الحضور المتنوع في إيران للمكونات الدينية والطائفية والقومية والإثنية يثير الانتباه؛ فهذه المكونات تطوي عناصر مختلفة، من الناحية الثقافية والقيمية، وأصولها التاريخية، كما تتفاوت في انتمائها الديني والمذهبي، وكذا، المرجعيات العقائدية، فضلاً عن تميز بعض القوميات بلغة أخرى، بخلاف الفارسية، التي لا تنطق بها عمداً، برغم حركة التفريس المفروضة، بصورة قسرية، منذ عقدين، واستخدامها لغاتها القومية الخاصة بها، بغية الحفاظ على خصوصيتها الثقافية، والاحتماء بتراثها، والذي يتهيج الإحساس بخطورة فقدانه وضياعه، تحت وطأة تعرضهم للتهميش وعدم العناية بهذا التعدد.
اقرأ أيضاً: بهذه الأساليب تسعى إيران إلى طمس الملامح العربية في إقليم الأحواز
في الجمهورية الإسلامية، تتواجد خريطة شديدة التعقيد للمجتمع الإيراني، المقسم إلى طوائف ومذاهب وأديان، وإلى أعراق وقوميات ولغات؛ بلغت نحو ست مجموعات؛ هي: الناطقون بالفارسية (50%)، الآذريون الأتراك (23%)، الأكراد (11%)، العرب (5%)، التركمان (3%)، البلوش (3%).
هناك تناقض في بنية إيران التي بحكم تاريخها دولة متعددة الثقافات والأديان لكن ذلك لا ينسجم مع ولاية الفقيه
وبينما يعد ملف الأقليات، من أكثر الملفات حساسية وخطورة، لدى ولاية الفقيه، لاعتبارات الأمن القومي، والتوترات المحلية والإقليمية، فإنّ التعاطي الأمني الوحيد، في صوره القمعية والسلطوية، يفاقم من الأزمة، ويعزز الإحساس لدى أبناء هذه القوميات المنسية، بإهدار هويتها وعدم شعورها بالمواطنية الكاملة، وتضاؤل مكانتها، خاصة، عندما يترافق الحديث عنهم، فقط، مع بزوغ وتنامي احتجاجاتهم، على إثر قضية حقوقية، أو المطالبة بتطبيق قيم المواطنة، وتنمية المناطق التي يعيش فيها الأقليات.
بيْد أنّ حالة التمييز ضد الأقليات والتشنيع ضدهم، مع تصاعد نبرة غضبهم، تجاه سياسات الملالي، التي تتهمهم بالعمالة لحساب إسرائيل أو دول إقليمية، تكاد تكون مصونة بمواد الدستور، كمثل استبعادهم من تولي المناصب المهمة، في مؤسسات الدولة.
الأقليات الإيرانية: دوائر الخوف
ويقر الدستور الإيراني، بأنّ المذهب الجعفري الإثني عشري، هو المذهب الرسمي للدولة، ومن ثم، تلزم مواده رئيس البلاد بحماية هذا المذهب بكافة الوسائل، واشترط الدستور على من يتولى رئاسة الدولة، أن يكون من أصل إيراني، ويحمل الجنسية الإيرانية، ويكون مؤمناً ومعتقداً بمبادئ جمهورية إيران الإسلامية، والمذهب الرسمي للبلاد، وهو ما يصادر على حق المسلمين السنة، وغيرهم؛ مثل؛ الأكراد والتركمان والعرب، أن يظفروا بهذا المنصب.
ماذا تعرف عن المندائية؟
إحدى الديانات القديمة، التي يتواجد لها أتباع في إيران وبلاد الرافدين، هي "المندائية". وتعد تلك الديانة من أقدم الديانات، الموغلة في تاريخ الوعي الديني البشري، والذي اتجه إلى الإيمان بـ"التوحيد"، ونبذ تعدد الآلهة. ومن ثم، فهي تندرج ضمن الديانات الموحدة.
يطلق عليهم في جنوب العراق، تحديداً، في محافظة ميسان، حيث ينتشر وجودهم تاريخياً، وحتى اللحظة الراهنة، "الصابئة"، أو بحسب اللهجة المحلية "الصبة"، وهي مشتقة من "صبا"، وتعني باللغة المندائية "غطس في الماء، وتعمد واصطبغ فيه".
تواجد أتباع الطائفة المندائية، بالقرب من المناطق السهلية، التي توافرت فيها المياه والأنهار، في كل البلدان التي عاشوا فيها، في شمال سوريا، وجنوب العراق، وفلسطين، ومنطقة الأحواز بإيران، فإنما يعود ذلك إلى اعتبار "التعميد" في الماء، هو أحد أهم الشعائر الدينية للمندائية، وأهمها على الإطلاق. ويعد جزءاً رئيسياً، ضمن ما يمكن تسميته بـ "طقوس العبور"، التي يمارسها المندائيون، وتترافق ومناسبات دينية عديدة، في الأعياد والوفاة والولادة، وغيرها.
وهناك خمسة طقوس دينية، تشكل الأركان الرئيسية للعقيدة المندائية، بحسب ما يقر بذلك كتابهم المقدس: "كنزا ربا/ الكنز العظيم"؛ وهي: "التوحيد بالحي الأزلي واحد أحد، الصلاة، الصوم، الصدقة، والتعميد".
تكاد تكون حالة التمييز ضد الأقليات مصونة بمواد الدستور مثل استبعادهم من تولي المناصب المهمة في مؤسسات الدولة
وبالرغم من شح المعلومات التاريخية عن الديانة المندائية، وندرة المعلومات عن عدد أتباعها والمنتمين لها، حيث يظل هناك غياب واسع، وعدم وفرة في الدراسات المعاصرة، حول أدبياتهم ونشاطهم، في العمران والاجتماع البشري، لكن، الباحث العراقي، فوزي صبار، في كتابه "الأدب الصابئي المندائي في العصور القديمة"، أشار إلى أنّ ظهور المندائية، يتراوح بين القرنيين؛ الأول والثاني، قبل الميلاد، واعتمد في ذلك على تحليل نصوصها، التي تتشابه في أفكارها والفلسفة الغنوصية.
الميراث التاريخي للمندائية
ومن المثير في دراسة الباحث العراقي، التاريخية والنقدية، أنّ المندائيين، الذين تنوعت مناطق إقامتهم، في حضارات وشعوب مختلفة، لا يمكن إلا أن يكونوا قد تركوا أثراً، فنياً وأدبياً، في المناطق التي عبروا إليها؛ بداية من جذورهم في وادي الرافدين، جنوب العراق، ثم تشتتهم، وهجرتهم إلى مصر وفلسطين، حتى عودتهم إلى الجنوب العراقي، في مدينة ميسان، التي تعد محطتهم التاريخية الأولى.
اقرأ أيضاً: إيران تكتوي بنار العنف المسلط على الأقليات
لذا، تحرى صبار فك الغموض ورفع طبقات السرية، التي أحاطت بالمندائيين، عبر البحث في النصوص النثرية، والقصائد الشعرية العربية، التي دونت قبل ظهور الدين الإسلامي، وتحليل حمولاتها الرمزية والدينية، التي تمجد الديانة وطقوسها، وتصف أفكارها، خاصة، الميول التوحيدية، ومن بين هؤلاء، الذين ذكرهم الباحث العراقي، الشاعر زهير بن أبي سلمى، والنابغة الذبياني.
المندائية والإسلام.. ذاكرة مشتركة
ويشير في هذا الصدد، الدكتور أشرف منصور، أستاذ الفلسفة في جامعة الإسكندرية في حديثه لـ "حفريات"، إلى ما اشتهرت به "الصابئة المندائية"، من تقديس للنجوم والكواكب والظواهر الفلكية الأخرى، هو نتاج للعلم الكلداني القديم، الذي برع في دراسة الظواهر الفلكية والتنجيم.
