الموت والاحتلال الإسرائيلي يفرّقان سامي وغادة

الموت والاحتلال الإسرائيلي يفرّقان سامي وغادة


28/11/2021

"معك على الموت"، رغم مرارة انتظار 14 عاماً،  ردّت غادة أبو جامع على خطيبها الأسير الفلسطيني، سامي العمور، عندما سألها خلال حوار هاتفي جمع بينهما من خلف القضبان على بعد عشرات الكيلو مترات، عن قرارها للبقاء معه، نظراً لتدهور وضعه الصحي، وقضائه حكماً بالسجن لمدة 19 عاماً.

اقرأ أيضاً: إسرائيل تحصّن سجونها.. ومحللون لـ "حفريات": الأسرى سينالون الحري

البقاء في مواجهة الموت، لم يصمد سوى 3 أيام فقط، بعد حوار الانتظار المرير الهاتفي، ليكون الفراق هو سيد الموقف، فبينما كانت غادة تتصفح مواقع التواصل الاجتماعي، تفاجأت بصورة خطيبها سامي منشورة على العديد من المنصات الإلكترونية لتظن للوهلة الأولى أنّ تلك الصورة مرفقة لخبر يطمئنها عنه، وأنّه بصحة جيدة، لكن بعد أن حدّقت عيناها بكلّ اتساع، قرأت الخبر الذي كان أقوى من البقاء "استشهاد الأسير الفلسطيني سامي العمور نتيجة الإهمال الطبي داخل السجون الإسرائيلية".

غادة أبو جامع خطيبة الأسير الفلسطيني سامي العمور

غادة انتظرت خطيبها سامي أربعة عشر عاماً، منذ ارتباطها به، عام 2008، بعد عام واحد من اعتقاله، وقررت أن تنتظره إلى حين الإفراج عنه، لتحقيق أحلامهما سوياً، وتأسيس عشّ الزوجية، وتسمية طفلتهما الأولى فلسطين، وتفاصيل أخرى.

وانتظرت غادة طوال هذه الأعوام المديدة بفارغ الصبر، راسمة في مخيلتها صوراً ليوم زفافهما، ولكنّ هذه الأحلام سرعان ما تبخرت مع استشهاد الأسير الشهيد سامي العمور، وأصبحت جزءاً من ذكريات الماضي.

غادة  خطيبة سامي لـ"حفريات": برحيله انكسر قلبي مجدداً، وأصبحت يتيمة للمرة الثانية، بعد فقداني والدي الذي استشهد 2018، أثناء مزاولة عمله بالقرب من الشريط الحدودي الشرقي للقطاع

اعتُقل سامي برفقة شقيقه حمادة، خلال عملية اجتياح للمنطقة الشرقية من مدينة دير البلح وسط قطاع غزة، ومحاصرة منزلهما، في نيسان (أبريل) عام 2008، ووجهت لهما تهم تقديم المساعدة لفصائل المقاومة، ليتحرّر حمادة من السجن بعد 12 عاماً، تاركاً خلفه شقيقه سامي خلف القضبان.

أحلام معلقة

تقول غادة أبو جامع وعيناها تذرف دمعاً، في حديثها لـ "حفريات": "لم أكن أتوقع يوماً ما أن أستقبل خبر وفاة سامي قبل أن أستقبله محرراً من سجون الاحتلال الإسرائيلي، فكنت أعدّ الساعات بانتظار تلك اللحظة، ونحقق الأحلام التي رسمناها سوياً طوال السنوات الماضية، لكنّه رحل وبقيت أحلامنا معلقة".

وتضيف: "لم أتمكّن من زيارة سامي على الإطلاق، بسبب عدم إصدار تصريح للزيارة، لكنّه كان يتصل بي على الهاتف المحمول بالخفاء، بعيداً عن أنظار السجانين، وكنت أتمنى زيارته ولو لمرة واحدة، خلال سنوات الأسر، وحاولت عدة مرات، إلا أنّ جميعها باءت بالفشل".

اقرأ أيضاً: محللون يكشفون لـ "حفريات" سياسة الابتزاز الإسرائيلية ضد الأسرى

وتواصل الفتاة المكلومة حديثها: "قبل اعتقال سامي بفترة وجيزة كان يريد خطبتي، لكنّه اعتقل بسبب انضمامه لفصائل المقاومة، وبعد عام من اعتقاله تقدم شاب آخر لخطبتي، وعندما خيرني والدي من اختار من بين الاثنين، أخبرته أنني أريد أن أكمل حياتي مع سامي، وبعد عدة أيام تمت مراسم الخطبة، على أن يكون الزواج بعد الإفراج عنه".

انتظرت غادة طوال هذه الأعوام المديدة بفارغ الصبر

وتبيّن أنّها فضّلت الارتباط بسامي وانتظاره 19 عاماً، على الارتباط بالشاب الذي تقدم لخطبتها، لتسانده خلال فترة الأسر، والوقوف بجانبه "حتى لا يشعر بالحسرة والألم، لعدم إتمام الخطبة".

تضحية

عدّت غادة انتظارها لخطيبها الذي يقبع خلف القضبان 19 عشر عاماً، بمثابة تضحية لأجله، كما ضحى بحريته من أجل الدفاع عن أرض الوطن.

وتخبر غادة "حفريات" بأنّه برحيل سامي عن حياتها انكسر قلبها مجدداً، وأصبحت يتيمة للمرة الثانية، بعد فقدانها والدها الذي استشهد عام 2018، أثناء مزاولة عمله داخل أرضه الزراعية بالقرب من الشريط الحدودي الشرقي لقطاع غزة مع الاحتلال.

