثان استطلعت آراءهما "حفريات" أنّ مآلات الأوضاع في السودان في أعقاب الانقلاب العسكري، تتخذ وجوهاً متعددة، فالخبير المصري المتخصص في قضايا الأمن الإقليمي، محمد فوزي، يرى أنّ موقف القاهرة من الأحداث الجارية في السودان، ينطلق من جملة اعتبارات جيوسياسية؛ مؤكداً أنّ "القاهرة من أهم الفاعلين المعنيين بالتطورات التي يشهدها السودان".

أما الخبير السوداني الباحث محمد تورشين، فيرجح حدوث ترتيبات ستجري لاحقاً، تفرضها شروط العملية السياسية، فضلاً عمّا يتصل بالمصالح الإقليمية التي تعدّ القوى الخارجية طرفاً مباشراً ورئيساً فيها.

على مستوى التفاعل الدولي مع التطورات في السودان، من الضروري وضع مسافة فاصلة ورؤية تمييزية بين المواقف المعلنة للقوى الدولية؛ مثل الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي

وفي غضون ذلك، تفاوتت ردود فعل المجتمع الدولي والقوى الإقليمية حيال "الانقلاب العسكري" الذي قاده رئيس مجلس السيادة الانتقالي، عبد الفتاح البرهان، ووضع رئيس الحكومة، عبد الله حمدوك، تحت الإقامة الجبرية، على خلفية تأزم الخلافات والصراع بين طرفي السلطة، تحديداً بين الشقّ المدني والعسكري، وقد بلغت ذروته، الإثنين الماضي؛ إذ أعلن البرهان، بعد حملة توقيفات شملت وزراء ومسؤولين، حالة الطوارئ، والالتزام بالوثيقة الدستورية مع تعليق بعض موادها، ومن ثم الشروع في تشكيل "حكومة كفاءات وطنية مستقلة" لحين تسليم البلاد إلى "حكومة منتخبة".

الخبير السوداني الباحث محمد تورشين يرجح حدوث ترتيبات ستجري لاحقاً، تفرضها شروط العملية السياسية، فضلاً عمّا يتصل بالمصالح الإقليمية التي تعدّ القوى الخارجية طرفاً مباشراً ورئيساً فيها.

ورغم الإعلان عن عودة حمدوك إلى منزله، بحسب وكالة "فرانس برس"، حينما قال البرهان إنّ "رئيس الوزراء عبد الله حمدوك في منزلي"، وتابع: "رئيس الوزراء في صحة جيدة وسيعود إلى منزله اليوم (الأربعاء)"، إلا أنّ مواقف غالبية المجتمع الدولي اصطفت نحو إدانة ما وصفوه بـ"التغيير غير الدستوري للحكومة"، وكذا حملة الاعتقالات "غير المقبولة".

 

اقرأ أيضاً: "حفريات" ترصد مسار خطوات العسكريين القادمة في السودان

وأوضح قائد الجيش السوداني: "رئيس الوزراء حمدوك في أمان ولم يتعرض لأيّ أذى، لكن تم إبعاده للحفاظ على سلامته". وأضاف: "رئيس الوزراء حمدوك يواصل حياته الطبيعية".

اصطفاف غربي لإدانة "الانقلاب العسكري"

وفي بيان مشترك للاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة ودول غربية أخرى، الأربعاء، تم التأكيد على مواصلة الاعتراف بعبد الله حمدوك وحكومته كقادة دستوريين، والتأكيد على ضرورة إجراء حوار شامل في البلاد باعتباره السبيل لحل الأزمة.

وأصدرت بعثة الاتحاد الأوروبي لدى الخرطوم بياناً بدعم من سفارات فرنسا وألمانيا وإيطاليا وهولندا والنرويج وإسبانيا والسويد وسويسرا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة؛ حيث شدّد على مواصلة "الاعتراف برئيس الوزراء وحكومته كقادة دستوريين للحكومة الانتقالية"، وتابع: "من الأهمية أن يكون السفراء المقيمون في الخرطوم قادرين على التواصل مع رئيس الوزراء؛ لذلك نطلب بشكل عاجل أن نتمكن من مقابلة رئيس الوزراء".

 

اقرأ أيضاً: ماذا يحدث في السودان؟

وأردف: "نلاحظ عودة رئيس الوزراء الدكتور، عبد الله حمدوك، إلى مقر إقامته، لكننا ندعو أيضاً إلى الإفراج الفوري عن جميع المعتقلين سياسياً دون تأخير".

وأكد البيان الصادر عن بعثة الاتحاد الأوروبي لدى الخرطوم على أهمية "احترام الحق الأساسي في التظاهر لجميع المواطنين السودانيين، وضرورة احترام جميع حقوق الإنسان الأخرى لجميع المواطنين"، كما طالب قوات الأمن والعناصر المسلحة الأخرى "الامتناع عن الهجمات العنيفة في جميع الأوقات، وتجب حماية المتظاهرين السلميين، ونكرّر التأكيد على الأهمية الحاسمة لوصول المساعدات الإنسانية دون قيود إلى جميع أنحاء البلاد".