إنّ التعاطي الأمني في صوره القمعية والسلطوية يعزز الإحساس لدى الأقليات بإهدار هويتها وعدم شعورها بالمواطنية الكاملة
ويضيف: "هذا العلم القديم عندما اندثر، لم يبقَ منه سوى آثار بسيطة، تحولت إلى خرافات آمن بها العرب، عن تأثير النجوم والكواكب، في حياة الإنسان. وتأثير الصابئة على الإسلام ضخم جداً، ولذلك، حاول القرآن الكريم معالجة موضوع عبادة النجوم والكواكب، عن طريق تقديمها على أنها دلائل على قدرة الله، وقوته، والقرآن الكريم مليء بصيغ القسم التي يقسم فيها الله، عز وجل، بالنجوم والكواكب والظواهر الفلكية؛ مثل: "وأنه هو رب الشعرى"، و"النازعات والناشطات والذاريات"؛ فهي كلها ظواهر فلكية، حيث تحول العلم الفلكي الكلداني القديم، إلى سحر لدى القبائل العربية، وانتشر التنجيم، ولذلك، رد القرآن الكريم، على كل ذلك، عندما صور النجوم والكواكب على أنها رجوم للشياطين، تحمي السماء ومن فيها من الملائكة، من تجسس الجن، واستراقهم السمع، بغية نقل أخبار المستقبل إلى الأرض".
وبحسب منصور، فإنّ الصابئة، رغم كل ذلك، "من الديانات الموحدة، وقد ذكرهم القرآن الكريم، صراحة، من بين اليهود والنصارى، وقال عنهم: "لا خوف عليهم ولا هم يحزنون".
لا ينص دستور الجمهورية الإسلامية، في إيران، على وجود الديانة المندائية، حيث يقتصر على المسلمين، السنة والشيعة، والزرادشتيين والمسيحيين واليهود، ومن ثم، فالمندائية، غير معترف بها، لا من الناحية الدينية أو القومية، وبالتالي، يتم تجاهل ونبذ هذه الديانة وأتباعها.
التمييز السلبي ضد المندائية
وفي المقابل، تشير مصادر صحافية عديدة، إلى نقص أعداد المندائيين، التي تبلغ نحو 5 آلاف مواطن، وهي في مجملها منقولة عن إحصاءات قديمة، نسبياً، لم يجر تحديثها، وقد صدرت في الفترة بين عامي 1997 و2004.
فمن ناحية، أشار تقرير المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، في العام 1997، إلى أنّ التقديرات التي جرى رصدها، حول أعداد الطائفة المندائية، تقدر بنحو بعشرة آلاف نسمة.
إنّ التعاطي الأمني الوحيد في صوره القمعية والسلطوية يعزز الإحساس لدى أبناء الأقليات بإهدار هويتها وعدم شعورها بالمواطنية الكاملة
وبحسب التقرير الدولي للحرية الدينية في إيران، الصادر في واشنطن، العام 2004، فقد حصر عدد المندائيين ما بين خمسة آلاف إلى عشرة آلاف.
ويفرض على المندائيين، بالتبعية، بعض أشكال التمييز السلبي، مثل حظر ارتداء كهنتهم زيهم المميز، كشأن كل رجال الدين، والذي هو عبارة عن عباءة بيضاء، ضمن التقليد الديني لهم، كما يحظر توليهم أي مناصب في مؤسسات الدولة، ناهيك عن غياب ممثلين لهم في البرلمان والحكومة.
وبسبب عوامل القمع والتهميش، التى عانى منها هؤلاء، إبان الثورة الإيرانية، في العام 1979؛ فقد تقلصت بشدة فرص المندائيين لمواصلة تعليمهم، الثانوي والجامعي، التي آلت بهم إلى الوقوف عند التعليم الأساسي والمتوسط، ما أدى إلى امتهانهم الأعمال اليدوية والحرفية، وذلك على عكس فترة الشاه، حين سمح لهم بالتعليم حتى الفترة الجامعية، مع بعض التضييقات الأخرى، فيما يتصل بطقوسهم الدينية، ومنع تمثيلهم السياسي. لكن، من ناحية أخرى، كان مسموحاً لهم التدرج في وظائف الدولة الرسمية، وهو ما تم حجبه عنهم، تماماً، في ظل الجمهورية الإسلامية.
الخمينية ضد المندائية
وقد تم حظر المناصب، وبعض المجالات المهمة؛ كالتعليم والصحة والجيش، على أتباع الطائفة المندائية، منذ الثورة الإسلامية، كما يشير بذلك، بكل وضوح، القانون الذي صدر العام 1985، والذي يقر بمنع المندائيين، من المشاركة في مجمل الحياة المدنية وأنشطتها.
وبحسب دستور الجمهورية الإسلامية: "الإيرانيون الزرادشت واليهود والمسيحيون، هم وحدهم الأقليات المعترف بها". وبالتالي، لا يعترف بالمندائية القانون أو الدستور، وعند القبول في الجامعات، مثلاً، تكون هناك استمارة تعريفية للشخص المتقدم، بغية البحث عنه وفحصه، من الناحية الاجتماعية والقانونية، وعند اكتشاف انتمائه الذي لا يقره الدستور، يكون من بين المرفوضين.
شيماء محمد: إنّ المندائية هي أكثر الطوائف تعرضاً للاضطهاد في إيران وهي غير معترف بها في الدستور
وترسخ ذلك الموقف العدائي، مع رسالة الإمام الخميني المعروفة بـ "تحرير الوسيلة"، والذي قال فيها: "تؤخذ الجزية من اليهود والنصارى، من أهل الكتاب، وممن لهم شبه كتاب، وهم المجوس.. فلا يقبل من غير الطوائف الثلاث، إلا الإسلام أو القتل".
ويقول آرام جمال (32 عاماً)، وهو أحد أبناء الطائفة المندائية، ويقيم في أستراليا، إنّ وقائع اضطهاد المندائيين عديدة في إيران، وقد أدت إلى تشتتهم، وهجرتهم لدول اللجوء، بالرغم من عدم نشاطهم السياسي في طهران، على أي نحو، ويقتصر فقط، على بعض الأدوار الاجتماعية للمنتسبين للطائفة، مثل رعاية الفقراء والمحتاجين، بيْد أنّ اختطاف رجال الدين والنشطاء، من قبل رجال الأمن، تكاد لا تتوقف، ناهيك عن، تعرضهم للإهانة والتنكيل بهم، كما حدث، في عقدي الثمانينيات والتسعينيات، من القرن الماضي، عندما قامت السلطات الإيرانية، باختطاف المعلم الكبير (رجل الدين) "الگنزبرا جبوري"، لأكثر من مرة، بدون سبب معلن أو توجيه اتهام، كما يوضح جمال لـ"حفريات".
ويردف: "في 20 نيسان (أبريل) الماضي، تعرض رجل دين كبير، اسمه "اشکندا فائز شفیق"، وهو من موالید الأهواز، في ثمانينيات القرن الماضي، للاعتقال من قبل السلطات الإيرانية، لأنه شارك في تشکیل ما يعرف بـ"لجان الشباب المندائي، في بيت المندا"، وهي لجنة خیریة تتولى مهام اجتماعية إلی کل المجتمع الأهوازي، ولا تقتصر على طائفة أو قومية بعينها، وتتجاوز العصبية والطائفية، ما جعله شخصية شعبية بين كافة أبناء المجتمع الأهوازي.
يقول آرام جمال، أحد أبناء الطائفة المندائية، ويقيم في أستراليا، إنّ وقائع اضطهاد المندائيين في إيران أدت إلى تشتتهم
ومن جهتها، تقول الباحثة في الشأن الإيراني، شيماء محمد، إنّ طائفة المندائية، هي أكثر الطوائف تعرضاً للاضطهاد في إيران، وبالرغم من اعتراف الدستور الإيراني بالديانة الزرداشتية، التي ينتسب لها عدد اقل من المندائيين، إلا أنّ الأخيرة، غير معترف بها في الدستور، أو سجلات الدولة الرسمية، ومحظور عليهم حتى تسمية أطفالهم بأساميهم الخاصة والمميزة، فيضطرون لأسماء يهودية ومسيحية، للموافقة عليها من السجل المدني وتسجيل مواليدهم.
وتوضح لـ "حفريات"، أنّ الأرقام الأخيرة التي رصدت أعدادهم، تقول إنهم 25 ألف نسمة، بعدما كانوا حوالي 60 ألف، ولكنّ أعداداً كثيرة منهم، تضطر للهجرة واللجوء، خارج إيران.