وتوضح غادة؛ أنّ حالة سامي الصحية تدهورت في الآونة الأخيرة، وكان الاحتلال الإسرائيلي يماطل في تقديم العلاج اللازم له، وخلال المكالمة الأخيرة التي جمعت بينهما شعرت أنه في خطر، وأنّ وضعه الصحّي غير مستقرّ نتيجة الإهمال الطبي المتعمد الذي يتعرض له.

والدة الأسير الشهيد سامي العمور بينما تحتضن صورته: كنت على أمل أن يتم إدراج اسم سامي في أيّة صفقة تبادل أسرى جديدة، تنجزها فصائل المقاومة مع الاحتلال

ورغم استشهاد الأسير سامي، إلا أنّ عائلته حرمت من استلام جثمانه الطاهر ومواراته الثرى، لتبقى أوجاع الحرمان قائمة أربعة أعوام أخرى، فما تبقى من مدة حكم الشهيد العمور خلف القضبان، يفرضه الاحتلال على جثمانه المأسور. 

وطالبت أبو جامع السلطة الفلسطينية، وفصائل العمل الوطني، وجمعيات حقوق الإنسان، والمؤسسات الدولية، بالتدخل للضغط على الاحتلال الإسرائيلي للإفراج عن جثمان سامي، لتلقي نظرة الوداع عليه وتواري جثمانه الطاهر الثرى في مسقط رأسه.

أما سعاد العمور، والدة الأسير سامي، فلم تصدق حتى تلك اللحظة أنّ ابنها فارق الحياة، ولم تتمكن من رؤيته بعد اليوم، حتى وهو بين يدي ربه، حيث كانت تنتظر الإفراج عنه لتزفه عريساً.

قتلوه عمداً

وتقول والدة الأسير الشهيد بينما تحتضن صورته: "كنت على أمل أن يتم إدراج اسم سامي في أيّة صفقة تبادل أسرى جديدة، تنجزها فصائل المقاومة مع الاحتلال الإسرائيلي، ونراه عما قريب، لكنّ الاحتلال تعمد قتله من خلال سياسة الإهمال الطبي التي يتبعها متعمداً مع جميع الأسرى المرضى في غياهب سجون إسرائيل".

سعاد العمور، والدة الأسير سامي العمور

وتضيف: "عندما اعتقل سامي لم يكن يعاني من أية أمراض، وأصيب داخل السجن بعدة أمراض لم نعرف شيئاً عنها، ونتيجة عدم متابعته طبياً وظروف الاعتقال القاسية تفاقمت أوضاعه الصحية؛ إذ كانت إدارة مصلحة السجون ترفض نقله إلى المستشفى، والاكتفاء بتقديم الأدوية المسكنة له".

اقرأ أيضاً: محللون لـ "حفريات": لهذا ظهر الأسرى مبتسمين

وتمضي العمور بالقول: "لم أكن أعلم بتدهور حالة ابني سامي الصحية، وعندما نتواصل معه عبر الهاتف، يخبرنا أنّه بخير، ويتمنى أن يرانا، وقبل أسابيع قليلة من استشهاده علمت أنّه مريض، ويحتاج إلى إجراء عملية جراحية عاجلة، وأنّ وضعه الصحي غير مستقر، وحينها بدأ القلق يسكن قلبي".

وتبيّن العمور؛ أنّ الاحتلال الإسرائيلي، منذ عام 2014، رفض منحهم تصاريح لزيارة سامي خلف قضبان السجون، دون إبداء أسباب المنع، ليحرمهم بذلك من رؤيته على مدار سبع سنوات متواصلة.

معاناة كبيرة

وتوضح الأم المكلومة؛ أنّ" ابنها الأسير الشهيد سامي، واجه معاناة كبيرة، جراء انتظاره أكثر من 14 ساعة في زنازين سجن السبع العسكري الإسرائيلي، ومن ثم نُقل  إلى أحد المستشفيات الإسرائيلية، من أجل إجراء عملية جراحية، نسبة نجاحها لا تتعدى 30%، وأثناء العملية استشهد ولم يتمكن الأطباء من إنقاذ حياته".

يعاني أكثر من 500 أسير وأسيرة فلسطينية من أمراض مختلفة، بينهم العشرات من ذوي الإعاقة ومرضى السرطان، وباستشهاد الأسير العمور يرتفع عدد شهداء الحركة الأسيرة إلى 227 شهيداً، في حين وصل عدد الأسرى الذين قتلهم الاحتلال نتيجة سياسة الإهمال الطبي إلى 72 شهيداً.

اقرأ أيضاً: محللون لـ "حفريات": هذه دلالات تصريحات هنية حول تبادل الأسرى

وارتفع عدد الأسرى الشهداء المحتجزة جثاميهم لدى سلطات الاحتلال الإسرائيلية إلى 8، وهم: أنيس دولة، الذي استُشهد في سجن عسقلان، عام 1980، وعزيز عويسات، الذي استشهد عام 2018، وفارس بارود ونصار طقاطقة وبسام السايح، الذين استشهدوا عام 2019، وسعدي الغرابلي وكمال أبو وعز الذين (استشهدوا عام 2020)، والأسير سامي العمور الذي استشهد بتاريخ  18 تشرين الثاني (نوفمبر) 2021.




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية