انتخابات على وقع الانقسام الفلسطيني: ما الجدوى؟

انتخابات على وقع الانقسام الفلسطيني: ما الجدوى؟


06/04/2021

بعد مرور 15 عاماً على إجراء آخر عملية انتخابية شهدها الشعب الفلسطيني، أُسدِل الستار على فتح باب الترشح للانتخابات الفلسطينية المقبلة، ليختلف المشهد الانتخابي الذي لطالما كان محتدماً بين حركتَي فتح وحماس، إلى نزاع داخلي بين قيادات حركة فتح.

وكانت لجنة الانتخابات المركزية الفلسطينية قد أعلنت، في 31 آذار (مارس) الماضي، انتهاء فترة الترشح لانتخابات المجلس التشريعي، التي استمرت من صباح 20 آذار (مارس) وحتى مساء الـ 31 من الشهر نفسه، وأوضحت اللجنة، في بيان صحفي؛ أنّ المجوع الكلي لطلبات الترشح المستلمة بلغ 36 قائمة.

اقرأ أيضاً: إغلاق باب الترشح للانتخابات الفلسطينية على تأزم لـ"فتح"

ومن أبرز القوائم التي تقدمت لخوض الانتخابات؛ قائمة "القدس موعدنا" التابعة لحركة "حماس"، وقائمة "حركة فتح" لحركة "فتح"، و"الحرية" المدعومة من قبل القيادي المفصول من "فتح"، ناصر القدوة، والأسير مروان البرغوثي، وقائمة "المستقبل" للقيادي المفصول من "فتح" محمد دحلان، إضافة إلى "نبض الشعب" التابعة للجبهة الشعبية، في حين اختارت الجبهة الديمقراطية اسم "التغيير الديمقراطي"، وقائمة "اليسار الموحد" التي تضم حزب الشعب ، بينما رفضت حركة الجهاد الإسلامي المشاركة بالانتخابات المقبلة.

نزاع داخلي بين قيادات حركة فتح

وقال منسق أعمال حكومة الاحتلال في الأراضي المحتلة، كميل أبو ركن: إنّ إجراء الانتخابات الفلسطينية ينطوي على مجازفة كبيرة وذلك بالنظر إلى فرص فوز حركة حماس فيها.

وأكد أبو ركن، في حديث لقناة "كان 11" العبرية¿، في  الأول من نيسان (أبريل) الجاري، أنّ التنسيق الأمني سيتوقف حال فوز حركة حماس في الانتخابات، وأنّه يوصي بمنع إجرائها بالقدس.

الانتخابات على ثلاث مراحل

وكان الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، قد أصدر مساء 15 كانون الثاني (يناير) 2021، مرسوماً بإجراء الانتخابات الفلسطينية العامة على ثلاث مراحل، وبموجب المرسوم ستجرى انتخابات المجلس التشريعي للسلطة الفلسطينية في 22 أيار (مايو) 2021، والانتخابات الرئاسية للسلطة في 31 تموز (يوليو) 2021، على أن تعدّ نتائج انتخابات المجلس التشريعي المرحلة الأولى لتشكيل المجلس الوطني الفلسطيني

ورحبت حركة حماس بالمرسوم، داعية إلى انتخابات حرة شفافة، وإلى إعادة بناء النظام السياسي الفلسطيني، والاتفاق على إستراتيجية وطنية شاملة لمواجهة الاحتلال الصهيوني، وعلى ضرورة المضي بالعملية الانتخابية إلى نهايتها.

كان الأولى قبل إجراء الانتخابات الفلسطينية أن تلتئم جميع الفصائل لتشكيل حكومة وطنية، لإنهاء حالة الانقسام السائدة منذ عدة سنوات

ومنذ 18 عاماً، عندما تأسست منظمة السلطة الفلسطينية، عام 1993، لم تقم الانتخابات الرئاسية سوى مرتين؛ عامَي 1996 و2005.

وكان عضو اللجنة المركزية لحركة فتح، حسين الشيخ، قد صرّح بأنّ "حركة فتح، بقدّها وقديدها، ستخوض الانتخابات الديمقراطية القادمة واحدة موحدة".

وأضاف، عبر صفحته على الفيسبوك، في 5 آذار (مارس) الماضي، أنّ ذلك "تعزيزاً  للديمقراطية، وصيانة مشروع التحرر الوطني، وحماية الوحدة الوطنية الفلسطينية."

وأبكّد محللون على ضرورة إنهاء الانقسام الفلسطيني وإتمام المصالحة قبل إتمام الاستحقاق الفلسطيني بإجراء الانتخابات المقبلة، ليكسب كافة الأطراف ثقة الشعب قبل الاحتكام لصناديق الاقتراع.

إتمام المصالحة الفلسطينية

بدوره، يقول الكاتب والمحلل السياسي، طلال أبو ركبة، خلال حديثه لـ "حفريات": "كان يجب على حركتَي فتح وحماس ترتيب البيت الفلسطيني، وإتمام المصالحة الفلسطينية، وإنهاء الانقسام الفلسطيني قبل إجراء الانتخابات الفلسطينية، والذي ما يزال يشكّل حجر عثرة في المياه الراكدة، حتى لا تكون الانتخابات المقبلة بداية لأزمة سياسية جديدة"، مبيناً أنّ "الانتخابات من شأنها أن تسهم في إعادة توزيع القوى في الميزان السياسي الفلسطيني لإصلاحه، وإزالة حالة التشرذم، عبر الاحتكام إلى صناديق الاقتراع، والذي يعبّر عن رأي الشعب الفلسطيني في اختيار من يمثّله سياسياً".

طلال أبو ركبة

وأكّد أنّ "تعدّد القوائم الانتخابية، والتي وصل عددها ل 36 قائمة، من شأنه إعادة بناء المشهد الفلسطيني، وإنهاء حالة الاستقطاب السائدة بين حركتي فتح وحماس منذ 15 عاماً، وهي ظاهرة صحية وشكل من أشكال التعددية التي تنتهجها الأنظمة الديمقراطية، إلا أنّ الخشية أن تكون هذه التعددية سبباً في تشتيت أصوات الناخبين، وهو ما قد تستفيد منه القوى الكبيرة في الحصول على أكبر عدد ممكن من الاصوات، وبالتالي حرمان بعض القوائم من الوصول إلى نسبة الحسم المقررة، 1.5%، وهو ما يعني عدم وجود قوى ممانعة داخل النظام السياسي الفلسطيني".

ترتيب البيت الفتحاوي

وتابع أبو ركبة: "المجتمع الفلسطيني متعطش لإجراء الانتخابات الفلسطينية على قاعدة الاحتكام لصناديق الاقتراع، واحترام دورية الانتخابات الديمقراطية بحسب النظام الأساسي الفلسطيني، وليس كما يجري حالياً بإجرائها كلّ عقد أو عقدين مرة واحدة، وذلك لاحترام النهج الديمقراطي، وإتاحة الفرصة أمام الفصائل الفلسطينية الصغيرة، وإن كان لها وزن جزئي في النظام السياسي الفلسطيني ، للمشاركة فيها، بما يضمن مشاركة الجميع بهذه العملية الديمقراطية دون استثناء أو إقصاء لأيّ فصيل سياسي".

المحلل السياسي نهاد أبو غوش لـ"حفريات": يجب تفويت الفرصة على الاحتلال الإسرائيلي، الذي يهدّد بإلغاء الانتخابات، للإبقاء على حالة الانقسام السائدة

وبسؤال أبو ركبة عن أسباب تراجع الرئيس الفلسطيني، عباس، عن قراره بمنع ترشح أعضاء المجلسَين الثوري والمركزي لخوض الانتخابات المقبلة لفتح المجال أمام القيادات الشابة، بيّن أنّ "الأمر قد يعود لحسابات خاصة لدى الرئيس عباس وقيادة حركة فتح، لإعادة ترتيب البيت الفتحاوي بعد خروج القيادييَّن السابقَين، ناصر القدوة ومروان البرغوثي، من الحركة".

واستبعد الكاتب والمحلل السياسي الفلسطيني أن يشكل خوض الأسير مروان البرغوثي والقيادي بحركة، فتح ناصر القدوة، ضغطاً على الرئيس عباس وتحدياً لقائمة فتح الرسمية، لنشوب مزيد من الخلافات"، موضحاً: "وجود إمكانية لأن تشكّل هذه الخطوة عاملاً مساعداً لعدم تشتيت الأصوات الفتحاوية، عبر تشكيل كتلة وطنية مع حركة فتح قد تلجأ إليها قائمة البرغوثي والقدوة، لإرضاء القاعدة الأساسية لقيادة حركة فتح، والتأكيد، لهما وللرأي العام الفلسطيني، أنّ الحركة لا تشهد أيّة انقسامات داخلية فيما بينها".

لا تغيّرات جذرية

ويتفق أستاذ العلوم السياسية في جامعة الخليل، د. عماد البشتاوي، مع حديث أبو ركبة، ويقول في حديثه لـ "حفريات": "كان الأولى قبل إجراء الانتخابات الفلسطينية أن تلتئم جميع الفصائل لتشكيل حكومة وطنية، لإنهاء حالة الانقسام السائدة منذ عدة سنوات، ومن ثم يتم الاتفاق على إجراء الانتخابات؛ كي يتسنى إقناع الشعب الفلسطيني بجدّية جميع الأطراف للخروج من حالة الخلاف إلى حالة الوفاق".

عماد البشتاوي

وتابع: "الانتخابات قد تكون لها انعكاسات واضحة على الأوضاع الفلسطينية؛ بحيث لا يشعر الفلسطينيون بأية تغيرات جذرية في حال فوز حركة حماس، بل بمزيد من الحصار الاقتصادي، كما حدث سابقاً خلال الانتخابات عام 2006، في حين لن يتغير السيناريو كثيراً في حال فوز حركة فتح بالانتخابات، وستبقى الأوضاع كما كانت عليه سابقاً، مع إمكانية تحريك ملف المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية مجدداً، لرغبة الرئيس الأمريكي، بايدن، في تهدئة الساحة والصراع الفلسطيني الإسرائيلي في الوقت الراهن".

وبسؤال البشتاوي عن إمكانية أن تشهد الانتخابات المقبلة تحالفاً بين حركة حماس وقائمة القيادي محمد دحلان؛ لفت إلى أنّه "من المستبعد تشكيل قائمة مشتركة بين حماس والقيادي دحلان، لرغبة حماس في أن تبقى حركة فتح غير موحّدة ومجزئة، بالتالي، إضعاف حركة فتح الرسمية، بقيادة الرئيس محمود عباس".

وأكد الأكاديمي الفلسطيني؛ أنّ "رفض الاحتلال الإسرائيلي إجراء الانتخابات بالقدس سيشهد رفضاً أمريكياً ودولياً، وسيدفع الرئيس الأمريكي، بايدن، للضغط على الاحتلال لإجرائها برغبة أمريكية وأوروبية مشتركة، لضمان نجاحها دون أيّة معيقات".

برنامج سياسيّ موحّد

بدوره، قال مدير مركز مسار للدراسات، نهاد أبو غوش: إنّ "الانتخابات الفلسطينية تشكّل مدخلاً لترتيب البيت الداخلي الفلسطيني، والتوافق على برنامج وطني لمواجهة الاحتلال الإسرائيلي؛ كي تقود الانتخابات لبناء شراكة وطنية مع مختلف القوى السياسية، لإعادة تفعيل النظام السياسي الفلسطيني، دون أن يغفل المشاركون عن أنّ الارض الفلسطينية تخضع للاحتلال، وهو العدوّ الأول والأخير للشعب الفلسطيني".

نهاد أبو غوش

ويضيف أبو غوش، لـ "حفريات": "حالة الشرذمة والانقسامات التي تشهدها حركة فتح قد تكون ظاهرة عرضية داخل الحركة، دون أن يؤثر ذلك في حظوظها في خوض الانتخابات وكسب أصوات مرشحيها، طالما أنّ جميع قوائمها ومرشحيها متوافقون على برنامج سياسي موحد ينسجم مع الثوابت الفلسطينية"، موضحاً أنّ "عدم إجراء الانتخابات لفترة طويلة، ساهم في خلق حالة من النفور والتذمر لدى بعض القيادات الفتحاوية".

وأكد أنّ "المصلحة الوطنية تحتّم على الجميع اجراء الانتخابات الفلسطينية، والتي لن يصبّ تأجيلها في مصلحة الشعب الفلسطيني، ما يفرض على جميع الفصائل المشاركة والاحتكام لصناديق الاقتراع، وألا تكون المشاكل الداخلية لبعض الفصائل سبباً في تعطيلها، أو تأجيلها، الأمر الذي قد يتيح لبعض القوى السياسية، التي قد تفشل في الانتخابات، إعادة ترميم علاقتها بالشعب، واستعادة ثقتها به من جديد".

وأوضح أبو غوش: "يجب تفويت الفرصة على الاحتلال الإسرائيلي، الذي يهدّد بإلغاء الانتخابات، للإبقاء على حالة الانقسام السائدة، وذلك عبر توحيد كافة الجهود لإتمام الانتخابات الفلسطينية في موعدها، وتذليل العقبات أمام إجرائها".

الصفحة الرئيسية