وجدد البيان التأكيد على "الدعوات الدولية للعودة الفورية إلى خارطة الطريق من أجل التحول الديمقراطي في السودان، وذلك على النحو المنصوص عليه في الوثيقة الدستورية، واتفاقية جوبا للسلام"، ولافتاً إلى أنّ "إجراء حوار شامل وسلمي ودستوري بين جميع أصحاب المصلحة في عملية الانتقال في السودان هو السبيل الوحيد للحرية والسلام والعدالة للجميع".

التوازن الإقليمي في حوض النيل

ويعرج الباحث المصري المتخصص في قضايا الأمن الإقليمي، محمد فوزي، على محددات الموقف المصري من الأحداث الجارية في السودان، والذي يعدّ موقفاً وازناً، كما ينطلق من جملة اعتبارات جيوسياسية؛ حيث يؤكد على أنّ "القاهرة من أهم الفاعلين المعنيين بالتطورات التي يشهدها السودان، وذلك في ضوء الأهمية الجيوسياسية والإستراتيجية للسودان بالنسبة لمصر؛ فالسودان يمثل أحد المداخل الرئيسة لتأمين المصالح المصرية في البحر الأحمر، وإطاراته الأمنية، كما تتعاظم أهمية هذا الاعتبار تحت وطأة التنافس الإقليمي والدولي الكبير لتأمين النفوذ في هذه المنطقة الإستراتيجية، وهو التنافس الذي قد يؤثر، بشكل أو بآخر، على شبكة المصالح المصرية في البحر الأحمر".

الباحث السوداني محمد تورشين لـ "حفريات": مقولات "الإدانة" و"الشجب" التي غلبت على ردود فعل المجتمع الدولي تعكس "عمومية الخطاب الدبلوماسي الذي ينظر بحذر شديد لما يجري في السودان

أبلغ فوزي "حفريات"، بأن التحالف الإستراتيجي لمصر مع السودان، يمثّل أحد ضمانات وضرورات حفظ التوازن الإقليمي في منطقة حوض النيل، خصوصاً في ظلّ المساعي المحمومة نحو تغيير التوازنات الجيوسياسية والإستراتيجية في هذه المنطقة، وكذا منطقة شرق أفريقيا والقرن الأفريقي، بشكل عام، وهي المساعي التي تقودها إثيوبيا، وقد حاولت الأخيرة، خلال السنوات الأخيرة، استغلال النخبة العسكرية والمدنية السودانية التي كان قوامها من تنظيم الإخوان في عهد عمر البشير، من أجل خدمة مصالح أو بالأحرى أطماع إثيوبيا، وقطع الطريق أمام أي تعاون مصري  سوداني، لكن مع نهاية عام 2019 ومع الإطاحة بنظام البشير، شهدت العلاقات المصرية السودانية تحولاً جذرياً، وبدأت العلاقات تصل إلى مرحلة "التحالف الإستراتيجي"، وهو ما تجسّد في الرؤى المتقاربة بين البلدين إزاء العديد من القضايا، وفي القلب منها أزمة سدّ النهضة، وملف المياه في حوض النيل.

الثابت والمتحول

وقد أدى هذا المتغير إلى قلب العلاقات المصرية السودانية الإثيوبية رأساً على عقب، بحسب فوزي؛ إذ تحوّل السودان من طرف منحاز للموقف الإثيوبي، أو يسعى للعب دور الوساطة، إلى طرف يرى أنّ الأطماع الإثيوبية تمثل تهديداً مباشراً لأمنه القومي ووحدته، لا سيما بعد الاعتداءات الإثيوبية المتكررة على الحدود السودانية.

وبالتالي، تنطلق مصر في تعاطيها مع تطورات المشهد السوداني من هذه الاعتبارات الحيوية المهمة، والحاكمة للعلاقات التاريخية بين البلدين، فضلاً عن محددات السياسة الخارجية المصرية التي يتبناها الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، ومن أبرز هذه المحددات، بحسب الباحث المتخصص في قضايا الأمن الإقليمي، أولوية الحفاظ على "الدولة الوطنية" وهي الدولة التي تتعارض ومفهوم الفاعلين المسلحين خارج إطار الدولة و"شرعية" مؤسساتها، كما تدعم بناء مؤسسات الدولة بما يغلق الباب أمام استغلال وتوظيف أيّة فراغات سياسية من قبل تيارات العنف والتطرف، وكذا أطراف خارجية.

 ويضاف لذلك "تبني السياسة الخارجية المصرية لمقاربة تقوم على التفاعل بانتظام مع كافة الأزمات التي تشهدها الدول العربية، سعياً إلى تجنّب العنف، واحتواء كافة أطراف الأزمة، الأمر الذي تجسد في بيان الخارجية المصرية، والذي طالب "كافة الأطراف السودانية بتغليب المصلحة العليا للوطن، والتوافق الوطني في إطار المسؤولية وضبط النفس".