اقرأ أيضاً: إيران.. الطائفية المؤدلجة والاعتدال الزائف
وبحسب الباحثة في الشأن الإيراني، فمن بين ما يتعرضون له من اضطهاد؛ عدم توفر أماكن عبادة، لتأدية طقوسهم واحتفالاتهم الدينية، ما يضطرهم للنزوح لمناطق ريفية بعيدة، حتى يكون بمقدورهم أداء نشاطهم الديني، وعدم وجود ممثل لهم في البرلمان، كباقي الطوائف، بالإضافة إلى عدم الحق في التعليم الجامعي أو حصولهم على مدارس خاصة، كاليهود، المسموح لهم بذلك.
ويتم رفضهم، بمجرد طلب الالتحاق للجامعة، فيجري التحري عن ديانتهم، عند ملء استمارات القبول، في المؤسسات التعليمية، التي يتواجد فيها سؤال عن الهوية الدينية، ففي البطاقة الشخصية لهم، لا تكتب الصفة الدينية.
ويترتب على ذلك، كما تشير شيماء، عدم حصولهم على وظائف بمؤسسات الدولة، وامتهانهم للأعمال الخاصة، والمهن التجارية والحرفية.
آليات القمع والاضطهاد للأقليات الإيرانية
التناقض قائم ويفصح عن نفسه بجلاء في بنية الدولة الإيرانية، التي بحكم تاريخها؛ الثقافي والاجتماعي، دولة متعددة الثقافات والمذاهب والأديان، وهذا التعدد لا يتماشى ولا ينسجم مع نظرية "ولاية الفقيه" بقراءتها الخمينية، كما يوضح، محمد السيد الصياد، مسؤول وحدة الدراسات الفكرية والأيديولوجية، بالمعهد الدولي للدراسات الإيرانية "رصانة"، في الرياض، والتي تعتبر الولي الفقيه/ المرشد الأعلى، ولياً للشيعة، ولكل المسلمين، ومن ثم، له صلاحيات سياسية ودينية واسعة. وبطبيعة الحال، فإنّ الأقليات، لها أيضاً خلفياتها الثقافية المختلفة، مع الطرح الخميني، بعد الثورة، بحكم مذاهبها الدينية، وهو ما أدى إلى تعرضها للإقصاء والتهميش والنفي.
اقرأ أيضاً: نشأت الخمينية.. فانتشرت الطائفية
ويوضح لـ "حفريات" كيف أنّ "إقصاء هذه الأقليات دستورياً، عبر منعهم من المناصب العليا، والحساسة في الدولة، أدى إلى ترسيخ مظلوميتهم، وتثبيت حرمانهم من حقوقهم، كمواطنين، أصليين في الدولة. أضف إلى هذا، النظرة إلى الدولة الإيرانية، كدولة فارسية شيعية، منذ عهد الصفويين وحتى اليوم، بل وزيادة هذه النظرة، ما بعد الثورة الإسلامية، ومن ثم، فهذه الأقليات يُنظر إليها كعائق أمام هوية الدولة".
وفيما يتصل بالأقليات، غير المسلمة، كالمندائية، وغيرها، فقد أضيف محدد آخر، من محددات التعامل مع الأقليات، وهو المحدد الديني، فهم غير مسلمين، فإذا كانت الأقليات المذهبية والعرقية يُنظر إليهم بجزء من الاحترام الديني، حتى مع المظلومية السياسية والحقوقية، فإنّ الصابئة واليهود والمسيحيين يُنظر إليهم ككفار، بحكم الفقه التقليدي الحركي الراديكالي، الذي ولدته وارتكزت عليه النخبة الحاكمة في إيران، ما بعد الثورة.
وحول آلية السياسة الإيرانية، في تعاطيها مع المندائية، في خضم إستراتيجيتها، تجاه الأقليات، يقول الصياد "إذا كانت الدولة الإيرانية، تضع في عين الاعتبار المجتمع الدولي، ومنظمات حقوق الإنسان العالمية، أثناء التعامل مع قضايا المسيحيين واليهود، مثلاً، فإنّ هذه الاعتبارات منعدمة، أو قليلة الأثر، في حالة المندائية، بصفتهم أقلية عالمية، وليست أقلية إيرانية، فقط، وبسبب تقوقعهم كفرقة صغيرة، لا تملك الموارد الإعلامية، والأجهزة الحقوقية التي تتبنى قضاياهم".