
شهدت بنغلاديش لحظة تاريخية استثنائية عندما تمكنت الحركة الطلابية من الإطاحة بحكم رئيسة الوزراء الشيخة حسينة واجد، الذي دام (15) عاماً.
ويعود نجاح الحركة الطلابية في بنغلاديش إلى جملة من الأسباب الموضوعية، ربما كان استبداد المرأة الحديدية أبرزها، أضف إلى ذلك العمق الاجتماعي لحركة "طلاب ضد التمييز"، التي قادت الاحتجاجات على إعادة العمل بنظام الحصص في الوظائف العامة، بموجب حكم صادر عن المحكمة العليا.
كان الظلم الاجتماعي الذي يحمله هذا النظام، الذي يخصص (30%) من الوظائف الحكومية لأحفاد المقاتلين من أجل الحرية، الذين قاتلوا ضدّ باكستان في حرب الاستقلال منذ أكثر من نصف قرن، دافعاً لانخراط طوائف الشعب المختلفة في الثورة على النظام. الأمر الذي أشعل احتجاجات واسعة، بالتزامن مع التفاف الطلاب حول الدعوة لإلغاء حصة أحفاد المحاربين القدماء، والإصرار على الاحتفاظ بحصص الفقراء والمعاقين والأقليات.
الجناح الطلابي للإخوان يحصد المكاسب
مع تصاعد الاحتجاجات، ظهر الجناح الطلابي للجماعة الإسلامية (تشاترا شيبير) بقوة ضمن الفئات المحتجة، ليدفع تجاه مواجهات دموية مع الجناح الطلابي لرابطة عوامي التابع للشيخة حسينة، كما قام الجناح الطلابي المسلح للإخوان بمهاجمة كتيبة العمل السريع (RAB)، وعناصر حرس الحدود (BGB)، وقوات الشرطة الوطنية. وذلك على الرغم من قيام المحكمة العليا بإلغاء قرار نظام الحصص، على أمل تهدئة الغضب العام.
في تلك اللحظة أيقن الإخوان أنّ عودة الطلاب إلى مقاعد الدراسة يعني أنّ الجماعة وحدها سوف تدفع الثمن، وهنا صعّد الجناح الطلابي الإخواني من العنف بمهاجمة الهندوس، وأقسام الشرطة، في وقت أدى فيه تعليق القرار إلى تهدئة الاحتجاجات مؤقتاً.
فشل النظام البنغالي في امتصاص الصدمة، وفوتت الشيخة حسينة فرصة المصالحة الوطنية، بعد أن فشل نظامها الاستبدادي في إدراك أنّ الاحتجاجات الطلابية كانت مجرد غطاء، نجح من ورائه الإخوان في تفعيل جناحهم الطلابي المسلح، وأثرت هذه التحركات المستمرة للعنف والانتقام الطائفي على مسار الأحداث، الأمر الذي دفع الجيش في نهاية المطاف إلى التدخل، وإبعاد الشيخة حسينة عن البلاد، بعد أن رفض قائده واكر الرحمن إطلاق النار على المتظاهرين خلال حظر التجوال الذي استمر لمدة (66) يوماً، ومنع رئيسة الوزراء من فرصة إلقاء كلمة أخيرة أمام الشعب.
تحرك إخوان باكستان
منذ اليوم الأول لأحداث الثورة الطلابية في بنغلاديش أعلنت الجماعة الإسلامية في باكستان (ذراع الإخوان) دعم الطلاب، وأخذت في الترويج للنموذج البنغالي الذي نجح في نهاية المطاف في إسقاط النظام، وقد باتت الجماعة الإسلامية في بنغلاديش أقرب إلى الحكم من أيّ وقت مضى.
وعلى الفور، بدأ الفرع الباكستاني للجماعة الإسلامية، في تقوية ذراعه الطلابية، عبر التوسع من خلال مؤسسة الخدمة في توفير التدريب المجاني في مجال تكنولوجيا المعلومات لمليون شاب وشابة في أنحاء البلاد، ضمن خطة برنامج (بنو قابل) التكنولوجي، مع إطلاق الوعود بتوفير فرص عمل للجميع. كما أعلنت الجماعة في 22 شباط (فبراير) الفائت عن توسيع نطاق البرنامج ليشمل ربات البيوت. وبالفعل سجل نحو (80) ألف شاب أسماءهم في لاهور، في اليوم الأول، لتعلن الجماعة بعد ذلك عن توسيع البرنامج ليشمل شيخوبورا ومدناً أخرى.
أمير الجماعة الإسلامية حافظ نعيم الرحمن خرج بتصريحات نارية، قال فيها: إنّه "إذا تم استخدام رأس المال البشري بطريقة إيجابية، فلن يوجد سبب يمنع تقدم الاقتصاد، لكنّ الموارد تسيطر عليها نخبة من 2%، والشباب لا يحصلون على فرص للتقدم، كما أنّ تجارة المخدرات شائعة في المؤسسات التعليمية، ونظام التعليم قائم على الطبقية والاستغلال". داعياً الشباب إلى الانخراط ضمن صفوف الجماعة الإسلامية بداعي أنّ المستقبل في باكستان لا يمكن أن يكون إلّا إسلامياً.
وعلى صعيد التحرك على الأرض، قررت الجماعة الإسلامية تكثيف التحرك الطلابي في مناطق الهامش والأطراف، وبحسب مصادر خاصّة، بدأت الجماعة في تجنيد الطلاب في جيلجيت بلتستان باستغلال احتياجاتهم، حيث نشط كادر طلابي إخواني، يدعى شفيق الرحمن، بين طلاب جيلجيت بلتستان، ومن خلال اللقاءات التنظيمية، والاستجابة للاحتياجات الملحة، نجح في تكوين خلية طلابية إخوانية، قادرة على العمل والتمدد في المنطقة التي تعاني من التهميش والإهمال.
وفي 17 شباط (فبراير) الفائت التقى أمير الجماعة الإسلامية في باكستان بالجناح الطلابي بــ"جيلجيت بلتستان"، في مقر الجماعة بالمنصورة، بقيادة المشرف على التنظيم، شفيق الرحمن، وجرت مناقشة مفصلة بين الأمير والطلاب حول القضايا التعليمية والاجتماعية. وأيد حافظ نعيم الرحمن مطالب الطلاب، وقال إنّ الحكومة يجب أن تقبل مطالب الحركة الطلابية، وإنّه ينبغي توفير منح دراسية خاصة لطلاب جيلجيت بلتستان، وإنشاء جامعة للنساء في المنطقة حتى تتمكن الطالبات من الحصول على فرص التعليم العالي.
وفي تحريض على الحكومة، قال أمير الجماعة الإسلامية: إنّ الحكام فشلوا تماماً في توفير المرافق الصحية والتعليمية للشباب. مضيفاً: "النخبة ترسل أبناءها للدراسة في الخارج، بينما يكافح الفقراء من أجل الحصول على الطعام. والتعليم قائم على أساس طبقي، واستغلالي، ومكلف، كما أنّه بعيد عن متناول الفقراء". وتابع: "ينبغي ضمان توفير التعليم الجيد في المناطق النائية مثل جيلجيت بلتستان، وينبغي إنشاء الكليات الطبية والفنية على الفور، وتدريب الطلاب على مهارات تكنولوجيا المعلومات الحديثة، وتوفير مرافق الإنترنت عالية السرعة".
وأكد حافظ نعيم الرحمن أنّ مطالب الوفد الطلابي مشروعة تماماً، وأكد لهم أنّ الجماعة الإسلامية سترفع صوتها من أجل تنفيذ مطالبهم في كل منتدى ممكن. كما أكد أنّ التعليم الجيد وتحسين البنية الأساسية وتوفير فرص العمل؛ هي حقوق أساسية لكل شاب، وأنّ الجماعة الإسلامية ستبذل قصارى جهدها لتحقيق ذلك، وإلّا فإنّ الثورة هي الحل الأخير أمام الطلاب لمواجهة الظلم.
وفي أعقاب اللقاء الطلابي، وفي ظل التراخي الحكومي، أعلنت الجماعة الإسلامية أنّها تعد الطلاب بتحقيق انتصار تاريخي، من خلال تنظيم القوة الجماعية لهم، والانطلاق بهم نحو المستقبل، عبر إسقاط النظام القائم. وبالفعل أطلقت الجماعة الإسلامية حركة المقاومة الثورية الطلابية بالتظاهر والتمرد والاعتصام في أعقاب شهر رمضان.
وعليه، يبدو النموذج البنغالي، رغم خصوصيته، ملهماً للجماعة الإسلامية في باكستان، ودافعاً لها للتحرك، من أجل ابتزاز الحكومة والمؤسسة العسكرية، ومن ثم الدخول في مساومة سياسية، ربما ينتهي الفشل في إدارتها بثورة طلابية على غرار ما حدث في بنغلاديش.