 

اقرأ أيضاً: السودان: هل ينذر التصعيد الأخير بين المدنيين والعسكريين بموجة صراع جديدة؟

وعلى مستوى التفاعل الدولي مع التطورات في السودان، يشير المصدر ذاته إلى أنّه من الضروري وضع مسافة فاصلة ورؤية تمييزية بين المواقف المعلنة للقوى الدولية؛ مثل الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي، وهي المواقف التي تكون خاضعة للشعارات القيمية التي ترفعها هذه الدول، وبين القواعد التي تحكم تحركات هذه القوى وتفاعلاتها العملية، والتي يكون أساسها هو ضمان وتأمين مصالحها، ويردف: "ظاهرياً؛ أعربت العديد من القوى الدولية عن إدانتها لتحركات المكون العسكري في السودان، وفي المقابل تشير المقاربة التاريخية إلى أنّ هذه القوى تدين ظاهرياً الأحداث، بينما تقبل بالأمر الواقع وفقاً لتفاهمات تضمن مصالحها على المستوى العملي".

لمن الغلبة؟

وإلى ذلك، أعلنت واشنطن تعليق المساعدات الاقتصادية التي أقرها الكونغرس بقيمة 700 مليون دولار، وأوضحت الخارجية الأمريكية أنّ تلك المساعدات كانت تستهدف دعم الانتقال الديمقراطي في السودان، وقد تم إيقافها بعد انتزاع الجيش السوداني السلطة من الحكومة الانتقالية، مطلع الأسبوع.

ووفقاً للناطق الرسمي للخارجية الأمريكية، نيد برايس، فإنّ قرار "الإيقاف المؤقت" للمساعدات الأمريكية من "مخصصات المساعدة الطارئة لأموال الدعم الاقتصادي في السودان" قد اتخذ "بينما نقوم بتقييم الخطوة التالية بشأن برنامج السودان".

وتابع: "في ضوء تلك التطورات، تعلّق الولايات المتحدة تقديم مساعدات من مخصصات المساعدات الطارئة البالغة 700 مليون دولار والتي كانت مخصصة لدعم السودان اقتصادياً"، مضيفاً أنّه لم يتم تحويل أيّ من تلك الأموال، بالتالي، تم تعليق المبلغ كلّه.

بيد أنّ رئيسة وكالة المعونة الأمريكية، سامنتا باور، لفتت إلى أنّ المعونة الإنسانية التي تقدمها واشنطن للسودان لن تتوقف، وقالت في بيان رسمي: "المعونة الإنسانية المقدمة للشعب السوداني، والتي تجاوزت قيمتها خلال السنة المالية 2021 مبلغ 386 مليون دولار، سوف تستمر".

 

اقرأ أيضاً: هذه رسالة البرهان إلى السودانيين بعد فترة التوترات... تفاصيل

ويعقّب الباحث والمحلل السياسي السوداني، محمد تورشين، على ردود فعل الدول الغربية بأنّ البيانات والمواقف الصادرة عن المجتمع الدولي تبدو "طبيعية" و"تقليدية"؛ إذ إنّها تتحرى "الردّ الدبلوماسي" في مثل هذه المواقف والأحداث السياسي في أيّة منطقة بالعالم، لكن، في النهاية، ثمّة ترتيبات أخرى هي ما سوف تجري لاحقاً، وتفرضها شروط العملية السياسية، فضلاً عمّا يتصل بالمصالح الإقليمية التي تعدّ القوى الخارجية طرفاً مباشراً ورئيساً فيها.

 

اقرأ أيضاً: احتجاجات السودان: هل يحاول فلول الإخوان الانقلاب على حكومة حمدوك؟

ويلفت تورشين لـ "حفريات"؛ إلى أنّ مقولات "الإدانة" و"الشجب" التي غلبت على ردود فعل المجتمع الدولي تعكس "عمومية الخطاب الدبلوماسي الذي ينظر بحذر شديد وحساسية مفرطة تجاه التحركات المباغتة التي جرت، خاصة حينما يكون هناك مسار سياسي انتقالي"، وبالتالي، ستظل تعبيراتها تراوح بين "التحذير" والتأكيد على "دعم حقوق الشعب في الحرية والعدالة"، ويختتم: "في النهاية هناك مصالح إستراتيجية للغرب سوف تفرض واقعيتها على هذه الردود الدبلوماسية، كما أنّ الأزمة السودانية لا يمكن الرهان بمستقبلها على المجتمع الدولي، والغرب تحديداً، لطالما كان السودان ينحاز تاريخياً للشرق (الاتحاد السوفيتي سابقاً وروسيا حالياً)، إضافة إلى أهمية السودان الجيوسياسية لدول المنطقة، بالتالي، غالبية الأطراف سوف تتجه لتخفيض حالة التوتر والوصول لتسوية سياسية، وعليه؛ فالموقف الدولي سوف يستمر، مؤقتاً، دبلوماسياً ولن يتورط في الانخراط لدعم أيّ طرف بشكل علني".




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية