انتشار الفكر الجهادي يجعل طريق الإصلاح وعرة في إندونيسيا

انتشار الفكر الجهادي يجعل طريق الإصلاح وعرة في إندونيسيا


06/06/2018

هشام النجار

في جميع الزيارات التي قمت بها إلى إندونيسيا، أجد أن الرغبة تتزايد لدى المسؤولين والمواطنين، للحفاظ على نموذج الإسلام المرتبط بخصوصية المجتمع الإندونيسي. ومع تزايد شبح الإرهاب وتواتر التقديرات التي تضع هذا البلد والمحيط القريب منه في دائرة الاستهداف السياسي والأمني، من جانب دول وجماعات لها أهداف خفية، بدأت أجهزة الدولة تستعد لمواجهة الطوفان المقبل عليها، عبر المزيد من الخطط لسد الثغرات التي تسرب منها المتشددون، وباتوا يهددون الصيغة التي حافظت عليها إندونيسيا لفترة طويلة.

وأوضح أسعد سعيد، وكيل الرئيس السابق لهيئة المخابرات الإندونيسية ووكيل رئيس جمعية نهضة العلماء (2010- 2015) في حوار مع صحيفة "العرب" اللندنية أثناء زيارته إلى القاهرة، أن هذا التوجه يجد من يتبناه حاليا في صفوف الجيل الثاني من السلفية الجهادية الإندونيسية من المعتنقين لأفكار تنظيم داعش.

ورجح تأثر مرتكبي الهجوم على كنائس مدينة سورابايا في 13 و14 مايو الماضي، والذي راح ضحيته العشرات من المواطنين، بما عرف بإغارة “قنبلة عيد الميلاد” في العام 2001، بعد الدعوة إلى الثأر للمسلمين، وهؤلاء خضعوا لعمليات غسيل دماغ فأضحوا يمثلون خطرا على المجتمع المعروف بسماحته.

ويقول سعيد علي “لاحظت من خلال حواراتي مع نخب عديدة في إندونيسيا، الإصرار على ضرورة مراجعة موقف الكثير من الحركات الإسلامية التي استفادت من الإصلاح السياسي، لكونها تخدم نشاطات التنظيمات الأكثر عنفا مثل داعش، وتقوّض جماهيرية التيار الإسلامي السائد مثل الجمعية المحمدية وجمعية نهضة العلماء.

وعلاوة على إسهام هذه الحركات بشكل غير مباشر في التحريض على العنف ضد الدولة ومؤسساتها واستهداف المسيحيين، فهي تشهد صراعات ومنافسات حادة كالتي تدور بين جماعة الإخوان وحزب التحرير (المحظور) من جهة، وبين السلفيين والإخوان وجماعة التبليغ من جهة أخرى، الأمر الذي يمثل خطرا على مستقبل الديمقراطية.

وفي سياق الانفتاح العام، ظهرت القوى الأيديولوجية القديمة التي كادت تتلاشى ووجدت أن الفرصة سانحة لتحصيل النفوذ والاستفادة من المتغيرات. وتنامى نشاط حركات إسلامية جديدة ووافدة وانتشرت على نطاق واسع نتيجة دعمها واتصالها بشبكات دولية، وهو ما كانت تفتقر إليه الحركة الإسلامية الوطنية داخل إندونيسيا.

ولفت أسعد سعيد، وهو خبير في شؤون الحركات الإسلامية، إلى أن مركز تنظيم القاعدة في جنوب شرق آسيا انتقل إلى إندونيسيا بعدما أظهرت السلطات في ماليزيا مؤخرا، موقفا حازما في التعامل معه، ووجدت السلفية الجهادية في النزاع الطائفي بين مسلمين ومسيحيين في بعض الجزر الإندونيسية فرصة لتوطيد نفوذها.

حظرت السلطات في إندونيسيا أنشطة حزب التحرير عام 2017 بعدما تأكد لديها أن أيديولوجيته ذات تأثير في أوساط الجهاديين والمنتمين حديثا إلى تنظيم داعش ومعتنقي أهداف “إقامة الدولة الإسلامية الإندونيسية”، واعترف البعض من الشباب المنتمين إلى داعش بتأثرهم بتأصيل الحزب لهدف إقامة الخلافة عبر منشوراته التي كانت توزع أثناء المظاهرات والمؤتمرات.

وأعلن حزب التحرير عن نفسه رسميا بإندونيسيا في مارس من العام 2002 من خلال مؤتمر دولي تناول موضوع الخلافة الإسلامية بالقصر الرياضي “سينيان” بجاكرتا، شارك فيه رموز وقادة الحزب في إندونيسيا وماليزيا.

ويرى الحزب أن بلاد المسلمين اليوم كلها داخلة في تصنيف ديار الكفر، ويدعو إلى تطبيق أحكام الإسلام عبر خليفة أوحد يقود جميع الأمة المتواجدة على بقاع الأرض تحت ظلال الدولة الإسلامية العالمية.

وكان اهتمام النخب السياسية منصبا على كيفية إسقاط نظام سوهارتو، وهو ما انتشر في البلاد العربية أثناء ثوراتها الأخيرة، ولم تكن هناك رؤية لمستقبل الديمقراطية الوليدة، في ظل عدم تهيئة أرضية مشتركة كمبادئ مرجعية للجميع تحول دون استغلالها من قبل طرف ما في الاتجاه الخاطئ.

وصعدت حركات اجتماعية شتى، وسعت للاستفادة من الحريات السياسية، ما أدى إلى صراعات أفقية على مدى عقدين 1998 (بداية التحولات الديمقراطية)، وحتى 2018. وتسبب حدث التحرر والإصلاح السياسي المفاجئ في زعزعة الاستقرار الاجتماعي والأمني والسياسي.

وشدد سعيد على أن بعض القوى استغلت حرية الممارسة السياسية في تأسيس جمعيات وأحزاب خاصة بهم، ومنهم من لجأ للانضمام إلى تنظيمات وحركات اجتماعية متواجدة فعليا في الساحة.

وأكد، أنه لم تطرأ تغيرات على الأهداف النهائية لتلك القوى الأيديولوجية، فقادتها سعوا للوصول والانفراد بالسلطة وتطبيق تصوراتهم لنظام الحكم، من خلال القنوات الديمقراطية أو ممارسات غير مشروعة، أو عبر العمل ضمن منظمات غير ديمقراطية.

قسم سعيد الاتجاه الإسلامي في إندونيسيا إلى حركات سائدة مثل “جمعية نهضة العلماء” وأخرى نشأت خارج النمط الإندونيسي المعروف، وجذبت أعدادا كبيرة داخل الأوساط المسلمة، ما أثار دهشة المراقبين.

وأوضح أن الاتجاه الإسلامي السائد هو تيار جانح للتحديث عبر تطوير الآراء العقلانية والحرص على المشاركة الديمقراطية من خلال العمل الحزبي السلمي، فهو لا يتبنى خلط الدين بالسياسة ويرفض أطروحات تيار الإسلام السياسي. وأصحاب هذه النزعة “بارامادينا” يعتقدون أن الدولة جانب من الحياة الدنيوية بأبعادها العقلانية والجماعية، بينما الدين خاص بجانب الحياة الإيمانية بأبعادها الروحية والفردية.

والمثال الأكثر وضوحا هو “شبكة الإسلاميين الليبراليين” ورموزها ينحدرون من التقليديين المنتمين إلى جماعة “نهضة العلماء”، لكن آراءهم متمردة على التقليد وبها الكثير من التسامح، فهم يرون أن الدولة محايدة بشأن الدين.

وتتبنى المنظمات الاجتماعية الدينية الكبرى في إندونيسيا الاتجاه الإسلامي المحافظ، وهي تحديثية تميل للعقلانية، وتحرص على العمل داخل الأطر الوطنية. وأسهمت “نهضة العلماء” و”المحمدية” في النضال من أجل استقلال إندونيسيا وكان لرموزهما الدور في تأسيس الجمهورية الحديثة، ما ضاعف مسؤولية مثل هذه الكيانات وجعلها الأكثر بروزا في مسار ترسيخ أركان الدولة.

وضمن الحركات الإسلامية السائدة داخل إندونيسيا، فريق متأثر بأفكار الإسلاميين الثوريين “اليسار الإسلامي”، وبأطروحات علي شريعتي في إيران، وحسن حنفي في مصر، وأصغر إنجينير في الهند، وهو تيار يطالب بالعدالة الاجتماعية ويناهض المظالم الواقعة على المهمشين والفقراء. وصرح أسعد سعيد بأن ناشطي اليسار الإسلامي ينخرطون في العمل الحزبي ما عدا القليل منهم، ممن يلجؤون لنسج علاقات مع المنظمات الاشتراكية والجماعات اليسارية العلمانية. أما الاتجاه الأصولي السلفي فيتحرك بشكل شبه سري بالنظر لما يعتنقه من أفكار مناهضة للتحديث ورافضة للديمقراطية، وهو تيار منغلق على ذاته في مجمله، ويعتنق معارضة جامحة.

وقال أسعد سعيد إن الجماعات غير المعترف بها و”غير السائدة” تتنوع بين الجهادي الذي يعارض السلطة ويسعى لتحقيق أهدافه عن طريق العنف والمواجهة المسلحة، وجماعات غير مسلحة لكنها تمارس الرفض والتمرد بغرض عرقلة الاستقرار وتحقيق مكاسب سياسية..

وأسس فرع الإخوان في إندونيسيا مجموعة من الناشطين بجماعة “دار الإسلام” في العام 1986، وبدأت نشاطها الفعلي في العام 1990، عبر نشر مفاهيم التنظيم بين طلبة وأساتذة الجامعات، وتمكنت الجماعة خلال وقت قصير من السيطرة على الحركات الطلابية الرئيسية.

وأشار أسعد سعيد  إلى أن ممارسة جماعة الإخوان لنشاط عسكري في إندونيسيا، شمل تجنيد الكوادر وتدريبها في بعض الأماكن المنغلقة نسبيا مثل “جبل سالاك” و”جبل بانغرانغو” و”جبل بنتان” جنوب باندونج. وعلى غرار نموذج الجماعة الأم في مصر توزع نشاط الإخوان بين المجال الدعوي والتربوي والاجتماعي والشكل شبه العسكري السري.

عن "العرب" اللندنية


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية