النزاع في السودان والسيناريوهات المتوقعة

النزاع في السودان والسيناريوهات المتوقعة

النزاع في السودان والسيناريوهات المتوقعة


25/04/2023

في وقت تتجه فيه أنظار العالم لانطلاق معارك الربيع بين الجيشين؛ الروسي والأوكراني، انطلقت حرب الربيع في السودان، بنسخة سودانية جديدة بين الجيش بقيادة عبد الفتاح البرهان وقوات عسكرية موازية تُعرف بقوات الدعم السريع يقودها محمد حمدان دقلو،  المعروف بـ "حميدتي"، وهي حرب كانت كل المؤشرات تؤكد وقوعها، رغم تحالفهما بعد الإطاحة بالبشير، واختطاف "الربيع العربي" بنسخته السودانية، وإنتاج خريطة سياسية جديدة في السودان، عنوانها "تحالف العسكر"، يماطل في تسليم السلطة إلى مدنيين، وإنتاج صيغة جديدة وهي دولة برأسين وجيشين.

 ربما يبدو  للوهلة الأولى أنّ الربط  بين ما يجري في السودان والحرب الدائرة في أوكرانيا، هو ربط غير موضوعي، إلا أنّ التطورات التي يشهدها السودان منذ الإطاحة بالبشير، بما فيها شبكة العلاقات الدولية والإقليمية لنظامه، والتطورات التي شهدتها دول أفريقية، بما في ذلك المحيط الإقليمي للسودان، تحت عناوين تنافس جديد بين القوى الدولية "أمريكا، الصين، روسيا، دول الاتحاد الأوروبي" تؤكد ذلك.

 التنافس بين هذه القوى يأخذ أشكالاً عسكرية تحت عناوين إقامة قواعد عسكرية للجيوش الأوروبية، وأخرى عبر مشاريع اقتصادية ضخمة تنفذها الصين، وشكلت (فاغنر) العنوان الأبرز للتدخل الروسي، والذي تمّت ترجمته عبر اتفاقيات من أنظمة سياسية وحكومات وجماعات توصف بأنّها متمردة، في سيراليون وليبيا، وغيرها من الدول الأفريقية، ولم يكن السودان بعيداً عنها، علماً بأنّ تدخل (فاغنر) يركز على استثمارات في مناجم الذهب ومعادن أخرى، مقابل تزويد الجهات المتعاونة معها بالسلاح، وتأمين الحماية والتدخل لصالحها مع خصومها.

العلاقة بين (فاغنر) والسودان بصيغته الجديدة، "الجيش بقيادة البرهان، وقوات الدعم السريع بقيادة حميدتي"، هي امتداد وجزء من تركة نظام عمر البشير الذي وثق علاقاته مع روسيا و(فاغنر)، وهناك الكثير من التسريبات، من مصادر غربية وسودانية، تؤكد أنّ البرهان وحميدتي يرتبطان بعلاقات مع (فاغنر)، وفي ظل صراعات تفجرت مؤخراً على مكاسب وامتيازات اقتصادية جرّاء التعاون مع (فاغنر)، وخاصة مناجم التنقيب عن الذهب، وهو ما شكّل سبباً لاندلاع الحرب بين الجنرالين، لا سيّما مع بروز مؤشرات عديدة حول ميول لـ (فاغنر) باتجاه التحالف مع حميدتي، على حساب البرهان.

العلاقة بين (فاغنر) وحميدتي انكشفت عبر تسريبات الجيش السوداني مع انطلاق المعارك مع حميدتي، لعل من أبرز محطاتها توجيه اتهامات مباشرة لجيش حفتر في شرق ليبيا بتزويد حميدتي بالأسلحة، ورغم نفي حفتر إلا أنّ علاقاته الوثيقة مع (فاغنر) تجعل مصداقية الاتهام واردة، كما أنّ هناك شكوكاً بمنح الجيش الروسي إقامة قاعدة عسكرية في بورتسودان، كانت تترجم اتفاق حميدتي وتوثيق علاقاته مع القيادة الروسية، بمعزل عن الجيش السوداني، غير أنّ ما جرى خلال الأسبوع الأول من الحرب أعطى مؤشرات على علاقة حميدتي مع روسيا، وعنوانها الميداني (فاغنر)، فلم يكن ضرب مركبة دبلوماسية أمريكية في الخرطوم، والاعتداء على سفير الاتحاد الأوروبي في الخرطوم، والمنظمات الدولية، بعيداً عن رسائل روسية بأنّها موجودة في الخرطوم.

عمليات إجلاء الرعايا والبعثات الدبلوماسية الواسعة التي نفذتها أمريكا ودول الاتحاد الأوروبي وغيرها من الدول ترتبط بعدة سياقات، لعل أبرزها تقديرات تلك الدول أنّ أفق وقف الحرب والتوصل إلى اتفاق سلام بين الجنرالين تبدو بعيدة، غير أنّ الأهم في عمليات الإجلاء أنّها ترسل رسالة بمخاوف أمريكية وأوروبية لاحتمالات تعرّض رعاياها ودبلوماسييها لعمليات تصفية على يد قوات حميدتي، وهو ما يفسّر تسهيل الجيش السوداني لعمليات الإجلاء، الذي لا يريد أن يظهر بموقف ضعيف بعدم قدرته على حماية البعثات الدبلوماسية، في ظل التكتيكات التي يستخدمها حميدتي بضرب هيبة الدولة وإثبات فشل الجيش في توفير الأمن للمواطنين والمقيمين.

ورغم تعدد سيناريوهات مآلات الحرب في السودان، والتي تتراوح ما بين تفكيك السودان إلى دويلات، وانطلاق حرب أهلية توفرها الصراعات التاريخية في السودان، وضعف القوى السياسية "المدنية" التي تتراوح مواقفها ما بين تأييد البرهان أو حميدتي، أو الهمس بالمقولة الدينية: "اللّهم اضرب الظالمين بالظالمين"، أو التوصل إلى اتفاق سلام بشروط جديدة بضغوط دولية وإقليمية، وهو سيناريو مستبعد في المدى المنظور، فإنّ السيناريو المرجح هو استمرار الحرب بين الجنرالين، وربما كان اختراق الهدن المتكررة التي تم الاتفاق عليها ما يؤكد اتساع الفجوة بين الرجلين.

استمرار الحرب أو توقفها سيبقى مرهوناً بالصراع الروسي الصيني ـ الأمريكي، وتنافس الأطراف الدولية على تثبيت مواقعها ومكاسبها في السودان، ولا أعتقد أنّ تلك القوى الدولية معنية بحقوق الإنسان، وتحول السودان إلى دولة فاشلة على غرار الصومال وليبيا، وربما لا تمانع بتقسيم السودان وسلخ دارفور بدولة جديدة وشرق السودان بدولة، في إطار تقاسم النفوذ، وربما تساعد عمليات الإجلاء التي تمّت بمزيد من اتضاح مواقف الأطراف الدولية وانحيازاتها بتزويد طرفي الصراع بالأسلحة والدعم السياسي، وهو ما يدركه الطرفان بمخاطبة المجتمع الدولي وتنازعهما مزاعم التنسيق مع الدول التي رحلت رعاياها وخاصة الولايات المتحدة، ومن المرجح ظهور انحيازات أمريكية وأوروبية إلى جانب البرهان، مقابل انحيازات روسية إلى جانب حميدتي، وهو ما يعني أننّا أمام سودان جديد، على غرار ليبيا وسوريا.

ورغم كل ذلك، فإنّ مواقف الدول العربية الفاعلة في الملف السوداني "مصر، السعودية، الإمارات" ستبقى حاسمة في تحديد مستقبل هذه الحرب، لا سيّما بالنسبة إلى مصر التي يشكل السودان عمقاً استراتيجياً لها، في ظل علاقة تاريخية بينهما، وربما تشكّل عملية أسر جنود مصريين من قبل حميدتي في الأيام الأولى لانطلاق الحرب، ورغم الإفراج عنهم لاحقاً، محدداً للموقف المصري والدولة المصرية العميقة بانحيازات أكثر وضوحاً إلى جانب الجيش السوداني.


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية